تحتاج معرفة القرآن إلى مقدمات و شروط ، نذكرها بإيجاز:
أحد الشروط الضرورية لمعرفة القرآن ، معرفة اللغة العربية. و كما لا يمكن معرفة (أشعار) حافظ و سعدي ، دون الإلمام الفارسية ، فإن معرفة القرآن المكتوب باللغة العربية دون معرفة اللغة العربية أمر محال.
الشرط الآخر: هو الإلمام بتاريخ الإسلام ، لأن القرآن ليس مثل التوراة أو الإنجيل ، إذا عرض كل منهما (و بلغ إلى الناس) مرة واحدة من قبل الرسول (موسى و عيسى)، بل، أن هذا الكتاب نزل طوال 23 سنة من حياة الرسول الأعظم، من البعثة حتى الوفاة، و خلال الأوضاع المختلفة لتأريخ الإسلام المملوءة حركة و ثورة، ولهذا نلاحظ هناك أسباب لنزول آيات القرآن، و
سبب النزول لا يحدد معنى الآية، بل، و بالعكس فإن معرفة سبب النزول، يرشد و يؤثر كثيرا في توضيح مضمون الآيات.
الشرط الثالث: هو الإلمام بكلمات ، و أقوال الرسول الأعظم (ص)، فالرسول بنص القرآن، أول مفسر لهذا الكتاب، حيث جاء في القرآن.
« وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ، مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ، وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ،(النحل44).
« هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ، وَ يُزَكِّيهِمْ ، وَ يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ »،(الجمعة2).
الرسول الأكرم (ص) - من نظر القرآن - بنفسه مبين و مفسر لهذا الكتاب، و ما جاءنا من الرسول ، يعيننا على تفسير القرآن.
أما بالنسبة إلينا - نحن الشيعة - الذي نعتقد بالرسول و الأئمة الأطهار (ع) ، و نعتقد أن ما كان للرسول من قبل الله، فقد نقله إلى أوصيائه المكرمين، فإن الأحاديث المعتبرة التي وصلتنا من الأئمة، لها نفس اعتبار الأحاديث المعتبرة، الواصلة من رسول الله، فإن الروايات الموثقة من الأئمة، تساعدنا كثيرا في معرفة القرآن.
قرآن
هناك نقطة لا بد، أن نهتم بها في التحقيق حول القرآن، وهي أن نتعرف على القرآن بالاستعانة بالقرآن نفسه. و الغرض من ذلك أن مجموعة آيات القرآن ، تكون مع بعضها بناء متراصا، أي أننا إذا أخذنا آية واحدة من آيات القرآن، و قلنا أننا نريد فهم هذه الآية فقط، يعتبر هذا أسلوب خاطئ، و بالطبع يحتمل أن يكون فهمنا لتلك الآية فهما صحيحا، ولكن هذا عمل مخالف للاحتياط، فآيات القرآن تفسر بعضها بعضا، و كما قال بعض المفسرين الكبار، فإن الأئمة الأطهار أيدوا هذا الأسلوب من التفسير.
القرآن له أسلوب خاص بنفسه في توضيح وبيان المسائل، ففي موارد كثيرة، إذا أخذت آية واحدة من القرآن، دون عرضها على الآيات المشابهة، فإنها تأخذ مفهوما يختلف كليا عن مفهوم نفس الآية، إذا وضعت بجانب الآيات التي تشابهها في المضمون.
هناك نقطة لا بد، أن نهتم بها في التحقيق حول القرآن، وهي أن نتعرف على القرآن بالاستعانة بالقرآن نفسه.
لعرض نموذج من هذا الأسلوب الخاص للقرآن، نستطيع ذكرالآيات المحكمة و الآيات المتشابهة.
هناك تصور ساذج بالنسبة للمحكمات و المتشابهات، فيعتقد البعض بأن الآيات المحكمة، هي التي عرضت فيها المواضيع بصورة عادية و صريحة، و الآيات المتشابهة بعكس ذلك، فإن الموضوعات فيها على صورة ألغاز و رموز.
و بمقتضى هذا التعريف، يحق للناس أن يتدبروا في الآيات المحكمة و الصريحة فقط، و أما الآيات المتشابهة ، فلا يمكن معرفتها، و يمنع التفكر فيها.
وهنا بالطبع، يطرح هذا السؤال نفسه: ما هي أذن فلسفة الآيات المتشابهة؟ لماذا يعرض القرآن آيات غير قابلة للمعرفة؟ الجواب بالإيجاز هو ، أن الآيات المحكمة ليس معناها الآيات الصريحة و الواضحة، و ليست الألغاز و الرموز معاني للمتشابهات.
اللغز لفظ مبهم، لا يفهم معناه مباشرة، و الآن لننظر هل توجد في القرآن آيات مبهمة ؟ ، هذا القول ينافي نص القرآن ، الذي يقول ، بأن القرآن كتاب مبين في آياته، و أن آياته واضحة مفهومة، و جاءت لتكون نورا ، و هدى للناس.
إلا أن سر الموضوع، يكمن في بعض المواضيع المعروضة في القرآن خاصة، عندما يأتي الكلام عن ماوراء الطبيعة و الأمور الغيبية ، فإنها غير قابلة للبيان و التوضيح أساسا مع الألفاظ.
ولكن ، بما أن لغة القرآن، هي اللغة المتداولة بين البشر، فإن هذه المواضيع المعنوية اللطيفة، وردت بنفس العبارات و الألفاظ، التي يستخدمها البشر في الموضوعات المادية. ولكن لتجنب سوء الفهم، فإن المسائل الواردة في بعض الآيات لا بد أن تسر بمعونة الآيات الأخرى، و لا يوجد سبيل آخر غير هذا السبيل.
فمثلا يريد القرآن ، أن يذكر حقيقة ادعاء رؤية الله بالقلب (أي الإنسان يستطيع أن يرى الله بقلبه)، ورد هذا المعنى في قالب العبارات: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» ،(القيامة22-23).
قرآن
استخدم القرآن لفظة "النظر"، لأنه لا توجد كلمة أنسب من هذه الكلمة، لأداء الغرض و المقصود، و لتجنب الاشتباه ، يوضح في مكان آخر: «لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير» ،(الأنعام103).
يلاحظ القارئ أنه بالرغم من التشابه اللفظي، لا يوجد تشابه بين هذه الأمور، و يختلف كل عن الآخر اختلافا كاملا. و القرآن لتجنب الخطأ بين المعاني العالية و المعاني المادية، يأمرنا بإرجاع المتشابهات إلى المحكمات.
«...أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ.. »، (آل عمران7)
بعض الآيات محكمة، أي أن لها ذلك الاستحكام، الذي لا يمكن فصلها عن معانيها، و اتخاذ معان أخرى لها. هذه الآيات هي أم الكتاب ، أي أنها الآيات الأم.
فكما أن الطفل يرجع إلى أمه، و أمه تكون مرجعا له، و أن المدن الكبيرة (أم القرى)، تكون مرجعا للمدن الأصغر، فالآيات المحكمة أيضا ، تحسب مرجعا للآيات المتشابهة.
الآيات المتشابهة للتدبر و التفكر ، ولكن لابد من الاستعانة بالآيات المحكمة لكي نتدبر فيها. و بدون الاستعانة بالآيات الأم، فإن ما يستنتج من الآيات المتشابهة غير صحيح ، و ليس له اعتباره.