إنّ العلاقة الجنسية علاقة طبيعية راسخة في وجود كلّ إنسان في مقطع زمنيّ خاص، بنحو لا تجد لها مثيلاً في سائر العلاقات، وفي ظلّها تنفتح مشاعرُ الحب والعطف والحنان وتتعاظم المسؤولية بغية إرساء دعائم الأُسرة التي هي أوّل نواة المجتمع الإنساني الكبير.
إنّ تلبية الغريزة الجنسية تُعدّ من حاجات الإنسان الملحّة، ومن ضروريات الحياة، التي لا يختلف فيه اثنان. وليست حاجتُه إلى الزواج بأقلّ من حاجته إلى الطعام والشراب.
إنّ الشريعة الإسلامية بما انّها خاتمة الشرائع، ونبيُّها خاتم الأنبياء، وكتابها خاتمة الكتب، قد تناولت هذا الجانب من شخصية الإنسان وأشبعته بسنن وقوانين تنسجم مع سائر غرائزه الكامنة في وجوده.
وقد بلغت عناية الشريعة بالدعوة إلى تلبية الغريزة المذكورة حداً أن عدّ النكاح، سنّة إلهية والإعراض عنه إعراضاً عن الشريعة كما يجسّده حديث رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «النكاح سنّتي فمن أعرض عن سنّتي فليس مني».(1)
وهذا يُعرب عن قدسية الزواج في الإسلام وانّه أرفع من أن يكون تبادلاً بين الإنسان والمال كما طاب لبعض الجدد المتأثرين بالغرب أن يسمّيه .(2)
ومهما حرص الإنسان على حياة التبتّل والعزوف عن الزواج، فانّه يظل يشعر بفراغ كبير لا يسدّه شيء سوى الزواج.
وانطلاقاً من هذه الأهمية فقد شرّع الإسلام قوانين رائعة في تنظيم الغريزة الجنسية وسوقها في الاتجاه الصحيح الذي يكفل للإنسان إشباع غريزتِه الجنسية، بأسلوب يتجاوب مع سائر ميوله و غرائزه ويحفظ له كرامته وشرفه، قال سبحانه :(وَأَنْكِحُواالأَيامى مِنْكُم وَالصّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فضْلِهِ وَاللّهُ واسِعٌ عَليم).(3)
فقد سمح له في غير واحد من الآيات، أن يلبّي حاجتَه الجنسية بطرق ثلاثة:
1. النكاح الدائم.
2. النكاح المؤقت.
3. ملك يمين.
ومهما يكن من أمر فالذي دعانا إلى عقد بحث في النكاح المؤقت هو انّ الأخلاّء والألدّاء أجحفوا بحقه في كتاباتهم.
أمّا الألدّاء فقد نظروا إليه بعين الحقد والحسد، نطرة الضُّرة، إلى الضُّرة ، فصوّروا محاسنه معايب.
وأمّا الأخلاّء فقد أكثروا فيه اللغط والتهويش، وأخذوا بالقضاء والإبرام من دون تدبر وتبصر وعدل وإنصاف، حتّى تجاوز بعضهم وعدّه زواجاً أقرب إلى الدعارة والزنا، ومعنى ذلك انّ صاحب الرسالة ـ والعياذ باللّه ـ رخّص الدعارة في أيام قلائل لأصحابه لأجل إخماد نار الشهوة فيهم «كبرت كلمة تخرج من أفواههم».
فما تنتظر من موضوع، خاض في تحليله وتبيينه العدو للطعن به، والصديق للجهل بحقيقته، أن لا تحوم حوله الشبهات. ولو انّ الصديق درس الموضوع دراسة معمّقة، وأحاط بما ورد فيه في الذكر الحكيم، وأحاديث الرسول لما كان يتفوّه بتلك الكلمة القارصة.
فالذي نشير إليه في هذه العجالة، هو انّ الإسلام عالج مشكلة الغريزة الجنسية بالدعوة إلى النكاح الدائم وجعله أساساً في حياة الإنسان، و تلقى هذا النوع من النكاح أمراً ضرورياً وطعاماً روحياً لكافة بني الإنسان.
وعلى الرغم من ذلك فقد تطرأ ظروف خاصة لا يتمكن الإنسان خلالها من سلوك الطريق العام (أي النكاح الدائم)، فكان لابدّ للشريعة الإسلامية أن تقول كلمتها في هذا المضمار، من خلال تقنين زواج خاصّ كعلاج مقطعيّ، فمن الخطأ أن نتصور انّ دعوة الإسلام إلى الزواج المؤقت كدعوته إلى الزواج الدائم، كلاّ، فالزواج الدائم تلبية للحاجة الجنسية في عامة مقاطع الحياة .
وأمّا النكاح المؤقت فهو ـ كما عرفت ـ دواء وليس بطعام، علاج لضروريات مقطعية يحول دون انتشار الفساد في المجتمع الإسلامي.
إذ ربما تطرأ على الإنسان ظروف لا يتيسر من خلالها الزواج الدائم فلا يبقى أمامه سوى الأُمور الثلاثة التالية:
1. كبت جماح الشهوة.
2. التردّد على بيوت الدعارة والفساد.
3. النكاح المؤقت بالشروط التي وضعها الإسلام.
أمّا الأوّل فمن المستحيل عادة أن يصون به أحد نفسه ـ إلاّ من عصمه اللّه ـ ولا يطرق ذلك الباب إلاّ الأمثل فالأمثل من الناس وأين هو من عامة الناس؟!
وأمّا الثاني ففيه ـ مضافاً إلى هدم الكرامة الإنسانية ـ شيوع الفساد والأمراض وتداخل الأنساب فلم يبق إلاّ الطريق الثالث وهو النكاح المؤقت.
وعلى ذلك فالزواج المؤقت من أروع السنن الإسلامية التي سنّها الإسلام وأراد بها صون كرامة الإنسان.
وقد وقف الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ على عمق المشكلة ، فأدلى بكلمة قيّمة تقرع آذاننا وتُحذِّر المجتمع من تفاقم هذا الأمر عند إهماله لهذا العلاج، وقال: «لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي أو شقية».
وهنا كلام للمفكّر الإسلامي الشهيد المطهري يقول: «السمة المميزة لعصرنا هي اتساع المسافة الزمنية بين البلوغ الجنسي، والنضج الاجتماعي حين يصبح بمقدور المرء تأسيسَ عائلة، فهل بإمكان الشُبّان قضاء فترة من التنسك المؤقت، وتحمل قيود التقشف القاسية في انتظار تمكنهم من عقد زواج دائم.
و لنفترض انّ هناك شاباً مستعداً لتحمل هذا التنسك المؤقت، فهل ستكون الطبيعة مستعدة ـ عند الامتناع عن النكاح ـ بتحمل تلك العقوبات النفسية الفظيعة والخطرة التي يصاب بها الأشخاص الذين يمتنعون عن ممارسة النشاطات الجنسية الغريزية كما يدل على ذلك اكتشافات علماء النفس الآن.
فعند ذاك انّ أمام الشبان خيارين:
1. إمّا اتّباع النموذج الغربي المنحطّ ـ أعني: الإباحةَ الجنسية ـ القائم على إعطاء الحرية للشبّان والشابات على قدم المساواة.
2. أو الإقرار بشرعية الزواج المؤقت المحدد».
هذا وقد ضمّ بعض فلاسفة الغرب في العصور الأخيرة من الذين اشتهروا بالتحرر من القيود والحرية في الرأي، أصواتَهم إلى صوت الإسلام في تشريعه الخالد للنكاح المؤقت .
فهذا هو «راسل» يرى أنّ سنن الزواج قد تأخرت بغير اختيار وتدبير فانّ الطالب كان يستوفي علومه قبل مائة سنة أو مائتي سنة في نحو الثامنة عشرة أو العشرين فيتأهب للزواج في سن الرجولة الناضجة، ولا يطول به عهد الانتظار إلاّ إذا آثر الانقطاعَ للعلم مدى الحياة، وقلّ من يؤثر ذلك بين المئات والأُلوف من الشبان.
أمّا في العصر الحاضر فالطلاب يبدأون التخصص في العلوم والصنائع بعد الثامنة عشرة أو العشرين، ويحتاجون بعد التخرج من الجامعات إلى زمن يستعدون فيه لكسب الرزق من طريق التجارة أو الأعمال الصناعية والاقتصادية. ولا يتسنّى لهم الزواج وتأسيس البيوت قبل الثلاثين، فهناك فترة طويلة يقضيها الشابّ بين سن البلوغ وبين سن الزواج لم يُحسب لها حسابها في التربية القديمة.
وهذه الفترة هي فترة النمو الجنسي، والرغبة الجامحة، وصعوبة المقاومة للمغريات، فهل من المستطاع أن نسقط حساب هذه الفترة من نظام المجتمع الإنساني، كما أسقطها الأقدمون وأبناء القرون الوسطى؟
يقول الفيلسوف الآنف الذكر أنّ ذلك غير مستطاع، وأنّنا إذا أسقطناها من الحساب فنتيجة ذلك شيوع الفساد والعبث بالنسل بين الشبان والشابات، وإنّما الرأي عنده أن تسمح القوانين في هذه السن بضرب من الزواج بين الشبان والشابات، لا يَؤودهم بتكاليف الأسرة، ولا يتركهم لعبث الشهوات الموبقات وما يعقبه من العلل والمحرجات. وهذا ما سماه بـ«الزواج بغير أطفال»، وأراد أن يكون عاصماً من الابتذال ومدرّباً على المعيشة المزدوجة قبل السن التي تسمح بتأسيس البيوت.(4)
ولعلّ مراده من قوله: «الزواج بغير أطفال» هو استعمال موانع الحمل ومع ذلك فالالتزام بهذا الشرط أمر ممكن ولكنّه مشكل، وعلى فرض استعماله، فلو أنجبا طفلاً فهو ولد شرعي يلحق بالوالدين.
إنّ الاقتراح الذي عرضه الفيلسوف الإنجليزي هو ما دعا إليه الإسلام منذ أكثر من 14 قرناً، ولكن الإسلام جعله في إطار تقنيني وتشريعي أضفى عليه مزيداً من الروعة والجمال وكمالاً من حيث القيود والشروط.
هذه دراسة موجزة حول النكاح المؤقّت نقدّمها للقراء الكرام راجين أن يُولوا عناية فائقة بهذا الموضوع ويتدارسوه من زوايا مختلفة حتّى تتبين لهم عظمة التشريع الإسلامي وانّ الأغيار جحدوا حقّه، وغيرهم جهلوه وما عرفوه.
آراء الفقهاء في المتعة
اتّفقت المذاهب الفقهية على أنّ متعة النساء كانت حلالاً أحلّها رسولُ اللّه بوحي منه سبحانه في برهة من الزمن وإنّما اختلفوا في استمرار حليتها وكونها منسوخة أو لا؟ فالشيعة الإمامية ولفيف من الصحابة والتابعين على بقاء الحلية خلافاً للمذاهب الأربعة وهي على التحريم.
ومن المعلوم انّ مسألة المتعة مسألة شائكة، يكتنفها شيء من الغموض والإبهام، وليس معنى ذلك أنّ المسألة تفقد الدليل الشرعي من الذكر الحكيم والسنّة المطهرة على حلّيتها بعد رحيل الرسول إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.
بل يراد من الغموض، هو أنّ الكاتب مهما كان موضوعياً، ربما يُتّهم بالانسياق وراء الشهوات عند الخوض في هذه المسائل.
هذا، مع الاعتراف بأنّ ظاهرة المتعة ليست ظاهرة متفشية بين القائلين بحليتها ـ كما يتصوّرها المغفلون ـ بل تمارس في نطاق ضيق، وفي ظروف معينة.
وتبيين الحقّ يتم ضمن أُمور:
تعريفها ونبذ من أحكامها
الزواج المؤقت عبارة عن تزويج المرأة الحرة الكاملة نفسَها إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع ـ من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية ـ بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا و الاتفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق، و يجب عليها من الدخول بها ـ إذا لم تكن يائسة ـ أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض وإلاّ فبخمسة وأربعين يوماً.
إنّ الزواج المؤقت كالزواج الدائم لا يتم إلاّ بعقد صحيح دالّ على قصد الزواج جدّاً ، وكلّ مقاربة تحصل بين رجل وامرأة من دون عقد فلا تكون متعة حتّى مع التراضي والرغبة، ومتى تم العقد كان لازماً يجب الوفاء به.
نبذ من أحكامها
إنّ أكثر المشكلات التي تُثار على زواج المتعة نابعة من عدم الوقوف على حقيقتها وآثارها وأحكامها، فنذكر شيئاً موجزاً منها حتّى يتبين انّ بين المتعة والسفاح بعد المشرقين.
إنّ لنكاح المتعة أحكاماً مشتركة بينها و بين النكاح الدائم، كما أنّ لها أحكاماً خاصّة فقد بسطنا الكلام في كلا القسمين من أحكامها في كتابنا «نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغرّاء» فمن أراد التفصيل فليرجع إليه.(5) فها نحن نذكر شيئاً من أحكامها المشتركة والمختصة والفقيه العارف يميّز المشترك من المختص.
للنكاح المنقطع أركان أربعة:
1. الصيغة، 2. المحل، 3. الأجل، 4. المهر.
الف: الصيغة
فهي الإيجاب والقبول ويكفي في الإيجاب أحد الألفاظ الثلاثة: زوجتك ومتّعتك وأنكحتك، ويكفي في القبول كلّ لفظ دالّ على الرضا بذلك الإيجاب كقوله: قبلت النكاح أو المتعة.
ب: المحل
وهو الزوج والزوجة ويشترط فيهما ما يشترط في النكاح الدائم إلاّ ما استثني، فيشترط أن تكون الزوجة مسلمة ويجوز أن تكون كتابية على القول الأشهر بين الفقهاء.
وأمّا المسلمة فلا تتمتع إلاّ بالمسلم خاصة.
ولا يدخل على الزوجة المنقطعة بنت أُختها، ولا بنت أخيها إلاّ بإذنها، ولو فعل توقّف على إذنها، فإن ردت، بطل العقد .
ج: المهر
المهر ركن في عقد المتعة، يبطل العقد بعدم ذكره في العقد ويشترط أن يكون مملوكاً، معلوماً إمّا بالكيل أو الوزن أو المشاهدة و الوصف.
ولو وهب الزوج، المدة لها، قبل الدخول لزمه النصف; ولو دخل استقرّ المهر كله.
د: الأجل
فهو ركن من عقد المتعة، ولو ترك الأجل فهنا قولان: بطل و قيل ينقلب العقد دائماً، ولابد أن يكون معيناً محروساً من الزيادة والنقصان.
يجوز العزل من المتمتع بها ولا يقف على إذنها خلافاً للدائمة فلا يجوز العزل إلاّ بإذنها.
وتبين المتمتع بها بانقضاء الأجل ولا يقع بها طلاق ولا يتوارثان إلاّ مع الشرط في متن العقد.
المتعة كالدوام فيما يحرم بالمصاهرة، فلو عقد على امرأة تمتعاً، حرمت عليه أُمّها، مطلقاً، وبنتها مع الدخول، وهكذا سائر المحرمات المذكورة في باب التحريم بالمصاهرة.
وإذا دخل بها وانقضى أجلها فإن كانت من ذوات الحيض، وجب عليها الاعتداد بحيضتين، وإن لم تكن من ذوات الإقراء، وهي في سنهنّ اعتدت بخمسة وأربعين يوماً، وإن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها.
ولو مات عنها في الأجل اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيّام، سواء دخل بها أو لا إن كانت حائلاً، وقيل شهران وخمسة أيّام، و إن كانت حاملاً اعتدت بأبعد الأجلين، ولو كانت أمة اعتدت حائلاً بشهرين وخمسة أيّام.(6)
والغرض من ذلك هو الإشارة إلى أنّ نكاح المتعة نكاح حقيقي، وهو كالنكاح الدائم في عامّة الأحكام إلاّ ما خرج بالدليل، وأهمّ الفروق عبارة عن:
1. الزوجة الدائمة تفارق بالطلاق و هذه تفارق بانقضاء الأجل.
2. الزوجة الدائمة يُنفق عليها، دونها.
3. الزوجة الدائمة ترث زوجها وهو يرثها، دونها.
4. انّ الدائم إذا طلقت تعتد بثلاثة أشهر أو بثلاث حيضات وهي تعتد بحيضتين أو خمسة وأربعين يوماً.
وهذه الفروق الضئيلة لا تخرجها عن كونها زوجة لها من الأحكام ما لغيرها ، مثلاً يقول سبحانه: (وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون* إِلاّ عَلى أَزواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومين)(7) والمزوجة متعة داخلة في قوله سبحانه: (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ) فهي زوجة حقيقة، لها من الأحكام ما للزوجة الدائمة إلاّ ما استثني بالدليل كما عرفت. وانتفاء بعض الأحكام أو تخصيصها في مورد المؤقتة، لا يسلب عنها عنوان الزوجيّة، وسيوافيك انّ الدائمة أيضاً تبين أحياناً بلاطلاق، أو لا ترث أو لا يَرثُها زوجها، أو لا يُنفق عليها فانتظر.
source : rasekhoon