ليس في كملة “نباح” خروج على “قواعد” التوتر المتصاعد بين قطر من جهة والسعودية والإمارات (والبحرين تبعاً) من جهة أخرى. فقد صدّرت صحيفة (الراية) القطرية صفحتها الأولى يوم الثلاثاء، ٢٩ مايو ٢٠١٧م، تقريرا حمل عنوان: “انبحوا كيف شئتم.. فلن تغيّر قطر ثوابتها”.
وأعاد تقرير الصحيفة – القريبة بطبيعة الحال من النظام القطري – تكرار الأوصاف بشأن “إعلام المرتزقة” و”الألاعيب الصبيانية” في إشارة إلى وسائل الإعلام الخليجية الرسمية، وخاصة قناة “العربية” و”سكاي نيوز أبوظبي”، وهي حملة النباح التي تصاعدت مع دخول قنوات رسمية، مثل قناة أبوظبي في “عمق” الحمأة المتصاعدة، وتحدث تقرير – مدته ٥ دقائق – بثته القناة عن ارتباط الدوحة بالإرهاب وتسليج الجماعات المتطرفة، بما في ذلك العملية الإرهابية التي استهدفت بريطانيا في مانشستر قبل نحو ١٠ أيام.
بالنسبة لشعوب الخليج، فإن حالهم يُشبه حالهم حينما تتوحد أنظمة الخليج ضدّهم، وهي تفعل ذلك على كلّ حال، وفي كلّ الأحوال. فليس أمامهم إلا تصبير أنفسهم بانتظار الفرج وتمنّي اليوم القريب الذي يشهد زوال هذه الأنظمة التي تتوحد ضدهم في القمع والاضطهاد.
وحين تتصارع هذه الأنظمة فيما بينها فعلى حسابات أخرى لها علاقة بحجم “الكعكة” التي ينبغي أن ينالها كل واحد منهم من سيدهم الأمريكي، السيد الذي لا يختلفون عليه، ويمثل عنصر الإجماع المشترك فيما بينها، جنباً إلى جنب العلاقة مع إسرائيل. ولهذا السبب، فإنه ليس من المستغرب أن يتابع أبناء الخليج التوتر القائم وهم ملأى بالسخرية والسرور أيضاً.
سرور لا يتوقف فقط عند حد مشاهدة “الفضائح” التي يتبادل في نشرها كلّ طرف ضد الآخر، ولكن أيضاً لما يرونه من “ابتذال” و”سخف” غير محدود تظهر به كلّ هذه الأنظمة القمعية، وعلى مرمى ومرأى من الجميع. هو بالنسبة للشعوب “مسلسل رمضاني” آخر يُضاف إلى هذه المسلسلات التي تتسابق على الشاشات الخليجية كلّ عام.
في اليوم السابع من التوتر الجديد، واصلت الصحف الخليجية “النباح” وإيصال المعركة إلى حدودها “القصوى”.
صحيفة (عكاظ) السعودية أعادت “توجيه” لعبتها “المفضلة” في اتهام قطر بالتقارب مع إيران. وهو الموضوع، ربما، االذي شكلّ “القشة” وراء هذا التكسير المتبادل. كتبت الصحيفة السعودية: “الدوحة تستنجذ بالكويت ومسقط لإخراجها من العزلة”.
وأضافت: “قطر والخطيئة الكبرى.. طفح الكيل”. وبأسلوب الترويج المكشوف، سردت الصحيفة العلاقات الرابطة بين قطر وجماعة الإخوان المسلمين و”الإرهاب”، وكيف تحوّلت الدوحة إلى “حاضنة للفارين من العدالة”.
وفي سياق المتطلبات الإضافية ولإضفاء “طابع أكاديمي” في مسلسل النباح القائم؛ عمدت صحف سعودية إلى إخراج بعض الكتب “المحظورة” من المخازن العتيقة، ونشرها على صفحاتها ليقرأ عموم الناس، على أمل الزيادة في “الفضائح التاريخية” والتوسيع فيها.
هذا ما فعلته صحيفة “الاقتصادية” السعودية، التي كان لها حضور ثابت في حملة “التنباح المتبادلة”، وقد نشرت الصحيفة اليوم الثلاثاء مقاطع متفرقة من كتاب ألفه أحد الأجانب بعنوان “قطر: التاريخ الحديث”، واقتبست منه العبارات التي تتحدث عن وصف قطر بأنها “إمارة الانقلابات والخيانات واللعب بالنار”، بحسب العنوان الذي اختارته الصحيفة لتغطية الكتاب.
رسوم الكاريكاتير كانت حاضرة في الحملات المتبادلة. الصحف القطرية صوّبت اليوم باتجاه المفتي السعودي، حيث نشرت رسماً كاريكاتوريا يظهر فيه الأخير وهو يقود أفرادا من خلفه نحو النار. وجاء الرسم ضمن تقرير نشرته صحيفة (الراية) تحت عنوان “بعض الأنظمة تريد أن يكره الناس الدين”.
هناك من يتوقع أن تهدأ “الحرب الإعلامية” بين الدول الخليجية، كما حصل بعد إبرام “المصالحة الخليجية” بعد أكثر من عام من التوتر الذي حصل في مارس من العام ٢٠١٤م، وأدى لسحب سفراء البحرين والسعودية والإمارات من قطر. إلا أن “الجرعة الزائدة” من “الخصومة” هذه المرة والفجور فيها، ومن كلّ الطرفين؛ لا ينبيء بأن التهدئة مرجّحة في قريب من الأيام، فدولة قطر “لن تغير من ثوابتها”، كما تحدثت صحفها، وهو ما يعني أنها لن “توقف العبث”، كما تتهمها صحف السعودية، كما أن “إفراغ” الخصام والعداء إلى خارج الحدود – من خلال الاتهامات المتبادلة بدعم الإرهاب وبالعلاقة مع إسرائيل – سوف يعطي “الحرب الإعلامية” احتمالاتِ أن تكون مقدّمةً لحروب سياسية واقتصادية.. وربما “حدودية”. وأهل الخليج لسان حالهم: “الله لا يغيّر علينا”.