لمّا كانت رسالة هذا الدين (الاءسلام) رسالة عالمية، وكانت مهمّةالاُمّة هي اءبلاغ هذه الرسالة اءلي البشرية جميعاً، وتحرير الاءنسان منالطاغوت وتعبيده لله الواحد الاحد، فاءنّه - اءذن - دين ذو طبيعة حركيةوجهادية، وهذا يتطلب من الاُمة حالتين اساسيتين في الداخل والخارج،وهما:
1 - التماسك والترابط من الداخل:
فقال تعالي:
أ - (... والذين آووا ونصروا اُولئك بعضهم اولياء بعض...).
ب - (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض...).
وفي الحديث:
أ - «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اءذا اشتكي منهعضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمّي»
ب - (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً)
ج - (تواصلوا وتبارّوا وتراحموا وكونوا اءخوةبررة كما امركم الله)
فهذا كلّه من اجل ان تكون الاُمة جسماً متضامن الاعضاء والاطراف.
2 - المفاصلة الكاملة مع اعداء الله ورسوله الذين يتربّصون بهذاالدين سوءاً وينتظرون لهذه الاُمة اءبادة.
فقال تعالي:
أ - (لا يتّخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين...)
ب - (يا ايّها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من دون المؤمنين...)
ج - (يا ايّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصاري اولياء. بعضهم اولياء بعضومن يتولّهم منكم فاءنّه منهم...)
د - (يا ايّها الذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم واءخوانكم اولياء اءن استحبّوا الكفرعلي الاءيمان...)
وهذه هي حالة البراءة من اعداء الله تعالي واعداء الرسول(ص) واعداءالاءسلام، وحالة تحريم مولاتهم ومودتهم والتحبب اليهم.
ويتطلّب ذلك الترابط القويّ من الداخل، وهذه المفاصلة التامة منالخارج، وجود قيادة مركزية، تتولي قيادة مسيرة الاُمّة لمواجهةالتحديات واجتياز العقبات، فتعمل علي ربط هذه الاُمة بعضها ببعض فيكتلة مرصوصة واحدة من الداخل، وفصلها عن اعدائها الذين يريدون بهاسوءاً من الخارج ثم تقوم بتوجيه هذه الكتلة المجتمعة باتجاه تحقيقالاهداف الكبري لهذه الدعوة علي وجه الارض كلّها.
وهذه القيادة التي لابدّ من وجودها في كيان هذه الاُمة، وهذا الحاكمالذي يمتلك من الاُمة الطاعة والنصرة والحبّ (العناصر الثلاثة للولاء)،هو الذي يصطلح عليه القرآن الكريم اسم الاءمام او الخليفة او الولي؛ حيثاءنّه يتولّي اُمور المسلمين ويوجّههم اءلي حيث يريد الله تعالي ويرضي.
الولي امتداد للمحور الاءلهي:
اءلاّ ان هذا المحور (الولي) الذي يستقطب الطاعة والتأييد والنصروالحبّ من الاُمة لا يشكل محوراً آخر في قبال المحور الربّاني للولاية فيهذا الكون، ولن يكون محوراً جديداً غير هذا المحور الاءلهي؛ اءذ ان ايّمحور آخر لولاية في قبال المحور الاءلهي هو طاغوت، تجب مكافحتهومحاربته.
فيكون الولي - اءذن - امتداداً لهذا المحور الرباني ليس اءلاّ، وتجبطاعته ونصره وحبه امتداداً لوجوب طاعة الله ونصره وحبه.
فلن يكون الولي - اءذن - محوراً جديداً، واءنّما هو امتداد للمحورالرباني للولاية علي العباد، وذلك لانّ الولاية من اهمّ مقولات التوحيد، فلايمكن ان تتعدد محاور الولاء ابداً.
والولاء امّا ان يكون او لا يكون.
فاءذا كان الولاء لله فلابدّ وان يكون بوجهه الاءيجابي والسلبي (الذيهو رفض الولاء لغير الله) ولا تقلّ قيمة الوجه السلبي عن قيمة الوجهالاءيجابي.
فلا يتمّ الولاء لله تعالي الاّ برفض ايّ ولاء آخر مع ولاء الله فضلاً عنان يكون من دونه، وانّ قبول ايّ ولاء آخر مع ولاء الله سبحانه - او مندونه - يعني الشرك بالله تعالي.
ضرورة توحيد الولاء:
وبناءً علي ما تقدم فاءنّ مسألة توحيد الولاء - اءذن - من اهمّ خصائصالولاء، وقد سبق وان اشرنا اءلي ان اكثر مصاديق الشرك في القرآن الكريمهي شرك في الولاء وليست شركاً في الخالق.
قال تعالي: (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجلهل يستويان مثلاً...).
حيث يضرب الله سبحانه لنا مثلاً في «التوحيد» و «الشرك»،برجلين:
احدهما: يتنازعه شركاء متشاكسون، لكلّ واحد منهم ولاية عليهوسلطان، فهؤلاء الشركاء مختلفون فيما بينهم، وهو موزّع بينهم.
والا´خر: قد اسلم امره اءلي رجل واحد فقط «ورجلاً سلماً لرجل»يطيعه في كلّ شيء وينقاد له في كلّ أمر ويتقبّل ولايته وحاكميته في كلّشأن.
وهكذا الامر بالنسبة للتوحيد والشرك.
فالموحّدون من الناس كالرجل الثاني الذي اسلم امره لرجل واحد،فهو في راحة من امره.
والمشركون من الناس كالرجل الاوّل الذي يتنازعه شركاءمتشاكسون.
وواضح من هذا المثال انّ المقصود بالشرك والتوحيد هو: الشرك فيالولاء والتوحيد في الولاء.
وقال تعالي عن لسان يوسف(ع):
(يا صاحبي السجن ءأرباب متفرّقون خير ام الله الواحد القهّار).
اءنّ صاحبي يوسف(ع) في السجن لم يكونا ينكران الله الواحد القهّار،واءنّما كانا يشركان ارباباً متفرقين مع الله في الولاية والحاكمية علي حياتهمفانكر يوسف(ع) عدم تسليم اُمورهما كلّها لله الواحد القهّار.
ويقول امير المؤمنين(ع) في اسباب البعثة:
«بعث الله محمّداً(ص) ليُخرج عباده من عبادة عباده اءلي عبادته، ومن عهود عبادهاءلي عهوده، ومن طاعة عباده اءلي طاعته، ومن ولاية عباده اءلي ولايته».