السؤال: كيف نثبت أنّ للكون علّة غير محتاجة ؟ مع جزيل الشكر ، وفّقكم الله لما يحبّ ويرضى .
الجواب : نثبت ذلك عن طريق الدليل العقلي والدليل الشرعي :
أمّا الدليل العقلي فنقول : لو كانت علّة الكون محتاجة للزم التسلسل ، وهو باطل عقلاً ، وذلك ببيان :
معنى كون العلّة محتاجة ، أي مفتقرة ومعلولة إلى علّة ثانية توجدها ، وهي غير محتاجة ، وإلاّ لاحتاجت العلّة الثانية إلى علّة ثالثة وهكذا ، فيكون بعضها معلول لبعض آخر ، وذلك البعض الآخر معلول لآخر من غير أن ينتهي إلى علّة ليست بمعلول ، وهو ممتنع وباطل ، لاستحالة التسلسل .
فيثبت أنّ علّة الكون ليست بمعلول ، أي ليست بمحتاجة ، وهو المطلوب .
وأمّا الدليل الشرعي فنقول : وردت آيات وروايات كثيرة تنصّ على أنّ الخالق والموجد لهذا الكون هو الله تعالى ، ووصفته بأنّه غنيّ غير محتاج ، فمن الآيات :
1-قوله تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } (1) .
2-قوله تعالى : { أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } (2) .
____________
1- الطور : 35 .
2- الطور : 36 .
|
الصفحة 507 |
|
3-قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } (1) .
4-قوله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى } (2) .
5-قوله تعالى : { وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء } (3) .
( يوسف . الكويت ... )
استعمال كلمة الربّ في غيره مجازاً :
السؤال: سمعت أحد الخطباء في الكويت يقول : إنّ المقصود بكلمة الربّ في القرآن الكريم ، هو الإمام علي ، فنرجو التوضيح ، وشكراً .
الجواب : لا إشكال في عدم صحّة إطلاق كلمة " الربّ " بمعناه ومصطلحه الحقيقي على غير الله عزّ وجلّ ؛ وأمّا استعمال هذه الكلمة مجازاً في غيره تبارك وتعالى فهو بمكانٍ من الإمكان ، فمثلاً ورد في سورة يوسف (عليه السلام) : { اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } (4) .
وعليه فلا مانع من الاستعمال المجازي ، ثمّ نحن لا نعلم قصد المتكلّم حتّى نحكم على كلامه ، فإنّ كان يقصد المعنى الحقيقي فهو مردود وغير معقول ، وقد ورد في استنكاره عدّة روايات من المعصومين (عليهم السلام) ، فمنها :
ما رواه الكشّي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقابلته للغالين (5) .
وأيضاً جاء في " الخصال " : ( إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : " إيّاكم والغلوّ
____________
1- فاطر : 15 .
2- النجم : 48 .
3- محمّد : 38 .
4- يوسف : 42 .
5- اختيار معرفة الرجال 1 / 325 .
|
الصفحة 508 |
|
فينا ، قولوا إنّا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم " ) (1) ، وغيرها .
وأمّا إذا كان المقصود التجوّز في الاستعمال والتنزيل فلابأس به .
( ... ... ... )
الأدلّة العقلية على وجود الله تعالى :
السؤال: كيف نستطيع معرفة الله ؟ وما هي الأدلّة العقلية لوجوده تعالى ؟ وما هو أفضل كتاب يفضّل قراءته في هذا المجال ؟
وكيف نؤمن بربّ لا نراه ؟ وكيف وجد الله ؟ ومن أين ؟ أرجو الإجابة ، وأنا مؤمن بالله ولكن للاطمئنان ، ودمتم سالمين .
الجواب : إنّ وجود الله تعالى أغنى من أن يحتاج إلى بيان ، أو يتوقّف على برهان ، حيث أدركه كُلّ ذي عقل ، وأحسّ به كُلّ ذي شعور ، وفهمته كُلّ فطرة ، حتّى الذي ينكره بلسانه لا محالة يتوجّه إليه عند الاضطرار بقلبه وجَنانه ، بل يمكن القول بأنّ وجوده تعالى فطري ، لا يحتاج في الحقيقة إلى دليل ، ولكن نذكر لكم بعض الأدلّة العقلية على وجوده تعالى ، حسبما طلبتموه :
الأوّل : برهان النظم :
أوضح الأدلّة على إثبات الله تعالى ، الذي يحكم به العقل ، هو دليل النظم والتدبير .
فالكُلّ يرى العالم بسماواته وأراضيه ، وما بينهما من مخلوقاته ، ورواسيه من المجرّة إلى النملة .
فنرى أجزاءها وجزئيّاتها مخلوقة بأحسن النظم ، وأتقن تدبير وأحسن صنع
____________
1- الخصال 2 / 36 .
|
الصفحة 509 |
|
، وأبدع تصوير ، فيحكم العقل بالصراحة ، أنّه لابدّ لهذا التدبير من مدبّر ، ولهذا التنظيم من منظّم ، ولهذا السير الحكيم من محكم ، وذلك هو الله تعالى .
الثاني : امتناع الصدفة :
فإنّا إذا لم نؤمن بوجود الخالق لهذا الكون العظيم ، فلابدّ وأن نقول : بأنّ الصدفة هي التي أوجدته ، أو أنّ الطبيعة هي التي أوجدته .
لكن من الواضح ، أنّه لا يقبل حتّى عقل الصبيان أن تكون هذه المخلوقات اللامتناهية ، وجدت بنفسها بالصدفة العمياء ، أو بالطبيعة الصماء .
الثالث : برهان الاستقصاء :
فإنّ كلاًّ منّا ، إذا راجع نفسه يدرك ببداهة ، أنّه لم يكن موجوداً أزلياً ، بل كان وجوده مسبوقاً بالعدم ، وقد وجد في زمان خاصّ ، إذاً فلنفحص ونبحث : هل أنّنا خلقنا أنفسنا ؟ أم خلقنا أحد مثلنا ؟ أم خلقنا القادر الله تعالى ؟
ولاشكّ أنّنا لم نخلق أنفسنا ، لعدم قدرتنا على ذلك ، ولاشكّ أيضاً أنّ أمثالنا لم يخلقونا لنفس السبب ، إذاً لا يبقى بعد التفحص والاستقصاء إلاّ أنّ الذي خلقنا هو الله تعالى ، لأنّه القادر على خلق كُلّ شيء .
الرابع : برهان الحركة :
أنّا نرى العالم بجميع ما فيه متحرّكاً ، ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة قوّة ، والقوّة لا توجد بغير علّة .
إذاً لابدّ لهذه الحركات والتحوّلات والتغيّرات من محرّك حكيم قدير ، وهو الله تعالى .
الخامس : برهان القاهرية :
إنّ الطبيعة تنمو عادة نحو البقاء ، لولا إرادة من يفرض عليها الفناء .
فالإنسان الذي يعيش ، والأشجار التي تنمو ، لا داعي إلى أن يعرض عليها الموت أو الزوال إلاّ بعلّة فاعلة قاهرة .
فمن هو المميت ؟ ومن هو المزيل ؟ ذلك الذي له القدرة على فناء مخلوقاته
|
الصفحة 510 |
|
، وهو الله تعالى .
هذه أدلّة خمسة ، من بين الأدلّة العقلية الكثيرة التي تبرز الإيمان الفطري بوجود الله تعالى .
وأمّا كيف وجد ؟ وأين وجد ؟ فذلك ممنوع شرعاً عن التحدّث عنه ، بل ولا يمكن للعقل أن يدركه .
والكتاب المفضّل لمعرفة هذه الأُمور هو كتاب " الإلهيات " للشيخ السبحاني ، وكتاب " العقائد الحقّة " للسيّد علي الحسيني الصدر .
( كميل . عمان . 22 سنة . طالب جامعة )