ويقصد به كل تحول يحدث في كيان الفرد والمجتمع ، وهذا التحول ينتج عن الصراع بين القديم والجديد ، وعلى أساس هذا الصراع تتحدد وجهة سير هذا التغيير وسرعته .
ذلك أن كل نمط ثقافي جديد يقابل بموقفين متعارضين أحدهما يدفعها إلى الأمام ، والآخر يشده إلى الوراء .
لهذا فالثقة الاجتماعية ، إما أن تكون متطورة ( ديناميكية ) ترحب بالجديد وتتفاعل معه ، وإما أن تكون جامدة ( استاتيكية ) تحافظ على القديم وتصدر رياح التغيير عنه . من هذا المنطق ، فإن موضوع التغيير الذي تحدثه التربية ، أصبح من أهم موضوعات علم الاجتماع ممّا يفرضه على الأفراد والمجتمعات من تحولات متفاوتة بين القوة والضعف ، ولها أثرها في إعادة ترتيب الحياة من جديد .
إلا أن هذا التغيير لن يؤتي ثماره ما لم تتوفر له القيادة المتميزة بالصلابة والتماسك والتي لا ترضخ لعنف الرفض والمقاومة .
أ ) التغير على مستوى الفرد
إن التغير الذي تحدث التربية في نفسية الفرد ، إنما هو بداية للتحول العظيم الذي سيطال المجتمع ككل . وبما أن للقيادة دورها الهام في إحداث التغيير المطلوب ، فإن الاقتداء بها أمر يساهم في سرعة هذا التغيير .
ولقد أعطى ( عليه السلام ) القدوة التي يجب أن تحتذى لحسم صراع النفس مع شهواتها لصالح الإنسان الفاضل وكانت وصاياه ومواعظه تصب في هذا الإطار فيقول في وصية إلى ( شريح بن هانئ ) : ( واعلم أنك لم تردع نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروه ، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر فكن لنفسك مانعاً رادعاً ، ولنزواتك عند الحفيظة واقماً قامعاً ) .
وردع النفس عن شهواتها يستلزم الزهد في الدنيا ، وما أكثر الخطب والمواعظ التي أوردها الإمام في الزهد تشبهاً بحياة الرسول والاقتداء به حتى قال فيه عمر بن عبد العزيز : ( ما علمنا أن أحداً كان في هذه الأمة بعد النبي أزهد من علي بن أبي طالب ) . ولا شك أن السيطرة على أهواء النفس والزهد في الدنيا من أكثر الأمور المشجعة على السلوك الفاضل .
والتربية التي نعتمدها ، إنما تساهم في تنمية الحس الخلقي للفرد وصياغة فكره قوالب معينة وبفضل التربية ينتقل الإنسان من بيداء الجهل إلى ميادين العلم والمعرفة كما في وصية الحسن ( عليه السلام ) : ( فإنك أول ما خلقت به جاهلاً ثم علمت ، وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ، ويضل فيه بصرك ، ثم تبصره بعد ذلك ) .
ب ) التغير على مستوى المجتمع
إن التغير على مستوى المجتمع لا يتم بالصورة التي يتمناها رواد التربية فقد يكون سهل المنال وقد يقاوم بمعارضة شديدة ، والمقاومة هي الأكثر حصولاً لتشبث القديم بقدمه ، ورغبة الجديد في التطور والتقدم .
وهذه حال رواد الصلاح والتغيير في العالم . وقس على ذلك حال الأنبياء والرسل والأئمة ، والتاريخ يشهد بذلك .
لقد جاوبه الإمام علي ( عليه السلام ) بمقاومة عنيفة من الفئات التي كانت تفضل الركود والجمود حرصاً على مصالحها وامتيازاتها فوقفت سداً منيعاً أمام رياح التغيير وحاولت منعه من تنفيذ برنامجه في الإصلاح ، وقبل ذلك وقف النبي محمد ( صلّى الله عليه وآله ) ومعه الإيمان كله يصد موجات الكفر والضلال التي رفضت دعوته وأبت عليه مهمته في قهر الشرك ورسم معالم التوحيد .
إن روح الإصلاح والتغيير التي تنبعث من كلمات الإمام علي ( عليه السلام ) وتتأكد في مواقف ومناسبات عديدة ، تقابل بالإصرار على العنف والرفض والمعاناة كما يقول ( عليه السلام ) : فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ) ( 75 ) .
إن حسم الصراع لن يتم إلا بالثبات في المواقف والتماسك في النفس حتى في أحلك الظروف ، فلا يفت اليأس من عضد القائد أو يتسرب إلى قلبه ولا يرهبه عنف الصراع واحتدامه ، فالتربية التي يتحدث عنها الإمام ( عليه السلام ) هي تلك التي تبني كياناً للإنسان يلزمه باتخاذ المواقف الأكثر صلابة تجاه الحق ، فلا تؤثر فيه الإغراءات ، ولا تخيفه الأعاصير كما جاء في قوله إلى أخيه عقيل : ( لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولا تحسبنّ ابن أبيك ـ ولو أسلمه الناس ـ متضرعاً متخشعاً ، ولا مقراً للضيم واهناً ، ولا سلسل الزمام للقائد ولا وطئ الظهر للراكب المقتعد ) .
ولا شك من أن لهذا الثبات والتصميم في إزالة كل العوائق التي تحول دون بلوغ التغيير الاجتماعي الهادف ، دوراً هاماً في تحقيق النصر النهائي بهدم صروح الحضارة البالية والتشييد لبناء حضارة خالدة ( فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكتب وأنزل علينا النصر ) .