عربي
Monday 23rd of December 2024
0
نفر 0

الشكر وأقسامه وفضيلته

الشكر وأقسامه وفضيلته

الشكر :

هو عرفان النعمة من المنعم وحمده عليها ، واستعمالها في مرضاته ، وهو من خلال الكمال ، وسمات الطِيبَة والنبل ، وموجبات ازدياد النِعم واستدامتها .

والشكر واجب مقدّس للمنعم المخلوق ، فكيف بالمنعم الخالق ، الذي لا تحصى نَعماؤه ولا تُعدّ آلاؤه ، والشكر لا يجدي المولى عز وجل لاستغنائه المطلق عن الخلق ، وإنّما يعود عليهم بالنفع ، لإعرابه عن تقديرهم للنعم الإلهية ، واستعمالها في طاعته ورضاه ، وفي ذلك سعادتهم وازدهار حياتهم ، لذلك دعت الشريعة إلى التخلّق بالشكر والتحلّي به كتاباً وسنّة :

قال تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) البقرة : 152 .

وقال تعالى : ( كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ) سبأ : 15 .

وقال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم : 7 .

وقال تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) سبأ : 13 .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الطاعم الشاكر له من الأجر ، كأجر الصائم المُحتَسب ، والمُعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر ، والمُعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من أعطى الشكر أُعطي الزيادة ، يقول الله عز وجل ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ )) .

وقال ( عليه السلام ) : ( شكر كل نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عز وجل عليها ) .

وقال ( عليه السلام ) : ( ما أنعم الله على عبد بنعمة بالغة ما بلغت فحَمد الله عليها ، إلاّ كان حمَدُ الله أفضل من تلك النعمة وأوزن ) .

وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( تقول ثلاث مرّات إذا نظرت إلى المُبتَلَى من غير أن تُسمعه : الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاك به ، ولو شاء فعل ، قال : من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء ، فيوجب الله له بها الجنّة ، ثمّ قال : إنّه ليأخذ الإناء ، فيضعه على فيه ، فيسمّي ثمّ يشرب ، فينحّيه وهو يشتهيه ، فيحمد الله ثمّ يعود ، ثمّ ينحّيه فيحمد الله ثمّ يعود فيشرب ، ثمّ ينحّيه فيحمد الله ، فيوجب الله عز وجل له بها الجنّة ) .
أقسام الشكر :

الأوّل : شكر القلب ، والثاني : شكر اللسان ، والثالث : شكر الجوارح .

ذلك أنّه متى امتلأت نفس الإنسان وعياً وإدراكاً بعِظَمِ نِعم الله تعالى ، وجزيل آلائه عليه ، فاضت على اللسان بالحمد والشكر للمنعم الوهّاب .

ومتى تجاوبت النفس واللسان في مشاعر الغبطة والشكر ، سرى إيحاؤها إلى الجوارح ، فغدت تُعرب عن شكرها للمولى عز وجل بانقيادها واستجابتها لطاعته ، من أجل ذلك اختلفت صور الشكر ، وتنوّعت أساليبه :

أ ـ فشكر القلب هو : تصورّ النعمة ، وأنّها من الله تعالى .

ب ـ وشكر اللسان : حمد المنعم والثناء عليه .

ج ـ وشكر الجوارح : إعمالها في طاعة الله ، والتحرّج بها عن معاصيه : كاستعمال العين في مجالات التبصّر والاعتبار ، وغضّها عن المحارم ، واستعمال اللسان في حسن المقال ، وتعفّفه عن الفحش والبذاء ، واستعمال اليد في المآرب المباحة ، وكفّها عن الأذى والشرور .

وهكذا يجدر الشكر على كل نعمة من نعم الله تعالى ، بما يلائمها من صور الشكر ومظاهره : فشكر المال : إنفاقه في سبل طاعة الله ومرضاته ، وشكر العلم : نشره وإذاعة مفاهيمه النافعة ، وشكر الجاه : مناصرة الضعفاء والمضطهدين ، وإنقاذهم من ظلاماتهم .

ومهما بالغ المرء في الشكر ، فإنّه لن يستطيع أن يوفي النعم شكرها الحق ، إذ الشكر نفسه من مظاهر نعم الله وتوفيقه ، لذلك يعجز الإنسان عن أداء واقع شكرها : كما قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أوحى الله عز وجل إلى موسى ( عليه السلام ) : يا موسى اشكرني حقّ شكري ، فقال : يا ربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك ، وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ ، قال : يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك منّي ) .
فضيلة الشكر :

من خصائص النفوس الكريمة تقدير النعم والألطاف ، وشكر مسديها ، وكلّما تعاظمت النِعم ، كانت أحق بالتقدير ، وأجدر بالشكر الجزيل ، حتّى تتسامى إلى النعم الإلهية التي يقصر الإنسان عن تقييمها وشكرها .

فكل نظرة يسرحها الطرف ، أو كلمة ينطق بها الفم ، أو عضو تحرّكه الإرادة ، أو نَفَسٍ يردّده المرء ، كلّها منح ربّانية عظيمة ، لا يثمنّها إلاّ العاطلون منها ، أمّا كفران النعم ، فإنّه من سمات النفوس اللئيمة الوضيعة ، ودلائل الجهل بقيم النعم وأقدارها ، وضرورة شكرها .

أنظر كيف يخبر القران الكريم : أنّ كفران النعم هو سبب دمار الأُمم ومحق خيراتها : ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) النحل : 112 .

وسئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) : عن قول الله عز وجل : ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وأنهار جارية ، وأموال ظاهرة ، فكفروا نعم الله عز وجل ، وغيّروا ما بأنفسهم من عافية الله ، فغيّر الله ما بهم من نعمة ، وإنّ الله لا يغيّر ما بقوم ، حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، فأرسل الله عليهم سيل العَرمِ ففرق قراهم ، وخرّب ديارهم ، وذهب بأموالهم ، وأبدلهم مكان جنّاتهم جنّتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلاّ الكفور ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ قوماً أفرغت عليهم النعمة وهم ( أهل الثرثار ) فعمدوا إلى مُخ الحنطة فجعلوه خبز هجاء فجعلوا ينجون به صبيانهم ، حتّى اجتمع من ذلك جبل ، فمرّ رجل على امرأة وهي تفعل ذلك بصبيّ لها ، فقال : ويحكم اتقوا الله لا تُغيّروا ما بكم من نعمة ، فقالت : كأنّك تخوفنا بالجوع ، أمّا ما دام ثرثارنا يجري فإنّا لا نخاف الجوع .

قال : فأسف الله عز وجل ، وضعف لهم الثرثار ، وحبس عنهم قطر السماء ونبت الأرض ، قال : فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه ، ثمّ احتاجوا إلى ذلك الجبل فإنّه كان ليقسم بينهم بالميزان ) .

وعن الإمام الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أسرع الذنوب عقوبة كفران النعم ) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أفضلية فاطمة الزهراء عليها السلام في کتب أهل ...
اساليب الاحترام
باب سياق حديث معمر المغربي أبي الدنيا علي بن ...
زيارة أم البنين عليها السلام
احاديث امام الحسن (عليه السلام)
الإقتباسات القرآنية في أشعار المواكب الحسينية (1)
أطفالنا في ظلّ التربية الإسلامية
الاسلام في مسيرة التنمية
کعبة المشرفة سر البناء و الموقع
أسباب الخلل الإرادي

 
user comment