الشكر :
هو عرفان النعمة من المنعم وحمده عليها ، واستعمالها في مرضاته ، وهو من خلال الكمال ، وسمات الطِيبَة والنبل ، وموجبات ازدياد النِعم واستدامتها .
والشكر واجب مقدّس للمنعم المخلوق ، فكيف بالمنعم الخالق ، الذي لا تحصى نَعماؤه ولا تُعدّ آلاؤه ، والشكر لا يجدي المولى عز وجل لاستغنائه المطلق عن الخلق ، وإنّما يعود عليهم بالنفع ، لإعرابه عن تقديرهم للنعم الإلهية ، واستعمالها في طاعته ورضاه ، وفي ذلك سعادتهم وازدهار حياتهم ، لذلك دعت الشريعة إلى التخلّق بالشكر والتحلّي به كتاباً وسنّة :
قال تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) البقرة : 152 .
وقال تعالى : ( كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ) سبأ : 15 .
وقال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم : 7 .
وقال تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) سبأ : 13 .
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الطاعم الشاكر له من الأجر ، كأجر الصائم المُحتَسب ، والمُعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر ، والمُعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من أعطى الشكر أُعطي الزيادة ، يقول الله عز وجل ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ )) .
وقال ( عليه السلام ) : ( شكر كل نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عز وجل عليها ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( ما أنعم الله على عبد بنعمة بالغة ما بلغت فحَمد الله عليها ، إلاّ كان حمَدُ الله أفضل من تلك النعمة وأوزن ) .
وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( تقول ثلاث مرّات إذا نظرت إلى المُبتَلَى من غير أن تُسمعه : الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاك به ، ولو شاء فعل ، قال : من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء ، فيوجب الله له بها الجنّة ، ثمّ قال : إنّه ليأخذ الإناء ، فيضعه على فيه ، فيسمّي ثمّ يشرب ، فينحّيه وهو يشتهيه ، فيحمد الله ثمّ يعود ، ثمّ ينحّيه فيحمد الله ثمّ يعود فيشرب ، ثمّ ينحّيه فيحمد الله ، فيوجب الله عز وجل له بها الجنّة ) .
أقسام الشكر :
الأوّل : شكر القلب ، والثاني : شكر اللسان ، والثالث : شكر الجوارح .
ذلك أنّه متى امتلأت نفس الإنسان وعياً وإدراكاً بعِظَمِ نِعم الله تعالى ، وجزيل آلائه عليه ، فاضت على اللسان بالحمد والشكر للمنعم الوهّاب .
ومتى تجاوبت النفس واللسان في مشاعر الغبطة والشكر ، سرى إيحاؤها إلى الجوارح ، فغدت تُعرب عن شكرها للمولى عز وجل بانقيادها واستجابتها لطاعته ، من أجل ذلك اختلفت صور الشكر ، وتنوّعت أساليبه :
أ ـ فشكر القلب هو : تصورّ النعمة ، وأنّها من الله تعالى .
ب ـ وشكر اللسان : حمد المنعم والثناء عليه .
ج ـ وشكر الجوارح : إعمالها في طاعة الله ، والتحرّج بها عن معاصيه : كاستعمال العين في مجالات التبصّر والاعتبار ، وغضّها عن المحارم ، واستعمال اللسان في حسن المقال ، وتعفّفه عن الفحش والبذاء ، واستعمال اليد في المآرب المباحة ، وكفّها عن الأذى والشرور .
وهكذا يجدر الشكر على كل نعمة من نعم الله تعالى ، بما يلائمها من صور الشكر ومظاهره : فشكر المال : إنفاقه في سبل طاعة الله ومرضاته ، وشكر العلم : نشره وإذاعة مفاهيمه النافعة ، وشكر الجاه : مناصرة الضعفاء والمضطهدين ، وإنقاذهم من ظلاماتهم .
ومهما بالغ المرء في الشكر ، فإنّه لن يستطيع أن يوفي النعم شكرها الحق ، إذ الشكر نفسه من مظاهر نعم الله وتوفيقه ، لذلك يعجز الإنسان عن أداء واقع شكرها : كما قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أوحى الله عز وجل إلى موسى ( عليه السلام ) : يا موسى اشكرني حقّ شكري ، فقال : يا ربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك ، وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ ، قال : يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك منّي ) .
فضيلة الشكر :
من خصائص النفوس الكريمة تقدير النعم والألطاف ، وشكر مسديها ، وكلّما تعاظمت النِعم ، كانت أحق بالتقدير ، وأجدر بالشكر الجزيل ، حتّى تتسامى إلى النعم الإلهية التي يقصر الإنسان عن تقييمها وشكرها .
فكل نظرة يسرحها الطرف ، أو كلمة ينطق بها الفم ، أو عضو تحرّكه الإرادة ، أو نَفَسٍ يردّده المرء ، كلّها منح ربّانية عظيمة ، لا يثمنّها إلاّ العاطلون منها ، أمّا كفران النعم ، فإنّه من سمات النفوس اللئيمة الوضيعة ، ودلائل الجهل بقيم النعم وأقدارها ، وضرورة شكرها .
أنظر كيف يخبر القران الكريم : أنّ كفران النعم هو سبب دمار الأُمم ومحق خيراتها : ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) النحل : 112 .
وسئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) : عن قول الله عز وجل : ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وأنهار جارية ، وأموال ظاهرة ، فكفروا نعم الله عز وجل ، وغيّروا ما بأنفسهم من عافية الله ، فغيّر الله ما بهم من نعمة ، وإنّ الله لا يغيّر ما بقوم ، حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، فأرسل الله عليهم سيل العَرمِ ففرق قراهم ، وخرّب ديارهم ، وذهب بأموالهم ، وأبدلهم مكان جنّاتهم جنّتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلاّ الكفور ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ قوماً أفرغت عليهم النعمة وهم ( أهل الثرثار ) فعمدوا إلى مُخ الحنطة فجعلوه خبز هجاء فجعلوا ينجون به صبيانهم ، حتّى اجتمع من ذلك جبل ، فمرّ رجل على امرأة وهي تفعل ذلك بصبيّ لها ، فقال : ويحكم اتقوا الله لا تُغيّروا ما بكم من نعمة ، فقالت : كأنّك تخوفنا بالجوع ، أمّا ما دام ثرثارنا يجري فإنّا لا نخاف الجوع .
قال : فأسف الله عز وجل ، وضعف لهم الثرثار ، وحبس عنهم قطر السماء ونبت الأرض ، قال : فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه ، ثمّ احتاجوا إلى ذلك الجبل فإنّه كان ليقسم بينهم بالميزان ) .
وعن الإمام الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أسرع الذنوب عقوبة كفران النعم ) .