عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

التغيير الفردي والاجتماعي في نهج البلاغة

ويقصد به كل تحول يحدث في كيان الفرد والمجتمع ، وهذا التحول ينتج عن الصراع بين القديم والجديد ، وعلى أساس هذا الصراع تتحدد وجهة سير هذا التغيير وسرعته .

ذلك أن كل نمط ثقافي جديد يقابل بموقفين متعارضين أحدهما يدفعها إلى الأمام ، والآخر يشده إلى الوراء .

لهذا فالثقة الاجتماعية ، إما أن تكون متطورة ( ديناميكية ) ترحب بالجديد وتتفاعل معه ، وإما أن تكون جامدة ( استاتيكية ) تحافظ على القديم وتصدر رياح التغيير عنه . من هذا المنطق ، فإن موضوع التغيير الذي تحدثه التربية ، أصبح من أهم موضوعات علم الاجتماع ممّا يفرضه على الأفراد والمجتمعات من تحولات متفاوتة بين القوة والضعف ، ولها أثرها في إعادة ترتيب الحياة من جديد .

إلا أن هذا التغيير لن يؤتي ثماره ما لم تتوفر له القيادة المتميزة بالصلابة والتماسك والتي لا ترضخ لعنف الرفض والمقاومة .

أ ) التغير على مستوى الفرد

إن التغير الذي تحدث التربية في نفسية الفرد ، إنما هو بداية للتحول العظيم الذي سيطال المجتمع ككل . وبما أن للقيادة دورها الهام في إحداث التغيير المطلوب ، فإن الاقتداء بها أمر يساهم في سرعة هذا التغيير .

ولقد أعطى ( عليه السلام ) القدوة التي يجب أن تحتذى لحسم صراع النفس مع شهواتها لصالح الإنسان الفاضل وكانت وصاياه ومواعظه تصب في هذا الإطار فيقول في وصية إلى ( شريح بن هانئ ) : ( واعلم أنك لم تردع نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروه ، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر فكن لنفسك مانعاً رادعاً ، ولنزواتك عند الحفيظة واقماً قامعاً ) .

وردع النفس عن شهواتها يستلزم الزهد في الدنيا ، وما أكثر الخطب والمواعظ التي أوردها الإمام في الزهد تشبهاً بحياة الرسول والاقتداء به حتى قال فيه عمر بن عبد العزيز : ( ما علمنا أن أحداً كان في هذه الأمة بعد النبي أزهد من علي بن أبي طالب ) . ولا شك أن السيطرة على أهواء النفس والزهد في الدنيا من أكثر الأمور المشجعة على السلوك الفاضل .

والتربية التي نعتمدها ، إنما تساهم في تنمية الحس الخلقي للفرد وصياغة فكره قوالب معينة وبفضل التربية ينتقل الإنسان من بيداء الجهل إلى ميادين العلم والمعرفة كما في وصية الحسن ( عليه السلام ) : ( فإنك أول ما خلقت به جاهلاً ثم علمت ، وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ، ويضل فيه بصرك ، ثم تبصره بعد ذلك ) .

ب ) التغير على مستوى المجتمع

إن التغير على مستوى المجتمع لا يتم بالصورة التي يتمناها رواد التربية فقد يكون سهل المنال وقد يقاوم بمعارضة شديدة ، والمقاومة هي الأكثر حصولاً لتشبث القديم بقدمه ، ورغبة الجديد في التطور والتقدم .

وهذه حال رواد الصلاح والتغيير في العالم . وقس على ذلك حال الأنبياء والرسل والأئمة ، والتاريخ يشهد بذلك .

لقد جاوبه الإمام علي ( عليه السلام ) بمقاومة عنيفة من الفئات التي كانت تفضل الركود والجمود حرصاً على مصالحها وامتيازاتها فوقفت سداً منيعاً أمام رياح التغيير وحاولت منعه من تنفيذ برنامجه في الإصلاح ، وقبل ذلك وقف النبي محمد ( صلّى الله عليه وآله ) ومعه الإيمان كله يصد موجات الكفر والضلال التي رفضت دعوته وأبت عليه مهمته في قهر الشرك ورسم معالم التوحيد .

إن روح الإصلاح والتغيير التي تنبعث من كلمات الإمام علي ( عليه السلام ) وتتأكد في مواقف ومناسبات عديدة ، تقابل بالإصرار على العنف والرفض والمعاناة كما يقول ( عليه السلام ) : فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ) ( 75 ) .

إن حسم الصراع لن يتم إلا بالثبات في المواقف والتماسك في النفس حتى في أحلك الظروف ، فلا يفت اليأس من عضد القائد أو يتسرب إلى قلبه ولا يرهبه عنف الصراع واحتدامه ، فالتربية التي يتحدث عنها الإمام ( عليه السلام ) هي تلك التي تبني كياناً للإنسان يلزمه باتخاذ المواقف الأكثر صلابة تجاه الحق ، فلا تؤثر فيه الإغراءات ، ولا تخيفه الأعاصير كما جاء في قوله إلى أخيه عقيل : ( لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولا تحسبنّ ابن أبيك ـ ولو أسلمه الناس ـ متضرعاً متخشعاً ، ولا مقراً للضيم واهناً ، ولا سلسل الزمام للقائد ولا وطئ الظهر للراكب المقتعد ) .

ولا شك من أن لهذا الثبات والتصميم في إزالة كل العوائق التي تحول دون بلوغ التغيير الاجتماعي الهادف ، دوراً هاماً في تحقيق النصر النهائي بهدم صروح الحضارة البالية والتشييد لبناء حضارة خالدة ( فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكتب وأنزل علينا النصر ) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ماذا يحب الرجل في المرأه ..
دعوة للتكامل مع الاحتفاظ بخصوصية الآخر
خصائص الأسرة المسلمة
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟
إصدار كتاب "كربلاء كما شاهدت
اعتصام “زينبيات صمود” ومسيرات “أنات الإنتصار” ...
الواصلية
الإمام الخميني (ره) أحيا الإسلام وبث روح المقاومة ...
الشيخ محمد حسن النجفي المعروف بالشيخ صاحب ...
اليك عشر طرق للنوم الهاديء

 
user comment