عربي
Thursday 23rd of May 2024
0
نفر 0

سماحة العلامة انصاریان :إن الجليس الصالح والرفيق المناسب

سماحة العلامة انصاریان :إن الجليس الصالح والرفيق المناسب

ينبوع في أعلى الجبل‌


إن الجليس الصالح والرفيق المناسب والصديق السليم كينبوع في أعلى الجبل بالنسبة إلى تربة وجود الانسان، يشرف على سفح الجبل ويجري ماءه العذب والنافع إلى جميع الأراضي الموجودة في سفح الجبل وتنبت من هذه الأراضي في الربيع نباتات خضراء وورود طيبة الرائحة وأشجار مثمرة تسرُّ الناظرين.
إنّ الشاعر الايراني الكبير مولوي قد بلور وأوّل حديثاً للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله يدعو فيه أصحابه أن يعرّضوا أنفسهم إلى‌ نسائم الربيع لأنّها تفعل في الأجسام ما تفعله في الأشجار كما أنّه صلى الله عليه و آله يدعوا للتحرز من برد الخريف لأنه يضر بالأبدان كما يضر بالأشجار.
فالشاعر مولوي يقول أنّ هذا التعبير للرسول صلى الله عليه و آله تعبير كنائي فانه يريد بالربيع ما يفوح من كلمات الأولياء كاملي العقل والضمير فان العقول والأرواح والضمائر تزدهر بفعل كلمات هؤلاء الأولياء مثلما تزدهر الأشجار والنباتات والأعشاب برياح الربيع.
وتخبو وتذيل وتصفرّ بما تتصاعد من رياح نتنة وضارة كما تتضرر الأشجار والنباتات والأعشاب برياح الخريف الضارة.
                        نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 187
إنّ الانسان عند ما يُخالط صديقاً طاهراً وطيباً وصادقاً ومخلصاً وعالماً ويحرز كفاءته ولياقته، يتعلّم قيمه فيقوم بارادته بانتقاء تلك القيم، فحينما تمطر تلك القيم على الانسان ستثمر شجرة وجوده بالمعنويات ببركة تلك المعاشرة الصحيحة كما تمطر قطرات المطر من السجاب على الأرض المستعدة فتخرج الثمرات من أشجارها.
إن الخسارة المعنوية الناجمة من فقد الصديق الصالح تشبه حرمان الانسان نفسه من الهواء النقي وأشعة الشمس والغذاء السالم.
كان أبو لهب قد ناهز الخمسين من عمره عند معاصرته النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في مكة إلا أنّه لم يقبل ولو في لحظة واحدة بمعاشرة النبي صلى الله عليه و آله ومرافقته لكي يوفق للتمتع بالقيم المعنوية للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله بل حرم نفسه إلى‌ نهاية حياته من معاشرة النبي صلى الله عليه و آله ووُصم بالعار الأبدي والخسران الدائم والشقاء الباقي على جبين حياته حتى أن اللَّه عزوجل عرّفه بوصفه شخصية منبوذة في قوله تعالى‌:
 [تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَ‌] «1».
نعم، إن الحرمان من الصديق المناسب والمعاشر الطيب، ينزع غطاء الانسانية عن وجود الانسان ويلبس الباطن غطاء الحيوانية ويجعل من الانسان مصداقاً لقوله: [كَالْأَنْعامِ‌] «2»، [كَمَثَلِ الْكَلْبِ‌] «3» و [كَمَثَلِ‌
__________________________________________________
 (1)- مسد (111): 1.
 (2)- «أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ». الانعام (6) 179.
 (3)- «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ». الأنعام (6) 176.
                        نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 188
الْحِمارِ] «1».
ينبغي للانسان أن لا يغفل عن الارتباط بمن هو أعلى‌ منه في العلم والمعرفة والأخلاق والتربية والوعي والكرامة، وأن لا يأنف من التماسه والتوسل إليه فإنّ الغفلة والأنفة في ذلك يؤديان إلى‌ ضياع الدنيا والآخرة.
إنّ نداء دعوة الطاهرين مازالت تدوي في الآذان وتبقى لتسمعها إلى‌ قيام الساعة وهي تنادي: يا أيها الانسان إربط غرسة وجودك بنا من طريق القلب والروح للتتخذ من الرزق الكامل والعطاء المعنوي الوافر الذي رزقه اللَّه تعالى إيّانا لتوفر مؤهلات فينا حتى يكتمل عقلك ويزدهر فهمك كأزهار الربيع ويضي‌ء نور المعنوية في نفسك وتخرج الثمار الملكوتية من وجودك وتنمو في الكون كشجرة طيبة- كما جاء في القرآن «2»- ليكون أصلك ثابت وتعلّق أوراق عقلك وقلبك وروحك وفهمك في فضاء الملكوت وتعطي ثماراً دائمة ليحظى‌ الجميع من فاكهتها وثمارها الدائمة.
يدعوك هؤلاء وكل من تربى‌ عليهم بأن تعال لتهذّب نفسك في ظل أنفاسنا القدسية فتشفى‌ من الأمراض الفكرية والنفسية وتتشافى‌ من أوجاعك المعنوية والمادية بحكمتنا وتتزيّن بالعافية والصحة الشاملة لتدخل إلى‌ ساحة رحمة اللَّه وعنايته وولاية أولياء، ولا سبيل للوصول‌
__________________________________________________
 (1)- «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً». جمعه (62): 5.
 (2)- «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّماءِ* تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ». ابراهيم (14): 24- 25.
                        نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 189
إلى‌ هذه الحقائق الا بمعاشرة ومصادقة الطيبين وإطاعتهم التي هي بالحقيقة طاعة اللَّه.
روي عن الامام الصادق عليه السلام أنّه قال:
 «كُنْتُ مَعَ أبِى حَتَّى انْتَهَيْنَا إلى‌ القَبْرِ وَالمِنْبَرِ وَإذَا أُناسٌ مِنْ أصحَابِهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِم وَقَالَ: وَاللَّهِ إنِّى لَأُحِبُّكُم وَأُحِبُّ رِيحَكُمْ وَأروَاحَكُم فَأعِينُونى عَلى‌ ذَلِكَ بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ فَإنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا وِلَايَتَنَا إلّابِالوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ» «1».
يقول العالم صاحب كتاب «آداب النفوس»:
إنّ لصديق الحسن والرفيق الشفيق والصاحب الملائم أربعة صفات:
عفة النفس، التقوى، الزهد عن متاع الدنيا، الورع والعفاف، وهذه الصفات الأربعة هي حقائق لا يحصل عليها الانسان إلّاعن طريق مجالسة الطيبين.
ينبغي أن نعاشر ونرافق الذين يشملنا لطف الرب ورحمته في ظلهم يوم القيامة ونحظى بالجنة والرضوان الالهي بشفاعتهم ولا نعاشر أو نخالط من يأتي لهم الخطاب يوم القيامة:
 [وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ‌] «2».
فنصطفّ في صفوفهم ونتميز معهم لعِشرتنا إيّاهم.
__________________________________________________
 (1)- مجموعة ورام: 2/ 90، اين روايت با كمى تغيير در: الكافى: 8/ 212، حديث 259؛ الأمالى، شيخ صدوق: 626، حديث 4؛ مشكاة الأنوار: 74، الفصل الثالث فى آداب الشيعة؛ بحار الأنوار: 7/ 203، باب 8، حديث 91 و 27/ 108، باب 4، حديث 81 و... ذكر شده است.
 (2)- يس (36): 59.
                        نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 190


source : دار العرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تردد جدید لقناة QURAN TV عبدالباسط عبد الصمد
إجتماع لـ"السیدات البارزات في القرآن" في ...
إزاحة الستار عن موسوعة أهل البيت القرآنية
الجيش الإيراني ينظم 60 محفلاً قرآنياً في أسبوع ...
أمريكا تنشر مناشير وتحذر قوات الجيش السوري من ...
الحشد الشعبي يرسل 3000 مقاتل لتحرير الانبار من داعش
موسكو: لندن هي أكبر المستفيدين من حرب اليمن !
اختتام مسابقات الدولية للقرآن الكريم في ماليزيا
الإساءة الجديدة للرسول الأعظم (ص) يسهم مباشرة في ...
باحثة مصرية: ايران ومصر وترکيا الأرکان الأساسية ...

 
user comment