عربي
Thursday 21st of November 2024
0
نفر 0

كان الإمام الحسين (عليه السلام) يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي أُمّها الرباب الشعر ، قال :

كان الإمام الحسين (عليه السلام) يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي أُمّها الرباب الشعر ، قال :

 

لعمـركَ أنّـني لأحـبّ داراً

تحـلّ بها سـكيـنـة والرباب

أحـبّـهما وأبذل جلّ مـالي

وليس للائـمـي فـيـهـا عـتـاب

ولست لهم وإن عتـبوا مطـيعاً

حياتـي أو يعلّيني التـراب (2)

 

وفي هذه الأسطر القليلة ، نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة :

في كربلاء :

لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها وأخوتها وعمومتها ، وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبيّ ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ، ثمّ الشام فالمدينة المنوّرة .

وعندما ذُبح أخوها عبد الله الرضيع أُذهلت سكينة ، حتّى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين (عليه السلام)، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداء (عليه السلام) ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها ، وهو يقول :

____________

1- الكنى والألقاب : 2 / 465 .

2- البداية والنهاية 8 / 229 ، تاريخ مدينة دمشق 69 / 120 ، الإصابة 1 / 355 ، أنساب الأشراف : 196 ، ينابيع المودّة 3 / 9 و 152 .


الصفحة 361


 

سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي

منك البكاء إذا الحِمـام دهـاني

لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرةً

مادام منّي الروح في جـثـماني

فإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالـذي

تأتينه يـا خـيرة الـنـسـوان (1)

 

وبعد مصرع الحسين (عليه السلام) ، ومجيء جواده إلى الخيام عارياً ، وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : وا قتيلاه ، وا أبتاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا غربتاه ، وا بعد سفراه ، وا كربتاه .

فلمّا سمع باقي الحرم خرجن ، فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وا محمّداه .

وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين (عليه السلام) مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه ، وتبثّه ما اختلج في صدرها من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحّيها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة ، وجرّوها عنه بالقهر .

شعرها :

لم نجد من شعرها إلاّ أبيات قليلة ، قالتها ترثي أباها الحسين (عليه السلام) ، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينة (عليها السلام) من مجالسة الشعراء ، والتحكيم بينهم ، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين (عليه السلام) ، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين ، وبعد مقتل أخوها بلغت في

____________

1- مناقب آل أبي طالب 3 / 257 ، مقتل الحسين لابن مخنف : 194 ، ينابيع المودّة 3 / 79 .


الصفحة 362


رثائها الغاية .

ففي أمالي الزجّاج عدّة أبيات قالتها سكينة ، ترثي أباها الحسين (عليه السلام) :

 

لا تعذليه فهمّ قاطعٌ طُرقه

فعينه بدموع ذُرَّفٍ غدقة

إنّ الحسين غداة الطفّ يرشقه

ريب المنون فما أن يُخطيء الحدقة

بكفّ شرّ عباد الله كلّهم

نسل البغايا وجيش المرّق الفسقة

يا أُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكم

غداً وجلُّكم بالسيف قد صفقه

الويل حلّ بكم إلاّ بمن لحقه

صيّرتموه لأرماح العِدى درقة

يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً

لا تبكِ ولداً ولا أهلاً ولا رفقة

لكن على ابن رسول الله فانسكبي

قيحاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة

 

زواجها :

لم يسلم أهل البيت (عليهم السلام) من الطعن ، ومحاولة تشويه سمعتهم ، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أو لِمن يتّصل بهم بنسب أو سبب ، وحتّى شيعتهم ومحبّيهم لاقوا ما لاقوا من شتّى أنواع التهم والافتراءات، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً .

فعند مطالعتكَ للتاريخ ، لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الاتهامات ، فعلي يشرب الخمر ! وأبوه مات كافراً ! وعبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب (عليها السلام) يسمع الغناء ويطرب !

وأمّا مسألة تعدّد الزوجات والأزواج ، فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها عند المؤرّخين ، فالحسن (عليه السلام) يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة ، وأُم كلثوم وقصّة زواجها من عمر بن الخطّاب ومَن بعده ، وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام) وزواجها من حفيد عثمان بن عفّان ، ثمّ تعرّض ابن الضحّاك لها ، وسكينة وتعدّد أزواجها .

قالت الدكتورة بنت الشاطئ بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الأسماء


الصفحة 363


اختلاطاً عجيباً بل شاذّاً ، حتّى ليشطّر الاسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام شطّر شطرين ، فكان منه زوجان : عبد الله بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم .

ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجية تتبّعاً دقيقاً ، يعتمد على اليقين التاريخي ، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التاريخ النقلي بوجه عامّ ، وهو هنا في موضع زوجية سكينة ، أبعد من أن يُلتمس ، وأعزّ من أن يُدرك أو ينال .

فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع ، حتّى يلقانا عنت من اضطراب الروايات ، وتناقض الأخبار ، وتعدّد الأقوال ، واشتباك السبل ، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك ، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح ، الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية ، أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية ، وقرائن غالبة .

لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل ، لو أنّه توزّع بين مراجع شتّى مختلفة ، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات ، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها ، أو أصلها ، أو ادعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح ، والوزن والمقابلة ، والتعديل والترجيح ، ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد ، دون محاولة من مؤلّفها للفصل بينها ، أو حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف .

ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً ، تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة ، سردها أبو الفرج متتابعة ، ثمّ لا شيء أكثر من هذا السرد .

وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل


الصفحة 364


أزواجها في رواية ، ورابعهم في أُخرى ، ثمّ لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة !

وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجية أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب كما في دائرة المعارف الإسلامية .

وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرئ القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة 70 هـ ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله كما في " الأغاني " .

وأن تزوّجها كما في " دائرة المعارف " عبد الله بن عثمان ابن أخي مصعب، وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش ، وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم .

وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن أُمّه سعيدة بنت عبد الله ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكّة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذ هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدرّ إلا لتفضحه .

ثمّ أتبعها أبو الفرج برواية أُخرى عن شعيب بن صخر عن أُمّه سعدة بنت عبد الله : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : والله ما ألبستها إيّاه إلاّ لتفضحه .

وهكذا بين فقرة وأُخرى ، صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبد الله بن سالم ، سعدة بنت عبد الله ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي .

وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول : وعمرو هذا أو عمر ، هو أخ لجدّ عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة ، إلى أن يصبح


الصفحة 365


في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال .

وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل ، يرفضون الاعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ، ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن ، ثمّ مصعب بن الزبير ، وعذرهم واضح ، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها ، وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة ، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، ثمّ من عمّ أبيه عمرو بن حكيم .

وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد ، فجعلت الرباب أُمّ سكينة ترفض زواجها من عبد الله بن مروان بعد قتل مصعب .

وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون أُمّهاتهم ، حتّى جعلت هشام بن عبد الملك الذي ولد بعد مقتل مصعب ، أو كان رضيعاً في عامه الأوّل يتدخّل في حكاية إبراهيم بن عبد الرحمن ، لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير .

فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً ، وقد تعارضت فتساقطت ، وكذّب بعضها بعضاً ، وجاوزت نطاق المعقول .

وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة : أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبد الله ابن الإمام الحسن (عليه السلام) ، ويوافق الشيعة على زواجها بعبد الله بن الإمام الحسن (عليه السلام) غيرهم من السنّة ، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : 127 للمجدي ( مخطوط ) ، إسعاف الراغبين : 210 ، رياض الجنان : 51 ، مقتل الحسين للمقرّم : 330 ، سكينة بنت الحسين للمقرّم : 72 ، أدب الطف 1 : 162 ، سفينة بحار الأنوار 1 : 638 .

وقفة مع التاريخ المزيّف :

لم تنتهي تهم الأعداء أعداء آل محمّد (عليهم السلام) لسكينة بنت الحسين (عليه السلام) بتعدّد


الصفحة 366


أزواجها حسبما قالوه ، بل تجاوزتها إلى أكبر من ذلك وأعظم ، حيث جعلوا سكينة تجالس الشعراء ، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها ، ويتغزّل بها ابن أبي ربيعة ، إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة .

وما كنّا نودّ التحدّث عن هذا الجانب من حياة السيّدة سكينة ؛ لأنّ التعرّض له قد ينبّه مَن غفل عنه ، إلاّ أنّا وجدنا بعض الكتّاب يحاول أن يوجّه هذه الاتهامات بقوله : نعم كانت سكينة تجالس الشعراء من وراء حجاب ، أو أنّها كانت تبعث للشعراء الذين يجتمعون عندها جاريةً لها علّمتها الشعر ، وإلى غير ذلك من التوجيهات الباطلة .

ونحن إذ نعيب الأصفهاني وغيره الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث المفتعلة ، ففي نفس الوقت نوجّه النقد لأُولئك الذين حاولوا توجيه هذه الافتراءات ، ولا ندري كيف يرتضون لأنفسهم هذه التوجيهات ، بل كيف يقتنعون بها ؟!

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال : ما هو مفهوم الرجعة ؟ وفي أيّ زمن تحصل ؟
السؤال: إذا كان الله في كُلّ مكان ، كما قال الإمام ...
السؤال : لماذا يعتبر المسلمون بأنّ الكلب نجس حين ...
السؤال : لماذا نتوسّل بأهل البيت (عليهم السلام) ؟ ...
هل ورد هذا الحديث بما معناه ( أن الله تعالى ينزل ...
لماذا ذكر الكليني رحمه الله تعالى تلك الأحاديث ...
السؤال : ما هو المقصود بالتشيّع ؟ ومن هم الشيعة ؟
السؤال : ما الفرق بين الشيعة والسنّة ؟
السؤال : هل يدخلون الجنّة أهل السنّة ?
السؤال: ما هو حكم الخيرة أو الاستخارة ؟ فنرى ...

 
user comment