عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

النص على الإمامة

ينحصر تعيين الإمام عند الشيعة في النص، وعليه فيجب على النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يعين من يخلفه من بعده، وكذلك يجب على الإمام أن ينص على الخلف من بعده الذي يجب أن يرجع إليه الناس. وقد أجمعت كل كتب الحديث التي تعرضت لهذه المواضيع بتدوين النصوص في ذلك فقد أوصى الرسول الأكرم (يوم الدار) في أمير المؤمنين فقال (صلّى الله عليه وآله): (هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا)(1) وأخرج الطبراني الاستناد إلى سلمان الفارسي، قال: قال رسول
النص على الإمامة

ينحصر تعيين الإمام عند الشيعة في النص، وعليه فيجب على النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يعين من يخلفه من بعده، وكذلك يجب على الإمام أن ينص على الخلف من بعده الذي يجب أن يرجع إليه الناس. وقد أجمعت كل كتب الحديث التي تعرضت لهذه المواضيع بتدوين النصوص في ذلك فقد أوصى الرسول الأكرم (يوم الدار) في أمير المؤمنين فقال (صلّى الله عليه وآله): (هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا)(1) وأخرج الطبراني الاستناد إلى سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب)(2).
وجاء في حلية الأولياء عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين قال أنس: فجاء علي، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مستبشراً فاعتنقه وقال له: أنت تؤدّي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي(3).
ووردت نصوص نبوية متواترة رواها الفريقان في إمامة السبطين والريحانتين (عليهما السلام) فقد قال (صلّى الله عليه وآله) فيهما: (أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة)(4). وقال (صلّى الله عليه وآله) وهو يشير إلى الحسين:
(هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة)(5) وجاء في المراجعات بالاستناد إلى سلمان قال: دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) فإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يلثم فاه، ويقول: (أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو الأئمة، وأنت حجة الله وابن حجته، وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم)(6).
واستفاضت كتب الحديث بنصوص نبوية أخرى تحصر الإمامة في اثني عشر إماماً كلهم من قريش فقد روى جابر بن سمرة قال:
سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(7).
وجاء في المراجعات أيضاً أخرج الصدوق بسنده إلى الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الأئمة اثنا عشر أولهم علي وآخرهم القائم المهدي هم خلفائي وأوصيائي)(8).
وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (من سره يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي)(9).
ويضاف إلى هذه النصوص النبوية، النصوص التي رواها الثقات والعلماء الأتقياء عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في نص كل إمام منهم على الإمام الذي يخلفه من بعده، فقد أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما حضرته الوفاة إلى ولده الإمام الحسن (عليه السلام) وقال له:
(يا بني أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين) ثم أقبل على الحسين فقال: (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا ـ وأشار إلى علي زين العابدين ـ ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد فاقرأه من رسول الله السلام)(10).
هذه النصوص تدل بوضوح وتأكيد على لزوم النص في الإمامة، وبطلان غيره وقد أخذت بها الشيعة واعتمدتها في بناء عقيدتها في الإمامة.

عصر الإمام الكاظم (عليه السلام)

اتسم عصر الإمام الكاظم بموجات رهيبة من الاتجاهات العقائدية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، كما تميز بالنزعات الشعوبية والعنصرية والنحل الدينية، الإسلام بريء منها كل البراءة.
وقد تصارعت تلك الحركات الفكرية تصارعاً بعيد المدى أحدث هزاتاً اجتماعية خطيرة. والسبب في ذلك كما يرى علماء الاجتماع يعود إلى الفتح الإسلامي الذي نقل ثقافات الأمم مع سائر علومها وعاداتها وتقاليدها إلى العالم إسلامي، بالإضافة إلى أن الإسلام قد دعا المسلمين في الوقت نفسه إلى الاستزادة من العلوم والمعارف في شتى الحقول. وهذا ما أحدث انقلاباً فكرياً في المجتمع الإسلامي فتلقحت الأفكار وتبلورت بألوان من الثقافة لم يعهد لها المجتمع نظيراً في العصور السالفة. وقد حدث ما لابدّ منه حيث تسربت تلك الطاقات العلمية إلى الجانب العقائدي من واقع الحياة، فحدثت المذاهب الإسلامية، والفرق الدينية، ممّا جعل الأمة تتشعب إلى طوائف وقع فيما بينها الكثير من المناظرات والمخاصمات والجدل، فكانت النوادي التي حفلت بالمعارك الكلامية والصراع العنيف وبصورة خاصة: خلق القرآن، وصفات الخالق الإيجابية والسلبية والقضاء والقدر.. وكان من أبرز المتصارعين في هذه الساحة علماء الكلام، والفلاسفة، علماء الحديث.
من هنا نرى العديد من الكتب التي تناولت هذه المواضيع وهي حافلة بصور كثيرة من تلك الخصومات والمشاجرات والمناظرات.
وكان من أخطر الدعوات المحمومة التي اندلعت في ذلك العصر هي (الإلحاد) قام به دخلاء حملوا في قرارة نفوسهم الحقد على الإسلام والكره للمسلمين، وقد ثقل عليهم امتداد الحكم الإسلامي وانتشار سلطانه في الأرض، وتثبيت شريعته الإنسانية السمحاء.
فرأوا أن لا حول لهم ولا طول إلى محاربته بالقوة، فأخذوا عن طريق الخداع والحيل يبثون سمومهم في نفس الناشئة الإسلامية، وما زالوا حتى اليوم يلقون الشبه والأوهام في النفوس حتى أننا وجدنا من استجاب لهم من المسلمين المخدوعين والمغرورين، وكان لهم بالمرصاد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وكبار رجال الفكر والقادة من أصحابه وطلابه فتصدوا لتلك الأفكار الوافدة بالأدلة العلمية القاطعة وبيّنوا فسادها وبعدها عن المنطق والعقل. فكانت تحمل احتجاجاتهم طابع الجهاد في سبيل الحق والحرص على مصالح الأمة الإسلامية.
بسبب ذلك قام علماء الشيعة الجهابذة فحاضروا وناقشوا وحاوروا الملحدين والخارجين على الدين حتى دان لهم عدد غفير وعادوا إلى حظيرة الإسلام مقتنعين راضين. لكن هذا الأمر لم يرق للحكام العباسيين فتصدوا لقاعدة الحركة العلمية من الشيعة واضطهدوهم ونكّلوا بهم ومنعوهم في أغلب الأحيان من الكلام في مجالات العقيدة خوفاً على مناصبهم عندما يظهر الحق الصريح، حتى اضطر الإمام الكاظم (عليه السلام) في أيام المهدي أن بعث إلى هشام أن يكف عن الكلام نظراً لخطورة الموقف، فكفّ هشام عن ذلك حتى مات المهدي.

سياسة الحكم العباسي

قام الحكم العباسي في أكثر أدواره على الظلم والجور نهج فيه العباسيون منهجاً فردياً خاصاً بعيداً عن العدل السياسي والعدل الاجتماعي، تسلموا جميع السلطات الإدارية والقضائية، ولم يكن عندهم ثمة مجلس إداري أو استشاري تعالج فيه أمور الرعيّة ومصالحها ووسائل تطورها وتقدمها. فالخليفة يحكم بحسب رأيه وهواه وكأنّه ظل الله على الأرض ـ كما يقولون ـ فالطابع الاستبدادي للحكم العباسي واضح لا لبس فيه. استبداد ونهب أموال، ومصادرة الحريات، وظلم، وإرغام الناس على ما يكرهون.
والواقع أن الحكم العباسي لا يختلف في مادته وصورته عن الحكم الأموي فالنظام الإداري العباسي هو نفسه في جوهره نظام الأمويين.
الدوائر الرسمية في العصر العباسي أجحفت كثيراً بحقوق العامة في الوقت نفسه كانت تصانع ذوي النفوذ والوجوه المعروفة فتمارس الظلم والجور على الأهالي المساكين الذين يدفعون الضرائب ويلبون الدعوة للجهاد، بينما كان الحكام ينفقون أموال الشعوب الإسلامية على شهواتهم وحواشيهم، ولا نغالي إذا قلنا أن التاريخ يعيد نفسه في أكثر العصور.
جاء في تاريخ الإسلام أن العتابي سُئل: لماذا لا تتقرّب بأدبك إلى السلطان؟
فقال: (إني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شيء، ويرمي من السور في غير شيء، ولا أدري أي الرجلين أكون!!) ولما قتل المأمون ووزيره الفضل بن سهل، عرض الوزارة على أحمد بن أبي خالد فأبى أن يقبلها وقال:
(لم أر أحداً تعرض للوزارة وسلمت حاله) والسبب واضح في ذلك أن الحكم العباسي لم يكن جارياً على قانون معروف أو دستور مكتوب، بل كان يجري حسب نزعات الحاكم ويمول الخليفة، فهو الذي كان يوزع الموت أو الحياة على من كره أو على من أحب.
فالأحكام بالإعدام كانت تصدر من البلاط بمجرد وشاية من غير أن يطمئن أو يوثق بقول المخبر، مرة تصدر بالمفرد ومرة تصدر بالجملة.
ونعطي مثلاً نموذجاً على ذلك: فقد وشي برجل يقال له: (الفضيل بن عمران) إلى أبي جعفر المنصور، وكان كاتباً لابنه جعفر وولياً لأمره، فقد وشي به أنه يعبث بجعفر، فبعث المنصور برجلين أو جلادين، وأمرهما يقتل الفضيل حيث وجداه، وكتب إلى جعفر يعلمه ما أمرهما به وقال للرجلين: لا تدفعا الكتاب إلى جعفر حتى تفرغا من قتله. فلما انتهيا إليه ضربا عنقه، وكان الفضيل عفيفاً صالحاً، فقيل للمنصور: إنه أبرأ الناس ممّا رمي به، وقد عجلت عليه، فندم على ذلك، ووجه رسولاً، وجعل له عشرة آلاف درهم إن أدركه قبل أن يقتل، فقدم الرسول فوجده جثة هامدة، فاستنكر جعفر ذلك وقال لمولاه:
(ما يقول أمير المؤمنين في قتل رجل، مسلم، عفيف، دين، بلا جرم ولا جناية؟!) فأجابة مولاه سويد:(هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء، وهو أعلم بما يصنع).
هكذا كان يعتقد أصحاب العقول البسيطة الساذجة، وهكذا كانت أرواح الناس يتصرفون بها حسب ما يشاءون، وما العجب فالملك في نظرهم يفعل ما يحلو له، فهو ظل الله على الأرض، لا يسأل عن ذنب ولا عن جرم. فمن يحاسبه؟ ليس هناك من سلطة قضائية معروفة، وليس عنده من ضمير يردعه عن المحرمات. ومع ذلك يعد نفسه خليفة المسلمين. أين هم وأين الإسلام؟! هوة ساحقة تفصل بينما هم أشبه بالقياصرة والأكاسرة!! والحقيقة أن البلاد الإسلامية أيام الحكم العباسي كانت ترزح تحت كابوس ثقيل من الظلم والجور والتعسّف، حيث كان حكام بني العباس ينفذون خططهم بالعنف والقتل على الظن. ولأوّل مرة في تاريخ الإسلام نجد النطع إلى جانب كرسي الخلافة، كما نجد الجلاد أداة للوصول إلى العرش على حد قول المؤرخ المعروف فليب حتي.
على هذه الحال كان الحكم العباسي في اكثر أدواره وعهوده، وكان خاضعاً للأهواء الشخصية والعواطف القبلية. فالغلمان والنساء والندماء والعابثون كان لهم الضلع الكبير في إدارة شؤون الحكم وتوزيع الهبات والجوائز على المغنين والمغنيات.
فالحكم عندهم لم يخضع لمنطق الحق والعدل اللذين أمر بهما الإسلام.
هذا الوضع غير السليم جعل العصر يحفل بقيام فرق إسلامية عديدة ومذاهب وطوائف اختلفت فيما بينها في أصول الدين وفروعه.

الفرق الإسلامية

أهم ما حصل من أحداث في العصر العباسي الأول قيام المذاهب الإسلامية وحدوث نزاع بين المسلمين فانقسموا إلى عدة طوائف، وفرق اختلفت فيما بينها في اكثر أمور الدين.
والطريق أن الحكم العباسي هو الذي شجع على أحداث المذاهب الإسلامية، فغذاها ونمّاها، وحمل الناس بالقوّة والقهر على اعتناقها. وما نرجح في ذلك:
إبعاد المسلمين عن أئمة أهل البيت الذين يمثلون واقع الدين الإسلامي الصحيح واتجاهاته الثورية في القضاء على الظلم والغبن، وإنقاذ الناس المقهورين من الجور السياسي والاستبداد الظالم، وإذا ما رجعنا قليلاً إلى الوراء نجد:
العلويين قد اندفعوا في العصر الأموي إلى ساحات الجهاد المقدس لحفظ الدين وصيانة المجتمع من ظلم الأمويين وبطشهم، لقد حاولوا بتكليف شرعي إعادة المبادئ الكريمة التي ينشدها الإسلام، ويؤمن بضرورة توفيرها على جميع المواطنين، وهي تتلخص على الإيمان الكامل بحق الفرد، ونشر الاستقرار في الربوع الإسلامية، وبسط العدالة والحرية والمساواة والأخوة بين المسلمين، وتوفير كل أسباب المعيشة الهانئة والرزق الكريم والأمن على كافة الأراضي الإسلامية.
هذه المبادئ اعتبرها العلويون القاعدة الأساسية لتقدم المجتمع وتطويره لينطلق في ميدان الحياة الحضارية الحرة الكريمة.
وفي العصر العباسي أكمل العلويون جهادهم من أجل هذه المبادئ العليا فهبّوا إلى ميادين النضال لأن السكوت على الظالم مساعدة له على ظلمه. لذلك واجهوا صعوبات كثيرة ومشاكل معقدة، فسجنوا في السجون، ودس لهم السم، وأريقت دماؤهم، وارتفعت أجسادهم على أعواد المشانق، ولم يتخلوا عن مبادئهم المقدسة ونضالهم الشرعي في مقاومة الظلم من سلطة أي كان، داخلي أم خارجي. فالتف حولهم العدد الغفير من جماهير المؤمنين لأن العلويين حماة هذه الأمة وقادتها الشرعيين وولاة أمرها، وإنه لا يمكن بأي حال أن تتوفر للمجتمع في ذلك العصر أسباب معيشته ورخائه إلا في ظل حكمهم العادل، فالتف حولهم الثوار والمتظاهرون وهتفوا بأعلى أصواتهم (الدعوة إلى الرضا من آل محمد).
وكان لابدّ من قيام ثورة عارمة اندلعت في جميع أنحاء البلاد على الحكم الأموي فأطاحت به ودكت أركانه، وقامت الدولة العباسية بمؤازرة العلويين الذين كان لهم اليد الطولى في مناصرتها وتثبيت أركانها، ولما استتب لهم الأمر وتملّكوا زمام الحكم، عملوا جاهدين على التنكيل بالعلويين وإبادتهم بأبشع الطرق والأساليب.
وكان المخطط الرهيب الذي أتبعه الحكام العباسيون من السفاح إلى المنصور إلى هارون إلى المأمون إلى الهادي... كلهم عملوا على القضاء على الشيعة ومن ناصرهم من القوى المعارضة، والقوى المؤمنة التي تعرف الحق وأهله.
هذا المخطّط العباسي اعتمد على عدة أمور خلاصتها: أشغال المسلمين بالقضايا العقائدية وتفرقتهم وإبعادهم عن الشؤون السياسية، من هنا وجدنا النوادي في بغداد ويثرب والبصرة وسائر أنحاء العالم الإسلامي تعج بالمناظرات الكلامية، والجدل الفلسفي واحتجاج كل فريق على الفريق الآخر لتثبيت نظريته ودحض نظرية الآخرين، وكل هذه الفرق كانت تدور وتجول حول الإطار العقائدي في الإسلام. وقد وجهت الحياة العلمية في العصور العباسية إلى أحداث المذاهب الإسلامية بعيداً عن الحياة السياسية التي يعيشها عامة المسلمين.

ونقطة هامة أخرى اعتمدها المخطط العباسي هي:

عزل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن الحياة السياسية، والرقابة المشددة عليهم، ومنع الاتصال بهم، وابعاد الناس عن الأخذ منهم فيما يعود إلى الأمور العقائدية ومعالم الدين الإسلامي.
لذلك وجدنا المنصور الدوانيقي يعهد إلى الإمام مالك، أحد رؤساء المذاهب الأربعة وضع كتاب في الفقه يحمل الناس على العمل به قهراً، فامتنع مالك أوّل الأمر، وهو تلميذ الإمام جعفر الصادق، ثم رضخ لأوامر المنصور بعد الترهيب والترغيب فوضع كتابه المعروف بالموطأ.
منذ ذلك الوقت بدأت الحكومات العباسية تساند أئمة المذاهب الأربعة، وتنشر فقههم، حتى أنها حملت الناس على العمل بهذه المذاهب بعد أن أغدقت عليهم الأموال الطائلة، وكرمتهم تكريماً عظيماً لإبعاد الناس عن المذهب الجعفري، مذهب الإمام الصادق ومذهب أئمة أهل البيت المتخذ برمته عن جدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، المتخذ عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الذي هو أول من وضع بذرة التشيع، هذه البذرة الطيبة المباركة، ونماها وتعاهدها بالسقي والعناية(11).
وأول من شجع على انتشار مذهب مالك الرشيد حيث أمر عامله على المدينة بان لا يقطع أمراً دون أن يأخذ رأي مالك، كما كان يجلس على الأرض لاستماع حديثه تكريماً لمالك وتعظيماً لمذهبه.
ثم أصدر أوامره بأن لا يهتف أيام الحج إلا مالك، فأخذ الناس يزدحمون عليه وتوافدت إليه الوفود من سائر الأقاليم لاستماع حديثه وأخذ الأحكام الشرعية منه. وكان لا يدنو إليه أحد لما أحيط به من التقدير الرسمي. فقد اجتمع به غلمان من السود غلاظ شداد يأتمرون بأمره، وينكلون بمن شاء أن ينكل به.
لقد علا شأن مالك بما أعطي من السلطة من مكانة مرموقة وعناية بالغة أولتها له الحكومة العباسية كما أولت غيره من أئمة المذاهب الثلاثة الأخرى. والغرض من ذلك واضح كل الوضوح وهو إضعاف كيان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والقضاء على الشيعة الذين كانوا من أقوى الجبهات المعادية للحكم العباسي الظالم. لكنهم فشلوا وبقي الشيعة يجاهدون وما زالوا في إعلاء كلمة الحق وصيانة الدين الإسلامي من الانحراف والتزوير. قال تعالى:
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(12).
ولا يخفى على أحد من المؤرخين وعلماء الحديث والصحابة المؤمنين أن الطائفة الشيعية حملت لواء الإصلاح وثارت في وجه الطغاة والظالمين المستبدين، وحفل تاريخها بالمآثر الطيّبة والمفاخر الحميدة وخدمة الإسلام مهما كلف الثمن. لقد جاهدوا ضد الظالمين لأن السكوت عن الظلم خيانة شرعية، والسكوت عن الظالم يعني مساعدته على ظلمه فلابد إذن من المقاومة الشرعية.
وأول المقاومين للظلم بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد كلفه ذلك جهاداً مريراً وحروباً دامية ضد المنحرفين عن الدين القويم أمثال معاوية بن أبي سفيان وأعوانه. ثم استلم راية الجهاد في سبيل الله ابنه الإمام الحسين (عليه السلام) ضد يزيد الفاجر العاهر وأعوانه الذين اشتروا الضلالة بالهدى، واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، واشتروا الكفر بالإيمان.
أراد الإمام الحسين (عليه السلام) الخروج من أجل الإصلاح في أمة جده التي ظللها معاوية وتابع بعده ابنه يزيد في الانحراف والظلم والضلال، فكان لابدّ للإمام المعصوم إلا أن يقوم بالمسؤولية الإلهية فقال (عليه السلام): (عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله) وهكذا تابع الأئمة (عليهم السلام) الجهاد في سبيل الله في جميع العصور.
المصادر :
1- كنز العمال، ج6، ص392.
2- نفسه، ج6، ص154.
3- حلية الأولياء، ج1، ص63.
4- الاتحاف بحجب الأشراف، ص129.
5- منهاج السنة، ج4، ص210.
6- المراجعات، ص228.
7- المراجعات، ص227.
8- المصدر نفسه.
9- حلية الأولياء، ج1، ص86.
10- كشف الغمة، ص151، وأصول الكافي للكليني.
11- أصل الشيعة وأصولها، ص87-88
12- سورة الصف: الآيتين 8-9


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التشيّع إتجاه فكري وسياسي
الحياة العلمية والسياسية في زمن الإمام الباقر ...
البدعة الحسنة والسيئة
المعصومة سلام الله علیها
فکرة عمل الدیود باعث للضوء
حبّ أهل البیت علیهم السلام فی السُنّة المطهّرة
الإمام الباقرعليه السلام وإصلاح الأمّة
استهداف نبي الرحمة (ص) من الراهب بحيرى حتى براءة ...
مع الثورة الحسينية
رساله الامام الهادي ( عليه السلام ) فى الرد على ...

 
user comment