عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

الرياضة بدعة

انّ أصدق الحديث كتاب اللّه، وأفضل الهدى هدى النبي محمّد صلی الله عليه وآله وسلم ، وشرّ الاَمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة في النار. وقد أوضحه ابن حجر العسقلاني بقوله: المحدثات جمع محدثة، والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة.(1)
والروايات في تحريم البدعة كثيرة لا مجال لطرحها هنا ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى جامع الاَصول لابن الاَثير.(2)
فإذا كانت البدعة هي الافتراء على اللّه ورسوله والتلاعب بدينه، وادخال ما ليس من الدين، أو ما لم يُعلم انّه من الدين في الدين، فعلى الباحث المتضلِّع تمييز ما ليس ببدعة عن البدعة وان اشتركا في إطلاق تسمية «البدعة » عليهما، وإليك أقسامها:
الاَوّل :أن يقوم به الاِنسان بما انّه من الدين، وهو إمّا ليس من الدين قطعاً أو يشك انّه من الدين و مع ذلك يدخله فيه وينشره بين الاَُمّة.
وعلى هذا فلو قام أحد بعمل بديع ليس له مثيل، ولكن من دون أن ينسبه إلى الدين فهو ليس ببدعة، كالصنائع الجديدة، والاَلعاب الرياضية، التي ابتدعها الاِنسان لتوفير الراحة لنفسه إلى غير ذلك من الفوائد المترتبة عليها.
فهذه الصنائع والاَلعاب لم تكن في عصر الرسول الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ولكن الاِنسان أبدعها وانشأها دون أن يعزوها إلى الدين، فإذاً لا تكون بدعة.
نعم مجرد انّها ليست بدعة لا يكون دليلاً على حلّيتها بل يستنبط حكمها من جهة الحلية والحرمة من الكتاب والسنة والاِجماع والعقل.
فالصنائع والاَلعاب الرياضية من المحدثات ولكنّهما حلالان شرعاً لعدم انطباق عنوان محرم عليهما، بخلاف بعض المحدثات كاختلاط النساء والرجال في الحفلات، فهو أمر محدث مُحرّم، لانطباق عنوان محرم عليه وهو اختلاط الرجال بالنساء السافرات.
الثاني: ما يبدعه الاِنسان وينشئه وليس له نظير في السابق، ولكن يأتي به باسم الدين وله أصل كلي في الشريعة وإن لم ترد الخصوصية فيها. فهذا ما يسمّى بدعة لغة ولا يكون بدعة شرعاً.
أمّا كونه بدعة لغة فلكونه أمراً جديداً وإنشاءً حديثاً في الدين، وامّا انّه ليس ببدعة شرعاً، لوجود أصل كلّي له فيها مسوغ له، وإليك الاَمثلة التالية:
أ- انّ الدفاع عن بيضة الاِسلام وصيانة حدوده من الاَعداء أصل ثابت في القرآن الكريم، قال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (3) وهذا هو الاَصل الثابت في الاِسلام، وأمّا كيفية الدفاع فلم يرد فيها دليل خاص، بل أوكله الشارع إلى مقتضيات الزمان فالتزوّد بالاَسلحة الحديثة كالسفن الحربية والطائرات المقاتلة إلى غير ذلك من وسائل الدفاع ليس بدعة، بل تجسيد للاَصل الثابت في الشرع أعني: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)،فهذا النوع من التسليح ورد في الشرع أصله وإن لم يرد بخصوصياته.
ب- حثّ الاِسلام على الاِحسان إلى اليتامى والمساكين والرأفة بهم والعطف عليهم وحفظ أموالهم بيد انّ هذا الاَمر الكلي الذي جاء في الشرع له أساليب مختلفة تُجاري مقتضيات كلّ عصر ومصر وإمكانياتهم المتاحة، فاللازم امتثال ما ندب إليه الشرع، أعني: الاَصل الكلي، وأمّا تبيين كيفيته فمتروك إلى المستجدات الزمانية.
ج- ندب الشرع المقدس إلى التربية والتعليم ومكافحة الاَميّة ولا شكّ انّ لهذا الاَمر الكلي أشكالاً وألواناً مختلفة تتبدل حسب تبدل الظروف حيث كانت التربية والتعليم في العصور السابقة تتحقق من خلال الكتابة بالقصب والدواة، وجلوس المتعلم للاستماع إلى معلّمه، إلاّانّ ذلك تطور اليوم إلى أساليب جديدة تستخدم فيها الاَجهزة المتطورة كالاذاعة والتلفزة والكومبيوتر والاشرطة إلى غيرها من وسائل التعليم الحديثة.
إنّ الشارع المقدس لا يخالف هذا التطور ولا يمنع من استخدام الاَجهزة والاَساليب الحديثة، وإنّما أمر بالتعليم والتعلم، وترك اتخاذ الاَساليب إلى الظروف والمقتضيات.
ولو كان أصرّ على اتخاذ كيفية خاصة، لفشل في هدفه المقدس ولفقد مبرّرات خلوده واستمراره، لاَنّ الظروف ربما لا تناسب الاَداة الخاصة التي يقترحها والكيفية الخاصة التي يحددها.
إذا قام به إنسان باسم الدين وكان أمراً حديثاً ليس له مثيل في السابق ولم يكن له أصل كلي يعضده ويسوغه ويضفي عليه الشرعية.
فهذه هي البدعة المصطلحة المحرمة على الاِطلاق، فمن حاول تغيير الاَذان والاِقامة بتنقيص أو زيادة أو زاد في الصلاة أو نقص منها ونسب كلّ ذلك إلى الشرع فهو بدعة محرمة.
وبالجملة من أراد التدخل في الشريعة الاِسلامية في عباداتها ومعاملاتها وسياساتها بأن ينسب إليها ما ليس منها أو لم يعلم انّه منها فقد أبدع وافتَرى على اللّه الكذب.
الاحتفال بمواليد الاَنبياء والاَئمّة والصالحين الذين لهج الكتاب والسنة بمدحهم، فانّ الاحتفال على النحو الرائج لم يرد في الشرع بخصوصه ولكن ورد الاَصل الكلي الذي يسوِّغ هذا الاحتفال ويضفي عليه الشرعية .
فقد أمر الكتاب والسنة بحب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ووده أوّلاً و تكريمه وتوقيره ثانياً، وحثّ عليهما في الشريعة قال سبحانه: (قُلْ إِنْ كانَ آباوَكُمْ وَأَبْناوَكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشيرَتُكُمْ وَأَموالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الْفاسِقينَ) .(4)
1- وقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يوَمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين.
2- قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي نفسي بيده لا يوَمن أحدكم حتى أكون أحبَّ الناس إليه من والده وولده.
3- قال رسول اللّه ص: ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الاِيمان وطعمه: أن يكون اللّه ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما وأن يحب في اللّه، ويبغض في اللّه، وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحبّ إليه من أن يشرك باللّه شيئاً.(5)
وعلى ضوء ذلك فاقامة الاحتفالات والمهرجانات في مواليدهم والقاء الخطب والقصائد في مدحهم وذكر منزلتهم في الكتاب والسنة تجسيد للحبِّ الذي أمر اللّه ورسوله به، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالحرام، ومن دعا إلى الاحتفال بمولد النبيص في أيّ قرن من القرون فقد انطلق من هذا المبدأ أي حبّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أمر به القرآن والسنة .
هذا هو موَلف «تاريخ الخميس» يقول في هذا الصدد: لا يزال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده ويعملون الولائم ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويُظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الشريف ويظهر عليهم من كراماته كلّفضل عظيم.(6)
وقال القسطلاني: ولا زال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده ص يعملون الولائم، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضل عميم... فرحم اللّه امرءٍ اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض وأعياه داء.(7)
المصادر :
1- فتح الباري في شرح صحيح البخاري:13/253
2- جامع الاَصول لابن الاَثير:9/566
3- الاَنفال/60
4- التوبة/24
5- جامع الاَصول: 1/237 ـ238 برقم 20 و21 و22
6- تاريخ الخميس:1/323 للديار بكري.
7- المواهب اللدنية:1/27.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأحكام الثابتة والمتغيّرة
حقوق الأبوين في القرآن الكريم والسنة النبوية
و الصحه الصوم
الفاكهـــة و فـــوائدهــــا
السيد محمد قلي اللكهنوي
الألفة والحبّ
عندما تتعب الروح ما هو العلاج؟
آية الله الآصفي: من سمع مظلوما يستغيث فلم يغثه ...
تربية الأطفال بين الهدف والوسيلة
زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة

 
user comment