عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

عجائب الانسان

قال الغزالي : اعلم أن للإنسان أوصافا وأخلاقا كثيرة على ما عرف شرحه في كتاب عجائب القلب وغوائله ولكن تنحصر مثارات الذنوب في أربع صفات صفات ربوبية
عجائب الانسان

قال الغزالي : اعلم أن للإنسان أوصافا وأخلاقا كثيرة على ما عرف شرحه في كتاب عجائب القلب وغوائله ولكن تنحصر مثارات الذنوب في أربع صفات صفات ربوبية وصفات شيطانية وصفات بهيمية وصفات سبعية وذلك لأن طينة الإنسان عجنت من أخلاط مختلفة فاقتضى كل واحد من الأخلاط في المعجون منه أثرا من الآثار كما يقتضى السكر والخل والزعفران في السكنجبين آثارا مختلفة فأما ما يقتضى النزوع إلى الصفات الربوبية فمثل الكبر والفخر والجبرية وحب المدح والثناء والغنى وحب دوام البقاء وطلب الاستعلاء على الكافة حتى كأنه يريد أن يقول أنا ربكم الأعلى وهذا يتشعب منه جملة من كبائر الذنوب غفل عنها الخلق ولم يعدوها ذنوبا وهى المهلكات العظيمة التي هي كالأمهات لأكثر المعاصي كما استقصيناه في ربع المهلكات الثانية هي الصفة الشيطانية التي منها يتشعب الحسد والبغى والحيلة والخداع والأمر بالفساد والمكر وفيه يدخل الغش والنفاق والدعوة إلى البدع والضلال الثالثة الصفة البهيمية ومنها يتشعب الشره والكلب والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج ومنه يتشعب الزنا واللوط والسرقة وأكل مال الأيتام وجمع الحطام لأجل الشهوات الرابعة الصفة السبعية ومنها يتشعب الغضب والحقد والتهجم على الناس بالضرب والشتم والقتل واستهلاك الأموال ويتفرع عنها جمل من الذنوب وهذه الصفات لها تدريج في الفطرة فالصفة البهيمية هى التى تغلب أولا ثم تتلوها الصفة السبعية ثانيا ثم إذا اجتمعا استعملا العقل في الخداع والمكر والحيلة وهى الصفة الشيطانية ثم بالآخرة تغلب الصفات الربوبية وهى الفخر والعز والعلو وطلب الكبرياء وقصد الاستيلاء على جميع الخلق فهذه أمهات الذنوب ومنابعها ثم تنفجر الذنوب من هذه المنابع على الجوارح فبعضها في القلب خاصة كالكفر والبدعة والنفاق وإضمار السوء للناس وبعضها على العين والسمع وبعضها على اللسان وبعضها على البطن والفرج وبعضها على اليدين والرجلين وبعضها على جميع البدن ولا حاجة إلى بيان تفصيل ذلك فإنه واضح . (1)
لقد ركب الله في الانسان بعض الصفات البهيمية , والتي إذا ما غلبت عليه صار تحت منزلة الحيوان , والدليل على ذلك قصة قوم لوط الذين كانوا يأتون الذكران , وهذا لا تجده أبدا في عالم الحيوان , قال تعالى : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)(2)
بل وحاولوا الاعتداء على ضيوفه من ملائكة الرحمن , قال تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ )(3)
بل تجد بعض الناس في شراهتهم يفوقون الحيوانات بكثير , فالحيوان لا يأكل إلا إذا جاع , وإذا شبع مهما تضع له من طعام فإنه لا يقترب منه , على خلاف الإنسان يكون شبعانا ويجد لذيذا من الطعام فلا يستطيع أن يقول : لا إني شبعان , وكذا فالحيوان لا ينام إلا ما يكفيه من ساعات النوم التي يحتاجها , والإنسان ينام ما يحتاج وفوق ما يحتاج .
وقال ابن قدامة : " اعلم : أن للإنسان أخلاقاً وأوصافاً كثيرة، لكن تنحصر مثارات الذنوب في أربع صفات :
أحدها : صفات ربوبية، ومنها يحدث الكبر والفخر، وحب المدح والثناء، والعز وطلب الاستعلاء ونحو ذلك ، وهذه ذنوب مهلكات، وبعض الناس يغفل عنها، فلا يعدها ذنوباً .
الثانية : صفات شيطانية، ومنها يتشعب الحسد، والبغي والحيل والخداع والمكر ، والغش والنفاق والأمر بالفساد ونحو ذلك .
الثالثة : الصفات البهيمية، ومنها يتشعب الشر والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، فيتشعب من ذلك الزنى واللواطة والسرقة، وأخذ الحطام لأجل الشهوات .
الرابعة : الصفات السبعية، ومنها يتشعب الغضب والحقد، والتهجم على الناس بالقتل والضرب، وأخذ الأموال، وهذه الصفات لها تدرج فى الفطرة . (4)
وقال الراغب الأصفهاني : ونفس الإنسان واقعة بين قوتين: قوة الشهوة وقوة العقل، فبقوة الشهوة يحرص على تناول اللذات البدنية البهيمية كالغذاء والسفاد والتغالب وسائر اللذات العاجلة، وبقوة العقل يحرص على تناول العلوم والأفعال الجميلة والأمور المحمودة العاقبة، وإلى هاتين القوتين أشار الله تعالى بقوله: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا). وبقوله: (وهديناه النَّجْدَين).(5)
وقال ابن مسكويه : " القوى ثلاثا فأدونها النفس البهيمية. وأوسطها النفس السبعية. وأشرفها النفس الناطقة. والإنسان إنما صار إنسانا بأفضل هذه النفوس أعني الناطقة وبها شارك الملائكة وبها باين البهائم. فأشرف الناس من كان حظه من هذه النفس أكثر وانصرافه إليها أتم وأوفر. ومن غلبت عليه إحدى النفسين الأخريين انحط عن مرتبة الإنسانية بحسب غلبة تلك النفس عليه.(6)
وقال ابن الجوزي : لا ينكر أن الطباع تحب المال، لأنه سبب بقاء الأبدان، لكنه يزيد حبه في بعض القلوب حتى يصير محبوباً لذاته للتوصل به إلى المقاصد.
فترى البخيل يحمل على نفسه العجائب، ويمنعها اللذات، وتصير لذاته في جمع المال. وهذه جبلة في خلق كثير.
وليس العجب أن تكون في الجهال وينبغي أن يؤثر فيها عند العلماء المجاهدة للطبع ومخالفته، خصوصاً في الأفعال اللازمة في جمع المال.فأما أن يكون العالم جامعاً للمال من وجوه قبيحة ومن شبهات قوية وبحرص شديد وبذل في الطلب، ثم يأخذ من الزكوات ولا تحل له مع الغنى، ثم يدخره ولا ينفع به، فهذه بهيمية تخرج عن صفات الآدمية.بل البهيمية أعذر، لأنها بالرياضة تتغير طباعها، وهؤلاء ما غيرتهم رياضة، ولا أفادهم العلم. (7)
وسئل أنوشروان: أي الأشياء أحق بالاتقاء! قال: أعظمها مضرة. قال: فإن جهل قدر المضرة؟ قال: أعظمها من الهوى نصيباً، فالهوى للنفس البهيمية والرأي للنفس الإنسانية. (8)
فمن ذلك الأقوال يتضح أن الإنسان فيه نفس إنسانية ونفس بهيمية والعاقل من غلبت فيه الأولى على الثانية .
حكى لي أحد الأصدقاء انه قد سافر للعمل بالخارج لفترة طويلة , ثم لما كبر أولاده ووصلوا إلى سن المراهقة أراد أن يعود إليهم , ولكنه تردد قليلا , فخرج ذات يوم ليركب سيارته فوجد قطة ولدت تحت السيارة وتحتضن أطفالها الصغار في حنان غريب , يقول : فأخذت أراقب الموقف وأنا متعجب من هذا الحنو الغريب , والأعجب من هذا أنني كلما حاولت الاقتراب منها لإخراجها من تحت عجلات السيارة هبت في وجهي , وتكاد تفتك بي , ولم استطع إخراجها إلا بمعاونة بعض الأصدقاء , ووجدتها تحمل أولادها وتنقلهم في فمها إلى مكان آخر أكثر أمانا , فقلت في نفسي سبحان الله , ذلك الحيوان الأعجم يخاف على أولاده ويدافع عنهم ويحنو عليهم هكذا , وأنا هنا اترك أولادي عرضة للضياع , فقدمت استقالتي من عملي وعدت فورا إلى بلدي وأهلي .
فهل يتعلم الإنسان من المخلوقات الأخرى بعض المعاني الإنسانية التي ربما افتقدها وتناساها في معاملاته مع أخيه الإنسان؟ .
إن ابن آدم الأول تعلم من الغراب كيف يحافظ الإنسان على أخيه حتى بعد الموت , قال تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (9)
وهل يكف الإنسان عن ظلمه للحيوان ووصفه بما لا يليق ؟ .
إن بعض الناس حينما يريد إهانة شخص يصفه بأنه حمار , فيطعن بذلك في ذكائه وفطنته , على الرغم من أن الحمار من أفضل الحيوانات التي خدمت الإنسان , وتحملت منه الكثير .
وقد يصفه بالذئب في المكر والخداع , على الرغم من أن الذئب ظلم كثيرا , وقد حكى لنا القرآن الكريم قصة الظلم التي وقعت عليه من إخوة يوسف عليه السلام حينما اتهموا الذئب بأنه هو الذي أكل أخاهم وهو بريء من ذلك , قال تعالى : ( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (10)
قال الأحيمر السعدي:
وإنِّي لأستحيي من الله أن أَرَى * * * أجرّرُ حبلاً ليس فيه بعيرُ
وأن أسأل المرء اللَّئيم بعيرَهُ * * * وبعران ربِّي في البلادِ كثيرُ
عوى الذِّئب فاستأنستُ للذئب إذْ عوَى * * * وصوَّت إنسانٌ فكدت أطيرُ
يرى اللهُ أنِّي للأنيسِ لشانئ * * * وتُبغضهمْ لي مقلةٌ وضميرُ
يقول الدكتور ((رايلف بيزسون ))... إن الذئاب تتمتع بأكبر قدر من رقة القلب ..فهي من الحيوانات المعروفة برعايتها لأبنائها ...والذئاب لا تعرف "الخيانة الزوجية " فالذكر لا يقترب من أنثى غيره ..على غير ما نطلق على الرجل الخائن ونصفه بالذئب وتعيش الذئاب حياه يحسدها عليها بني البشر فهي تعيش في جماعات متماسكة وبينها نوع من تقاسم العمل .
أرأيتم كيف أن الإنسان يظلم الحيوان الذي يعطيه من اللبن واللحوم والجلود وغير ذلك كثيرا , ولا يأخذ منه شيئا سوى لقمته فقط .
قال الإمام الشافعي :
نعيبُ زماننا والعيبُ فينا *** وما لزمانِنا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ *** ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا
وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ *** ويأكلُ بعضُنا بعضًا عيانا
بل يظلم الإنسان الحيوان حينما يعتقد أن لا يحس ولا يشعر مثله , بل ربما تفوق عليه في المشاعر وفي التسبيح لله رب العالمين , قال تعالى : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )(11)
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : ( وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ )(12)
قال مقاتل في الآية: كان سليمان جالسا ذات يوم إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه: أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ إنها قالت لي: السلام عليك أيها الملك المسلط والنبي لبني إسرائيل! أعطاك الله الكرامة، وأظهرك على عدوك، إني منطلق إلى أفراخي ثم أمر بك الثانية؛ وإنه سيرجع إلينا الثانية ثم رجع؛ فقال إنه يقول: السلام عليك أيها الملك المسلط، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت. فأخبرهم سليمان بما قال؛ وأذن له فانطلق. وقال فرقد السبخي: مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا لا يا نبي الله. قال إنه يقول: أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخا فقال له سليمان: احذر يا هدهد! فقال: يا نبي الله! هذا صبي لا عقل له فأنا أسخر به. ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده، فقال: هدهد ما هذا؟ قال: ما رأيتها حتى وقعت فيها يا نبي الله. قال: ويحك! فأنت ترى الماء تحت الأرض أما ترى الفخ! قال: يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر. وقال كعب. صاح ورشان عند سليمان بن داود فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا. وصاح عنده طاوس، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: كما تدين تدان. وصاح عنده هدهد فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: فإنه يقول: من لا يرحم لا يرحم. وصاح صرد عنده، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: استغفروا الله يا مذنبين؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله. وقيل: إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت. وهو أول من صام؛ ولذلك يقال للصرد الصوام؛ روي عن أبي هريرة. وصاحت عنده طيطوى فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: كل حي ميت وكل جديد بال. وصاحت خطافة عنده، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: قدموا خيرا تجدوه؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها. وقيل: إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله الوحشة، فآنسه الله تعالى بالخطاف وألزمها البيوت، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم.
قال الشاعر :
الشمس والبدر من آيات قدرته * * * والبر والبحر فيض من عطاياهُ
الطير سبحه والوحش مجده* * * والموج كبره والحوت ناجاهُ
والنمل تحت الصخور الصم قدسه * * * والنحل يهتف له حمداً في خلاياهُ
والناس يعصونه جهرا فيسترهم * * * والعبد ينسى وربى ليس ينساهُ
جعلنا الله تعالى ممن يقولون فيعملون, ويعملون فيخلصون , ويخلصون فيقبلون , اللهُمَّ اجْعَل حُبَّك أحَبَّ الأشْياء إليَّ, واجْعَل خَشْيَتَكَ أَخْوَفَ الأشْياء عِندِي، واقْطَعْ عَنّي حاجاتِ الدُّنيَا بالشَّوْقِ إلى لِقَائِكَ، وإذا أقْرَرْتَ أَعْيُنَ أهْلِ الدُّنيا منْ دُنْيَاهُم فَأَقْرِرْ عَيْني بالنظر إلى وجهك الكريم .
المصادر :
1- إحياء علوم الدين 4/16 الغزالي في: بيان أقسام الذنوب بالإضافة إلى صفات العبد
2- سورة الأعراف /80-81
3- سورة هود /77-81
4- مختصر منهاج القاصدين 106.
5- الراغب الأصفهاني : تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين ص 4.
6- ابن مسكويه : تهذيب الأخلاق 16.
7- ابن الجوزي : صيد الخاطر 97.
8- الراغب الأصفهاني :محاضرات الأدباء 1/243.
9- سورة المائدة /27-31
10- سورة يوسف /15-18
11- سورة الإسراء /44
12- سورة النمل /16


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عندما تتعب الروح ما هو العلاج؟
آية الله الآصفي: من سمع مظلوما يستغيث فلم يغثه ...
تربية الأطفال بين الهدف والوسيلة
زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة
تأثير التلفزيون على الأطفال
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
دعوة للتكامل مع الاحتفاظ بخصوصية الآخر
خصائص الأسرة المسلمة
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟
إصدار كتاب "كربلاء كما شاهدت

 
user comment