معنى الله نور السماوات والأرض :
السؤال: ما معنى هذه الآية الشريفة : { اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ؟
الجواب : ذكر العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في تفسير هذه الآية ما نصّه :
" وقوله : { اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (1) النور معروف ، وهو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا ، فالأشياء ظاهرة به ، وهو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته ، فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر .
هذا أوّل ما وضع عليه لفظ النور ، ثمّ عمّم لكُلّ ما ينكشف به شيء من المحسوسات على نحو الاستعارة ، أو الحقيقة الثانية ، فعدّ كُلّ من الحواس نوراً ، أو ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس .
ثمّ عمّم لغير المحسوس ، فعدّ العقل نوراً يظهر به المعقولات ، كُلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره .
وإذ كان وجود الشيء هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء ، كان مصداقاً تامّاً للنور ، ثمّ لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود ، إنّما هي موجودة بإيجاد الله تعالى ، كان هو المصداق الأتم للنور .
1- النور : 35 .
|
الصفحة 541 |
|
فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء ، وهو وجودها ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته ، يوجد ويستنير به الأشياء .
فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله : { اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }، حيث أُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى الله منوّر السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه ، أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها ، تعالى الله عن ذلك وتقدّس .
ومن ذلك يستفاد ، أنّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كُلّ شيء لنفسه ، أو لغيره ، إنّما هو عن إظهاره تعالى ، فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } (1) إذ لا معنى للتسبيح والعلم به ، وبالصلاة مع الجَهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } (2) .
وسيوافيك البحث عنه إن شاء الله .
فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله : { اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العام ، الذي يستنير به كُلّ شيء ، وهو مساو لوجود كُلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة " (3) .
كما ذكر (قدس سره) في بحثه الروائي ما نصّه :
في التوحيد ، بإسناده عن العباس بن هلال قال : ( سألت الرضا (عليه السلام) عن قول
____________
1- النور : 41 .
2- الإسراء : 44 .
3- الميزان في تفسير القرآن 15 / 122 .
|
الصفحة 542 |
|
الله عزّ وجلّ : { اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } فقال : " هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض " .
وفي رواية البرقي : " هدى من في السماوات وهدى من في الأرض " ) (1) .
أقول : إذ كان المراد بالهداية الهداية الخاصّة ، وهي الهداية إلى السعادة الدينية ، كان من التفسير بمرتبة من المعنى ، وإن كان المراد بها الهداية العامّة ، وهي إيصال كُلّ شيء إلى كماله ، انطبق على ما تقدّم .
( ... ... ... )