عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

رسائل الإمام الصادق عليه السلام

قال أحمد بن عمر بن المقداد الرازي : وقع ذباب على وجه المنصور ، فذبه فعاد حتى أضجره ، وكان عنده جعفر بن محمد (عليه السلام) في ذلك الوقت ، فقال المنصور : يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبابرة ، فسكت المنصور [على مضض] . وقيل كان رجل من أهل السواد يلازم مجلس جعفر الصادق (عليه السلام) ويقعد طويلا مقعده ، ففقده في بعض الأيام فسأل عنه ، فقال له رجل يريد أن ينقصه عنده : إنه رجل قبطي . فقال جعفر : أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه وكرمه وتقواه ، والناس في آدم مستوون . فخجل الرجل . وحدث عب
رسائل الإمام الصادق عليه السلام

قال أحمد بن عمر بن المقداد الرازي : وقع ذباب على وجه المنصور ، فذبه فعاد حتى أضجره ، وكان عنده جعفر بن محمد (عليه السلام) في ذلك الوقت ، فقال المنصور : يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبابرة ، فسكت المنصور [على مضض] . وقيل كان رجل من أهل السواد يلازم مجلس جعفر الصادق (عليه السلام) ويقعد طويلا مقعده ، ففقده في بعض الأيام فسأل عنه ، فقال له رجل يريد أن ينقصه عنده : إنه رجل قبطي . فقال جعفر : أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه وكرمه وتقواه ، والناس في آدم مستوون . فخجل الرجل .
وحدث عبد الله بن الفضل بن الربيع ، قال : حج المنصور في سنة سبع وأربعين ومائة ، قدم المدينة ، قال للربيع ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به سعيا ، قتلني الله إن لم أقتله ، فتغافل الربيع عنه وناساه ، فأعاد عليه في اليوم الثاني وأغلظ له في القول ، فأرسل إليه الربيع ، فلما حضر قال له الربيع : يا أبا عبد الله ، اذكر الله تعالى فإنه قد أرسل إليك ما لا دافع له غير الله ، وإني أتخوف عليك . فقال جعفر : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ثم إن الربيع دخل به على المنصور ، فلما رآه المنصور أغلظ له بالقول ، فقال : يا عدو الله ، اتخذك أهل العراق إماما يجيئون إليك زكاة أموالهم ، تلحد في سلطنتي وتتبع إلي الغوائل ، قتلني الله إن لم أقتلك . فقال جعفر : يا أمير المؤمنين ، إن سليمان أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك ، ولك فيهم أسوة حسنة . فقال المنصور : أجل ، لقد صدقت يا أبا عبد الله ، ارتفع إلي ههنا عندي ، ثم قال : إن فلان الفلاني أخبرني عنك بما قلت لك . فقال : أحضره يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك ، فاحضر الرجل الذي سعى به إلى المنصور . فقال له المنصور : أحقا ما حكيت لي عن جعفر . فقال : نعم يا أمير المؤمنين .قال جعفر : فاستحلفه على ذلك ، فبدر الرجل وقال : والله العظيم الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وأخذ يعد في صفات الله ، فقال جعفر : يا أمير المؤمنين ، يحلف بما أستحلفه به ويترك يمينه هذا ، فقال المنصور : حلفه بما تختار ، فقال جعفر (عليه السلام) : قل برأت من حول الله وقوته ، والتجأت إلى حولي وقوتي ، لقد فعل كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، فنظر إليه المنصور منكرا ، فحلف بها فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض وقضى ميتا مكانه في المجلس ، فقال المنصور : جروا برجله وأخرجوه لعنه الله ، ثم قال : لا عليك يا أبا عبد الله ، أنت برئ الساحة ، السليم الناحية ، المأمون الغائلة ، علي بالطيب والغالية ، فأتوه بالغالية ، فجعل يغلف بها لحيته إلى أن تركها تقطر . وقال في حفظ الله وكلائته ، وألحقه الربيع بجوائز حسنة وكسوة سنية . قال الربيع : فلحقته بذلك ، ثم قلت له : يا أبا عبد الله ، إني رأيت قبلك ما لم تره أنت ، ورأيت بعد ذلك ما رأيت ، ورأيتك تحرك شفتيك ، وكلما حركتهما سكن الغضب ، بأي شيء كنت تحركهما جعلت فداك ؟ قال : بدعاء جدي الحسين (عليه السلام) . قلت : وما هو يا سيدي ؟ قال : قلت : اللهم يا عدتي عند شدتي ، يا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، وارحمني بقدرتك على - فلان - ، أهلك وأنت رجائي ، اللهم إنك أكبر وأجل وأقدر مما أخاف وأحذر ، اللهم بك أدرأ في نحره وأستعيذ بك من شره ، إنك على كل شيء قدير . قال الربيع : فما نزلت بي شدة قط ودعوت به إلا فرج الله عني . قال الربيع : وقلت لأبي عبد الله : منعت الساعي بك إلى المنصور من أن يحلف بيمينه وأحلفته أنت تلك اليمين ، فما كان إلا أخذ لوقته فتعجبت من ذلك ما منعناك فيه ؟ قال : لأن في يمينه الذي أراد أن يحلف بها توحيد الله وتمجيده وتنزيهه ، فقلت : يحلم عليه ويؤخر عنه العقوبة ، وأحببت تعجيلها فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله لوقته . روي أن داود بن علي بن العباس [عامل المنصور على المدينة] قتل المعلى ابن خنيس - كان مولى لجعفر الصادق (عليه السلام) - ، فأخذ ماله ، فبلغ ذلك جعفرا ، فدخل إلى داره ولم يزل ليله كله قائما إلى الصباح ، ولما كان وقت السحر سمع منه وهو يقول في مناجاته : يا ذا القوة القوية ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزة التي كل خلقك لها ذليل ، اكفنا هذا الطاغية ، وانتقم لنا منه . فما كان إلا أن ارتفعت الأصوات بالصراخ والعويل ، وقيل : مات داود بن علي فجأة . ولما بلغ جعفر الصادق (عليه السلام) قول الحكم بن عباس الكلبي : صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب فرفع جعفر يديه إلى السماء وهم يرتعشان ، فقال : اللهم سلط على الحكم ابن العباس الكلبي كلبا من كلابك ، فبعثه بنو أمية إلى الكوفة فافترسه الأسد في الطريق ، واتصل ذلك بالصادق فخر ساجدا ، وقال : الحمد لله الذي أنجزنا ما وعدنا . ومما حفظ من كلام جعفر الصادق في الحكمة والموعظة وغير ذلك ، قوله : ما كل من رأى شيئا قدر عليه ، ولا كل من قدر على شيء وفق له ، ولا كل من وفق أصاب له موضعا ، فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك السعادة . وقال (عليه السلام) : تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتداء على الله هلكة ، والإصرار على الذنب من مكر الله ، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون . وروى محمد بن حبيب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده (عليه السلام) ورفعه ، قال : ما من مؤمن أدخل على قوم سرورا إلا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله تعالى ويحمده ويمجده ، فإذا صار المؤمن في لحده أتاه ذلك السرور الذي أدخله على أولئك القوم فيقول : أنا اليوم أونس وحشتك ، وألقنك حجتك ، وأثبتك بالقول (الثابت) الثبت ، وأشهد بك مشاهد القيامة ، وأشفع بك إلى ربك ، وأريك منزلتك من الجنة .
وقال إبراهيم مسعود : كان رجل من التجار يختلف إلى جعفر بن محمد (عليه السلام) ، بينه وبينه مودة ، وهو معروف بحسن الحال ، فجاء بعد حين إلى جعفر بن محمد وقد ذهب ماله وتغير حاله فجعل يشكو إلى جعفر ، فأنشد جعفر (عليه السلام) : فلا تجزع وإن أعسرت يوما * فقد أيسرت بالزمن الطويل ولا تيأس فإن اليأس كفر * لعل الله يغني عن قليل ولا تظنن بربك ظن سوء * فإن الله أولى بالجميل وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : كنت مع أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق بين مكة والمدينة ، فالتفت فإذا عن يساره كلب أسود ، فقال له : ما لك قبحك الله ، ما أشد مسارعتك ، فإذا هو في الهواء يشبه الطائر ، فتعجبت من ذلك ، فقال : هذا أعثم بريد الجن ، مات هشام الساعة ، وهو طائر ينعاه . وعن إبراهيم بن عبد الحميد ، قال : اشتريت من مكة بردة وآليت على نفسي أن لا تخرج من ملكي حتى تكون كفني ، فخرجت بها إلى عرفة فوقفت فيها الموقف ، ثم انصرفت إلى المزدلفة ، فبعد أن صليت فيها المغرب والعشاء رفعتها وطويتها ووضعتها تحت رأسي ونمت ، فلما انتبهت لم أجدها ، فاغتممت لذلك غما شديدا ، فلما أصبحت صليت وأفضيت مع الناس إلى منى ، فإني والله في مسجد الخيف إذ أتاني رسول أبي عبد الله جعفر الصادق ويقول لي : قال لك أبو عبد الله :
تأتينا في هذه الساعة . فقمت مسرعا حتى دخلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو في فسطاطه ، فسلمت عليه وجلست ، فالتفت إلي وقال : يا إبراهيم ، نحن نحب أن نعطيك بردة تكون لك كفنا ، قلت : والذي خلق إبراهيم لقد كانت معي بردة نعدها لذلك ، ولقد ضاعت مني في المزدلفة . فأمر غلامه فأتاني ببردة فتناولتها فإذا هي والله بردتي بعينها ، فقلت : بردتي يا سيدي ، فقال : خذها وأحمد الله تعالى يا إبراهيم ، فقد جمع الله عليك يا إبراهيم . واختتم ابن الصباغ المالكي كتابه الفصول المهمة بقوله : مناقب أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) فاضلة ، وصفاته في الشرف كاملة ، وشرفه على جهات الأيام سائلة ، وأندية المجد والعز بمفاخره ومآثره آهلة . مات الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) سنة ثمان وأربعين ومائة في شوال وله من العمر ثمان وستون سنة قام فيها مع جده علي بن الحسين زين العابدين اثني عشر سنة وأياما ، ومع أبيه محمد بن علي [الباقر] بعد وفاة جده ثلاث عشرة سنة ، وبقي بعد موت أبيه أربعا وثلاثين سنة ، وهي مدة إمامته (عليه السلام) . يقال : إنه مات بالسم في أيام المنصور ، وقبره بالبقيع ، دفن في القبر الذي فيه أبوه وجده وعم جده ، فلله دره من قبر ما أكرمه وأشرفه . وأما أولاده فكانوا سبعة ، ستة ذكور وبنت واحدة ، وقيل أكثر من ذلك ، أسماء الذكور موسى الكاظم ، وإسماعيل ، ومحمد ، وعلي ، وعبد الله ، وإسحاق ، والبنت اسمها أم فروة ، رضوان الله عليهم أجمعين .

رسائل الإمام الصادق
اقتطفنا هذه الرسائل من كتاب معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة للشيخ محمد فيض الكاشاني .
جواب الإمام (عليه السلام) لكتاب المنصور الدوانيقي في كتاب كشف الغمة عن ابن حمدون ، أن المنصور كتب إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) : لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟ فأجابه (عليه السلام) : ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنئك ، ولا نراها نقمة فنعزيك بها ، فما نصنع عندك ؟ . قال : فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا . فأجابه : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك . فقال المنصور : والله لقد ميز عندي منازل الناس ، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة ، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا (1) .
كما نقل عن الكراجكي أنه قال في كتاب كنز الفوائد : جاء في الحديث أن أبا جعفر المنصور خرج في يوم جمعة متوكئا على يد الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، فقال رجل يقال له (رزام) مولى خالد بن عبد الله : من هذا الذي بلغ من خطره ما يعتمد أمير المؤمنين على يده ؟ فقيل له : هذا أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه . فقال : إني والله ما علمت ، لوددت أن خد أبي جعفر نعل لجعفر ، ثم قام فوقف بين يدي المنصور ، فقال له : أسأل يا أمير المؤمنين ؟ فقال له المنصور : سل هذا . فقال : إني أريدك بالسؤال ، فقال له المنصور : سل هذا . فالتفت رزام إلى الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقال له : أخبرني عن الصلاة وحدودها ، فقال له الصادق (عليه السلام) : للصلاة أربعة آلاف حد لست تؤاخذ بها . فقال : أخبرني بما لا يحل تركه ، ولا تتم الصلاة إلا به ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : لا تتم الصلاة إلا لذي طهر سابغ ، وتمام بالغ ، غير نازغ ولا زائغ ، عرف فوقف ، وأخبت فثبت ، فهو واقف بين اليأس والطمع ، والصبر والجزع ، كان الوعد له صنع ، والوعيد به قطع ، بذل عرضه ، وتمثل عرضه (أي بين حاجته) ، وبذل في الله المهجة ، وتنكب إليه غير المحجة ، مرتغم (أي خاضع) بارتغام ، يقطع علائق الاهتمام بعين من له قصد ، وإليه وفد ، ومنه استرفد (طلب عطاءه) ، فإذا أتى بذلك كانت هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر . فالتفت المنصور إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له : يا أبا عبد الله ، لا نزال من بحرك نغرف ، وإليك نزدلف ، تبصر من العمى وتجلو بنورك الطخياء (أي الليلة المظلمة) ، فنحن نعوم في سبحات قدسك ، وطافي بحرك (2) . من كتاب له (عليه السلام) إلى النجاشي عامل الأهواز ما في الكافي مسندا إلى أحمد بن محمد السياري عن محمد بن جمهور وغيره من أصحابنا ، قال : كان النجاشي - وهو رجل من الدهاقين عاملا على الأهواز وفارس - فقال بعض أهل عمله لأبي عبد الله (عليه السلام) : إن في ديوان النجاشي علي خارجا ، وهو ممن يدين بطاعتك ، فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتابا ؟ قال : فكتب إليه أبو عبد الله (عليه السلام) : بسم الله الرحمن الرحيم ، سر أخاك يسرك الله . قال : فلما ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه ، فلما خلا ناوله الكتاب وقال :
هذا كتاب أبي عبد الله (عليه السلام) ، فقبله ووضعه على عينيه . ثم قال : ما حاجتك ؟ فقال : علي خراج في ديوانك . قال له : كم هو ؟ قال : هو عشرة آلاف درهم . قال : فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه ، ثم أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل . ثم قال له : هل سررتك ؟ قال : نعم . قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى ، فقال له : هل سررتك ؟ فقال : نعم جعلت فداك . فأمر له بمركب ، ثم أمر له بجارية وغلام وتخت ثياب (وعاء يصان فيه الثياب) ، في كل ذلك يقول : هل سررتك ؟ فكلما قال : نعم ، زاده حتى فرغ ، فقال له : إحمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي فيه وارفع إلي جميع حوائجك ، قال : ففعل ، وخرج الرجل فصار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) بعد ذلك فحدثه بالحديث على جهته ، فجعل يستبشر بما فعله ، قالله الرجل : يا ابن رسول الله ، كأنه قد سرك ما فعل بي ، قال : إي والله ، لقد سر الله ورسوله (3) .
كتاب آخر له (عليه السلام) إليه : ومن ذلك ما في كتاب عدة الداعي ونجاح الساعي للشيخ التقي أبي العباس أحمد بن فهد الحلي تغمده الله برحمته ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أبيه ، عن جده ، قال : ولي علينا بالأهواز رجل من كتاب يحيى بن خالد ، وكان علي بقايا خراج كان فيها زوال نعمتي وخروجي عن ملكي ، فقيل لي : إنه ينتحل هذا الأمر ، فخشيت أن ألقاه مخافة أن لا يكون ما بلغني حقا فيكون فيه خروجي عن ملكي وزوال نعمتي ، فهربت منه إلى الله تعالى وأتيت الصادق (عليه السلام) مستجيرا ، فكتب إليه رقعة صغيرة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم . إن لله في ظل عرشه ظلالا لا يسكنه إلا من نفس عن أخيه كربة ، أو أعانه بنفسه ، أو صنع إليه معروفا ولو بشق تمرة ، وهذا أخوك ، والسلام . ثم ختمها ودفعها إلي وأمرني أو أوصلها إليه . فلما رجعت إلى بلدي صرت ليلا إلى منزله ، فاستأذنت عليه (إليه) وقلت : رسول الصادق (عليه السلام) بالباب ، فإذا أنا به قد خرج إلي حافيا ، ومنذ نظر بي سلم علي وقبل ما بين عيني ، ثم قال : يا سيدي ، أنت رسول مولاي ؟ فقلت : نعم ، فقال : قد أعتقتني من النار إن كنت صادقا ، فأخذ بيدي وأدخلني منزله وأجلسني في مجلسه وقعد بين يدي ثم قال : يا سيدي ، كيف خلفت مولاي ؟ فقلت : بخير ، فقال : الله ، قلت : الله ، حتى أعادها ثلاثا ، ثم ناولته الرقعة ، فقرأها وقبلها ثم وضعها على عينيه ، ثم قال : يا أخي ، مر بأمرك ، فقلت : في جريدتك علي كذا وكذا ألف ألف درهم ، وفيه عطبي (الهلاك) وهلاكي ، فدعا بالجريدة فمحا عني كل ما كان فيها وأعطاني براءة منها ، ثم دعا بصناديق ماله فناصفني عليها ، ثم دعا بدوابه فجعل يأخذ دابة ويعطيني دابة ، ثم دعا بغلمانه فجعل يعطيني غلاما ويأخذ غلاما ، ثم دعا بكسوة فجعل يأخذ ثوبا ويعطيني ثوبا ، حتى تناظر بي جميع ملكه ، ويقول : هل سررتك ؟ وأقول : إي والله ، وزدت في السرور . فلما كان في الموسم قلت : والله ما كان هذا الفرح يقابل شيئا أحب إلى الله ورسوله من الخروج إلى الحج والدعاء له . فخرجت إلى مكة وجعلت طريقي إلى مولاي (عليه السلام) ، فلما دخلت عليه رأيت السرور في وجهه فقال (عليه السلام) : يا فلان ما كان من خبرك مع الرجل ؟ فجعلت أورد عليه خبري وجعل يتهلل وجهه ويسر السرور . فقلت : يا سيدي ، هل سررت بما كان منه إلي سره الله تعالى في جميع أموره ؟ فقال : إي والله ، سرني ، ولقد سر آبائي ، والله لقد سر أمير المؤمنين ، والله لقد سر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لقد سر الله في عرشه (4) . وروى الحسين بن محمد قال : سخط ابن هبيرة على رفيد ، فعاذ بأبي عبد الله (عليه السلام) فقال له : انصرف إليه واقرئه مني السلام وقل له : إني آجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء . فقال : جعلت فداك ، شامي خبيث الرأي ، فقال : إذهب إليه كما أقول لك . فاستقبلني أعرابي ببعض البوادي فقال : أين تذهب ؟ إني أرى وجه مقتول ! ثم قال لي : أخرج يدك . ففعلت ، فقال : يد مقتول ! ثم قال لي : أخرج لسانك ، ففعلت ، فقال : إمض فلا بأس عليك ، فإنفي لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك . قال : فجئت ، فلما دخلت عليه أمر بقتلي ، فقلت : أيها الأمير لم تظفر بي عنوة وإنما جئتك من ذات نفسي ، وههنا أمر أذكره لك ، ثم أنت وشأنك . فأمر من حضر فخرجوا فقلت له : مولاك جعفر بن محمد يقرئك السلام ويقول لك : آجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء . فقال : الله ! لقد قال لك جعفر هذه المقالة وأقرأني السلام ؟ فحلفت ، فردها علي ثلاثا ، ثم حل كتافي ، ثم قال : لا يقنعني منك حتى تفعل بي ما فعلت بك . قلت : ما تكتف يدي يديك ولا تطيب نفسي . فقال : والله ما يقنعني إلا ذلك ، ففعلت كما فعل وأطلقته ، فناولني خاتمه وقال : أمري في يدك ، فتدبر فيها ما شئت (5) . وروي أن محمد بن سعيد التمس من الصادق (عليه السلام) رقعة إلى محمد بن سمالي في تأخير خراجه ، فقال (عليه السلام) : قل له : سمعت جعفر بن محمد يقول : من أكرم لنا مواليا فبكرامة الله تعالى بدأ ، ومن أهانه فلسخط الله تعرض ، ومن أحسن إلى شيعتنا فقد أحسن إلى أمير المؤمنين ، ومن أحسن إلى أمير المؤمنين فقد أحسن إلى رسول الله ، ومن أحسن إلى رسول الله فقد أحسن إلى الله ، ومن أحسن إلى الله كان والله معنا في الرفيع الأعلى ، قال : فأتيته وذكرته ، فقال : بالله سمعت هذا الحديث من الصادق (عليه السلام) ؟ فقلت : نعم ، فقال : إجلس ، ثم قال : يا غلام ! ما على محمد بن سعيد من الخراج ، قال : ستون ألف درهم . قال : امح اسمه من الديوان ، وأعطاني بدرة وجارية وبغلة بسرجها ولجامها ، قال : فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) ، فلما نظر إلي تبسم ، فقال : يا أبا محمد ، تحدثني أو أحدثك ؟ فقلت : يا ابن رسول الله ، منك أحسن ، فحدثني والله الحديث كأنه حاضر معي (6)
ذكر العلامة المجلسي (رحمه الله) باب مواعظ الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : روى الشهيد الثاني (رحمه الله) بإسناده ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعيد ، عن ابن عيسى ، عن عبيد الله بن سليمان النوفلي ، قال : كنت عند جعفر ابن محمد الصادق (عليه السلام) ، قال : فإذا بمولى لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه ، ففضه وقرأه ، فإذا أول سطر فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أطال الله بقاء سيدي وجعلني من كل سوء فداه ، ولا أراني فيه مكروها ، فإنه ولي ذلك والقادر عليه ، إعلم سيدي ومولاي إني بليت بولاية الأهواز ، فإن رأى سيدي أن يحد لي حدا أو يمثل لي مثلا لأستدل به على ما يقربني إلى الله عز وجل وإلى رسوله ، ويلخص في كتابه ما يرى لي العمل به فيما بذله وابتذله وأين أضع زكاتي وفي من أصرفها ، وبمن آنس ، وإلى من أستريح ، ومن اتق وآمن وألجأ إليه في شيء ؟ فعسى أن يخلصني الله بهدايتك وولايتك ، فإنك حجة الله على خلقه ، وأمينه في بلاده ، لا زالت نعمته عليك ، [والسلام عليك ورحمة الله وبركاته] . قال عبد الله بن سليمان ، فأجابه أبو عبد الله (عليه السلام) : بسم الله الرحمن الرحيم ، جاملك الله بصنعه ، ولطف بك بمنه ، وكلأك برعايته ، فإنه ولي ذلك . أما بعد ، فقد جاء إلي رسولك بكتابك ، فقرأته وفهمت جميع ما ذكرته ، وسألت عنه ، وزعمت أنك بليت بولاية الأهواز ، فسرني ذلك وساءني ، وسأخبرك بما ساءني من ذلك وما سرني ، إن شاء الله تعالى . فأما سروري بولايتك ، فقلت : عسى أن يغيث بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويعز بك ذليلهم ، ويكسو بك عاريهم ، ويقوي بك ضعيفهم ، ويطفئ بك نار المخالفين عنهم . وأما الذي ساءني من ذلك فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم حضيرة القدس ، فإني ملخص لك جميع ما سألت عنه ، إن أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالى . أخبرني - يا عبد الله - أبي ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه . واعلم أني سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه ، واعلم أن خلاصك ونجاتك في حقن الدماء ، وكف الأذى من أولياء الله ، والرفق بالرعية ، والتأني ، وحسن المعاشرة مع لين من غير ضعف ، وشدة من غير عنف ، ومداراة صاحبك ومن يرد عليك من رسله ، وارتق فتق رعيتك بأن توفقهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء الله . إياك والسعاة وأهل النمائم ، فلا يلتزقن منهم بك أحد ، ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا ، فيسخط الله عليك ويهتك سترك ، واحذر مكر خوز الأهواز ، فإن أبي أخبرني ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : الإيمان لا ينبت في قلب يهودي ولا خوزي أبدا فأما من تأنس به وتستريح إليه وتلجئ أمورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك على دينك ، وميز أعوانك وجرب الفريقين ، فإن رأيت رشدا فشأنك وإياه . وإياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل على دابة في غير ذات الله .(7)
المصادر:
1- كشف الغمة (الطبعة الحديثة) : 448
2- بحار الأنوار 47 : 185 ، طبعة إسلامية .
3- الكافي 2 : 190 ، طبعة دار الكتب
4- عدة الداعي : 136 ، طبعة تبريز
5- الكافي 1 : 473 . مناقب ابن شهرآشوب 4 : 253
6- مناقب ابن شهرآشوب 4 : 235
7- العلامة المجلسي /بحاره 78 : 271 ، باب مواعظ الإمام الصادق عليه السلام


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الحياة العلمية والسياسية في زمن الإمام الباقر ...
البدعة الحسنة والسيئة
المعصومة سلام الله علیها
فکرة عمل الدیود باعث للضوء
حبّ أهل البیت علیهم السلام فی السُنّة المطهّرة
الإمام الباقرعليه السلام وإصلاح الأمّة
استهداف نبي الرحمة (ص) من الراهب بحيرى حتى براءة ...
مع الثورة الحسينية
رساله الامام الهادي ( عليه السلام ) فى الرد على ...
محمّد(ص).. بشارة الأنبياء

 
user comment