الحیض أو الطمث: نزیف دموي أسود ثخین، منتن الرائحة، یدفعه الرحم عبرأعضاء الأنثى التناسلیة بطریقة تلقائیة في عدد من الأیام، أقلُّها دفعة من دم، وأكثرها سبعة عشر یوماً، وذلك بصورة دوریة كل شهر، ضمن سنوات الإخصاب وهو:
"خِلْقةٌ في النساء، وطبعٌ معتاد معروف منهن"، وهو مع ذلك أحد أنواع الدماء الثلاثةالمتفق علیها بین المسلمین، والخاصة بالنساء وهي: دم النفاس: ودم الاستحاضة، ودم الحیض، إلا أنه أهم هذه الدماء لاعتیاده، ولعموم بلوى النساء به.
ولما كان الحیض بطبیعته استنزافاً دمویاً: فإنه یستهلك شیئاً من قوى الفتاة البدینة،فیؤثر في نشاطاتها الحیویة، وأدائها الجسمي العام، خاصة إذا كانت الفتاة في الأصل ضعیفة البنْیة، فإن بلوغها سن المحیض لا یزیدها إلا رهقاً وضعفاً.
ومع كون الحیض یشكِّل للفتیات عنتاً جسمیاً؛ فإنه إلى جانب ذلك یُثیر عندهن قلقاً وتوتراً نفسیاً، وشعوراً عاماً بالسلبیة والدنس، وربما هیَّأ لبعضهن حالة نفسیة تساعدعلى الانحراف الخلقي، حتى إن الدراسات تكاد تجمع على أن معظم جرائم النساء تتم في أثناء الحیض، ولعل مما یؤكد هذا الواقع: الحدیث الذي رُوي عن النبي یربط فیه بین الحیض والشیطان؛ لكون المرأة بالحیض تنقطع عن الصلاة وبعض العبادات ، فیكون ذلك محبوباً للشیطان، وبالتالي تكون أقرب للوقوع في الخطأ،وأكثر تهیؤاً لقبول وساوسه وأوهامه.
ولعل أقل ما یمكن أن یبعثه الطمث في نفس الفتاة: الخجل، خاصة عند المبتدئات منهن، مما یدل -في العموم- على وجود معاناة صحیة عامة تصاحب نزیف هذه الدماء، وتُؤثر بصورة سلبیة على مشاعر الفتاة، وطاقاتها البدنیة.
والملاحظ أن سبب وجود هذا التوتر النفسي، وشدة عنفه ترجع -من جهة- إلى طبیعةالحیض المستنزفة لطاقة البدن، ومن جهة أخرى ترجع إلى الغموض والاختلاف الذي یكتنف فقه الحیض، واستغلاق بابه على الجهابذة من الفقهاء، فضلاً عن الفتیات المُتحیِّرات، اللاتي لا یعرفن له أیاماً معلومة، ولا یُمیِّزن له لوناً معروفاً، فلا یهتدین في ذلك بشيء، فینْسَقْن بالتالي إلى شيء من التذمر والضیق، والتزمُّت الفقهي المتكلَّف، الذي نهت عنه الشریعة السمحة، والذي قد یصل ببعضهن إلى حدِّ الشَّك في طهارة كل شيء، كما حدث للمرأة الصالحة أم الفضل بنت المرتضى (ت 773 هـ) من الابتلاء بالشك في الطهارة، إلى درجة أنها لا تأكل، ولا تلبس إلا من صنع یدها حذراًمن النجاسات.
كما أن تراث القرون الغابرة، وما خلَّفته من ركام مشاعر الخزي والنجاسة التي رُبطت بالحُیَّض والنفساء، كل ذلك ینحط بثقله على نفس الفتاة وأحاسیسها، فیطبعها بمشاعر الشذوذ والمنبوذیّة، ویُلْبسها ثوب الحقارة والدونیة.
تقبُّل الفتاة للدورة الشهریة
إن محاولة علاج المشكلات المتعلقة بالدورة الشهریة، والتخفیف من آثارها السلبیةعلى نفس الفتاة، وصحتها العامة: ینطلق في منهج التربیة الإسلامیة من أربع نواح مهمة، وذلك على النحو الآتي.
الناحیة الأولى: شرعیة، حیث ربط نظام الإسلام بین الحیض، وبین العدید من الأحكام الشرعیة المتعلقة بالعبادات والمعاملات، حتى إن المتأمل یجده طبیعة فطریة مهمة لضبط عبادات النساء، وعلاقاتهن الزوجیة؛ لهذا أوجب الشارع الحكیم علیهن تعلُّم أحكامه، وجعلهن في كل ذلك مؤْتمنات على ما یجري في أرحامهن، مُصدَّقات فیما یخبرن عن أحوالهن الخاصة، فهذا النزیف الدموي المتكرر من هذه الجهة نعمة، ولیس بنقمة.
الناحیة الثانیة: نفسیة، حیث تجد الفتاة في تقبُّلها لهذه الطبیعة الأنثویة، وحسن توافقهامعها: تعزیزاً لجانبها المعنوي؛ لأنها بتوافقها، ورضاها عن هذه الحالة النسائیةالفطریة، تمارس عبادة لله تعالى وتؤجر علیها؛ وذلك من خلال أسلوب الترك لبعض أنواع من الشعائر التعبدیة، فهي لا تترك هذه العبادات لكونها أصبحت بالحیض نجسة، أو ناقصة الأهلیة، فإنها بإجماع المسلمین طاهرة الذات، كما أنها كاملة الأهلیة؛ وإنما تترك بعض العبادات طاعة لله تعالى حیث أوجب ذلك علیها زمن الحیض، لا لمجرد كونها تنزف دماً، فإن المُستحاضة هي الأخرى تنزف دماً -وكلاهما نجس بالإجماع كسائر الدماء السائلة- حتى إن الأطباء لا یفرِّقون بینهما من جهة المدة لو لا أن الشارع الحكیم فرق بینهما، ومع هذا لا تمنع المُسْتحاضة من العبادات والممارسات التي تُمنع منها الحائض والنفساء، فلا تأثیر لدم الحیض على شخص الفتاة باعتبارها إنساناً، وإنما تأثیره في المنع من الجماع، وعلة ذلك الضررالثابت، وفي الأثر عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إذا حاضت المرأة حَرُمَ الحجران"؛ یعني الفرج والدبر، وأما تأثیره في سلوكها العبادي فلا یُعلَّل؛ لكونه عبادة، والعبادات لا تعلَّل؛ إذ الأصل فیها الانقیاد والخضوع، فالأمر التعبدي هو الأمر الذي لا تدرك له علَّة، ولا یتوصل العقل إلى معرفة كُنْه سرِّ تشریعه، كعدد ركعات الصلوات المفروضة"، ومع هذا فأمر الحیض مُنْحصر في: الصلاة، والصیام، والمكوث في المسجد، وقراءة القرآن، وما عدا ذلك فهي كما كانت قبل الحیض وبعده، وهذا هو حدُّ نقصان الدین عند الحیَّض من النساء، وفي الحدیث:(نقصان دین النساء الحیض)
الناحیة الثالثة: صحیة، من حیث أن سیلان دم الحیض -في حد ذاته- دلیل على اكتمال نمو الفتاة، وسلامتها الصحیة، وقدرتها على التناسل، فإذا اجتمع إلى ذلك:
اعتدال عدد أیامه، وانضباط زمن سیلانه: كان دلیلاً جیداً على كمال صحة الفتاة النفسیة والجسمیة، في حین تُعد الفتاة التي لا تحیض ناقصة مَعِیبة؛ فإن انقطاع الحیض -في حد ذاته- یأس وحرجٌ، واحتباسه، أو اضطراب سیلانه: مرض وأذى، فعُلم من ذلك أن الحیض صحة للفتاة، تتخفَّف بخروجه من آفاته وعلله -تماماً- كما تتخفف من باقي أنواع الفضلات التي تتأذى باحتباسها، مع كونه أمارة سلامتها أصلح له زوجه بأن جعلها : u للإنجاب؛ ولهذا لما أراد الله تعالى إكرام نبیه زكریا صالحة للولادة برد الحیض إلیها بعد أن كانت عاقراً؛ فالحیض صلاح للنساء، والفتاة القابلة لأُنوثتها بشكل خالٍ من الصراعات، والمتوافقة مع انتمائها الأنثوي: تنتظر الحیض باعتزاز كدلیل على المرور إلى النضج، والأنوثة الفعلیة.
الناحیة الرابعة: اجتماعیة، حیث الخجل الشدید الذي ینتاب الفتیات من سیلان الدم،وما یصدر عنه من رائحة كریهة، مما قد یسوقهن إلى بعض السلوكیات الاجتماعیة والصحیة الخاطئة، تحاشیاً منهن للحرج الاجتماعي والأسري، وقد عالج نظام الإسلام التربوي بصورة جذریة هذه الناحیة بإجازة مخالطة الحائض بصورة طبیعیة دون تحفُّظ؛ حتى تبقى قضیة الحیض في حدود حجمها الطبیعي، تخدم صحة الفتاة من خلال العامة، وتضبط نظام عباداتها ومعاملاتها الشرعیة، وقد وضع رسول الله معاملته للحُیَّض الأسلوب الاجتماعي الأمثل، الذي یحدُّ من معاناة الفتیات لهذه المسألة، ویحصرها في زاویتها المحدودة ؛ فقد كان یبلغ من الحائض مبلغاً عظیماً:
فیؤاكلها ویشاربها، ویصلي بجوارها، ویقرأ شیئاً من القرآن في حجرها، وربما خالطها مباشراً لها، فلا یتحاشى من ذلك إلا الجماع، حتى إنه ربما وضع خدَّه وصدره الشریفین على فخذ إحداهن وهي حائض، بل ربما نال دمُها رحْلَه على دابته، أو كساءَه الذي یُصلي فیه، أو ثوبه مما یلي جسده الشریف حتى یراه الناس، فلا یزید في كل هذه المواقف المتعددة على الأمر بغسْله دون نكیر، أو تثریب، فلم یثبت عنه علیه الصلاة والسلام في كل جوانب عشرته للنساء عموماً، ولزوجاته خصوصاً ما یدل على استقذاره، أو نفوره من شخص الحائض، أو مما ینساب منها؛ لكونه یصدر عنها تلقائیاً بغیر إرادة منها، فهذه الصور الواقعیة للممارسة النبویة تبقى مثالاً حیاً للطریقة الاجتماعیة الصحیحة في رعایة الفتیات، والنساء عموماً حین یتلبَّسن بحال الحیض أو النفاس.
ومع كل ما تقدم في هذه النواحي الأربع تبقى مسألة الدماء الطبیعیة بالنسبة للأنثى وأولیائها أداة حبسٍ وتعطیل، لا تنفك معاناتها النفسیة والاجتماعیة عن تجربة الفتاة الحائض، مهما كان نصیبها التربوي من الرعایة والعنایة الخاصة، ومهما كان مقام ولیِّها من الفضل والسؤْدد؛ ففي حجة الوداع لما حاضت عائشة رضي الله عنها،تمنَّت أنها لم تحج ذلك العام، وقالت متذمِّرة منكَّسة: "… لا أحسب النساء خلقن إلاعند نفْره من منى خبر حیض صفیة بنت حیي رضي للشر"، ولما بلغ رسول الله الله عنها، وكونها بسبب حیضها سوف تعوق الركب عن السفر: دعا علیها بالعُقم،وحلق الرأس، بما هو معلوم عند العرب في مثل هذه المواقف المحرجة، حیث قال لها: ((عَقْرَى حَلْقى، إنك لحابستُنا… ))، ومن هنا فلا بد أن توطن الفتاة نفسها على مكابدة هذه الأنواع من المعاناة الطبیعیة التي لا بد منها، مع الرضا بها على أنها نوع من الابتلاء الذي یتطلب الصبر، مع التقبل لها، والتوافق معها، دون تذمُّر ، أو تسخُّط.
الاحتلام المنامي عند الإناث
الاحتلام: هو الجماع وما یتعلق به في المنام، یُعاینُه البالغ ضمن تجربة جنسیة، فیقذف الماء بصورة تلقائیة، یصاحبها عادة شعور باللذة والانفراج، وهو من خصوصیات الإنسان، عدا الأنبیاء علیهم السلام لكمالهم، والذكور والإناث في شأن الاحتلام سواء؛ إذ هن في مثل هذه القضایا شقائق الرجال، حتى العذراء منهن یمكن هل تغتسل المرأة إذا هي احتلمت؟ : أن تحتلم ما دامت بالغة؛ فقد سئل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
فقال: " نعم إذا رأت الماء"، وهذا من الأمور الثابتة المعلومة لدى الأطباء.
وبدایة قدرة الفتاة على هذا الإنزال المنامي: بلوغها لسن الحیض، حیث یسبق هذهذ السن جمعٌ من الأحلام المنامیة التي تحمل مضامین عاطفیة، تؤكد بصورة عامة نوع هویة الفتاة الجنسیة.
ومع كون تجربة الاحتلام تشمل كل طبقات الإناث البالغات، إلا أنها - مع ذلك – لا تعمُّ بالضرورة جمیع أفراد النساء؛ فإن الاحتلام فیهن قلیل مقابلة بأحوال الذكور، خاصة عند المتزوجات منهن، والشواب من الفتیات، حتى إن البعض - لندْرته - استنكر وقوعه منهن؛ فقد تعیش إحداهن الدهر لا تعرف إنزال الماء إلا بالجماع، حتى وإن كانت ترى في منامها دواعي ذلك كما یراها الرجل.
وكل هذه الأحوال المختلفة لطبیعة احتلام الإناث تبقى بالنسبة للفتاة السلیمة الصحیحةضمن الحدود الطبیعیة المعتادة التي لا تُستنكر، فكما أن في الإناث من لا تكاد تحتلم أصلا، فكذلك یوجد في الرجال من العزاب من لا یعرف الاحتلام، مع كمال قدرته الجنسیة وتعفُّفه، ومع ذلك فإن المضمون الجنسي للأحلام عند الإنسان بصورة عامة لا یزید عن ( 10 %) من مجموع أنواع المضامین المنامیة الأخرى، وهذه المضامین الجنسیة هي في جنس الرجال أكثر منها في جنس النساء.
ومن جهة أخرى لا ینبغي للفتاة المسلمة المتعفِّفة: أن تستهجن أو تستحقر تلبُّسها بتجربة الاحتلام مهما كانت شنیعة؛ فإنه لا حرج علیها، حتى وإن كانت متزوجة –ما دام یحصل لها بصورة معتدلة- ذلك لكونها ظاهرة طبیعیة صحیة، ینتفع بها البدن غایة الانتفاع، ویحصل بها تفریغ الطاقة الجنسیة المكبوتة بصورة فطریة مشروعة، تستغني بها الفتاة عن الوسائل الأخرى الممنوعة، وإنما علیها الحذر من الالتفات إلى موضوعات هذه الرؤى الجنسیة، وما تتضمنه من مواقف عاطفیة مع شخصیات معروفة أو خیالیة؛ فإن للقلوب الضعیفة تعلُّقاً ولو بالخیال، والاحتلام - مع كونه نافعاً في العموم- فإن الشیطان یدخلُه بتأثیره الخاص، فلیكن انتفاع الفتاة بانتقاص الماء،
وذهاب الفْضل، وسكون الغُلْمة، دون ملابسات ومتعلقات مواقف التجربة المنامیة.
الاستمناء عند الإناث
یتحد الذكور والإناث - بصورة عامة- في دوافعهم الجنسیة، ومیولهم الشهویة، فكما أن في الرجال من تغلبه غُلْمته، حتى تصل به إلى درجة الإفراط المُخل، فإن في النساء أیضاً من تغْلبها شهوتها، وهیجان غریزتها حتى لا تكاد ترتوي بشيء، وفي كلا الجنسین -من جهة أخرى- من لا إرْب له، ولا شهوة، إلا أن المعتدل من نوعي الإنسان هو الغالب الأعم.
وتختلف حدَّة الشهوة بین الجنسین، حیث تخضع -بشكل كبیر- عند الإناث إلى مواسم شهریة، وعوامل نفسیة، وتكون ذرْوتها في الثلاثینات من أعمارهن، في حین تستوي حدَّتها في سلوك الذكور بصورة كبیرة فلا تخضع لمواسم معینة، وتكون ذروتها عندهم قبل سن الثلاثین.
ویبقى دافع الشهوة عند الفتاة العزباء طبیعي النزعة، ما لم یصل إلى حدِّ الشغْل الشاغل، الذي لا یزاحمه غیره، بحیث تضطر تحت وطأة إلحاح الغریزة، وشدة عنفها إلى تفریغ الطاقة الشهویة بالاستمناء، أو ما یُسمى عند العرب بجلد عمیرة، وهو ما یُعرف في حق الرجال بالخضخضة، وفي حق النساء بالإلطاف، وفي المصطلح الحدیث یُعرف بالعادة السریة.
وهذه العادة مع كونها لا تحلُّ المشكلة الجنسیة بصورة جذریة، فإنها تؤثر بصورة سلبیة على طاقات الفتاة: الروحیة، والنفسیة، والجسمیة، وعلاقاتها الاجتماعیة، ونجاح حیاتها الزوجیة في المستقبل، ولهذا فهي طریقة ممنوعة شرعاً عند جمهور العلماء، وإنما أجاز بعضهم تعاطیها على سبیل الاضطرار، حین لا یجد المضطر سبیلاً مشروعاً لتصریف الطاقة، أو تسكین الغُلْمة، بشرط أن یكون ذلك لكسر الشهوة ولیس لطلب اللذة، فإن أقل ما یُقال في هذه العادة: أنها من قبائح الأخلاق ومرْذولها.
وأما حكم الاستمناء حالة الاضطرار للإناث ففي جوازه خلاف، ولئن كان بعضهم یسوِّي بین الجنسین في حكمه حال الاضطرار، إلا أن المسألة -مع ذلك- تختلف في حق المرأة لما قد تخلِّفه هذه الممارسة القبیحة من أضرار صحیة على جهازها العصبي، وتشوهات وقروح وآلام على أعضائها التناسلیة الحساسة، فلئن كانت هذه العادة في حق الشاب المضطر وسیلة للتخلص من الفاحشة، فإنها في حق الفتاة المضطرة ذریعة إلى الفاحشة؛ وذلك لاختلاف طبیعة السلوك الجنسي بینهما، ففي الوقت الذي تفتقر فیه الفتاة فطریاً للطرف الآخر لتفریغ طاقتها الشهویة، حیث لا تزیدها ممارسة هذه العادة إلا تأجُّجاً: فإنها في حق الشاب المضطر ممارسة موضعیة، لا تفتقر لطرف آخر، ویمكن أن تحصل في حقه بصورة تلقائیة، بل إن مجرد النظر أو التفكیر من الشاب الممتلئ حیویة كاف لتفریغه للطاقة، فالمسألة في حق الفتیات من هذه الناحیة تختلف؛ ولهذا كثیراً ما كان یتندر بعض الماجنین من شعراء العرب بالاستمناء، معبرین عن سهولته علیهم، حین تشتد غلمة أحدهم، فیصرف طاقته بالاستمناء ولا یبالي، في حین لا یُذكر شيء من ذلك عن النساء في أسلوب تصریف طاقتهن الشهویة.
ولا یُفهم من هذا التوجه الفقهي: كبْت الطاقة الجنسیة، بمعنى إنكارها أو استقذارها؛ وإنما المقصود هو ضبط النشاط الغریزي، وتوجیهه في مساره الصحیح بصورة شرعیة واعیة، فإن "تأثیر الغریزة الجنسیة في نفوس الشباب أشبه ما یكون بالنار المستعرة، فإذا تمردت، وتجاوزت حدود المصلحة، وتُركت طلیقة دون قیود تحدُّ من هیجانها: فإنها تكون قادرة على أن تحرق جذور كل الفضائل الإنسانیة والسجایا الأخلاقیة، وتقضي بالتالي على سعادة الإنسان"، وتذهب بنور عقله وبصیرته، وتدفع به للقیام بما یعارض المصلحة والعقل، ویجلب الشر والمصائب والدمار، وذلك بسبب ما تحمله جاذبیة الغریزة من اللذة والمتعة التي تدفع الإنسان نحو الحریة الجنسیة، "ولكن حفظ الحیاة الاجتماعیة، والوصول إلى التكامل المعنوي: یتطلبان تحدید غرائز الإنسان، وإشباعها في حدود المصلحة الفردیة والاجتماعیة"، فالضوابط الشرعیة للسلوك الجنسي لیست أغلالاً لتقیید الإنسان، والسعي في حرمانه من ملذاته، وإنما هي كوابح لإحكام تصرفاته، وتوجیه طاقاته، بما یحقق مصلحته الخاصة ضمن مصالح المجتمع العامة.
ومن طبیعة الغریزة الجنسیة عند الإنسان أنها مرتبطة بإرادته، كحاله مع الطعام والشراب، في حین لا یرتبط تنفُّسه وضربات قلبه ونحوهما بإرادته، وهذا من شأنه إضفاء شيء من اللذة والمتعة على السلوك الغریزي المنضبط بالإرادة، في الوقت الذي لا یجد فیه الإنسان تلك المتعة واللذة في سلوكه غیر الإرادي، فإذا تمادى الإنسان في إشباع ملذاته الشهویة، وانطلق في تعاطیها بلا ضوابط: فإن إرادته تضعف، وربما تضمحل، لتقرب من حال غرائزه التي تعمل بلا إرادته، فتكون الشهوة رقاً كحال العبد مع سیده، وربما انحطَّت به إلى مرتبة الحیوان، فیفقد حینئذ اللذة والمتعة اللتین ینشدهما، وتصبح الشهوات لكثرة ممارستها بلا معنى ولا مضمون، ولعل هذا الفهم یفسِّر انصراف كثیر من الغربیین عن المسالك الفطریة لتصریف الطاقات الجنسیة: إلى دركات الشذوذ والانحراف المخالف للفطرة السویة.
ومن هنا فإن "تعدیل المیول النفسیة، وترویض الغرائز هما من الأركان الرئیسة للتمدن، والشروط الأساسیة لسعادة الإنسان وهنائه، وهذا ما أجمعت علیه كل الأدیان السماویة، والعلماء والمفكرون كافة.
ورغم أن الفتیات یختلفن عن الذكور في أسلوب تعاطي عادة الاستمناء القبیحة، وأقل منهم تورطاً في ممارستها؛ ومع ذلك فإن الثابت میدانیاً، في غالب الأوساط الاجتماعیة: تلبُّس كثیر منهن بتعاطیها، ومكابدة معاناتها، خاصة من الفتیات المتعلمات والمتحررات أخلاقیاً، ممن كثرت حولهن المغریات، وضعف في نفوسهن الوازع الدیني.
إن وسیلة الفتاة العزباء لضبط هذا الدافع بعد عون الله تعالى، وسلامة صحتها العقلیة والجسمیة من الأمراض العصابیة والعضویة المثیرة للشهوة: تجنُّبها للمواد الدسمة والبهارات والتوابل في مأكلها، والسوائل المنبهة في مشربها، وترفُّعها عن ارتداء الملابس الضیقة، وكشف العورة في الخلوة، وبعض الریاضات البدنیة مثل: السباحة وركوب الخیل وقیادة الدراجات، مع حذرها من سلوك الخادمة المنحرفة، أو الصدیقة المنحلة، وعلیها بنتف العانة بدلاً من الحلق، فإنه أسْكن للشهوة، مع أخذها بشيء منالخشونة في فراشها، ولا بأس بالطعام، أو الدواء الذي یكْسر الشهوة، ویخفف منها، فإنْ هي اتخذت هذه الوسائل، مع اتقائها للبطالة والفراغ، وحذرها من الانفراد والانعزال: كان أعظم وأكثر نفعاً في ضبط الشهوة؛ إذ یلعب الخیال الجامح، والتجربة الطائشة عند الفراغ في زمن الخلوة: أدواراً في إثارة الغریزة، مما قد یدفع بعضهن إلى العبث بأعضائهن التناسلیة، وربما حشت إحداهن نفسها ببعض المواد الغریبة؛ فإن الفتاة الصحیحة البنیة إذا بقیت بغیر شُغْل حنَّت إلى النكاح، واشتاقت للرجال، فإن غالب العشق إنما یأتي من فارغ النفس المترف المنعَّم، الذي كُفي أسباب المعیشة والجهد والكد، ثم الفتاة بعد أخذها بهذه الأسباب تترك لطبیعتها الفطریة أسلوبها الخاص في تفریغ الفائض من طاقتها الجنسیة بصورة عفویة من خلال الاحتلام المنامي، الذي یحصل خارج حدود التكلیف الشرعي.