عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

اسم على مسمى

قال ابن منظور: (التبقر: التوسع في العلم والمال، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر، لأنه بقر العلم وعرف أصله، واستنبط فرعه وتبقر في العلم)(1). وقال الفيروزآبادي: (والباقر محمد بن علي بن الحسين لتبحره في العلم)(2). وقال الطريحي: (وتبقر في العلم: توسع، ومنه سمي أبو جعفر الباقر عليه السلام لأنه بقر العلم بقراً، وشقه، وفتحه)(3).
اسم على مسمى


قال ابن منظور: (التبقر: التوسع في العلم والمال، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر، لأنه بقر العلم وعرف أصله، واستنبط فرعه وتبقر في العلم)(1).
وقال الفيروزآبادي: (والباقر محمد بن علي بن الحسين لتبحره في العلم)(2).
وقال الطريحي: (وتبقر في العلم: توسع، ومنه سمي أبو جعفر الباقر عليه السلام لأنه بقر العلم بقراً، وشقه، وفتحه)(3).
وقال ابن حجر: (وارث علي بن الحسين من ولده، عبادة وعلماً وزاهدة أبو جعفر محمد الباقر، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف حقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فساد الطويلة والسريرة، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين؛ وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة، وكفاه شرفاً أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له وهو صغير رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يسلم عليك فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالساً عنده والحسين في حجرة، وهو يداعبه فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده ثم يولد له مولود اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام)(4).
وسأل رجل ابن عمر مسألة فلم يدر بما يجيبه فقال: اذهب إلى ذلك الغلام فاسأله وأعلمني بما يجيبك وأشار له إلى محمد الباقر فأتاه وسأله فأجابه فقال له ابن عمر: إنهم أهل بيت مفهّمون)(5).
وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي (عليه السلام) يقول: حدثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء، محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)(6).
وقال ابن خلكان: (كان الباقر عالماً سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم أي توسع والتبقر التوسع وفيه يقول الشاعر:
يا باقر العلم لأهل التقى وخير من لبى على الأجبل)(7)

وقال سبط ابن الجوزي:

روى عنه الأئمة: أبو حنيفة وغيره، قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: (لقيت محمد الباقر؟ فقال: نعم، وسألته يوماً فقلت له: أأراد الله المعاصي؟ فقال: أفيعصى قهراً؟ قال أبو حنيفة: فما رأيت جواباً أفحم منه. وقال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر لقد رأيت الحكم عنده كأنه مغلوب ويعني بالحكم الحكم بن عيينة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه (8)..

وقال الشيخ المفيد:

لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين من علم الدين وعلم القرآن والسير، وفنون الأدب ما ظهر عن أبي جعفر الباقر)(9).
كتب عبد الملك إلى عامل المدينة: إن ابعث إليّ محمد بن علي مقيداً فكتب إليه العامل: ليس كتابي هذا خلافاً عليك يا أمير المؤمنين ولا رداً لأمرك، ولكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك وشفقة عليك، وإن الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعف منه ولا أزهد ولا أورع منه، وإنه من أعلم الناس وأرق الناس، وأشد الناس اجتهاداً وعبادة، وكرهت لأمير المؤمنين التعرض له، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فسر عبد الملك بما أنهى إليه الوالي، وعلم أنه قد نصحه (10).

سمو العطاء

كما هو سام في أخلاقه هو سام في نبل عطائه. كريم ابن كريم وعظيم ابن عظيم، آثر الآخرين على نفسه وأعطاهم من نفسه وعلمه وماله، أعطاهم من أجل العطاء، وأحبهم من أجل المحبة وأحسن إليهم من أجل الإحسان. همه الإنسان من أجل كسب رضى الرحمن. وليس المهم في العطاء هو أن تكون المبالغ المعطاة كبيرة، بل المهم ما يصحب ذلك العطاء من إيمان وتقى، ويحفظ للسائل ماء وجهه وكرامته، وكلما كانت حاجة السائل أكثر كانت العطية منه أفضل. والكرم من صفات الله عز وجل، أطلقها على نفسه فهو كريم ويحب الكرماء في سبيل الله. وأهل البيت (عليهم السلام) كلهم كرماء أعطوا الإنسان بلا منة أو برهان وأحسنوا إلى السائلين والمحتاجين بدافع الإحسان لا يريدون جزاء ولا شكوراً سوى رضى رب العالمين، الرحمن الرحيم أرسلهم مثلاً أعطى لكل المؤمنين. والتصدق باليسير خير من الحرمان.
أجمع المفسرون على نزول بعض الآيات في أهل البيت عامة وفي أمير المؤمنين خاصة عليهم جميعاً أفضل السلام. قال تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(11) نزلت هذه الآية الكريمة إثر تصدق أمير المؤمنين بأربعة دراهم لا يملك غيرها، تصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية.
وآية كريمة أخرى تقول: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(12).
نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين أيضاً لما تصدق (عليه السلام) بخاتمه على سائل سأل في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم يعطه أحد وكان (عليه السلام) يصلي فأشار إلى السائل ومد إصبعه، فأخذ خاتمه. كما قال المفسرون أن سورة (هل أتى على الإنسان)(13) قد نزلت في أهل البيت بعدما تصدقوا بأقراص من شعير على مسكين ويتيم وأسير.
وعن أبي بصير عن أحدهما (14) قلت له: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، أما سمعت قول الله عز وجل: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)(15).
فالمقصود بالعطية والهبة والصدقة الكيفية قبل الكمية، وما يحيط بذلك من إخلاص في النية، ونبل في العطاء، وتقرب إلى المولى عز وجل. فالمال مال الله، والعطاء في سبيل الله والعباد كلهم عباد الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله.
بهذا الخط السليم والدقيق سار أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في هباتهم وعطاياهم وصدقاتهم. وإن تقربهم بتلك الصدقات إلى الله تعالى، وتزلفهم بها إليه، هو الذي خلد ذكرها عبر القرون المتطاولة، والأجيال المتعاقبة حتى باتت مثلاً أعلى يحتذى. والإمام الباقر هو سر أبيه وجده نذكر بعض ما ورد له (عليه السلام) من هذه المآثر الطيبة.
قال عمرو بن دينار وعبد الله بن عبيد بن عمير، ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) إلا وحمل إلينا النفقة والصلة، والكسوة، ويقول: هذه معدة لكم قبل أن تلقوني)(16).

وقال ابن الصباغ المالكي:

(كان محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) مع ما هو عليه من العلم
والفضل والسؤدد والرياسة والإمامة، ظاهر الجود في الخاصة والعامة، مشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله، وأنه كان يدخل عليه بعض إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم…)(17).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخلت على أبي يوماً وهو يتصدق على فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار، وأعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكاً(18).

مدرسة أهل البيت

أقام معاوية بن أبي سفيان دولة أموية قوية، عربية أعرابية كما وصفها الجاحظ. بناها على غرار القياصرة والأكاسرة بدماء كبار الصحابة والتابعين، كالإمام الحسن السبط، ابن بنت الرسول الأكرم وريحانته، وحجر بن عدي الكندي وأصحابه الأجلاء، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وغيرهم من كبار المسلمين. وقد عمل ابن هند على توريثها لابنه يزيد ظناً منه أنها ستبقى إلى أبد الآبدين.
ولكن الظلم لها نهاية والظالمين مصيرهم الهلاك المحتوم طال الزمان أم قصر، فبعد مقتل سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ريحانة الرسول الأعظم، بدأت دولة الأمويين بالتصدع ولم ينفعها حزم عبد الملك بن مروان ولا دهاء هشام بن عبد الملك ولا بطش الطاغية الحجاج بن يوسف الذي حصد الكثير من الرؤوس المؤمنة.
وفي عصر هشام بن عبد الملك ظهر تصدع الدولة الأموية وبدأت عندها الدعوة العباسية في إيران. في ذلك الوقت استغل الإمام الباقر (عليه السلام) هذا الظرف المناسب وفتح مدرسة أهل البيت الشهيرة والتي أتم مسيرتها الإمام جعفر الصادق من بعده.
تخرج من هذه المدرسة المباركة المئات من العلماء الأفاضل وكان ذلك مصداقاً لما أخبر به الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) جابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين (عليه السلام) اسمه كاسمي، يبقر العلم بقراً، أي يفجره تفجيراً، فإذا رأيته فأقرأه مني السلام.
نعم، لقد بقر أبو جعفر العلم وفجره في جميع مجالات الحياة من خلال هذه المدرسة العظيمة. فمدرسة أهل البيت هي أول مدرسة فكرية أنشأت في الإسلام، وقد عملت بكل طاقاتها على تقدم حياة المسلمين وتطويرها، ولم تقتصر علومها على التشريع الإسلامي، وإنما تناولت جميع العلوم والمعارف من الإدارة إلى الاقتصاد إلى الطب والكيمياء إلى الحكمة والفلسفة إلى علم الكلام وإلى العلوم السياسية.
هذه المؤسسة العظيمة قامت بدور هام في تأسيس هذه العلوم وتدوينها بعد أن منع الخليفة الأول والثاني تدوين الحديث الشريف لأن ذلك قد يؤثر في تلاوة القرآن وانشغال الناس بالحديث عن كتاب الله. ولا ريب هو اعتذار مهلهل لا واقع له ولا يدخل في حساب المنطق السليم.
روى السيد حسن الصدر أن الشيعة هم أول من عنوا بالفقه وتدوين بعض مسائله كالصلاة والوضوء وسائر الأبواب. من هؤلاء نذكر علي بن أبي رافع فقد كان من أعلام الشيعة وخيارهم في عصر الإمام علي بن أبي طالب كما كان كاتباً له. ألف كتاباً في فنون الفقه فصل فيه كل الأبواب المتعلقة بالعبادة.
ومؤلف آخر له شأن كبير في هذا الموضوع هو سليم بن قيس الهلالي الكوفي كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعاش إلى زمن الطاغية الحجاج بن يوسف، وقد أراد هذا الفتك به فلجأ سليم إلى أبان بن عياش فآواه، وحينما حضرته الوفاة أعطاه كتابه المشهور باسمه، وهو أول كتاب ظهر للشيعة رواه أبان بن أبي عياش (19).
ومدرسة أهل البيت لم تقتصر على علم خاص بل اهتمت بجميع العلوم العلمية والفكرية والاجتماعية والأدبية والتاريخية.. وكان المؤسس الأول لها أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم تعهدها من بعده الأئمة الطاهرون من ولده. وقد نمت وازدهرت في عهد حفيده الإمام الباقر (عليه السلام) قام برعايتها خير قيام حتى باتت معروفة على صعيد العالم الإسلامي مما جعل العلماء يلتقون حوله من كل حدب وصوب وينهلون من نمير علومه ومعارفه وحكمه وتفسيراته. وقد روى عنه مجموعة كبيرة من العلماء الثقات علوماً كثيرة من جميع نواحي الاختصاص.
نقل بعض من شاهده في الحج قال: انثال عليه الناس يستفتونه عن المعضلات ويستفتحون أبواب المشكلات فلم يرم حتى أفتاهم من ألف مسألة ثم نهض يريد رحله (20).
قال مالك بن أعين الجهني يمدحه:
إذا طلب الناس علم القرآن كانت قريش عليه عيالا
وإن قيل: أين ابن بنت النبي نلت بذاك فروعاً طوالا
نجوم تهلل لعمد لجين جبال تورث علماً جبالا (21)
المصادر :
1- لسان العرب ج4 ص74
2- القاموس المحيط ج1 ص376
3- مجمع البحرين مادة بقر
4- الصواعق الحرقة ص120
5- المناقب ج2 ص286
6- كشف الغمة ص213 وأمالي الصدوق ص104
7- وفيات الأعيان ج3 ص314
8- تذكرة الخواص ص336
9- قادتنا كيف نعرفهم عن نور الأبصار ص166 والإرشاد ص279
10- أعيان الشيعة ج4 ص85
11- سورة البقرة، الآية 274
12- سورة المائدة، الآية 55
13- سورة الإنسان
14- أي الباقر أو الصادق (عليهما السلام).
15- سورة الحشر، الآية 9 وانظر ثواب الأعمال ص142
16- أعيان الشيعة ج2 ص49 وكشف الغمة ص12 ج2
17- الفصول المهمة ص215
18- بحار الأنوار ج11 ص86
19- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام
20- المناقب ج2 ص275
21- الإرشاد ص279


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السيد محسن الأمين العاملي ( قدس سره ) ( 1284 هـ ـ 1371 ...
المرأة في القرآن
مدير قناة الجزيرة في باكستان عضو في القاعدة ...
ربط الطفل بالسلف الصالح
إصدار كتاب "المنهج الحق كتاب الله والعترة ...
الإمام الخميني رجل القرن العشرين، ورجل القرن ...
إصدار كتاب "النَّثر الفنِّي في ثورة ...
رجل ضعيف وامرأة قوية .. صراع بين قوتين
ثورة زيد بن علي بن الحسين
اقوال الامام الخميني (ره) أهمية و مكانة الشهادة

 
user comment