يُلاحَظ: أنّ النصّ القرآني الكريم يعتمد ثلاثة أنماط من التعبير :
التعبير العلمي . التعبير الفنّي . التعبير الذي يلفّق بينهما . . .
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ التعبير العلمي يتناول المعرفة الإنسانية والطبيعية البحتة ، بما أنّها حقائق تعتمد الملاحظة والعرض والاستدلال العقلي (أي : اللغة التي تعتمد المنطق والأرقام ، التي لا تتدخل فيها عناصر الخيال أو العاطفة) حينئذ فإنّ التعبير الفنّي يظلّ على عكسه تماماً حيث يعتمد اللغة التخيلية والعاطفية . . . هذا في نطاق التجربة البشرية . . .
وأمّا في نطاق النصّ الشرعي (كالقرآن الكريم ونصوص المعصومين(عليهم السلام)) فإنّ اللغات الثلاث (اللغة العلمية ، اللغة الفنّية ، اللغة الجامعة بينهما) تجد سبيلها في النصّ المشار إليه . وبمقدورنا ملاحظة ذلك في الظواهر التي يتناولها القرآن الكريم ، حيث يتناول الظواهر الفيزيائية أو الكيميائية وغيرهما من المعرفة (الطبيعية) بلغة (الفن) في بعض النصوص ، والأمر كذلك حيث يتناول الظواهر العقائدية أو
الأخلاقية أو التاريخية .
والأمر كذلك حين نتّجه إلى نصوص المعصومين(عليهم السلام) ، حيث نجد أن الإمام عليّ(عليه السلام) مثلاً ، يتناول ظواهر علمية تتصل بنشأة الكون وفق لغة فنّية تعتمد عناصر إيقاعية (كالسجع أو التجنيس أو توازن العبارة . . .) وعناصر صورية (كالتشبيه أو الاستعارة أو الرمز . . .) .
طبيعياً ، السياق هو الذي يحدّد فيما إذا كانت اللغة العلمية أو الفنّية أو اللغة الملفّقة بينهما ، هي اللغة الأشدّ تأثيراً في المتلقي ، وهو أثر لا يفسح لنا المجال الآن بتفصيل الكلام عنه ، بقدر ما تجدر الإشارة إليه فحسب . .
في ضوء هذه الحقائق يمكننا أن نتّجه إلى بعض النصوص القرآنية الكريمة آ«بالنسبة إلى إحدى الممارسات العبادية ، وهي الحجّآ» لملاحظة (اللغة الفنّية) التي يستخدمها النصّ في هذا الميدان .
ومن البين أنّ اللغة الفنّية تعتمد جملة عناصر لفظية وإيقاعية وصورية وبنائية . . . ، إلاّ أننا نكتفي بأحد العناصر وهو عنصر آ«الصورةآ» . . .
أي : العبارة المركّبة التي ترصد العلاقة بين ظاهرتين; لاستخلاص ظاهرة ثالثة ، وهذا كالتشبيه والاستعارة والتمثيل والرمز . . . .
ونقف أوّلاً مع : قوله تعالى : (الحجُّ أشهر معلومات فَمن فرضَ فيهن الحجَّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإنّ خير الزاد التقوى واتقون يا أُولي الألباب)(البقرة : 197) .
(فإذا قضيتُم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءَكم أو أشدّ ذكراً . . .)( البقرة : 200) .
(حُنفاء لله غيرَ مشركين به ومَن يُشرك بالله فكأنّما خرّ من السماء فَتَخطَفُهُ الطيرُ أو تهوي به الريحُ في مكان سحيق((الحجّ : 31) .
النصوص المتقدّمة تتضمّن مجموعة من (الصور) : الاُولى منها نطلق عليها (الصورة التمثيلية) وأمّا الاُخريان فيتضمنان صورتين (تشبيهيتين) الاُولى منهما قد اعتمدت أداة التشبيه (الكاف) والاُخرى قد اعتمدت أداةً تشبيهية اُخرى هي (كأنّ) .
المهم : نقف عند الصورة (التمثيلية) أوّلا ، وهي :
* قال تعالى :(وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى) .
النصّ المتقدّم ينطوي على صورة مألوفة كلّ الإلفة ، حيث نعرف تماماً بأن الصور قد تكون مضبّبة يحتاج المتلقّي خلالها إلى بذل جهد فكري وعصبي; ليدرك العلاقة بين طرفي الصورة وبين الدلالة المستخلصة منها ، وبعضها يتّسم بالضبابية الخفيفة والممتعة بحيث تتطلّب جهداً بسيطاً; لإدراك العلاقة ودلالتها ، وبعضها يتّسم بالطرافة ، وبعضها يتّسم بالإلفة; كما هو الملاحظ بالنسبة إلى الصورة التي نحن في صددها . . . طبيعياً ، يستخدم القرآن الكريم جميع الأنماط التي أشرنا إليها ما عدا النمط الأوّل (المضبّب تماماً) لأنّ ذلك يستتلي جهداً مضنياً يتنافى مع هدف (توصيل) الدلالة إلى المتلقّي ، ومن ثم ، فإنّ السياق هو الذي يحدّد ما إذا كان الأمر يتطلّب الصورة المضبّبة الممتعة ، أو الطريفة ، أو المألوفة . . .
الصورة المألوفة التي نواجهها ، تنطوي على دلالة عميقة بطبيعة الحال ، . . . إنّها تتحدّث عن (التقوى) فيما تجسّد التقوى هدفاً ما بعده من هدف بالنسبة إلى ممارسة الإنسان لمهمّته العبادية في الحياة ، بصفة أن الله تعالى ما خلق الجنّ والإنس إلاّ ليعبدوه ، والعبادة المطلوبة ليس هي مجرّد أدائها ، بل بلوغ الدرجة الأعلى منها ، تبعاً لما تقرّره الآية الكريمة : (ليبلوكم أيّكم أحسنُ عملاً . . .)( هود : 7) ، أي : إنّ المطلوب من الممارسة العبادية هي (الأجود) وليس (الجيّد) فحسب ، وهذا ما استهدفه النصّ القرآني الكريم في الصورة التمثيلية ، حيث تجسّد (التقوى) ـ كما هو بيّن ـ (أحسن) العمل أو القمّة منه ، فانتخب ظاهرة (الزاد) ليربط بينها وبين (التقوى) . . .
عرفات
ونتساءل : لماذا (الزاد) دون غيره من الظواهر؟
واضح ، أن (الزاد) هو المادة التي تمدّ الإنسان بالحياة ، وهو ممّا يفتقر إليه باستمرار ، وليس في أوقات أو مراحل أو حالات خاصّة . . . وإذا كانت المهمّة العبادية للإنسان هي : مهمّة (استمرارية) منذ أن يقع عليه التكليف إلى آخر عمره ، حينئذ فإنّ انتخاب ظاهرة استمرارية (الزاد) تتناسب مع إبراز مفهوم (التقوى) تماماً . فالتقوى مطلوبة في الحالات والأزمنة جميعاً (كالغذاء الذي نحتاجه في الحالات والأزمنة جميعاً) .
من زاوية اُخرى : نلاحظ أنّ (الزاد) لا ينحصر أثره هنا في الحياة الدنيا ، بل ينسحب على الحياة الأخروية، أي: بقدر مايتزوّد الإنسان بالتقوى : يترك أثره على الحياة المقبلة وهذا هو الجديد والطريف في الصورة . . . فالنصّ لم يعتمد (الزاد) من حيث كونه مادّة تمدّ الإنسان بالعطاء الدنيوي فحسب ، بصفة أنّ مَن يتّق الله تعالى يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لايحتسب دنيوياً، بل تجاوزه إلى العطاء الأخروي ، حيث تمدّه (التقوى) باستمرارية حياته الأخروية من أعلى درجات الإشباع .
وهذا ما يفسّر لنا انتخاب ظاهرة (الزاد) دون غيرها من الظواهر (كالأكل) مثلاً ، حيث إنّ الأكل أو الشرب يمدّان الإنسان بالحياة ، إلاّ أنّ ذلك ينحصر في الحياة الدنيا . أما الزاد فبالرغم من كونه يتناول ظاهرتي (الأكل والشرب) إلاّ أنّه ـ من جانب آخر ـ وهذا هو المهمّ في الصورة : يجسّد مفهوماً آخر لظاهرة تناول الغذاء ، ألا وهي (تهيئته) فكما أنّ المسافر مثلاً يحتاج إلى (الراحلة والزاد) للإفادة منهما في رحلته لاحقاً ، وليس آنياً فحسب . . . كذلك (الزاد) بالنسبة إلى ممارسة (التقوى) حيث يستهدف النصّ لفت النظر إلى (تهيئة) الزاد للإفادة منه آنياً ولاحقاً بالنحو الذي أوضحناه .
إذن : أمكننا أن ندرك ـ ولو سريعاً ـ أهمّية هذه الصورة (التمثيلية) المتّسمة بالبساطة ، إلاّ أنّها اكتسبت دلالات عميقة كما لاحظنا .
* قال تعالى : (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً . . .) .
الصورة التي نواجهها الآن ، تنتسب ـ كما قلنا ـ إلى (التشبيه) ، . . . والتشبيه نمطان : مجازي وواقعي ، ويُقصد بالأول ما تُرصد به العلاقة بين طرفين لا واقع لهما كتشبيه السفن بالجبال في قوله تعالى : (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) حيث لا علاقة واقعية بينهما ، وهذا بعكس التشبيه الواقعي وهو التشبيه الذي نحن في صدده )فاذكروا الله كذكركم آباءكم . . .( حيث إنّ استحضار دلالة ما (كذكر الله تعالى) في الذهن وممارسة ذلك لفظياً ، أو استحضار (ذكر الآباء) في الذهن وممارسته لفظياً أمرٌ واقعي ، لم تُستحدَث علاقة مجازية بينهما . . .
من زاوية اُخرى ، ينشطر التشبيه إلى نمطين : التشبيه المتكافئ وهو ما يتكافأ طرفاه في الدلالة على شيء ما ، كالتشبيه الذي لاحظناه بالنسبة إلى السفن والجبال ، أو تشبيه (ذكر الله تعالى) بذكر الآباء ، حيث يتماثل أو يتساوى طرفا التشبيه دون تفاوت بينهما . . . وأمّا النمط الآخر من التشبيه فيمكن تسميته بـ (التشبيه المتفاوت) وهو ما يشير إلى (الأعلى) أو (الأدنى) من الطرف الآخر ، وهو قوله تعالى )أو أشدّ ذكراً( ، حيث أشار النصّ إلى أن يذكر الله تعالى بنحو (أشدّ) من ذكر الآباء ، أي : أعلى درجة منه . . . المهم : أنّ الآية الكريمة )فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً( تنطوي على نمطي التشبيه : المتكافئ والمتفاوت ، ومن ثم فإنّ الأهمّ من ذلك هو ملاحظة الأسرار الفنية وراء النصّ التشبيهي المذكور . . .
تقول النصوص المفسّرة بما مؤدّاه : إنّ الناس كانوا إذا فرغوا من الحج ، ذكروا آباءهم ومفاخرهم; لذلك أمرهم الله تعالى بأن يذكروا الله تعالى على نحو ذِكرهم لآبائهم أو أشدّ ذكراً . . .
سرّ ذلك ، أن الحاجة إلى (تأكيد الذات) من جانب ، والحاجة إلى (الانتماء الاجتماعي) من جانب آخر ، مضافاً إلى الأعراف الاجتماعية التي تغذّي الحاجتين المذكورتين ، حيث إنّ (الذات) تتسع لتشمل كلَّ ما يتصل بها من قريب أو بعيد ، ومنه : المجد النسبي (ذكر الآباء والأجداد) ، وحيث إنّ (الانتماء الاجتماعي) يتسع ليشمل كلّ فرد أو مؤسسة يرتبط بها الشخص : الآباء ، الاُسرة ، القرابة ، القبيلة . . . نقول: إنّ الحاجتين المذكورتين تفسّران لنا سرّ التشبيه المشار إليه من حيث كونه قد انتخب (ذكر الآباء) دون أنماط الذكر الاُخرى; نظراً لإلحاحهما بالنسبة إلى دوافع الإنسان المتنوّعة . . . لكن : بما أنّ ذكر الله تعالى لا يمكن أن يقاس بذكر الآباء خاصّة لمن يمتلك وعياً عبادياً جادّاً ، حينئذ فإنّ النصّ التشبيهي المذكور أردف التشبيه المتكافئ بالتشبيه المتفاوت ، فقال )أو أشدّ ذكراً( بصفة أن عظمة الله تعالى ونعمه التي لا تحصى لا يمكن أن تُقاس بمجد الآباء وفضلهم . . .
* قال تعالى : (حُنفاء لله غيرَ مشركين به ومَن يُشرك بالله فكأنّما خرّ من السماء فَتخطَفُهُ الطيرُ أو تهوي به الريحُ في مكان سحيق).
تشير النصوص المفسّرة إلى أن التشبيه المذكور ، يومئ إلى أنّ المشرك لا يملك لنفسه حيلة فهو هالك لا محالة ، أو أن بُعده عن الحقّ كبعد الساقط من السماء . . .
ومع أن هذا النمط من التذوّق الفنّي للصورة ينطوي (من حيث الحصيلة النهائية للشرك) على الصواب ، إلاّ أنّ الأسرار الفنّية الكامنة وراء هذا التشبيه لا تزال مجهولة لم يهتد الأقدمون ولا المعاصرون إلى استكناه دلالاته الفنّية ، فالملاحظ أنّ قسماً من النصوص الفنّية وسواها قد اهتدى الأقدمون إلى كشف أسرارها ، والبعض الآخر لم تسمح الثقافة الموروثة آنئذ بالكشف عنها; نظراً لمحدودية المناخ الثقافي آنئذ (كما هو ملاحظ مثلاً في سكوت الأقدمين عن الحديث عن الأسرار الفنّية لقصص القرآن) والقسم الآخر من النصوص الفنّية قد اهتدى المعاصرون إلى كشفها بالنسبة إلى الجيل السابق منهم ، والقسم الآخر قد اهتدى الجيل الحالي إلى كشفه ، مما يعني أنّ قسماً آخر لا يزال ينتظر جيلاً جديداً يمتلك
أدوات فنّية جديدة; ليكتشف بها أسرار الفن . . .
والمهم هو : أن نشير إلى جملة نقاط ، منها :
ـ أن ننتبه إلى أنّ التشبيه الذي نحن في صدده قد اعتمد أداة (كأن) ، ولابد من أن يكون انتخاب النصّ لهذه الأداة دون غيرها منطوياً على سرّ فنّي ، فالملاحظ (وهذا ما رصدناه في استخدام القرآن الكريم لأدوات التشبيه) أنّ أدوات التشبيه الثلاث المعروفة (الكاف) (مِثْل) (كأنّ) تضطلع كلّ منها بوظيفة خاصة ، فإذا كان طرفا التشبيه يتماثلان في السمات المشتركة بينهما إلى درجة كبيرة تتجاوز المتوسط ، حينئذ فإنّ الأداة (مِثْل) هي التي تستخدم في هذا المجال ، وهذا ما نجده في الصورة التشبيهية التي رسمها القرآن الكريم بالنسبة الى أحد ابني آدم(عليه السلام) عندما قتل أخاه وجهل كيفية مواراته ، حيث شاهد غراباً(يبحث في الأرض) فقال : (يا ويلتى أَعجزتُ أن أكون (مثل) هذا الغراب . .)( المائدة : 31) فالملاحظ هنا أن طرفي الصورة يتماثلان إلى درجة كبيرة تتجاوز المتوسط ، حيث إنّ الإنسان والطائر متماثلان جنساً ، ومواراتهما في الأرض يتماثلان ، وهكذا; لذلك استخدمت أداة التشبيه (مثل) ، . . .
وأمّا إذا كانت درجة التشابه متوسطة المدى كما هو الغالب في التشبيهات القرآنيّة ، استخدم أداة (الكاف) .
وأمّا إذا كانت دون درجة الوسط ، فإنّ الأداة (كأنّ) هي تضطلع برسم الصورة ، وهذا ما نجده في التشبيه الذي نحن في صدده . فالشرك بالله عملية (فكرية) ، وأمّا السقوط من الجو ، وخطف الطير ، وإلقاء الريح إيّاه في مكان سحيق ، فظواهر (مادية) كما هو بيّن; لذلك استُخدمت الأداة (كأنّ) نظراً للسمات المتفاوتة بين الطرفين . . . طبيعياً ، أن السياق هو الذي يحدّد استخدام هذه الأداة أو تلك ، وأمّا نسبة السمات المشتركة كثرت أو ضؤلت لا دخل لها في جعل التشبيه متميّزاً عن التشبيه الآخر; لأنّ المهم هو : اقتناص أحد وجوه الشبه والتركيز عليه ، حتّى إنّه ليمكن القول : إنّ التشبيه قد يصل إلى ذروة قيمته الفنّية (في تجارب البشر) من خلال اقتناص سمة واحدة ، إلاّ أنّها ذات إثارة وطرافة . . .
وأيّاً كان الأمر ، فإنّ النصّ الصوري قد تحدّث عن الشرك بالله تعالى في سياق المطالبة بأن يكون الحُجّاج )حنفاء لله غير مشركين به( ، سواء أكان المقصود من ذلك (وفقاً للنصوص المفسّرة) الإشراك في تلبية الحجّ ، أو مطلق الشرك ، وسواء أكان ذلك في نطاق الشرك الاصطلاحي أو الشرك الخفي كالرياء ونحوه . . ففي الحالات جميعاً ، فإنّ إشراك (الآخر) مع الله تعالى في مطلق الممارسات ، يعني : إكساب (الآخر) فاعليةً ما ، مع أنّ الحقيقة أنّ الفاعلية هي لله تعالى وحده ، وحينئذ من الممكن أن يكون النصّ قد استهدف الإشارة إلى أنّ من أشرك أحداً مع الله سوف يسقط من (حساب) الله تعالى حتماً ، ويخسر كلّ شيء ، وعندها سيكون مَثَلُه مَثلَ مَن سقط من الجوّ (والسقوط وحده كاف في إلغاء الشخص من الحساب) وفي حالة سقوطه سوف لن يستنقذه أحدٌ ممّن أشركه مع الله تعالى ، فإمّا أن تخطفه الطير فتنهش لحمه دون أن يستنقذه الطرف المذكور ، وإمّا أن تهوي به الريح في مكان بعيد لا يصل إليه أحد ليستنقذه من الموت ، إن كان به رمق ـ على سبيل المثال . . . .
المهم ، يظلّ التشبيه المذكور ـ كما قلنا ـ واحداً من الصور الفنّية ، التي تنتظر مَن يستكنه أسراره لاحقاً ، مادمنا نعرف تماماً بأنّ النصّ القرآني الكريم نصٌّ (معجزٌ) فنّياً ، وأنّ الاستخلاصات المتعدّدة بعدد قرّاء النصّ ، تظلّ إحدى سماته الفنّية المدهشة حيث يترك المتلقي ـ كلاً بحسب مرجعيته الثقافية والتذوقية ـ يستخلص دلالة تفترق أو تتماثل أو تتفاوت مع الآخر ، بالنحو الذي أوضحناه .
د . محمود البستاني