عربي
Monday 20th of May 2024
0
نفر 0

القياس في المذاهب

القياس في المذاهب
تعريف القياس لغة واصطلاحا في اللغة : التقدير (1)، ومنه : قست الثوب بالذراع إذا قدرته به ، قال الشاعر يصف جراحة أو شجة : إذا قاسها الآسي النطاسي أدبرت * غنيتها أو زاد وهيا هزومها (2)
وقد عرف في اصطلاحهم بالاجتهاد تارة ، كما ورد ذلك عن الشافعي ، وببذل الجهد لاستخراج الحق أخرى . ويرد على هذين التعريفين أنهما غير جامعين ولا مانعين . أما كونهما غير جامعين فلخروج القياس الجلي عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم ، وأما كونهما غير مانعين فلدخول النظر في بقية الأدلة كالكتاب والسنة . أما التعريف الذي ذكره القاضي أبو بكر الباقلاني من أنه حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة (3) .
فقد سجلت على هذا التعريف عدة مفارقات ، ومما أورده الآمدي عليه لزوم الدور لأن الحكم في الفرع نفيا وإثباتا متفرع على القياس إجماعا ، وليس هو ركن في القياس ، لأن نتيجة الدليل لا تكون في الدليل لما فيه من الدور الممتنع . وعدل الآمدي بعد ذلك عن هذا التعريف إلى تعاريف أبعد عن المؤاخذات ، فقد عرفه الآمدي بأنه عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل . أما تعريف ابن الهمام له : هو مساواة محل لآخر في علة حكم له شرعي لا تدرك بمجرد فهم اللغة .
وقال السيد محمد تقي الحكيم : والذي يبدو لنا أن أسلم التعاريف من الإشكالات ما ورد من أنه مساواة فرع لأصله في علة حكمه الشرعي ، لسلامته من المؤاخذات .
وهناك اصطلاح آخر للقياس شاع استعماله على ألسنة أهل الرأي قديما ، وفحواه : التماس العلل الواقعية للأحكام الشرعية من طريق العقل وجعلها مقياسا لصحة النصوص التشريعية ، فما وافقها فهو حكم الله الذي يؤخذ به ، وما خالفها كان موضعا للرفض أو التشكيك ، وعلى هذا النوع من الاصطلاح تنزل التعبيرات الشائعة : إن هذا الحكم موافق للقياس ، وذلك الحكم مخالف له . (4)
وقد كان القياس بهذا المعنى مثار معركة فكرية واسعة النطاق على عهد الإمام الصادق (عليه السلام) وأبي حنيفة . وللقياس بمعناه الأول أركان أربعة :
1 - الأصل أو المقيس عليه : وهو المحل الذي ثبت حكمه في الشريعة ، ونص على علته ، أو استنبطت بإحدى المسالك .
2 - الفرع أو المقيس : وهو الموضوع الذي يراد معرفة حكمه من طريق مشاركته للأصل في علة الحكم .
3 - الحكم : ويراد به الاعتبار الشرعي الذي جعله الشارع على الأصل .
4 - العلة . ولقد أنكر كل من الأستاذ سخاو ، والدكتور جولد تسيهر أن يكون القياس بمفهومه المحدد لدى المتأخرين مستعملا لدى الصحابة .
ورد عليهما الدكتور محمد يوسف بقوله : حقا إن الرأي في هذه الفترة من فترات تأريخ الفقه الإسلامي ليس هو القياس الذي عرف فيما بعد في عصر الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة المشهورة ، ولكن الرأي الذي استعمله بعض الصحابة لا يبعد كثيرا عن هذا القياس . (5)
والذي يبدو من أسانيد بعض الروايات المتعرضة للرأي والقياس على اختلافها في النفي والإثبات ، شيوع الضعف والوهن فيها ، مما يدل على أن الكثير منها كان وليد الصراع الفكري بين مثبتي القياس ونفاته من المتأخرين ، وما كانت للقدامى من أبناء صدر الإسلام وبخاصة كبار الصحابة فيها يد تذكر . (6)
ويقول ابن جميع : دخلت على جعفر بن محمد أنا وابن أبي ليلى وأبو حنيفة ، فقال لابن أبي ليلى : من هذا معك ؟ قال : هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين . (7)
قال : لعله يقيس أمر الدين برأيه ، قال : ما اسمك ؟ قال : نعمان : قال : يا نعمان ، حدثني أبي عن جدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : أول من قاس أمر الدين برأيه : إبليس ، قال الله تعالى له : اسجد لآدم ، فقال : أنا خير منه ، خلقته من طين . فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس ، لأنه اتبعه بالقياس .
ثم قال له جعفر - كما في رواية ابن شبرمة - : أيها أعظم ، قتل النفس أو الزنا ؟ قال : قتل النفس . قال : فإن الله عز وجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة . ثم قال : أيها أعظم ، الصلاة أم الصوم ؟ فقال : الصلاة . قال : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك ؟ إتق الله ولا تقس الدين برأيك .
وهذا النوع هو الذي يشكل الخطر على الدين لفسحه المجال للتلاعب بالشريعة ، ومن الطبيعي أن يقف منه أهل البيت (عليهم السلام) وبخاصة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي انتشر هذا النوع من القياس على عهده ، والحق كما يقول الإمام : إن السنة إذا قيست محق الدين .
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لو كان الدين بالرأي ، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه . وفي رواية أخرى : لو كان الدين بالقياس ، لكان المسح على باطن الخف أولى من ظاهره . (8)
ويقول ابن مسعود : إذا قلتم في دينكم بالقياس ، أحللتم كثيرا مما حرم الله ، وحرمتم كثيرا مما حلل الله . (9)
يقول ابن عباس : إياكم والمقاييس ، فإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس . (10)
وسكوت الصحابة بنفس تقريرهم السابق يكون إجماعا على إبطاله . خلاصة البحث : إن جميع ما ذكره مثبتوا القياس من الأدلة لا تنهض بإثبات الحجية له ، فنبقى نحن والشك في حجيته ، والشك في الحجية كاف للقطع بعدمها . ب - الاستحسان : تحديد الاستحسان : الاستحسان في اللغة هو : عد الشيء حسنا سواء كان الشيء من الأمور الحسية أو المعنوية (11) .
لكن تحديده لدى الأصوليين مختلف فيه جدا ، وأكثر تعاريفهم التي ذكروها أبعد ما تكون عن فن التعريف ، وهي أقرب إلى تسجيعات الأدباء التي كان يراعى فيها إخضاع المعنى للمحسنات البديعية ، منها إلى تحديدات المنطقيين . وإليكم نماذج مما ذكره السرخسي في مبسوطه من التعاريف ، يقول :
1 - الاستحسان : ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس .
2- الاستحسان :طلب السهولة في الأحكام فيما يبتلي به الخاص والعام .
3 - الاستحسان : الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة .
4 - الاستحسان : الأخذ بالسماحة وانتقاء ما فيه الراحة .
وقريب منها في البعد عن الفن ما نسب إلى المالكية من أنه : الالتفات إلى المصلحة والعدل .
وهذه تعاريف أخرى تكاد تكون ذات مفاهيم محددة ، وهي ما ذكره كل من :
1 - البزدوي من الأحناف ، من أنه : العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه ، أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه . (12)
2 - الشاطبي من المالكية ، من أنه : العمل بأقوى الدليلين . (13)
3 - الطوخي (14) من الحنابلة في مختصره ، من أنه : العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص .
وقد ذكر له ابن قدامة معاني ثلاثة :
أحدها : العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب أو سنة .
ثانيها : ما يستحسنه المجتهد بعقله .
ثالثها: دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه . وقال الشافعي : من استحسن فقد شرع . (15)
وقال مالك : الاستحسان تسعة أعشار العلم . الاستحسان - عرضة لتحكم الأهواء : وينتظم فيه من تعاريف الاستحسان أمثال قولهم : دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه . ومثل هذا النوع من الاستحسان لا يمكن عده من مصادر التشريع ، لكونه عرضة لتحكم الأهواء فيه بسبب من عدم ذكر الضوابط له ، حتى في نفس المستحسنين . دليل الاستحسان : وقد استدلوا على حجية الاستحسان بعدة أدلة ، بعضها من الكتاب ، وبعضها الآخر من السنة ، والثالث الإجماع . أما أدلتهم من الكتاب ، فأهمها :
1 - قوله تعالى : *(الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)* .
2 - قوله تعالى : *(واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)* . وأما أدلتهم من السنة : فقد استدلوا منها بما ورد عن عبد الله بن مسعود من أنه قال : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن . والإجماع : وذلك بدعوى إجماع الأمة باستحسانهم دخول الحمام وشرب الماء من أيدي السقائين ، من غير تقدير لزمان المكث وتقدير الماء والأجرة . ولكن هذا الإجماع - لو صح وجود مثله - فهو قائم على هذه الأحكام بالخصوص لا على استحسانها .
والخلاصة : إن كان المراد بالاستحسان هو خصوص الأخذ بأقوى الدليلين فهو حسن ولا مانع من الأخذ به ، إلا أن عده أصلا في مقابل الكتاب والسنة ودليل العقل لا وجه له ، وإن كان كما يقول ابن القفال : ما يقع في الوهم من استقباح الشيء واستحسانه من غير حجة دلت عليه من أصل ونظير ، فهو محظور والقول به غير سائغ (16) .
مدرسة الرأي : أصحاب الرأي : سموا أصحاب الرأي لأن أكثر عنايتهم بتحصيل وجه القياس ، والمعنى المستنبط من الأحكام وبناء الحوادث عليها ، وربما يقدمون القياس الجلي على آحاد الأخبار . (17)
وقد قال أبو حنيفة : علمنا هذا رأي ، وهو أحسن ما قسنا عليه ، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ولنا ما رأينا . وأصحاب الرأي ، هم : أهل العراق ، وهم أصحاب أبي حنيفة النعمان ابن ثابت . ومن أصحابه : محمد بن الحسن ، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن محمد القاضي ، وزفر بن الهذيل ، والحسن بن زياد اللؤلؤي ، وابن سماعة ، وعافية القاضي ، وأبو مطيع البلخي ، وبشر المريسي .
وهؤلاء ربما يزيدون على اجتهاده اجتهادا ويخالفونه في الحكم الاجتهادي .
وأضاف ابن قتيبة في المعارف عددا آخر من أصحاب الرأي ، وهم : ابن أبي ليلى : وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وكان اسم أبي ليلى يسارا ، وكان فقيها مفتيا بالرأي ، ومات سنة ثمان وأربعين ومائة (148 ه‍) . (18)
ربيعة صاحب الرأي: هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، واسم أبي عبد الرحمن فروخ ، توفي سنة ست وثلاثين ومائة (136 ه‍) بالأنبار . (19)
زفر صاحب الرأي : هو زفر بن الهذيل بن قيس ، يكنى أبا الهذيل ، وكان قد سمع الحديث وغلب عليه الرأي ، ومات بالبصرة . الأوزاعي : اسمه عبد الرحمن بن عمرو ، مات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة (157 ه‍) ، وقبره لا يزال شاخصا جنوب بيروت على البحر . سفيان الثوري : وهو سفيان بن سعيد بن مسروق أبو عبد الله ، مات بالبصرة متواريا من السلطان سنة إحدى وستين ومائة (161 ه‍) . مالك بن أنس : توفي سنة تسع وسبعين ومائة (179 ه‍) .
أبو يوسف القاضي : هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب ، كان صاحب حديث حافظا ، ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي ، ومات سنة اثنتين وثمانين ومائة (182 ه‍) في خلافة هارون . محمد بن الحسن الفقيه : يكنى أبا عبد الله ، وهو مولى لشيبان ، جالس أبا حنيفة وسمع منه ونظر في الرأي فغلب عليه وعرف به ، مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة (189 ه‍) .
المصادر :
1- الأصول العامة للفقه المقارن : 303 .
2- الأحكام ، للآمدي 3 : 3 .
3- إرشاد الفحول : 198 .
4- الفقه المقارن : 305 .
5- تأريخ الفقه الإسلامي : 29 .
6- الفقه المقارن : 351 .
7- الفقه المقارن : 329 ، وحلية الأولياء 3 : 197 .
8- الآمدي في الأحكام 3 : 83 .
9- الآمدي في الأحكام 3 : 83 .
10- الآمدي في الأحكام 3 : 85 .
11- سلم الوصول : 296 .
12- مصادر التشريع : 58 .
13- مصادر التشريع : 58 .
14- مصادر التشريع : 58 .
15- مصادر التشريع : 58 .
16- إرشاد الفحول : 241 .
17- الملل والنحل 1 : 188 .
18- المعارف لابن قتيبة : 277 - 280 .
19- رجال الكشي : 153 ، الرقم 249 .

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الدعاء عند الحجر الاسود
حديث الغدير في مصادر أهل السنة
أين يقع غدير خُمّ؟
الأنفاس القدسية في أسرار الزيارة الرضوية
ليلة القدر فاطمة الزهراء (عليها السلام)
منزلة فاطمة الزهراء (عليها السلام)
علماء السنة يصرحون بولادة صاحب العصر والزمان (عج)
ما هو اسم الحسين عليه السلام
المنتظر فی الأدیان
العتبة الحسینیة المقدسة تطلق فعالیات مسابقة ...

 
user comment