الاءنسان بين محوري «الولاية» و «الطاغوت»:
اءنّ هذين المحورين يعملان باتجاهين متعاكسين في حياة الاءنسان،وكلّ منهما يعمل لاستقطاب ولاء الاءنسان حول محوره، ويحاول فصلالاءنسان عن المحور الا´خر.
فرسالة محور الولاية هي:
1 - استقطاب ولاء الاُمّة حول محور الولاية، واءنقاذ الاُمة من التشتّتوالضياع والاختلاف.
2 - توجيه الاُمّة وتوحيد حركتها باتّجاه اءسقاط محور الطاغوتوتحرير الاءنسان من عبودية الطاغوت والهوي.
3 - اءسقاط الطاغوت واءزالة العقبات من امام طريق الاءنسان اءلي اللهتعالي.
4 - ربط الاءنسان بالله وتعبيده لله تعالي.
وفي قبال هذا المحور الرباني، يعمل محور الطاغوت علي استقطابولاء الناس، ويحاول وضع الحواجز والعقبات في طريق الناس اءلي اللهتعالي، ويحاول استعباد الاءنسان واءخراجه من النور اءلي الظلمات.
واءلي هذا الصراع بين محوري «الولاية» و «الطاغوت» تشير الا´يةالكريمة: (الله وليُّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات اءلي النور والذين كفروااولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور اءلي الظلمات اُولئك اصحاب النار هم فيهاخالدون).
ولمّا كانت هذه المهمّة التي يتولّي امرها الطاغوت، لا تتحقق اءلاّ منخلال استضعاف الاءنسان واءذلاله، فاءن الطاغوت يتّبع اساليب كثيرة فياستضعاف الاءنسان وسلب ثقته من نفسه، وتعميته وتمييع اصالته وقوتهالفكرية. وعند ذلك - فقط - يتيسر للطاغوت ان يكسب ولاء الاءنسانوطاعته وانقياده.
يقول تعالي عن فرعون: (فاستخفّ قومه فأطاعوه اءنّهم كانوا قوماًفاسقين).
ومهما يكن من امر فاءنّ الصراع بين هذين المحورين: محور الولايةومحور الطاغوت، هو من كبريات قضايا التاريخ، ومن اهمّ العواملالمحرّكة لعجلة التاريخ.
ومن خلال فهم هذا الصراع نستطيع ان نفهم الكثير من احداثالتاريخ وقضاياه الكبري ومنعطفاته وثوابته ومتغيراته.
خصائص الصراع بين محوري «الولاية» و «الطاغوت»:
ومن خصائص هذا الصراع التاريخي، والمعركة الممتدّة بينمحوري الولاية والطاغوت (الحقّ والباطل):
1 - اءنّ المعركة بينهما معركة عقائدية في جوهرها، حيث اءنّ جوهرالصراع بينهما يتمثل في صراع عقائدي قوي يدور حول «التوحيد» و«الشرك».
وقد وردت اكثر الفاظ «الشرك» و «التوحيد» في القرآن الكريم،لتدلّ علي الشرك في الولاء، والتوحيد في الولاء.
2 - اءنّها معركة حضارية وليست شخصية؛ لانّها تشكّل صداماً بينحضارتين، لكل منهما خصائصها التي تميّزها عن الاُخري، وهما«الحضارة الربانية» و «الحضارة الجاهلية».
اءذ ان الانتماء اءلي ايّ من المحورين ليس - فقط - انتماءً سياسياً اءليمحاور القوّة والسيادة، واءنّما هو - ايضاً - انتماء حضاري تستتبعهخصائص وميزات حضارية في اُسلوب التفكير والاخلاق والعملوالعلاقة مع الله تعالي ومع النفس ومع الا´خرين ومع الاشياء.
فالصراع بين هذين المحورين - اءذن - يعني الصراع بين حضارتينبكلّ دقة.
3 - اءنّها معركة سياسية علي مراكز القوي من المال والقوة العسكريةوثقة الناس ووسائل التوجيه والثقافة والاءعلام.
فلا شك في ان كُلاّ من هذين المحورين يعمل للاستيلاء علي مراكزالقوي في المجتمع، ويُعْمِل استخدام هذه المراكز في تمكين محورهوخطّه.
4 - اءنّها معركة حتمية تدخل ضمن حتميات التاريخ الكبري، ولايمكن للاءنسان ان يتخلّص منها او يتجنّب آثارها بأيّ حال من الاحوال.
حيث اءنّ طبيعة تعاكس تلك المحاور والخطوط تستدعي حتمية هذهالمعركة في كلّ زمان ومكان.
فمحور الهداية والولاية الاءلهية يعمل علي مصادرة كلّ مصالحالطاغوت ومراكزه ومواقعه ووجوده، ولكنّ الطاغوت لا يتخلّي عندوره في الاءفساد علي وجه الارض دون مقاومة، فيخوض هو وجندهصراعاً مريراً مع محور الولاية وجنوده.
ولذا، فاءن ايّ عصر من العصور لم يخل من هذا الصراع؛ فهو قائم بينالمحورين منذ ان خلق الله تعالي الاءنسان - بهذه التركيبة الخاصة - عليوجه الارض، وحتّي يومنا الحاضر.
وقد قرّر القرآن الكريم حتمية هذا الصراع بين المحورين بشكلجازم، حيث قال تعالي:
(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت،فقاتلوا اولياء الشيطان اءنّ كيد الشيطان كان ضعيفا).
5 - اءنّها معركة مصيرية قد تطول او تدوم؛ حيث اءنّ كلّ محور منالمحورين يعمل علي استئصال المحور الا´خر من علي وجه الارض،واءنهائه وتصفية مراكزه ومواقعه ووجوده بشكل عام.
فهي ليست معركة من اجل ارض او مياه وهي ليست معركة من
اجل حدود برّية او بحرية.. وهي ليست معركة من اجل بئر نفط او منجمذهب او فضة.. واءنّما هي معركة من اجل الوجود والكيان.. ولا يرضي كلّمن الطرفين اءلاّ بتصفية الطرف الا´خر تصفية كاملة.
قال تعالي: (وَلَنْ تَرْضَي' عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـ'رَي' حَتَّي' تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
وقال سبحانه: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّي' لاَتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَاءِنِ انتَهَوْاْفَاءِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَاءِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَي' وَنِعْمَالنَّصِيرُ).
فهذه المعركة تستمر حتي الاستئصال الكامل للكفر والجاهليةوالقضاء المبرم علي الفتنة من علي وجه الارض، وانهاء حالة التمرّد عليالله ورسوله انهاءً تاماً.
ولذا فانّ هذه المعركة معركة شرسة وحرباً ضارية لا يعرف التاريخنظيراً لها في الشراسة والقسوة والحدّية.
ولذلك فاءن التفكير في اللقاء والتفاهم والحلول النصفية مع الكفروالطاغوت، هو تفكير فيه كثير من الفجاجة والضعف والهزيمة النفسيةالتي تؤدي الي الخسران، اءذ ان الهزيمة النفسية هي بداية كل هزيمةميدانية، وان بداية الهزيمة النفسية هو التفكير في امكان اللقاء والتفاهممع الطاغوت وانهاء الصراع معه، والجلوس امامه علي موائد الصلح.
اءنّ المعركة مع الطاغوت ـ اءذن ـ معركة وجود وليست معركة حدود،وانها لم تنشا عن اختلاف في الاعتبار حتي يمكن التفاهموالتصافيوالتعايش بسلام وتطبيع العلاقات.
6 ـ آنهاتتطلب من الاُمّة المؤمنة ان تقف مواقف واضحة وحدّيةوحاسمة في مسالة اعلان «الولاء» و «البراءة».. اعلان الولاء لله ولرسولهولاولياء اُمور المسلمين، واعلان البراءة من اعداء الله ورسوله واوليائه..وذلك لما مرّ من انها معركة مصيرية صارمة وحرب دائمة ضارية.
فلابد ـ اءذن ـ من موقف..
ولابد وان يكون الموقف واضحاً وحدّياً ومعلناً...
فاءنّ المعركة مع ائمة الكفر جدّ لا هزل فيها اومراء..
وانها لقائمة لا انتظار لها او استدعاء...
وانّها لضارية لا تردد فيها او استرخاء...
وانّها شرسة لا هدوء فيها او اطفاء...
فلا يكفي ان يضمر الاءنسان الحب لله ولرسوله ولاوليائه من دون انيكون له موقف، ومن دون ان يعرف الناس عنه ذلك...
ولا يكفي ان يكون قلب الاءنسان مع الله ورسوله واوليائه ويكونسيفه وحرابه عليهم.
ولا يكفي ان يعطي المرء لله ورسوله واوليائه بعضاً من نفسه وماله،ليعطي البعض الا´خر منها للطاغوت.
ولا يكفي ان يعطي نفسه كلّها لله تعالي، ولكنّه يجامل الطاغوت اويحتفظ لنفسه ببعض جسور العودة.
ذلك، لانّ الولاء كلّ لا يتجزأ؛ فامّا ان يكون كلّه لله تعالي، وامّا ان لايكون لله منه شيء، فاءنّ الله غنيّ عن العالمين.
فالولاء - اءذن - يتطلّب الموقف المحدّد الثابت، والاءشهار بالموقففي مسألة «الانتماء» و «الانفصال».. في الحب والبغض، في المودةوالمعاداة، في التولّي والتبري، في السلام والحرب.
7 - اءنّ «الولاء» و «البراءة» وجهان لحقيقة واحدة في هذه المعركةالتاريخية وما تتطلبه من مواقف.
فلا ينفع «ولاء» من دون «براءة»، ولا يؤدّي الولاء دوره الفاعلوالمؤثّر في حياة الاُمّة ما لم يقترن بالبراءة من اعداء الله ورسوله واوليائه.
فالموقف هذا لا يتكوّن من «الولاء» وحده، واءنّما له وجهان: وجهموجب ووجه سالب، سلم وحرب، رحمة وقسوة، انتماء وانفصال،حبّوبغض.
وما لم يجتمع هذان الوجهان في موقف الاءنسان، فاءنّ الموقف لنيكون موقفاً حقيقياً، واءنّما يكون شعبة من شعب النفاق وطوراً من اطوارالمجاملة السياسية واللعب علي الحبال.
قال تعالي: (.. اشدّاء علي الكفار رحماء بينهم)
8 - وكما انّ محور الولاية هو مركز واحد وخطّ واحد وامتداد واحدعلي طول التاريخ، فاءن محور الطاغوت - ايضاً - هو خط واحد وحضارةواحدة وامتداد واحد. ونحن لا نفرّق في الولاء بين انبياء الله واوليائهالقريب منهم من عصرنا والبعيد منهم عن عصرنا، فكلّهم يحملون رسالةالله ويبلّغون دين الله، وآتاهم الله من لدنه النبوّة والاءمامة والولاية عليعباده، فنحن نواليهم جميعاً ونؤمن بما انزل الله معهم، ولا نفرّق بين احدمنهم.
قال تعالي: (قولوا آمنا بالله وما اُنزل اءلينا وما اُنزل اءلي اءبراهيم واءسماعيلواءسحاق ويعقوب والاسباط وما اُوتي موسي وعيسي وما اُوتي النبيون من ربّهم لانفرّق بين احد منهم ونحن له مسلمون)
وقال سبحانه: (آمن الرسول بما انزل اليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن باللهوملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربّناواءليك المصير).
وكما نوالي اولياء الله جميعاً، يجبّ ان نتبرّأ من أعدائهم جميعاً.
وكما ان الولاء امر واحد، فاءن البراءة امر واحد ايضاً.
فيجبّ ان نتبرّأ من فرعون ونمرود كما نتبرّأ من أبي جهل ويزيد،وكما نبرأ من طغاة عصرنا وجلاوزته.
وذلك، لانّ نفس السبب الذي يدعونا للبراءة من طغاة عصرناويدفعنا للعنهم، يدعونا ايضاً للبراءة من فرعون ونمرود وأبي جهلويزيد والحجّاج وقابيل، ويدفعنا للعنهم.
فلمّا كانت المعركة بين محوري «الحقّ» و «الباطل».. «الهدي» و«الضلال».. «الولاية» و «الطاغوت»، ليست معركة شخصية واءنّما هيمعركة حضارية، وانّ لكلّ من الجبهتين امتدادها التاريخي وجذورهاالحضارية في اعماق الهدي او الضلال، وانّ المعركة في جوهرها هيمعركة واحدة في كلّ مراحلها التاريخية، فاءنّ الولاء يكون ولاءً واحداً،وتكون البراءة براءة واحدة، في كلّ مراحل المعركة وازمنة الصراع.