السؤال: لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) ؟
الجواب : إنّ المثل العليا والقيم الساعية التي جسدّها الإمام الحسين (عليه السلام) في الطفّ، جعلت السائرين على نهجه ، والمرتبطين به يحيون ذكراه ، وينشرون مآثره ، باعتبارها خير أسوة يتأسّى بها الناس .
فإحياء الذكريات التي تمثّل منعطفاً بارزاً ، وتحوّلاً نوعياً في حياة الأُمم ، أمر طبيعي وغير مستهجن ، لأنّه نابع من ذات الإنسان ، ومتصل بفطرته ، كما أنّ الأيّام تعتبر مزدهرة وخالدة ، ومتّصفة بالتميّز لوقوع الأحداث العظيمة فيها ، وأيّ حادثة أعظم من واقعة كربلاء ؟!
لقد بقيت هذه الواقعة معلماً شاخصاً في التاريخ ، لما جرى فيها من فجائع من جهة ، ولما رسمت فيها من صور مشرّفة من جهة أُخرى .
فالشيعة يقيمون هذه المآتم ، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق ، ومن منطلقات أُخرى ، منها :
1-امتثال أمر الله تعالى ، والقاضي بمودّة العترة الطاهرة ، حيث قال تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (1) ، ومواساة
____________
1- الشورى : 23 .
|
الصفحة 428 |
|
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة ، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) بكى على الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهو لم يزل في سني الطفولة .
فقد ورد عن عائشة أنّها قالت : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه ، والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو ذر ، وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟! فقال : " أخبرني جبرائيل ، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني أنّ فيها مضجعه " (1) .
2-نحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصراً للحقّ وإحياءً له ، وخذلاناً للباطل وإماتة له ، وهذا الأمر من أجله أوجب الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
3-إنّ إحياءنا لهذه الذكرى ، حفظ لها من الضياع ، وصون لمبادئها من التزييف ، ولولا ذلك لاضمحلت ، وخبت جذوتها ، ولأنكرها المخالفون ، كما حاولوا إنكار غيرها !!
4-بإقامتنا لهذه الشعائر لاسيّما المجالس الحسينية نكشف عن منهج مدرستنا ، هذه المدرسة الجامعة لمختلف الطبقات والفئات ، حيث يعرض التفسير والتاريخ ، والفقه والأدب ، و ... فهي مؤتمرات دينية ، تطرح فيها مختلف المعارف والعلوم .
5-إنّ إحياءنا لهذه الشعائر ، هو أفضل وأبسط وأنجح وسيلة لنشر الإسلام الأصيل ، لأنّها حية وغير معقّدة ، ولذلك كانت ولا زالت أشدّ تأثيراً في النفوس !
فالإحياء والمشاركة ، والتنمية لشعائر الحسين (عليه السلام) إحياء لذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ،
____________
1- مجمع الزوائد 9 / 188 ، المعجم الكبير 3 / 107 ، كنز العمّال 12 / 123 فيض القدير 1 / 266 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 73 ، ينابيع المودّة 3 / 10 .
|
الصفحة 429 |
|
لأنّه قال : " حسين منّي وأنا من حسين " (1) فهما (عليهما السلام) من سنخ واحد ، وإحياء ذكرى النبيّ (صلى الله عليه وآله) إحياء للدين ، باعتباره الرمز الأوّل للإسلام .
وهناك أسباب كثيرة توجب علينا إقامة هذه الشعائر ، فمن أرادها فليطلبها من مضانّها .
( أحمد الخاجة . البحرين . 15 سنة . طالب ثانوية )
السؤال: ما ردّكم على من يعتبر لطم الصدور ومواكب العزاء بدعة ؟
الجواب : إنّ مجالس العزاء التي تقام لأهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً للإمام الحسين (عليه السلام) بشكل عامّ ، أو التي تقام لذوي الفضل والفضيلة بشكل خاصّ ليست ببدعة .
لأنّ البدعة هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ، ومجالس العزاء لذوي الفضل والفضيلة فضلاً عن أهل البيت (عليهم السلام) والحسين (عليه السلام) من الدين ، لوجود النصوص الشرعية من النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) ، على استحباب إقامتها ورجحانها ، منها :
1-روى البخاري في صحيحه ، في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ، بسنده عن عائشة قالت : " لمّا جاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) قتل ابن حارثة ، وجعفر وابن رواحه ، جلس يعرف فيه الحزن ... " (2) .
قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : " جلس ، أي في المسجد ، كما في رواية أبي داود " (3) .
____________
1- كامل الزيارات : 116 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 177 ، نظم درر السمطين : 208 ، كشف اليقين : 305 ، الناصريات : 90 ، شرح الأخبار 3 / 112 ، أوائل المقالات : 178 ، الإرشاد 2 / 172 ، تحفة الأحوذي 10 / 190 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 515 ، صحيح ابن حبّان 15 / 428 ، المعجم الكبير 3 / 33 و 2 / 274 ، موارد الظمآن : 554 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 149 ، تهذيب الكمال 6 / 402 و 10 / 427 ، تهذيب التهذيب 2 / 299 ، البداية والنهاية 8 / 224 ، إعلام الورى 1 / 425 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 72 و 445 ، ينابيع المودّة 2 / 34 و 207 و 482 .
2- صحيح البخاري 2 / 83 .
3- إرشاد الساري 3 / 421 .
|
الصفحة 430 |
|
2- روى البخاري في صحيحه ، في الباب المذكور ، بسنده عن أنس قال : " قنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهراً حين قتل القرّاء ، فما رأيت رسول الله حزن حزناً قط أشدّ منه " (1) .
فإذا جاز القنوت شهراً لإظهار الحزن عليهم ، جاز الجلوس لذلك ، ولنقتصر على هذا القدر من الروايات ، وإن أردتم التفصيل فعليكم بمراجعة كتاب " سيرتنا وسنّتنا " للعلاّمة الأميني (قدس سره) .
وأمّا اللطم على الصدور ، فهو من حيث الأصل مباح شرعاً ، إذا كان القيام به لهدف مشروع ، وغرض عقلائي ، ولم يترتّب عليه ضرر كبير .
ودليلنا الشرعي على جوازه ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : " وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام) ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب " (2) ، وأيضاً ذكره الشهيد في الذكرى (3) .
وهناك وجوه تدلّ على حسنه وصحّته ، نذكر أهمّها :
الأوّل : توقّع الثواب من الله سبحانه وتعالى والأجر ، حيث إنّ اللطم على الصدور هو مصداق من مصاديق إظهار الحزن ، وعلامة من علامات الحبّ والولاء الشديد لأهل البيت (عليهم السلام) المظلومين وللإمام الحسين (عليه السلام) ، الذي ضحّى بكلّ شيء من أجل الدين .
الثاني : تعظيم شعائر أهل البيت (عليهم السلام) ، وتعزيز عظمتهم وتكريم مقامهم أمام الرأي العام .
____________
1- صحيح البخاري 2 / 84 .
2- تهذيب الأحكام 8 / 325 .
3- الذكرى : 72 .
|
الصفحة 431 |
|
الثالث : يرمز إلى تأييد الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة ، وإعلان الثورة العاطفية على الظلم والظالمين ، والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار والسخط ضدّ أعداء الحقّ والعدل .
إذاً ظهر من هذا أنّ اللطم على الصدور ليس ببدعة ، بل هو أمر جائز ، بل راجح إذا كان لأجل مظلومية أهل البيت (عليه السلام) ، لاسيّما الإمام الحسين (عليه السلام) .
( موسى . السعودية ... )