ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر ( عليهم السلام ) ،فيقال في الأعم الأغلب : فاطمة المعصومة ، كما يقال عند ذكر أمهاالكبرى : فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا ( عليه السلام ) حيث قال : من زارالمعصومة بقم كمن زراني.
ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى ، فإنها تدل على أن السيدة فاطمة ( عليها السلام ) قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سماها الإمام ( عليه السلام ) بالمعصومة ، والعصمة تعني الحفظ والوقاية ، والمعصوم هو الممتنع عن جميع محارم الله تعالى ، وهي لا تنافي الاختيار ، فتكون مرتبة من الكمال لا تهم النفس معها بارتكاب المعصية فضلا عن الإتيان بها مع القدرة عليها عمدا أو سهوا أو نسيانا ، ولا يكون معها إخلال بواجب من الواجبات ، بل ولا مخالفة الأولى كما في بعض المعصومين ( عليهم السلام ) ، وليست هي أمرا ظاهرا وإنما هي حالة خفية من حالات النفس ، ويستدل عليها بالنص أو القرائن القطعية الدالة على ثبوتها ، كما أنها أمر مشكك ، أي ذات مراتب تتفاوت فيها القابليات والاستعدادات من شخص إلى آخر .
وقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على عصمة الأنبياء والأئمة ( عليهم السلام ) والملائكة وبعض الأولياء ، وإن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة الاثني عشر والصديقة الزهراء ( عليها السلام ) في أرقى درجات لعصمة ، فإنهم بلغوا من العصمة مقاما لا تصدر منهم معصية ، ولا يتركون واجبا ، ولا يبدر منهم ما كان على خلاف الأولى ، وبذلك نطقت الأدلة وقامت البراهين
العقلية والنقلية كما هي مبثوثة في كتب الشيعة الإمامية الكلامية. ويتلوهم الأمثل فالأمثل بمقتضى تفاوت المراتب والمقامات .
وعلى هذا فلا يبعد القول بأن السيدة فاطمة هي إحدى المعصومات وإن لم تبلغ درجة الصديقة الزهراء ( عليها السلام ) ، أو أحد الأئمة ( عليهم السلام ) .
وقد ذكر بعض الباحثين عدة قرائن تدل على ذلك ومنها :
أولا : ما ورد في الرواية عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) من أنه قال : من زارالمعصومة بقم كمن زارني .
ومن المعلوم أن الإمام ( عليه السلام ) لا يلقي الكلام جزافا ، ولا يمكن أن تصدرمنه مبالغة في القول في حق شخص من الأشخاص على خلاف الحق .
ولم يكن اسم المعصومة يطلق على السيدة فاطمة في حياتها ليكون التعبير بالمعصومة عنوانا مشيرا ، بل إن هذا التعبير منه ( عليه السلام ) صدرعنه بعد وفاتها ( عليها السلام ) وهو يدل على إثبات العصمة لهذه السيدة الجليلة لأنه بناء على أساس القاعدة المعروفة من أن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية ، يصبح معنى الحديث هكذا : من زار المعصومة بقم كمن زارني لأنها معصومة .
فإذا ثبت أن هذا الحديث صادر عنه ( عليه السلام ) فلا إشكال في دلالته على عصمتها ( عليها السلام ) .
وثانيا : بما ورد من الأحاديث الصحيحة المستفيضة الواردة في وجوب الجنة لمن زار قبر هذه السيدة الجليلة .
وإن كان لا ملازمة بين العصمة ووجوب الجنة ، ولكن لم يعهد في شأن غير المعصوم ذلك ، حتى أن ثلاثة من الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) يؤكدون على زيارتها - وسيأتي الحديث عن ذلك - .
وثالثا : بشفاعتها الشاملة لجميع شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
نعم ذكرت الشفاعة في شأن العالم والشهيد ونحوهما ، ولكن لم يرد شمول الشفاعة وسعتها بحيث تشمل الجميع إلا في حقها وحق آبائها
المعصومين ، يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم .
رابعا : الروايات المتواترة الواردة في فضل قم وقداسة أرضها ببركة قدوم هذه السيدة الجليلة ، ولم يرد في شأن مدينة أخرى كما ورد في شأن مدينة قم ، ومن الطبيعي أن قداسة هذه المدينة إنما هي من أجل هذه السيدة الجليلة .
خامسا : التعبير عن قم بأنها حرم أهل البيت ، وعش آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وغيرها من التعابير العالية التي لم يرد لها مثيل إلا في مواطن ومشاهدالأئمة ( عليهم السلام ) .
سادسا : الكرامات الباهرة لهذه السيدة الجليلة التي كانت ترى على مر القرون والأزمان ، ولم يكن لأحد من أولاد الأئمة ذلك ، إلا ما كان من أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) الذي يقال بعصمته أيضا .
سابعا : التعبيرات العالية الواردة في زيارتها مثل : " فإن لك عند الله شأنا من الشأن " وحيث أن هذه الزيارة مروية عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فإن هذه التعبيرات العالية الشأن لا تتناسب مع غير المعصوم .
ثامنا : إخبار الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن تشرف هذه البقعة - مدينة قم - ببضعة من ولده موسى ( عليه السلام ) ، وكان إخباره بذلك قبل ولادة موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وهو يدل على مقامها العظيم ، ومع هذا يؤكد ( عليه السلام ) على أن جميع الشيعة يدخلون الجنة بشفاعتها ، وذلك علامة على جلالة قدرها ، الأمر الذي لم نقف عليه في شأن غير المعصوم .
وعاشرا : مجئ الإمامين الرضا والجواد ( عليهما السلام ) لتجهيز ودفن هذه السيدة الجليلة دليل واضح على عصمتها ، وذلك لأن من معتقدات الشيعة أن جنازة المعصوم لا يتولى دفنها إلا المعصوم ، فإن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) هو الذي تولى تجهيز فاطمة ( عليها السلام ) مع حضور أسماء ، حتى أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) رأى أن ذلك ثقل على المفضل - الذي كان يحدثه - فقال له ( عليه السلام ) : لا تضيقن فإنها صديقة ، ولم يكن يغسلها إلا صديق ، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى.