من يحب اكتشاف المجهول لا تهمّه الصعاب
اعتادَت مجموعةٌ من السمكِ مِن نوعٍ مُعيَّن أن تُسافِرَ كلَّ عامٍ إلى مَواطنَ مياهٍ جديدة ، في رِحلةٍ جديدة .
وأما أنواعُ السمكِ الأخرى كانت تَنظُرُ إلى هذه المجموعة بدهشةٍ واستِغراب ، وهي تَراها تُهاجِرُ بعكسِ التيّار ، وتَتحملُ التَعبَ والمَشَقّات ، وتَفقِدُ أثناءَ السَفرِ أعداداً كثيرةً منها .
وعندما كانت الأسماكُ الأخرى تَسألُها عن سِرِّ رِحلتِها هذه ، كانت جُموعُ هذا السمكِ تُجيب : نحنُ أسماكٌ نُحبُّ السفَر ، ونَحلُمُ طِيلةَ الفُصول بموعدِ هذِه الرِحلةِ الكبرى التي يُشارك فيها كلُّ أفرادِ أُسرتِنا السَمَكيةِ الصغيرة .
ولمّا كانت الأسماكُ التي لا تفُارق أماكنَها تَقضي وقتاً مُسَلّياً بمراقبةِ هذا النوع من السمكِ وهو يَستعدُّ للرحيل ، كانت تَتمنّى أن يُغيّرَ رأيَهُ ، فيَعدِلُ عن عزمهِ على السفر ، ويَظَلَّ معها يَلهو ويَلعب .
لكنّه نوعٌ من السمكِ عَنيدٌ في عزمهِ ، وقد نَصَحتْهُ أنواعُ السمكِ الأخرى أكثرَ مِن مرّة ، فلم يَسمَع .
أمّا نَصيحتُها هذه المرّةَ فقد كانت خَوفاً مِن العاصفةِ التي بدأتْ نُذُرها فوقَ سطحِ الماء ، وسوفَ تُحرِّكُ أعماقَ التيّارات .
وعندما أعلَنَت مَخاوِفَها للسمكِ العَنيد أجابَ ضاحكاً : إنّ مَن يُحبُّ اكتشافَ المجهولِ والتعرُّفَ على حقائقِ العوالِمِ الأخرى لا تَهمُّهُ الصِعاب ، ولا تَقِفُ في وجههِ المَخاطِر .
فصَمَتتْ أنواعُ السمكِ بِحُزن ، وقد أحَسَّت أنّها رُبَّما لن تَرى هذا النوعَ من السمكِ مرّةً أخرى .
بعدئذٍ هاجَ البحر ، واشتَدَّت العاصِفة ، واضطَرَبَ الموَج ، ولجأ أكثرُ الأسماكِ إلى قاعِ البحرِ لِيختَبئَ هناك .
وبعدَ أيّام - وقد هَدأ كلُّ شيء - سَمِعَت الأسماكُ صوتاً يَشُقُّ ثَنايا الماء ، ورأت ألواناً فِضيّة بَرّاقةً تَلمعُ بين الأمواج ، فأيقنَتْ أن السمكَ العَنيد قد كُتِبَتْ له النجاة .
فأسرَعَتْ نَحوهُ تُحيطُ به لِتهنّئَهُ بعَودتِه سالماً ، وعند ذلك أبصَرَتْ أنّ أكثرَ أسماكهِ قد ازدادَتْ بَريقاً وعافية ، وأنّ منها مَن يَحملُ في عَينَيهِ أسراراً جديدةً بَعد الرِحلة .
أمّا كبيرُ السمك فقد عَلِقَت بَين حَراشِفهِ أنواعٌ عجيبةٌ من الأعشابِ الملوّنة ، وأطبَقَ فَكَّهُ على لُؤلؤةٍ نادِرةٍ أتى بها مِن رحلةِ المُغامَرَة والاكتِشاف .
وتَحدَّثَ لها عمّا اكتَسَبَهُ مِن معلومات ، وما اخَتَزَنَهُ في ذِهنهِ من خرائط لأعماقِ البحر .
شاهَدَ السمكُ ما حَصَلَ عليهِ السمكُ العنيد ، فنَدِمَ على تَسميتها بالسمكِ العنيد ، كما تمنّى لو أنّه رافَقَهُ في رِحلتهِ المُدهِشةِ إلى الصُخورِ الملوّنة ، والشُعَبِ المرَجانيةِ وقِيعانِ البحار الرائعةِ الجمال .