کثرما يحلم الحالمون بالحصول علی المال الوفير بالطرق المشروعة او غير المشروعة وقد يجرهم الهوس الی ارتکاب الجرائم للحصول علی المال . والمال الکثير يسمی الکنز .. والحقيقة ان الکنز هو المکنوز في مکان ما ولا يدل علی الکثرة وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر، و المدار الصدق العرفيّ، سواء كان من الذهب أو الفضّة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر و سواء كان في بلاد الكفّار الحربيّين أو غيرهم، أو في بلاد الإسلام في الأرض الموات أو الأرض الخربة الّتي لم يكن لها مالك، أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع، مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده و عليه الخمس. يقع الكلام في مواضع:
1. في دليل الخمس في الكنز.
قال الشيخ في الخلاف: الركاز هو الكنز المدفون، يجب فيه الخمس بلا خلاف، ويراعى عندنا فيه أن يبلغ نصاباً يجب في مثله الزكاة ،وهو قول الشافعي في الجديد، وقال في القديم: يخمس قليله وكثيره. وبه قال مالك وأبوحنيفة.(1)
والمسألة عندنا إجماعية لم يختلف فيها اثنان، ووردت فيها روايات سبع، وهي بين ما يدل على أصل الحكم، و ما يدل ـ مضافاً إلى أصل الحكم ـ على خصوصياته.
رواه المشايخ الثلاثة:
صحيح عمّار بن مروان اليشكري قال: سمعت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز، الخمس».
صحيح زرارة ، قال : سألت عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس».
الركاز يطلق على كلّ ما يثبت في الأرض فيشمل الكنز والمعدن.
وهذه روايات ست، وإن كانت لحاصرها عشر. ومن الصنف الثاني.
صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا ـ عليه السَّلام ـ قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».(2) سواء قلنا بأنّ المراد هو المماثلة في المقدار فيكون بصدد بيان النصاب، أو بصدد بيان المماثل في الجنس، فيختصّوجوب التخميس بما إذا كان المعثور من الذهب والفضة المسكوكين.
ما هو الكنز لغةً وعرفاً؟
عرّفه الماتن بقوله: المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر، والمدار الصدق العرفي:
قال ابن فارس : الكنز: يدل أصله على تجمع في شيء من ذلك ناقة«كِنازُُاللحم» أي مجتمعه، وكنزت التمر في وعائه: أكنزه.
قال ابن منظور: الكنز: اسم للمال إذا أحرز في وعاء، ولما يحرز فيه، وقيل: الكنز المال المدفون وجمعه كنوز، يقال: كنزت البُرّ في الجراب فاكتنز، إلى أن قال: وسمّى العرب كلّ كثير مجموع يتنافس فيه كنزاً، في الأصل: المال المدفون تحت الأرض.
وقال الجزري: الكنز: المال المدفون تحت الأرض.
وبه فسر القاموس وقال: الكنز: المال المدفون... وكلّ شيء غمّرته في وعاء أو أرض فقد كنزته
وفي مجمع البحرين: أصل الكنز المال المدفون لعاقبة ما ،ثمّ اتسع فيه، فيقال لكلّ قَيْنَة يتخذها الإنسان كنز.
ترى الاختلاف بين التعبيرين الأخيرين حيث يعتبر الثاني وجود القصد في الدفن والستر لوجود كلمة: لعاقبة ما ، بخلاف الأول. وعلى كلّ تقدير يجب البحث عن عدّة نقاط:
الأُولى: هل يشترط في صدق الكنز كون الإدّخار مقصوداً للمالك، وإلاّ يكون بحكم اللقطة؟ يظهر من الماتن اشتراطه، وقال الشهيد الثاني في المسالك: يعتبر كونه مقصوداً ليتحقق الكنز، فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع بل يلحق باللقطة، ويعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء.
وقال في الروضة : المال المذخور تحت الأرض قصداً.
ولكن الحقّ خلافه لوجوه:
أوّلاً: إنّ المتبادر من معادله في سائر اللغات هو المال المستور عن الإنسان، سواء كان ستره بقصد المالك أو بحادث سماوي أو أرضي، ولا يتوقف الإنسان في إطلاقه على المعثور عليه على إحراز قصد المالك وأنّه ستره لوقت ما.
وثانياً: إنّ لفظ الكنز أُطلق في القرآن على كلّ مستور عن الأعين من غير إيماء إلى كونه مدّخراً من جانب المالك، قال سبحانه حاكياً عن قول المشركين:(لَولا انزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَمَعَهُ ملك) .
وقال أيضاً: (أَو يُلقى إِلَيهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُون لَهُ جَنّة يَأْكُل مِنْها) .
وثالثاً: لا ثمرة في النزاع، فلو قلنا بالاشتراط في صدق:الكنز، فلا نقول به في صدق الركاز الذي أُطلق بمعنى واحد على المعدن والكنز، ولا يخطر في بال أحد، كون المعدن مدخراً، والجامع كونه راسخاً وثابتاً في الأرض، وقال الفقيه الهمداني: الإنصاف أنّ صدق اسم الكنز حقيقة على المال المستتر في الأرض بنفسه لا بفعل فاعل لا يخلو عن تأمّل، وإن كان ربّما يساعد عليه العرف في بعض موارد استعمالاتهم كقولهم : عَثَرَ فلان على كنز، فانّهم لا يلتفتون في مثل هذا الإطلاق إلى كون ذلك الشيء الذي عثر عليه ممّا كنزه الإنسان لفاقته، كما فسّر الكنز به في مجمع البحرين، أو كونه مستتراً في الأرض بنفسه، ولكن لا يبعد أن يكون هذا الإطلاق مبنياً على التوسّع وعدم الالتفات إلى جهة قيامه بالفاعل.
الثانية: هل يشترط كونه واقعاً تحت الأرض أو يكفي كونه مستوراً لا يُعْثَر عليه بسهولة؟ ولأجل ذلك جعل الماتن رحمه اللّه الميزان ، الصدق العرفي، والدليل على عدم الاشتراط قوله سبحانه في حقّ قارون: (آتَيْناهُ مِنَ الكُنُوزِ ما انّ مَفاتحهُ لتَنُوء بالعُصْبة أُولى القُوّة).
وهذا يدل على أنّ كنوزه كانت في بيوت مقفلة أو صناديق كذلك، و ما عن بعض الأجلة، من عدم الصدق على المخفي في مكان معين للحفظ المؤقّت كالصندوق لا يخلو من تأمّل، إلاّ أن يكون عدم الصدق لكون الهدف الحفظ المؤقت، ويؤيد ما ذكرناه قول ابن منظور في اللسان: الكنز: اسم للمال إذا أُحرز في وعاء، ثمّ قال: وقيل: الكنز المال المدفون.
الثالثة: ما هوالكنز من حيث الجنس والنوع؟
فهل هوعبارة عن النقدين المسكوكين، أو يعم مطلق الذهب والفضة وإن لم يكونا مسكوكين، أو هو عبارة عن كلّ نفيس مدفون تحت الأرض كالجواهر والنفائس من الظروف؟ أقوال:
1. الاختصاص بالنقدين
يظهر من الشيخ في النهاية: الاختصاص بالنقدين، حيث قال: والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير يجب فيها الخمس فيما وجد منها إذا بلغ الحدّ الذي قدّمنا ذكره.
2. الاختصاص بالذهب والفضة
ويظهر منه في المبسوط: شموله لمطلق الذهب والفضة، حيث قال: ويجب أيضاً في الكنوز التي توجد في دار الحرب، من الفضة والذهب والدراهم والدنانير.
3. مطلق المال المدفون
الظاهر من المهذّب لابن البراج والجامع للشرائع كما هو الحال في المسالك والمدارك هو الإطلاق، وإن ركزوا البحث بما فيه سكّة الإسلام وعدمها.
ولا أظنّ أن يكون مستند التفصيل هو اللغة وقد مرّت كلمات اللغويين ولم يكن فيها تصريح ولا تلويح بالاختصاص، قال ابن قدامة في توصيف الركاز الذي فيه الخمس: هو كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه من الذهب و الفضة والحديد والرصاص والصفر والنحاس والآنية وغير ذلك.
ثمّ ذهب الشيخ الأكبر كاشف الغطاء والسيد الخوئي إلى القول الأوّل لصحيحة البزنطي، قال: سألته ـ عليه السَّلام ـ عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ؟ فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».
وقد اختلفت الأنظار في تعيين الموصول الوارد في السؤال، أعني:«عمّـا يجب فيه» ،فهل السؤال عن المقدار والكمية أي عن المقدار الذي يجب فيه الخمس من الكنز، أو السؤال عن الجنس الذي يجب فيه الخمس، أو السؤال عن المقدار والجنس؟ وعلى ضوء واحد من هذه الاحتمالات يظهر معنى الموصول في الجواب ووجه المماثلة الواردة في الجواب حيث قال:«ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» أي المماثلة من حيث المقدار، أو الجنس، أو كلا الأمرين.
والظاهر هو الأوّل، لوجوه:
الأوّل: وجود لفظة: «في مثله» إذ لو أُريد المماثلة من حيث الجنس لزم حذفه، ويجب أن يقول: ما يجب الزكاة فيه (النقدين) ففيه الخمس، ولا وجه لإقحام كلمة «في مثله» لأنّ الزكاة تجب في نفس النقدين لا في مثلهما.
الثاني: ما رواه نفس البزنطي في مورد المعدن، قال: سألت أبا الحسن ـ عليه السَّلام ـ عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال:« ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً».
فانّ الروايتين وإن كانتا متفاوتتين، حيث إنّ السؤال في الثانية صريح في المقدار ،فلا معنى لحمل المماثلة على الجنس حتّى تكون منحصرة.
ولا يعمّ غيرهما لعدم المماثلة الجنسية في غيرهما، لكن وحدة السائل والمسؤول عنه يقرب كون حيثية السؤال في الروايتين واحدة.
الثالث: ما رواه المفيد في المقنعة، قال: سئل الرضا ـ عليه السَّلام ـ عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: «ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، ومالم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه».
والظاهر أنّ ما نقله المفيد ليس حديثاً مستقلاً بل هو نفس ما رواه البزنطي بالمعنى.
الرابع: صحيح زرارة عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» ثابتاً أو مدفوناً تحت الأرض ففيه الخمس سواء كان من جنس النقدين أو غيره.
الخامس: إنّ حمل السؤال على الجنس، فرع وجود احتمال في ذهن السائل وهو اختصاص وجوب الخمس بالنقدين.
السادس: يتلقى العرف الخمس ضريبة على الاستغنام المجّان الذي عثر عليه الواجد، وتخصيصه بخصوص الجنسين فضلاً عن النقدين يحتاج إلى دليل قاطع لكونه على خلاف الارتكاز،ومع إجمال الدليل فالمرجع آية الغنيمة وإطلاقات الكنز كما لا يخفى.
مضافاً إلى شذوذ القول باختصاص الكنز بالنقدين، وحكاه صاحب الجواهر عن كشف الغطاء، واختاره صاحب مستند العروة، فلاحظ.
الرابعة: في مكانه، فنقول الصور المتصورة أربع.
لأنّ الكنز تارة يوجد في دار الإسلام، وأُخرى في دار الحرب، فعلى التقديرين إمّا أن يكون فيه أثر الإسلام بأن تكون السكّة سكة أموية أو عباسية، أو نظائرها، أو لا، وعلى كلّ تقدير تارة تكون الأرض غير مبتاعة، وأُخرى مبتاعة، ولنقدّم الكلام فيما إذا لم تكن مبتاعة
العثور على الكنز في أرض غير مبتاعة
إذا عثر على الكنز في أرض، فالظاهر خروج موردين عن محطّ البحث:
1. إذا عثر عليه في دار الحرب، كانت عليه السكّة الإسلامية أو لا، فيجوز التملّك ويؤدّي خمسه.
2. إذا عثر عليه في الأملاك العامة كالأنفال والمفتوحة عنوة، ولم يكن عليه أثر الإسلام ، يجوز تملّكه لأدلّة حيازة المباحات مضافاً إلى الروايات الواردة في المقام لظهورها أنّ الباقي بعد التخميس للواجد.
وإنّما الاختلاف فيما إذا وجد في الأملاك العامة كالأنفال والمفتوحة عنوة وكان عليه أثر الإسلام، فهل هو ملحق بالكنز فيملك الباقي بعد الخمس، أو لقطة، إن أمكن التعرّف على مالكها بعد الفحص، أو مجهول المالك كما إذا لم يكن كذلك؟ وإليك الأقوال:
ويظهر من ابن قدامة، التفصيل بين ماعليه أثر الإسلام فهو لقطة وما ليس كذلك فهو للواجد ، قال: إنّ الركاز الذي يتعلّق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية، هذا قول الحسن والشعبي ومالك والشافعي وأبي الثور ويعتبر ذلك بأن ترى عليه علامتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك، وإن كان عليه علامة الإسلام أو اسم النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أو واحد من الخلفاء المسلمين أو وال لهم أو آية من قرآن أو نحو ذلك فهو لقطة، لأنّه ملك مسلم لم يعرف زواله عنه، وإن كان على بعضه علامة الإسلام وعلى بعضه علامة الكفر فكذلك.
يظهر من الشيخ في الخلاف: عدم الفرق بين الأقسام، قال: إذا وجد كنزاً عليه أثر الإسلام بأن تكون الدراهم أو الدنانير مضروبة في دار الإسلام وليس عليه أثر ملك، يؤخذ منه الخمس ـ إلى أن قال : ـ دليلنا: عموم ظاهر القرآن والأخبار الواردة في هذا المعنى، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.(3)
وكلامه مطلق يعمّ المعثور عليه في دار الإسلام والكفر لو لم نقل بانصرافه إليها.
ويظهر منه في المبسوط ومن ابن البرّاج في المهذّب، والمحقّق في الشرائع، التفصيل بين ما عليه أثر الإسلام وما ليس عليه.
قال في المبسوط: فأمّا الكنوز ...أو وجدت في أرض لا مالك لها فهي على ضربين، فإن كان عليها أثر الإسلام مثل أن يكون عليها سكّة الإسلام فهي بمنزلة اللقطة... وإن لم يكن عليها أثر الإسلام أو كانت عليها أثر الجاهلية من الصور المجسمة وغير ذلك فانّه يخرج منها الخمس وكان الباقي لمن وجدها.
قال القاضي في المهذّب: فإن كان عليه أثر الإسلام كان بمنزلة اللقطة.
وقال في الشرائع، في كتاب الخمس: إذا وجد كنزاً في أرض موات من دار الإسلام فإن لم يكن عليه سكّة، أو كان عليه سكّة عادية أخرج خمسه وكان له الباقي، وإن كان عليه سكّة الإسلام، قيل: يعرّف كاللقطة، وقيل: يملكه الواجد، وعليه الخمس، والأوّل، أشبه.
ولكن الظاهر منه في كتاب اللقطة موافقة قول الشيخ في الخلاف قال: ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف، وكذا ما يجده مدفوناً في الأرض لا مالك لها.
قال العلاّمة في المنتهى: فإن كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة.
قال ابن سعيد في الجامع: وإن وجد الكنز في أرض لا مالك لها وعليه سكّة الإسلام فهي لقطة.
قال في المسالك : وكنز دار الإسلام مع وجود أثره، الأصح أنّه لقطة.
ولكن صريح المدارك كونه ملحقاً بالأقسام السابقة، فلاحظ:
والإشكال فيـه ـ لأجل دلالة أثر الإسلام في كونه ملكاً لمسلم وكونها أمارة قوية على كونه ملكاً لمسلم فلا يحلّ التصرف فيه ـ موضع تأمّل.
فإنّ السكّة الإسلامية يستعملها المسلم والكافر، كما أنّ السكّة غير الإسلامية يستملكها الصنفان، فليس أثر الإسلام دليلاً على كونه ملك المسلم وأثر الكفر دليلاً على كونه ملكاً للكافر، وكم من مسلم يتملّك الأشياء العتيقة عليها صور الكنائس والبَيَع، وكم من كافر يتملّك أشياء عليها أثر المساجد والمنارات وغيرها ،فالتفريق بين الصور من هذه الناحية مشكل جدّاً، ولكن المسألة مسلّمة عندهم.
والذي يمكن أن يقال :إنّه يجوز التملّك مع عدم العلم بكونه ملكاً للمسلم أو الذمي إلى حين الوجدان، من دون فرق بين العثور عليه في دار الإسلام أو الكفر، إنّما الكلام فيما إذا علم بكونه ملكاً لمسلم أو ذمّي علماً وجدانياً، أو ظنّ بذلك من كونه مذخوراً في دار الإسلام وعليه علامته.
والظاهر جواز التصرف والتملّك لوجوه:
1. إنّ الأموال التي ليس لها مالك معروف على قسمين:
قسم يعدّ في العرف بلا مالك بحيث لو سئل عن مالكه يقال بأنّه لا مالك له كالآثار الباقية في البلاد القديمة من الأُمم السابقة، وربّما تستولي عليه الدولة لصيانتها عن الضياع إذ لا مالك شخصي له حتى يصونها عن الانهدام.
وقسم منه لا يسلب عرفاً إضافته إلى مالك، بل يقال إنّ مالكه غير معروف، فهو بين كونه لقطة إذا ضاع على مالكه، أو مجهول المالك إذا لم يعرف مالكه وإن لم يضع، والقسم الأوّل ـ ما يعدّبلا مالك ـ يجوز حيازته وتملّكه لأنّه شيء بلا مالك.
توضيحه: انّ الملكية إضافة اعتبارية عقلائية يعتبرها العقلاء بين الشيء والإنسان في شرائط خاصة اسمها التسلّط عليه بإحدى الوسائل المشروعة عند العقلاء وأُمّها الحيازة وما يتفرع عليها، ولكنّه إذا بعُد العهد بين المالك والمملوك ولم يتّفق منهم تعاهد له في عصر بعد عصر، لا من نفسه ولا من وارثه ـ على فرض وجوده ـ أصبح الشيء في نظر العقلاء مالاً بلا مالك، ومن الممكن أن يكون له مالك موجود إذا كان من المعمّرين أو كان أعقابه موجودين، لكن لأجل انقطاعه أو انقطاعهم عنه صار سبباً لإنقطاع العلقة بينه أو بينهم وبين الشيء، وعندئذ يصبح من المباحات يسبق عليه من شاء، ويصير من مصاديق: «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له». ويدخل تحت قوله: «للعين ما رأت ولليد ما أخذت» إلى غير ذلك من الأحاديث، وليست الملكية من قبيل لازم الوجود للشيء حتى لا تنفكّ عنه، فإنّه لو صحّ إنّما يصحّ في الأُمور التكوينية كالزوجية، بل هي من الأُمور الاعتبارية التي قوامها بمعتبرها، والاعتبار يتقوّم على الأثر الملموس لا الأثر الشاذ، فإذا لم يُر من المالك عصراً بعد عصر، أثر ولا سمع منه خبر يتوقف العقلاء عن اعتبارها لهذه الأشياء، فتصبح في أنظارهم كالمباحات الأصلية.
غاية الأمر أنّ المباحات على قسمين: طبيعية كالأنهار والأشجار، وغير طبيعية كالأموال المدفونة تحت التراب بيد الإنسان أو الحوادث الجوّية أو الأرضية أو غير ذلك.
فإن قلت: ماذا تصنع بما دلّ على أنّ الأصل في الأموال هو الاحترام وعدم جواز التملّك كما عليه العقل و العقلاء، والتوقيع الشريف، من أنّه لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه؟
قلت: ما ذكرته صحيح، لكن فيما إذا كانت العلقة باقية بين الإنسان وماله ومحفوظة ومعتبرة عرفاً لا ملغاة ومنقطعة، ونظير ذلك ما إذا انقطع تعاهد الإنسان عن نفيسه حيث يصبح مالاً بلا مالك ومرور الزمان وانقطاع التعاهد يقوم مقام الإعراض عند العقلاء.
ومقتضى ذلك أنّه لو علم أنّه جرت عليه يد إنسان مسلم، ولكن بعد العهد ومرور الزمان أوجب في نظر العقلاء انقطاع العلقة، وهذا أشبه بما يقال في ألسن الحقوقيين الجدد من قاعدة «مرور الزمان» وحدوده بثلاثين سنة لكن الشرع أبطله بقوله: «إنّ الحقّ قديم لا يبطله شيء».
وعن الإمام علي ـ عليه السَّلام ـ : «الحقّ جديد وإن طالت عليه الأيّام، والباطل مخذول وإن نصره أقوام». وما نذكره مخصوص بما إذا طال العهد وأصبحت الأشياء في نظر العقلاء أموالاً بلا مالك وأشياء بلا صاحب تذروها الرياح وتمطر عليها السماء، فعند ذلك لو حفر رجل واستولى عليه لا يقال إنّه استولى على المغصوب، وعلى ذلك جرت سيرة الناس في جميع الأعصار، إذ لم يزل الناس من قديم الأعصار يمارسون عملية الحفر في البقاع التي هلكت أهلها ولم يبق منها إلاّرسم وطلل، وإن احتملوا أنّ للخازن وارثاً حياً أو جرت عليه يد مسلم.
2. إنّه وإن لم يرد عموم أو إطلاق يفيد أنّ الكنز على وجه الإطلاق لواجده بعد أداء الخمس، وإنّما يحكم بالخمس بعد فرض أنّ الكنز لواجده، إلاّ أنّ عد ورود الكنز في عداد المعدن والغوص يعرب بوضوح أنّ حكمه حكمها، ولو كان خاصاً بمكان دون مكان لكان عليه البيان والتحرّز عن الإهمال.
3. صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة، فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به».
وله أيضاً عن أحدهما ـ عليهما السَّلام ـ قال: وسألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: «إن كانت معمورة فهي لأهلها، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت».
والظاهر أنّ المنقولين رواية واحدة إذ من البعيد أن يسأل محمّد بن مسلم عن مسألة واحدة مرّتين، تارة عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ وأُخرى عن الصادق ـ عليه السَّلام ـ .
ولعلّ المراد من «أحدهما» هو أبو جعفر ـ عليه السَّلام ـ ،ولأجل ذلك يجب تقييد الثانية بما ورد في الأُولى من انجلاء أهلها ،فبذلك يعلم أنّ الميزان ليس كون المكان خربة أو معمورة، بل الميزان هو الانجلاء وعدمه، فكأنّ الانجلاء يوجب انقطاع العلقة دون ما لم يكن.
وبذلك يعلم عدم المخالفة بينه و بين ما يرويه محمد بن قيس، عن أبي جعفر، عن أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ كما سيوافيك.
والقدر المتيقن هو العثور عليه في دار الإسلام، وإطلاقه يشمل ما لو كان فيه أثر الإسلام ، إلاّ أنّ الإشكال في كون المعثور عليه كنزاً، لاحتمال أنّها نقود متفرقة أُخفيت تحت التراب لأجل صيرورته خربة، فعدّ مثل هذا كنزاً لبعيد.
وربّما يستدل لما اخترناه بوجهين:
1. الأصل في الأشياء هو الحلّية.
2. أصالة عدم جريان يد محترمة عليه. وكلا الوجهين ضعيف.
أمّا الأوّل: فلأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، لكن الأصل في الأموال كالدماء، والأعراض هو الاحتياط، كما أنّ الأصل في اللحوم هو الحرمة.
أمّا الثاني: أعني: التمسك بأصالة (عدم جريان يد محترمة عليه) فهو بين ما له حالة سابقة لكنّه مثبت، وما ليس له حالة سابقة لأنّه بصورة النفي التام ذو حالة سابقة، ولكنّه بالنسبة إلى المال المشكوك مثبت، وبصورة النفي الناقص أي عدم جريان يد محترمة على هذا المال فاقد للحالة السابقة، لأنّ عدم المحمول مع عدم الموضوع غير عدمه مع وجود الموضوع، فظهر أنّ الصحيح هو الوجوه الثلاثة الأُولى، فلاحظ.
ثمّ إنّ مقتضى الوجه الأوّل، أعني: انقطاع العلقة وعدم اعتبار المالكية، كون المعثور بحكم الكنز والباقي للواجد من غير فرق بين الصور الآتية:
1. لم يحرز أنّه كان ملكاً لإنسان محترم المال من مسلم وذمّي.
2. تلك الصورة، ولكن لم يحرز كونه مات عن وارث محترم، أو مات ولم يُحرز بقاؤه.
3. أحرزنا أنّه كان ملكاً لإنسان محترم المال ومات عن وارث محترم نسلاً بعد نسل، ولكن لا نعرفه، ولا يمكن الوصول إليه.
ففي جميع الصور يعدّ المعثور عليه من المباحات، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بباقي الوجوه، إذ عندئذ على هذا يعدّ المال في الصورة الثانية من الأنفال، لأنّه ميراث من لا وارث له، ويصبح المال في الصورة الثالثة مجهول المالك، فلا يمكن تملّكه مع إخراج الخمس.
ولأجل ذلك ألحق السيّد الحكيم الصورة الثانية باللقطة وقال: يتصدّق عنه، والصورة الثالثة بميراث من له وارث.
ويمكن استظهار حكم الصور من الصحيحين بادّعاء الإطلاق في جميع الصور وأنّ قوله: «قد جلا عنها أهلها» ظاهر في وجود الوارث غيرالمعروف بقرينة الانجلاء فانّه غير الإبادة.
والخارج عن حكم الكنز ما إذا علم الوارث واحتمل إمكان الوصول إليه فانّ العلم بالوارث يوجب دخوله تحت قوله ـ عليه السَّلام ـ :«إنّ الحقّ قديم لا يبطله شيء» خصوصاً إذا جاء وطلب مال ميراثه.
استدل للقول الآخر بوجوه:
1. إنّ كونه في دار الإسلام آية كونه ملكاً لمسلم، خصوصاً إذا كان عليه أثر الإسلام، فلا يصحّ تملّكه، بل يحكم عليه بكونه لقطة يجب الفحص عن مالكه.
والاستدلال كما ترى، لأنّ كونه في دار الإسلام مظنّة كونه لمسلم ولم يقم دليل على حجّيتها، وإلاّ يجب أن يكون كذلك فيما لو وجد في دار الإسلام وإن لم يكن عليه أثر الإسلام، والعجب تسميته لقطة مع أنّه المال الضال أو الضائع على المالك. وهو غير المدفون تحت الأرض، خصوصاً إذا كان بقصد الإدخار أو لدفع استيلاء العدو عليه، والأنسب على فرض صحّة الدعوى تسميته مجهول المالك، وهو أيضاً غير صحيح لما عرفت من أنّه فرع اعتبار الملكية في هذه الموارد، و من هنا يعلم بطلان التمسّك بإطلاقات اللقطة كما لا يخفى.
2. الملكية أمر حادث يحتاج إلى الدليل، والأصل عدمه.
يلاحظ عليه: أنّ الأصل مدفوع بإطلاق الصحيحة أوّلاً، وإطلاق قوله: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد، فهو له » ثانياً. وليس المراد منه، عدم سبق أحد إليه منذ وجود الشيء ، بل المراد عدم استيلاء أحد عليه فعلاً وكأنّ الكنوز المكتنزة لأقوام مضوا في القرون الغابرة ولم ير منهم أثر في الأجيال التالية ـ وإن احتمل بقاء إنسان وأجيال منهم ـ من مصاديق هذا الكلي.
3. إنّ الأصل في الأموال، هو الاحترام وعليه سيرة العقلاء، ويؤيّده التوقيع المروي من قوله ـ عليه السَّلام ـ : «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه».
ويظهر الجواب عنه بما مرّ.
4. موثقة محمّد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: «قضى علي ـ عليه السَّلام ـ في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها فإن وجد من يعرفها و إلاّ تمتّع بها».
5. موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم ـ عليه السَّلام ـ عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة، فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» .قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال:« يتصدّق بها».(4)
أمّا الموثقة الأُولى: فهي محمولة على ما إذا لم ينجل عنها أهلها وضربوا الخيام أو بنوا بيوتاً جديدة حولها، فلو راجعهم لأمكن العثور على صاحبه. وأمّا صحيحة ابن مسلم فقد عرفت أنّها راجعة إلى ما إذا انجلى عنها أهلها وأعرضوا عنها، فمثل هذا لا يقاس بما إذا لم يتحقّق الانجلاء.
وأمّا الثانية: فليس العثور من قبيل الكنز أبداً، لأنّ بيوت مكّة آنذاك أشبه بالفنادق في هذه الأيّام، وكان الحاج يخاف من اللص عند الطواف والسعي ويخفي ورقه تحت التراب مؤقّتاً حتى إذا فرغ عن الأعمال يأخذه من مكانه، و لربّما حالت الحوائل من الوصول إلى ماله فيبقى تحت التراب أو زاوية البيت ويعثر عليه الزائر الآخر، فمثل ذلك لا يسمّى كنزاً، بل يجب الرجوع إلى ربّ البيت لعلّه يعرف صاحب الورق، وإذا يئس يتصدّق به كاللقطة.
والإنصاف، أنّ قوة القول الأوّل لا تنكر، خصوصاً مع ما عرفت من عدّ الكنز في عداد الغوص و المعدن، وصحيحة ابن مسلم، والسيرة السائرة في العالم وبين المسلمين، وغرابة اعتبار العلقة بعد طوال سنين لم ير من المالك أثر ولا تعاهد.
فقد خرجنا بهذه النتائج أنّ الكنز لواجده عدا الخمس، إذا وجد في بلاد الحرب أو الذمة أو الإسلام أو أرض مملوكة بالإحياء، نقطعُ بعدم كون المحيي مالكاً له، أو أرض خربة انجلى أهلها عنها أو باد أو أرض موات من غير فرق بين كون أثر الإسلام عليه وعدمه، إلاّ إذا علم بوجود وارث له لو تفحص لوقف عليه.
ثمّ إنّ بعض المحقّقين فصّل بين بعض الصور، وحاصله: الفرق بين العلم بأنّ له وارثاً محترم المال من مسلم أو ذمّي نعلم بوجوده، وإن لم يعرف فهذا داخل في عنوان مجهول المالك ،فلا يمكن تملّكه وإخراج خمسه، وبين ما إذا لم يحرز ذلك حيث لم يعلم ثبوت الوارث بالفعل، إمّا لعدم ثبوته من أصله، أو كان وقد انقرض فمقتضى القاعدة الانتقال إلى الإمام ـ عليه السَّلام ـ لأصالة عدم وجود وارث محترم له، فيدخل في موضوع: «من مات ولم يكن له وارث» المحكوم بالدخول في ملك الإمامعليه السَّلام .
فالكنز في المقام حيث أصبح بلا مالك بمقتضى أصالة عدم الوارث، فهو يتبع الأرض المدفون فيها، فيء للإمام ـ عليه السَّلام ـ ، وقد أباحه ـ عليه السَّلام ـ للمسلمين كما هو الشأن في كلّ أرض لا ربّ لها فيملكه الواجد وعليه خمسه.(5)
و لو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه المالك قبله، فإن لم يعرفه المالك فالمالك قبله و هكذا فإن لم يعرفوه فهو للواجد وعليه الخمس.
يلاحظ عليه: أنّ الحكم بكونه مالاً للإمام ـ عليه السَّلام ـ يتوقف على كونه مات بلا وارث محترم المال، وهو غير متحقق، وما استند إليه من الأصل أصل مثبت، إذ المتيقن هو عدم المحمول مع عدم الموضوع، فهو عند ما لم يكن مخلوقاً، لم يكن له وارث، لكن الكلام في عدم المحمول بعد وجود الموضوع فالنفي التام لا يثبت النفي الناقص وعليه يكون شبهة مصداقية لقوله: «الإمام وارث من لا وارث له».
العثور على الكنز في أرض مبتاعة
إنّ الكنز تارة يوجد في الأرض المباحة، وأُخرى في أرض مملوكة للواجد، وثالثة في أرض مستأجرة أو مستعارة، وقد فرغنا من الكلام في القسم الأوّل، وبقي البحث عن القسم الثاني و الثالث، وقد ذكر له الماتن قدَّس سرَّه أحكاماً:
1. وجوب تعريفه للبائع، وإن احتمل كونه للسابق عليه عرفه له فإن لم يعرفه أو لم يعرفوه، فهو له وعليه الخمس.
2. إذا ادّعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بيّنة.
3. إذا تنازع الملاّك يجري عليه حكم التداعي.
4. إذا ادّعى المالك السابق إرثاً وكان له شركاء نفوه، دفعت إليه حصّته، وملك الواجد الباقي.
قال المحقّق : ولو وجده في ملك مبتاع عرّفه البائع، فإن عرفه فهو أحقّ به، وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس.
قال ابن سعيد: ولو وجده في دار اشتراها عرّفه البائع فإن عرفه، وإلاّ خمّسه وأخذ الباقي لنفسه، وإن وجده في دار ورثها مع غيره كان له ولشركائه بعد الخمس.
وقال في المدارك: وإن كانت مبتاعة ولم يدخل الكنز في البيع، قال جماعة: على أنّه يجب تعريفه كلّ من جرت يده على المبيع مقدّماً الأقرب فالأقرب فإن عرفه فهو له، وإلاّ فكالموجود في الأرض المباحة.
الظاهر أنّ المراد من التعريف هو إخباره بالحال، فإن ادّعاه أعطاه وإن ردّه يخبر السابق فالسابق بالحال، وليس المراد هو طلب العلائم حتى يذعن بأنّه له، إذ عندئذ يكون بحكم اللقطة، ولا يكون بين البائع وغيره أيّ فرق.
والدليل على لزوم الرجوع إلى البائع أُمور:
الأوّل : أنّ يد المالك الأوّل على الدار، يد على ما فيها، واليد قاضية بالملك.
وأورد عليه: بأنّه لو تمّ لوجب الحكم به من دون ادعاء، بل يجب الدفع إليه إذا لم يكن قابلاً للادعاء كالصبي والمجنون والميت فيدفع إلى ورثته إن عرفوا، وإلاّ فإلى الإمام ـ عليه السَّلام ـ ،مع أنّهم لا يقولون به.
وأجاب عنه الفقيه الهمداني قدَّس سرَّه صاحب المصباح: بأنّ هذا النحو من اليد التبعية غير المستقلة لا يتم ظهورها في الملكيّة لصاحب اليد إلاّ بضميمة الادّعاء، خصوصاً مع ظهور فعله ـ وهو نقل الدار ـ في عدم اطّلاعه بما هو مدفون فيها، وليس اعتبار اليد تعبّديّاً محضاً، كي يقال: إنّها إن كانت معتبرة فمقتضاها ما ذكر، وإلاّ فلا عبرة بها، بل عمدة مستندها بناء العقلاء، وإمضاء الشارع حسب ما جرت سيرتهم عليه، وهم لا يرون لليد السابقة ـ غير الباقية بالفعل بالنسبة إلى هذه الأموال ـ اعتباراً أزيد من قبول ادّعائه للملكيّة وتقديم قوله على قول خصمه في مقام التداعي.
يلاحظ عليه: أنّ الحجّة عند العقلاء اليد الفعلية لا الزائلة، خصوصاً إذا صدر منه ما يورث الاطمئنان بعدم اطلاعه على ما في الأرض، وإلاّ لم يقدم على البيع، أفهل يصح الاعتماد على مثل هذه اليد؟
والظاهر سقوط هذا الوجه عند العقلاء، وأعجب منه ترتيب الأثر عليه بالنسبة إلى السابق فالسابق وتقديم اللاحق على السابق وجعله بمنزلة المنكر، والسابق بمنزلة المدعي، والحكم بالاشتراك لدى التداعي إذا كان المتداعيان عرضين، فإنّ استفادة هذه الأحكام من اليد الزائلة ممّا لا يخلو عن إشكال.
بل يمكن أن يستفاد عدم اعتبار اليد الزائلة من صحيحة ابن مسلم حيث قال: «وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به».
فإذا كان الانجلاء دليلاً على سقوط اليد الزائلة عن الأثر فالبيع مثله.
الثاني: الاستئناس ببعض الروايات:
1. ما ورد في صحيحتي ابن مسلم حيث قال: «إن كانت معمورة ففيها أهلها فهي لهم». بتقريب أنّه لو وجده المشتري قبل الاشتراء كان عليه أن يردّه على أهله بحكم أنّه وجده في دارهم، أفهل يمكن أن يتغيّر حكمه بالشراء مع اشتراك الموردين في الجهة الجامعة بينهما؟
يلاحظ عليه: أنّه أشبه بالقياس، إذ لعلّ بين وجود اليد على الأرض وعدمه تأثيراً في اختلاف الحكم.
2. موثقة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: «قضى علي ـ عليه السَّلام ـ في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها فإن وجد من يعرفها و إلاّ تمتّع بها».
وجه الاستدلال: أنّ المعثور عليه في الخربة إذا كان محكوماً بالردّ إلى من يعرفها ففي المعمورة المبتاعة بطريق أولى.
يلاحظ عليه: أنّ الحديث بظاهره مخالف لما عليه صحيحة ابن مسلم، من «أنّ الواجد أحقّ بما وجد». وقد عرفت أنّه محمول بحكم صحيحة ابن مسلم الأُولى على ما إذا لم ينجل عنها أهلها، وعلى ذلك فليس الميزان العمران وضدّه، بل الميزان كون أهلها فيها وعدمه، وعلى ذلك فالاستدلال أشبه بتنقيح المناط.
3. موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم ـ عليه السَّلام ـ عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ـ إلى أن قال: ـ يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها.
يلاحظ عليه: أنّ الورق المدفون بحكم اللقطة، ولا شكّ أنّه يُعرَّف، وإلاّ يتصدّق، وأين هو من الكنز؟!
4. رواية عبداللّه بن جعفر الحميري، قال: كتبت إلى الرجل ـ عليه السَّلام ـ أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع ـ عليه السَّلام ـ : «عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك اللّه إيّاه».
وإن ادّعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بيّنة ، وإن تنازع الملاّك فيه يجري عليه حكم التداعي ، و لو ادّعاه المالك السابق إرثاً و كان له يلاحظ عليه: أنّه من أقسام اللقطة، لظهور أنّ الحيوان قد ابتلعه في يومه أو يوم قبله، ومن المعلوم انّ اللقطة يجب الفحص عنها، وأقرب المحتملات هو البائع، وأمّا غيره فلأجل أنّ الأنعام تنقل من بلد إلى بلد، فلأجل أنّه يعسر تعريفها عند ذاك أسقط التعريف، فلذا قال: إنّه رزق رزقك اللّه.
ومع هذه المناقشات في الروايات كلّها، يمكن انتزاع قاعدة كلية منها، وهي: أنّ المال المعثور عليه كنزاً كان أو لقطة إذا احتمل أنّ له مالكاً بالفعل ويمكن التعرّف عليه، يجب الرجوع إليه، لأجل احترام المال، والأقرب بين المحتملات هو الذي كان المال تحت يده، فإن عرفه فهو له بلا بيّنة، وبهذا الملاك يجب الرجوع إلى السابق منه بعد عدم عرفانه، وهكذا.
وأمّا التملّك عند اليأس، فهو لأجل كونه كنزاً ومالاً بلا مالك.
نعم هاهنا نكتة، وهي أنّ الرجوع إلى المالك اللاحق فيما إذا احتمل جريان يده عليه وهكذا الرجوع إلى السابق، وأمّا إذا علم عدم جريان يدهما عليه كما إذا كان من الكنوز القديمة فالرجوع إليهما ساقط قطعاً.
يظهر من سياق العبارة أنّ تملّكهم كان مترتّباً بشهادة «كلمة السابق فالسابق» وعلى ذلك فيكون اللاحق بمنزلة المنكر والسابق بمنزلة المدعي، إذ اليد الفعلية لللاحق، ولا يد للسابق. فيجري حكم المدعي والمنكر، وفرض التداعي يستلزم ارتكاب خلاف السياق وفرضهما مشتركين كما إذا كانوا وارثين من مورث، وأمّا ما هو حكم التداعي؟ فموكول، إلى باب القضاء والشهادة.
شركاء نفوه دفعت إليه حصّته، و ملك الواجد الباقي و أعطى خمسه، ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب و هو عشرون ديناراً.
يجب حسب ما ذكرناه تعريفه للمالك السابق ونفي الورثة اللاحقين لا يكون حجّة على السابقين، نعم فإن نفوه، يتملّك ويعطي خمسه.
في نصاب الكنزوفيه أقوال:
1. عدم اشتراط النصاب، يظهر من إطلاق بعض القدماء على ما حكاه في الجواهر.
2. بلوغه قيمة دينار فصاعداً، ونسبه في الجواهر إلى الغنية، وقال: ولكن في الغنية أنّه بلوغ قيمة دينار فصاعداً بدليل الإجماع، ثمّ قال: وهو غريب، بل دعواه الإجماع أغرب، إذ لم نعرف له موافقاً ولا دليلاً.
لكن في النسخة المطبوعة من الغنية المصحّحة خلافه قال: ويعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي يجب فيه الزكاة.
نعم ورد الدينار في نصاب الغوص والمعدن وقد عرفت حاله.
3. بلوغه عشرين ديناراً مطلقاً في الذهب والفضة، ولا يكفي في الثاني بلوغه مائتي درهم، وذلك ظاهر الشرائع وكلّ من عبّر به، حيث قال: لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما و تعريف المالك أيضاً.
4. بلوغه عشرين ديناراً من الذهب، أو مائتي درهم من الفضة فيؤخذ من كلّ بنصابه فلو كان الكنز ذهباً فالأوّل، وإن كان فضة فالثاني.
5. كفاية أقلّ الأمرين لأنّ الكنز قد يكون من غيرهما.
أقول: لا وجه للقول الأوّل والثاني، بل الثالث، لأنّ الدليل الواضح، هو : «ما يجب الزكاة في مثله يجب فيه الخمس»وقد عرفت أنّ المراد من الحديث ـ لأجل القرينة ـ هو المماثل في المقدار ،وليست الزكاة منحصرة في عشرين بل هي ثابتة في مائتي درهم أيضاً، وبذلك يثبت القول الرابع.
وأمّا وجه الخامس: فهو نتيجة القول بكون كلّ من العشرين ديناراً ومائتي درهم نصاباً للذهب والفضة، فإذا بلغ قيمة الكنز في غير الذهب والفضة أحد النصابين من حيث القيمة يصدق أنّه بلغ إلى الحدّالذي يجب فيه الزكاة أوّلاً، والخمس ثانياً، فيكون القول الخامس أظهر.
أمّا الرجوع إلى المستأجر والمستعير من جانب والمالك من جانب آخر فلجريان يدهما عليه، ولكنّه مشكل إذا لم تكن يد المستأجر أو المستعير قوية، كما إذا استأجره عدّة أيّام أو أسابيع بحيث يستبعد العرف استناد الكنز إلى دفنه، والظاهر من الماتن كون الرجوع إلى المستأجر والمالك في عرض واحد مع أنّ أيديهما مترتبتين، والظاهر أنّه لأجل فعلية يدهما في زمن الاستئجار والاستعارة لثبوت يدهما على المنافع ويده على الأعيان، وسيوافيك أنّ الأظهر في التعريف تقديم ما هو الأقوى يداً.ثمّ الرجوع إليهما فيما إذا لم تشهد القرائن على عدم جريان يدهما عليه، كما إذا دلّت على كونه من الكنوز القديمة، لعدم جريان يدهما عليه، وتصور أنّ الإنسان إذا تملّك داراً تملّك ما في جوفها وأنّ الكنز تبع للدار، ضعيف غايته، إذ هو شيء أجنبي وضع في جوف الأرض لم يتعلّق به النقل والانتقال بل كالمعادن إذا كانت خارجة عمّا يعدّ جزءاً للأرض كما مرّ.
ففيه احتمالات:
لو علم الواجد أنّه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره مجهول، ففي إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان:
1. تقديم قول المالك، لأنّ يده أقوى لكونها أصلية.
يلاحظ عليه: أنّه ربّما تكون يد المستأجر أقوى كما في القرى المستأجرة لسكّانها طيلة سنين، وليس للمالك صلة سوى أخذ السهام من الزراعة.
2. تقديم قول المستأجر، لما عرفت من الشيخ من أنّ المالك لا يكري داره وله فيها دفين.
يلاحظ عليه: أنّ غايته حصول الظن لا الاطمئنان الذي هو علم عرفاً وعادة على أنّك عرفت أنّه ربّما تكون يده ضعيفة كما إذا استأجره مدّة أسابيع.
3. جريان حكم التداعي لثبوت يد المالك على الرقبة والمستأجر على المنافع.
يلاحظ عليه: أنّه متوقف على مساواة اليدين في القوة والضعف، وليس كذلك في كلّ مورد.
4. الأخذ بأقوى اليدين، وقد أخذ به المشهور في باب التنازع فيما إذا تنازع راكب الدابة والآخذ بلجامها في كلّ الفرس، أو تنازع ساكن الدار والمسلّط على مفتاحها، فيقال بتقدّم قول الراكب والساكن على الآخذ والمسلّط، على المفتاح، ولو كان هناك تفاوت في اليد من حيث السلطة فينبغي تقديم الأقوى في التعريف على الأضعف، لا تعريفهما معاً كما هو الظاهر من المصنف.
أنّ الأثر مترتّب على السلب الناقص، وهو موت المورث بلا وارث وهو ليس مسبوقاً به، وأمّا سلب المقام، وهو أصالة عدم الوارث فهو وإن كان مسبوقاً بالعدم لكن ليس موضوعاً للأمر، والأولى إدخاله تحت إطلاقات الكنز.
وأمّا ما ذكره المحقّق الشاهرودي: من أنّ الضابطة الكلّية في إجراء حكم الكنز هو عدم كونه من الأموال المحترمة، ومع العلم أو الحجة على أنّه من الأموال المحترمة يكون محكوماً بحكم غيره، فغير تام، فإنّ الحرمة وعدمها من العناوين الاعتبارية، ومرور الزمن وعدم التعاهد يخرجه من كونه من مصاديقه، فيكون أشبه بما إذا أعرض.
لو كان الكنز، كنزاً حديثاً وعلم أنّ الخازن محترم المال ولم يعرف هو ولا وارثه فيحكم عليه بكونه مجهول المالك، لانصراف أدلّة الكنز، ولا وجه لتردّد الماتن قدَّس سرَّه في هذه الصورة.
في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس، وإن لم يكن كلّ واحدة منها بقدره.
الإخراج أن يكون دفعة واحدة، فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصاباً وجب إخراج الجميع، لما مرّ من أنّ الميزان هو الاستغنام، اللّهمّ إلاّإذا عاد إلى العمل وكان ما أخرجه أوّلاً غير باق.
ذكر فيها أحكاماً ثلاثة: 1. تعريفه البائع ، 2. وجوب إخراج الخمس إن لم يعرف، 3. عدم اشتراط النصاب.
وقد جرى عليها المشهور في الكتب الفقهية، وتطبيقه على القواعد مشكل، إذ لو كان ملحقاً بالكنز يجب فيه اعتبار بلوغ النصاب، و إن كان لقطة أو مجهول المالك يجب بعد التعريف و اليأس، أن يتصدّق بلا إخراج الخمس، ولكن أفتى به المشهور.
1. قال الشيخ في النهاية: إن ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة، فذبح شيئاً من ذلك، فوجد في جوفه شيئاً له قيمة عرّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه، وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس وكان له الباقي، فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة أو ما أشبه ذلك أخرج منه الخمس وكان له الباقي.
2. وقال في المراسم: فما وجده في بطن شيء، فإن كان انتقل إليه بميراث أو من بحر و ماء، أخرج منه خمسه والباقي ملكه، وإن انتقل إليه بالشراء عرّف ذلك إلى البائع، فإن عرفه ردّه إليه، وإلاّ أخرج خمسه والباقي له.
3. وقال في المهذّب: وإذا ابتاع شيئاً من الإبل والبقر والغنم فذبحه فوجد في جوفه مالاً، أو ما له قيمة، فعليه أن يعرِّفه للبائع، فإن عرفه دفعه إليه، وإن لم يعرفه كان عليه إخراج الخمس منه، ثمّ يتصرف في الباقي فهو له، وإذا ابتاع سمكة ووجد في جوفها سبيكة أو صرة أو ما أشبه ذلك أخرج من ذلك الخمس وكان الباقي له.
4. قال في الجامع للشرائع: وإن اشترى حيواناً كالإبل والغنم والخيل والسمك، فوجد في جوفه جوهراً أو مالاً عرف بائعه، فإن عرف بائعه، وإلاّ فهو له.
وقد أفتى به المحقّق في الشرائع في كتاب الخمس، والشهيد الثاني في المسالك، وسبطه في المدارك، وتدل عليه صحيحة عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: كتبت إلى الرجل ـ عليه السَّلام ـ أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع ـ عليه السَّلام ـ :«عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها، فالشيء لك رزقك اللّه إيّاه».
أقول: أمّا تملّك الواجد، فهو إمّا لأجل التخصيص في أدلّة مجهول المالك كما هو الظاهر لأنّ الغالب في الصرة التي تبتلعها الدابة أن يكون لإنسان مسلم حيّ أو وارثه إذا كان في بلد المسلمين، ومقتضى القاعدة التصدّق، لكن الرواية خصصت تلك الأدلّة، أو لانصراف أدلّة مجهول المالك عن مثل هذا المال الذي يعدّتالفاً عرفاً كالسفينة المغروقة إذا استخرج ما فيها بالغوص فانّه للغائص كما سيوافيك بيانه.
وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونه لبائعها، وكذا الحكم في غير الدابّة و السمكة من سائر الحيوانات.(*)
وأمّا تعريفه للبائع فيمكن أن يقال: إنّ الدواب يوم ذاك كانت منتقلة من واد إلى واد، ولأجل ذلك يعتبر التعريف والحال هذه، وبذلك يعلم أنّه لو احتمل أنّه للبائع الأسبق يعرّفه له، كما أنّه لو قطع بأنّه ليس له يسقط التعريف، كما إذا اشترى ما صاده الصياد من الغزال فوجده في بطنه، فإنّه ليس للبائع قطعاً، فيسقط التعريف.
وأمّا الخمس فقد ورد في فتوى المشهور، وليس في الرواية ذكر عنه، ولو كفت الشهرة في الإفتاء، وإلاّ فيحمل على كونه أحوط، وأمّا عدم اعتبار النصاب فلأجل عدم كونه من أقسام المعدن ولا الكنز، فلو تعلّق به، لتعلّق من باب الفوائد لا بعنوان الكنز.
أمّا الأوّل: فيختص بالسمكة المربّاة في الحياض المخصوصة له، والصحيحة وإن كانت واردة في مورد الدابّة ولكن لا فرق بين الدابّة والسمكة في هذه الخصوصية، أمّا إذا اصطادها من البحر فهي للواجد ولا يجب تعريفها للصائد، لأنّه إنّما يتملك بالحيازة وهي فرع القصد، ولم يتعلّق قصده إلاّبالسمكة لا بما في جوفها من اللآلي.
وأمّا الثاني: فمقتضى القاعدة عدم كون ما في بطن السمكة ملكاً للصائد باعتبار الحيازة التي تتقوم بالقصد وهو لم يقصد إلاّ حيازة نفس السمكة مع الغفلة
إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤنة الإخراج.
عمّا في بطنها، والقصد الإجمالي غير كاف في ذاك المورد كما أنّ البيع لم يتعلّق إلاّ بالسمكة لا بما في بطنها فلا يصحّ أن يقال، إنّه انتقل إليه بالبيع على فرض تملّك الصائد له.
والاعتبار العرفي يقتضي كونه مالاً بلا مالك يتملّكه من استولى عليه، وقد وردت في هذا المضمار روايات راجعة إلى حكاية عمل الأُمم السابقة، والظاهر منها وحدة الحكم فيها فيهم وفي الأُمّة الإسلامية.
وأمّا التخميس، فلم يدل عليه دليل، اللّهمّ إلاّإذا كان من باب مطلق الفوائد.
ولا يتم ذلك إلاّ إذا اعتبر النصاب بعد كسر المؤنة لا قبلها، وإلاّ يكون في بعضه الخمس، ومثله المقام، ففي صحيحة البزنطي قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله، ففيه الخمس».
والضمير في قوله: «ففيه» يعود إلى الموصول، أي في البالغ ما يجب فيه الزكاة، والظاهر هو تعلّق الخمس بالجميع لا بالبعض، فما في مستند العروة وغيره، من عدم الدليل على تقييد النصاب بما بعد إخراج المؤن كما ترى.(6)
المصادر :
1- الخلاف: 2/121، كتاب الزكاة، المسألة 146.
2- الوسائل: الجزء 6، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.و3
3- المغني: 3/18.
4- الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب اللقطة ، الحديث 5و3.
5- مستند العروة: 84.
6- الوسائل: ج6، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
source : rasekhoon