لاريب ان معالجة المشاكل الاجتماعية الاستثنائية يتطلب تشريع قوانين استثنائية لحفظ النظام الاجتماعي واستقراره . ففي الحالات التي تعذر فيها استخدام القاعدة الاصلية في الزواج وهي النكاح الدائم ، كان لابد للاسلام ـ بسبب نظرته الرحيمة تجاه اشباع الغريزة الجنسية ـ من تشريع العقد المنقطع حتى يساهم في حل المشاكل الاجتماعية الاستثنائية .
ولا يختلف الفقهاء من كل المذاهب الاسلامية ، بان القاعدة الاصلية في الزواج هو العقد الدائم ، وما العقد المنقطع الاّ حل لمشكلة اجتماعية استثنائية . ولذلك قيل ان الاسلام انما شرع الزواج المنقطع ، بالاساس لسببين ، الاول : الاستعفاف به لمن لم يرزقه الله التزويج الدائم ، والثاني : محاربة الرذيلة في المجتمع الانساني .
وتدل على ذلك الروايات المستفيضة المروية عن اهل البيت (عليهم السلام). فقد ورد عن الامام الرضا (عليه السلام)تصريح عندما سُئل عن المتعة ؟ : ( ما انت وذاك قد أغناك الله عنها ) ، وفي حديث آخر ( هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج ، فليستعفف بالمتعة ، فان استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له اذا غاب عنها [ اي عن زوجته ] ) (1) .
واختلف فقهاء المسلمين في نسخها ، ولكنهم اتفقوا جميعاً على ان الاسلام شرَّعها في الاصل ، وان رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)اباحها ، ودليل ذلك قوله تعالى : ( فَما استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَاَتوهُنَّ اُجُورَهُنَّ فَريضَة ) (2) .
فقد اتفقوا على ان المتعة « كانت مباحة في ابتداء الاسلام . وروي عن النبي (صلی الله عليه و آله و سلم)لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة ، فشكا اصحاب الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم)طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء ، واختلفوا في انها نسخت ام لا ؟ فذهب السواد الاعظم من الامة الى انها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : انها بقيت مباحة كما كانت ، وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران ابن الحصين » (3) .
وقد وردت روايات من كلا الفريقين بما يؤيد ذلك ، فقد ورد عن ابن ابي جمرة قال : « سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخّص ، فقال له مولى له انما ذلك في الحال الشديد ، وفي النساء قلة او نحوه ؟ فقال ابن عباس : نعم ، وعن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا كنا في حبيس ، فأتانا رسولُ رسولِ لله (صلی الله عليه و آله و سلم)فقال انه قد أذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا . وقال ابن ابي ذئب حدثني اياس بن سلمة بن الاكوع عن ابيه عن رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم): اّيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فان احبا ان يتزايد او يتتاركا تتاركا » (4) .
وعن جابر بن عبد الله الانصاري قال : خرج منادي رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)فقال : ( ان رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)قد اذن لكم فتمتعوا يعني نكاح المتعة ) (5) . وورد عنه ايضاً قوله : ( استمتعنا على عهد رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)وابي بكر وعمر . وكنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأيام على عهد رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)وابي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ) (6) . وذهب علماء السنة الى نسخها ، وحرمتها بعد الاذن بها .
ويفهم من كلامهم ان النكاح المنقطع كان مباحاً وان النهي عنه وقع في آخر الامر . وقالوا بان « عدة احاديث صحيحة صريحة قد وردت بالنهي عن المتعة بعد الاذن بها » (7) .
فـ « حكي عن ابن عباس : انها جائزة ، وعليه اكثر اصحابه : عطاء ، وطاووس ، وبه قال ابن جريح وحكي ذلك عن ابي سعيد الخدري ، وجابر واليه ذهب الشيعة لانه قد ثبت ان النبي (صلی الله عليه و آله و سلم)اذن فيها ، وروي ان عمر قال : ( متعتان على عهد رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)، أفانهي عنهما واعاقب عليهما ؟ متعة النساء ، ومتعة الحج ) ، ولانه عقد على منفعة فيكون مؤقتاً كالاجارة ... وقال الشافعي : لا اعلم شيئاً احله الله ثم حرمه ، ثم احله ثم حرمه الاّ المتعة .
فحمل الامر على ظاهره ، وان النبي(صلی الله عليه و آله و سلم)حرمها يوم خيبر ، ثم اباحها في حجة الوداع ثلاثة ايام ، ثم حرمها » (8) . و« لم يختلف اهل النقل ان المتعة قد كانت مباحة في بعض الاوقات اباحها رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)» (9) .
الاّ ان فقهاء الامامية استدلوا بعدم النسخ بروايات عديدة عن اهل البيت (عليه السلام)، منها : ان الامام جعفر بن محمد (عليه السلام)عندما سُئِل : ( هل نسخ اية المتعة شيء ؟ قال : لا ، ولو لا ما نهى عنها عمر ما زنى الاّ شقي ) (10) .
وان الرخصة الثابتة الواردة عن الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم)والمتفق عليها بين الجميع ، لم يثبت الغاؤها او تحريمها بعد ذلك بخبر صحيح . فلم يبق سوى نهي الخليفة الثاني وهو بمجرده ليس بحجة . على ضوء ذلك فقد اجمع علماء الامامية على ان حقيقة الزواج المنقطع والدائم واحدة ، وان لفظ الزواج موضوع لمعنى واحد ذي شقين ؛ هما المنقطع والدائم .
واجمعوا ايضاً على ان الزواج الدائم والمنقطع يشتركان في خلو الموانع ، وصيغة العقد ، ونشر الحرمة ، وحقوق الولد ولحوقه بالاب ، وقيمة المهر ، والعدة بعد الدخول ، والشروط السائغة في العقد .
فلا يجوز العقد ـ دائماً او منقطعاً ـ على المتزوجة او المعتدة من طلاق او وفاة ، او المحرمة بالنسب او المصاهرة او الرضاع ، او المشركة . فيجب ـ شرعا ـ ان تكون المرأة المعقود عليها خالية من هذه الموانع . وينبغي ايضاً ان تكون عاقلة بالغة ، رشيدة .
ولا يصح الزواج بالمراضاة فحسب ، بل لابد من العقد اللفظي الذي يدل بكل صراحة على القصد . فـ « صيغة زواج المتعة ، اللفظ الذي وضعه الشرع للايجاب كزوجتك وانكحتك ومتعتك ، ايها حصل وقع الايجاب به ، ولا ينعقد بغيرها ، كلفظ التمليك والهبة والاجارة ، ويقع القبول باللفظ الدال على الانشاء كقوله : قبلت النكاح » (11) .
وينشر الزواج الدائم والمنقطع الحرمة بالمصاهرة ، فلا يجمع بين الاختين ، وتحرم على الزوج بنت الزوجة واُمها ، وتحرم زوجة الاب على الابن ، وزوجة الابن على الاب مؤبداً ، كما ذكرنا ذلك سابقاً في المحرمات .
اما الولد فانه يلحق بالزوج بمجرد الجماع حتى ولو عزل . وللولد سائر الحقوق المادية والادبية من حيث الارث والنفقة . ففي الحديث « ان الامام جعفر بن محمد (عليه السلام)سُئِل عن المرأة المتمتع بها ان حبلت ؟ قال : هو ولده » (12)
اما المهر فيصح بكل ما يقع عليه التراضي عملاً بالآية الكريمة : ( ... واَتيتُم اِحداهُنَّ قِنطاراً فَلا تَأخُذُوا مِنهُ شَيئاً ) (13) . واذا طلق زوجته او وهب لها المدة قبل الدخول يثبت لها نصف المهر المسمى .
واجمع الفقهاء ايضاً على ان الزواج الدائم والمنقطع يفترقان في ذكر الاجل ، وتحديد المهر ، والعدة ، والتوارث ، والنفقة .
فلابد في الزواج المنقطع من ذكر الاجل في متن العقد ، ودليله الرواية الواردة عن ائمة اهل البيت (عليه السلام): ( واذا سمي الاجل فهو متعة ، وان لم يسم فهو نكاح ثابت ) (14) .
وكذلك يجب تحديد المهر في العقد المنقطع لانه ركن من اركان العقد للنص الشريف : ( لا تكون متعة الا بأمرين : اجل مسمى ، واجر مسمى ) (15) .
وتعتد الزوجة المطلقة اذا دخل الزوج بها ، سواء كان الزواج دائمياً او منقطعاً . فالدائمة عدتها ثلاث حيضات ، او ثلاثة اشهر ، وان كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل . والمنقطعة عدتها بعد انقضاء الاجل حيضتان او خمسة واربعين يوماً ، وان كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل . وعدة الوفاة ، مع عدم الحمل ، اربعة اشهر وعشرة ايام للدائمة والمنقطعة سواء دخل الزوج ام لم يدخل . اما مع الحمل ، فالعدة بأبعد الاجلين .
واختلف الفقهاء في توارث الزوجين في المنقطع ، فذهب جماعة الى عدم التوارث الا مع الشرط ، لقوله (عليه السلام): ( ان اشترطا الميراث فهما على شرطهما ) (16) ، لان عقد الزواج لا يقتضي بطبيعته التوارث ولا العدم ، واذا حصل الشرط وجب حينئذٍ العمل به .
اما النفقة فهي واجبة في الدائم ، ولكنها لا تجب في المنقطع الا مع الشرط .
وبالجملة فان حقوق الزوجة الدائمة والمنقطعة ثابتة الا ما خرج بالدليل . و « حكم الزواج المنقطع كالدائم في جميع ما سلف من الاحكام شرطاً وولاية وتحريماً بنوعيه [ العيني كالاخت والام ، والجمعي كالجمع بين الاختين ] الاّ ما استثني » (17) .
وقد ورد في الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام)عندما سئل عن المتعة ، فقال : ( حلال فلا تتزوج الا عفيفة ، ان الله عز وجل يقول : ( وَالَّذينَ هُم لِفُرُوجِهِم حافِظُونَ ) (18).
وفي حديث آخر : ( لا ينبغي لك ان تتزوج الاّ بمأمونة او مسلمة ، فان الله عز وجل يقول : ( الزَاني لا يَنكحُ اِلاّ زانِية اَو مُشرِكَة وَالزّانِيَة لا يَنكِحُها اِلاّ زانٍ اَو مُشرِك وَحُرِّم ذلِكَ عَلى المُؤمِنينَ ) (19)
ولاشك ان الزواج المؤقت يمثل في الظروف الاستثنائية خطوة اولية نحو الزواج الدائم ، لان الانشداد الذي يحصل بين الزوجين خلال فترة العقد الاستثنائي لايمكن فصمه بسهولة . ويعضد هذا القول ما ورد في رواية ابي بصير عن الامام ابي جعفر (عليه السلام)انه كان يقرأ ( فَمااستَمتَعتُم بِهِ مِنُهنَّ فاَتوهُنَّ اُجُورَهُنَّ فَريضَة وَلا جُناحَ عَلَيكُم فيما تَراضَيتُم بِهِ مِنَ بَعدِ الفَريضَة ) (20) . فقال : ( هو ان يتزوجها الى اجل ثم يحدث [ الله ] شيئاً بعد الاجل ) (21) .
النكاح المنقطع للشهيد الثاني
«لاخلاف بين فقهاء الامامية في شرعيته مستمراً الى الآن ، او لا خلاف بين المسلمين في اصل شرعيته وان اختلفوا بعد ذلك في نسخه . والقرآن الكريم مصرّح به في قوله تعالى : ( فَما استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فاَتوهُنَّ اُجُورَهُنَّ ) اتفق جمهور المفسرين على ان المراد به نكاح المتعة ، واجمع اهل البيت عليهم السلام على ذلك وروي عن جماعة من الصحابة منهم ابي بن كعب ، وابن عباس ، وابن مسعود انهم قرأوا ( فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى ) (22)
ودعوى نسخه ، اي نسخ جوازه من الجمهور لم تثبت ، لتناقض رواياتهم بنسخه ، فانهم رووا عن علي عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، ورووا عن ربيع بن سبرة عن ابيه انه قال : شكونا العزبة في حجة الوداع فقال : « استمتعوا من هذه النساء » فتزوجت امرأة ثم غدوت على رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)وهو قائم بين الركن والباب وهو يقول : ( اني كنت قد اذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها الى يوم القيامة ) (23).
ومن المعلوم ضرورة من مذهب علي واولاده عليهم الصلاة والسلام حلها وانكار تحريمها بالغاية ، فالرواية عن علي عليه السلام بخلافه باطلة .
ثم اللازم من الروايتين ان تكون قد نسخت مرتين ، لان اباحتها في حجة الوداع اولاًناسخة لتحريمها يوم خيبر ولا قائل به . ومع ذلك يتوجه الى خبر سبرة الطعن في سنده ، واختلاف الفاظه ومعارضته لغيره .
ورووا عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، وابن مسعود ، وسلمة بن الاكوع ، وعمران بن حصين ، وانس بن مالك انها لم تنسخ . وفي صحيح مسلم باسناده الى عطاء قال : ( قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن اشياء ثم ذكروا المتعة فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)وابي بكر وعمر ) (24) .
وهو صريح في بقاء شرعيتها بعد موت النبي (صلی الله عليه و آله و سلم)من غير نسخ . وتحريم بعض الصحابة ، وهو عمر ، اياه تشريع من عنده مردود عليه ، لانه ان كان بطريق الاجتهاد فهو باطل في مقابلة النص اجماعاً ، وان كان بطريق الرواية فكيف خفي ذلك على الصحابة اجمع في بقية زمن النبي وجميع خلافة ابي بكر وبعض خلافة المُحَرِّم [ وهو عمر ] ، ثم يدل على ان تحريمه من عنده لا بطريق الرواية ، قوله ، في الرواية المشهورة عنه بين الفريقين : ( متعتان كانتا في عهد رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)حلالاً انا انهى عنهما واعاقب عليهما ) (25) ولو كان النبي (صلی الله عليه و آله و سلم)قد نهى عنهما في وقت من الاوقات لكان اسناده اليه (صلی الله عليه و آله و سلم)اولى وادخل ي الزجر .
وروى شعبة عن الحكم بن عتيبة ـ هو من اكابر القوم ـ قال : سألته عن هذه الآية : ( فما استمتعتم به منهن ) أمنسوخة هي ؟ قال : ( لا) ثم قال الحكم : قال علي بن ابي طالب (عليه السلام): لو لا عمر نهى عن المتعة ما زنى الاشقي .
وفي صحيح الترمذي ان رجلاً من اهل الشام سأل بن عمر عن متعة النساء فقال : ( هي حلال ، فقال : ان اباك قد نهى عنها ، فقال ابن عمر : أرايت ان كان ابي قد نهى عنها وقد سنّها رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)أتترك السنة وتتبع قول ابي ) (26)
واما الاخبار بشرعيتها من طريق اهل البيت (عليه السلام) فبالغة ، او كادت ان تبلغ حد التواتر لكثرتها » (27) .
المصادر :
1- الكافي : ج 2 ص 43 .
2- النساء : 24 .
3- التفسير الكبير للفخر الرازي : ج 10 ص 49 .
4- صحيح البخاري : ج 7 ص 16 .
5- وسائل الشيعة : ج 14 ص 440 .
6- صحيح مسلم : ج 4 ص 131 .
7- فتح الباري لابن حجر : ج 11 ص70 .
8- المغني لابن قدامة : ج 7 ص 178 ـ 179 .
9- احكام القرآن للجصاص : ج 2 ص 178 .
10- الوسائل : ج 14 ص 440 .
11- الجواهر : ج 30 ص 154 .
12- التهذيب : ج 2 ص 191 .
13- النساء : 19 .
14- الكافي : ج 2 ص 44 .
15- التهذيب : ج 2 ص 189 .
16- التهذيب : ج 2 ص 190 .
17- شرح اللمعة : ج 5 ص 284 .
18- المؤمنون : 5/ التهذيب : ج 2 ص 187 .
19- النور : 3 ./ الكافي : ج 2 ص 44 .
20- النساء : 24 .
21- تفسير العياشي : ج 1 ص 234 .
22- شرح مسلم للنووي : ج 9 ص 179 .
23- صحيح مسلم : ج 4 ص 132 .
24- صحيح مسلم : ج 4 ص 134 .
25- احكام القرآن للجصاص : ج 2 ص 184 .
26- صحيح الترمذي : ج 3 ص 184 .
27- شرح اللمعة الدمشقية : ج 5 ص 245 .
source : rasekhoon