عربي
Thursday 7th of November 2024
0
نفر 0

الملك العادل

الملك العادل

يقول احد المسؤلين الکبارأخبرتُ أمير إحدی البلاد الإسلامية ذات مرة بأن البلاد تبقي آمنة مستقرة مادام الحاكم عادلاً لا يظلم الناس ولا ينوي الشرّ بهم، وينعكس الأمر إذا اخذ الحاكم في ظلم الناس، ونوي بهم السوء.
والأمير أيّدني في كلامي وقال: إنه يعتمد علی ذلك في إدارة البلاد، وإن رأيه الإحسان الی المحسن، والعفو عن المسيء، إلا إذا لم يكن هناك مجال للعفو.
وذكرت له قصة ملك عادل انقطع ذات مرّة في سفر له عن مرافقيه، وأقبل الليل فلم يجد بدّاً من أن يلتجأ الی خباء بعض أهل البادية بصورة متنكرة..
وبعد تناوله الطعام احتاج الی الماء، فأمرت صاحبة الخباء بنتها أن تقدم الماء للضيف، وذهبت الفتاة وبعد لحظة قليلة جاءت بإناء ماء قد مزج بالسكّر، فشرب الملك وسئل الفتاة: كم عصرت في الماء من قصب السكر؟
قالت الفتاة: إنّما عصرت فيه قصبة واحدة.
حينذاك فكر الملك أن يضرب علی قصب السكر ضريبة مالیة، حيث إن وارده كثير.
وبعد مدة تكررت قصة الالتجاء الی ذلك الخباء من الملك، وطلب الملك الماء وذهبت الفتاة وأبطأت بقدر أكثر من بطأها في المرة الأولي وجاءت بالماء وكان حلاء الماء أقل، فسئل الملك عن سبب قلة الحلاء؟.
قالت الفتاة: إنها تظن إن قلب الملك تغير علی البلاد، فإنها قد عصرت في هذه المرة قصبتين ومع ذلك فالحلاء أقل، وفي المثل المشهور (إن الزمان يتغير بتغير السلطان).
ومن الممكن أن تكون الفتاة لم تجد قصبة ريعانة في المرة الثانية..
ومن الممكن أن تكون النية بمنزلة الصخرة التي يلقيها الإنسان في الماء، حيث تحدث أمواجاً دائرية، فإذا نوي السلطان خيراً، أحدثت نيته أمواجاً من الخير والعكس بالعكس..
كما إنه من المحتمل أن تكون القصة مثالاً لآثار العدل وآثار الظلم بدون أن يكون لها واقع خارجي .
وعلی أي حال فلا شكّ في أن عدل الرؤساء له أعظم الأثر بالنسبة الی أنفسهم والی شعوبهم. كما إن ظلم الرؤساء له أعظم الأثر بالنسبة الی أنفسهم والی شعوبهم، فالعدل كالنور، والظلم كالظلمة، هذا ينير، وهذه تظلم.
أسئلة في العدل والعدالة
كيف يعدل الحاكم؟.
وهل العدالة ممكنة؟.
وهل يدع الناس أن يعدل الحاكم؟.
ألم يعدل رسول الله (صلّي الله علیه وآله وسلّم) ولاقي ما لاقي؟.
ألم يعدل أمير المؤمنين علی (علیه السلام) ولعدله صارت حياته قطعة من المآسي؟.
الیس الظالمون يعيشون أفضل مما يعيشه العادلون؟.
بل الظالم هو الذي يعيش.. أما العادل فيطرحه ويحاربه المجتمع بكل قوة.
هذه أسئلة تتبادر الی الذهن أحياناً، بل يتساءلها بعض الناس.
والجواب: إن النظرة السطحية هي التي تملي هذه الأسئلة، إنه فرق بين (الجفاف) وبين (العدالة) فليس معني العدالة أن يكون الإنسان جافاً لا يفهم ولا يعمل الحزم في الأمور، بل معناها أن لا يظلم ولا يطغي.
ولنتكلّم أولاً حول النبي (صلّي الله علیه وآله وسلّم) والوصي (علیه السلام)، ثم نأتي الی تتمة الفرق بين الأمرين: (الجفاف والعدالة).
إن نجاح الرسول الأعظم (صلّي الله علیه وآله وسلّم) في حياته وبعد موته مرهون بعدالته، فهل كان يلتف حوله الناس، إذا كان ظالماً؟. وهل كان يبقي له هذا الذكر الجميل والثناء العطر لو كان ظالماً؟.
كل عاقل يعلم أن الجواب علی السؤالین ب (النفي).
إنه لا يمكن الجمع بين الرسالة والظلم، لكن نقول ذلك علی طريقة (لو) وأن فرض المحال ليس بمحال.
وأمير المؤمنين علی)علیه السلام) بقي في التاريخ لأنه كان عادلاً، ولو كان علی)علیه السلام) ظالماً، لما سمعنا باسم الرسول (صلّي الله علیه وآله وسلّم) ولا باسم علی (علیه السلام) إطلاقاً.. ولو كان علی (علیه السلام) يعمل لنفسه من دون ملاحظة مصلحة الإسلام لجرد سيفه في يوم السقيفة وأورث انشقاقاً في المسلمين ولتدخل الروم والفرس وغيرهما لمحو الإسلام.
ولو كان علی)علیه السلام) ظالماً، لاستلم اللواء من يده غيره، كغير واحد من الحكام الظالمين الذين أخذوا الحكم من الآخرين..
وقد ذكرنا طرفاً من الكلام حول الإمام علی)علیه السلام)، في كتاب (لكي لا تتنازعوا).
ونأتي الی الفرق بين (العدالة) و(الجفاف): إن إعطاء المال للمؤلفة قلوبهم والتزويج والتزوج معهم، وإرضاءهم بأشياء لا تضر العدالة، كل ذلك لا ينافي العدالة، أما ما يوجب اجتثاث جذور العادل فهو (الجفاء) وعدم الحزم في الأخذ والعطاء وما الی ذلك.
فالعدالة وسط بين (الظلم) وبين (الجفاف)، ومن يزعم ان (العدالة) تلازم (الجفاف) فانه يلزم علیه أن يفهم معني العدالة من جديد.
المداراة وتالیف القلوب والحزم وملاحظة قانون الأهم والمهم، و… و… كلّها من لوازم العدالة.
وبهذا علی إيجازه يظهر الجواب علی الأسئلة السابقة، وتفصيله يحتاج الی إهاب وتطويل.
شمولية العدل
‎العدل ليس خاصاً بالحكام، ولا خاصاً بأمور الدنيا ولا بالأمور الشرعية فقط بل العدل مرغوب فيه في كل إنسان وفي كل الأمور.
فاللازم أن يكون الحاكم عادلاً في رعيّته، والفاتح عادلاً في البلاد التي فتحها لأجل إقامة العدل، والجيش عادلاً في ما يفعل من حرب وخراب، والعالم عادلاً في إدارة الأمور الدنيوية والدينية، والرجل عادلاً مع زوجاته وأولاده. والمدير عادلاً في إدارته، والمرأة عادلةً مع زوجها وأولادها وإدارة شؤون بيتها، وهكذا.. وهكذا..
وكما أن الظالم يري سوء جزاء ظلمه، كذلك العادل يلقي حسن جزاء عدالته التي منها:
1. قلة الأتعاب، فإن الظلم يوجب عدم رضاية من رفعه الظالم وعدم رضاية من وضعه، أما عدم رضاية من رفعه، فلأنه يريد المزيد ويضيق بأن يري التقدير للطرف الآخر… وأما عدم رضاية من وضعه، فهو أمر واضح.
2. حسن الذكر، فإن نداء الضمير يوجب تحسين كل الناس للعدل، مهما اختلفت نزعاتهم.
3. جميل الأجر في الآخرة.
والظالم بالعكس من كل ذلك، فإن أتعابه أكثر، والناس بأجمعهم يذمونه حتی الذين رفع كفّتهم، وله في الآخرة الجزاء السيئ.
ولاشك في أن العادل يلقي صعوبات، إلاّ إن ما يلقيه الظالم من الصعوبات، اكثر واكثر.
وكثيراً ما يتبنّي إنسان العدالة، لكنه ينحرف في وسط الطريق، ظانّاً إن مشاكل الظلم أقل، لكنه لا يفتأ أن يجد مرارة الظلم الذي اقترفه، ويشعر بهناء العدل الذي تركه، وغالباً ما يجد نفسه في دوّامة من الظلم لا نهاية لها …
فاللازم علی الإنسان أن لا ينخدع بسراب الظلم من بعيد، وإذا انخدع وترك العدل الی الظلم، فاللازم علیه حينئذ أن يرجع من حيث ترك العدل، والرجوع أهنأ وأيسر من الإيغال في الظلم.
وقد رأيت قسماً من الظالمين، يقولون: هذا طريق سلكناه ولا نتمكن من الرجوع … إنه كلام باطل، وتنقص هؤلاء الشجاعة في الاعتراف بخطئهم، ولكن الاعتراف والرجوع خير ألف مرة من الإنكار والتمادي.
حيث لا ينفع الندم
كان في سابق الزمان عالم زاهد منقطع الی الله سبحانه، وقد أعطاه سبحانه روحاً قويةً، كما في الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي، أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون).
وكما ان التاجر، يفتح المجال أمام صانعه الأمين في كل أموال تجارته، كذلك الله سبحانه يفتح يد عبده المطيع في كل ما يليق بذلك العبد من ملكوته، وهذا من أسرار قدرة الأنبياء والأئمة والصالحين (علیهم السلام) علی المعاجز والكرامات.
كان ذلك العالم يتمكن من إحضار الأموات لا بأرواحهم فحسب بل حتی بأجسامهم المكتسبة، وكان قادراً علی أن يُرِي الناس أولئك الأموات.
وذات مرة ذهب أحد الرؤساء عنده وطلب منه أن يحضر أباه، وكان أبوه رجلاً شقيّاً ظلم الناس كثيراً وبدّل دينهم، وأفسد في الأرض..
قال العالم: إنك لا تقدر علی أن تري أباك لما فيه من العذاب. لكن الرجل أصرّ علی العالم. وبعد إلحاح شديد قبل العالم إحضاره.. فأحضره.
ينقل الرئيس: وإذا به يفاجئ بإنسان أسود الوجه كالح، تتطاير النار من جميع جسده، وهو مغلول، يسحبه اثنان عن يمينه وشماله، مما أثار في الولد أكبر قدر من الرعب، وسمعه يقول: إن مخالفة الإسلام هي التي أوردتني في هذا المورد، فأغمي علی الولد من جراء المنظر المهيب الذي رآه.
ثم أمر العالم بعلاج الولد، حتی رجع الیه الوعي لكنه أخذ يرتجف كالسعفة حتی هدئت حالته و رجع الی ما كان من الاستقرار.
إن الأب المعذب، صرّح بأن مخالفته للدين والشريعة وظلمه للناس هي التي أوردته هذا المورد الصعب، وهكذا ندم حيث لا ينفعه الندم.
قال سبحانه: ( ويوم يعض الظالم علی يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ( يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً ).
وهناك قصة أخري شبيهة بالتي ذكرناها وهي قصة ذلك الرجل الذي دفن أبوه أمواله في حياته ثم مات، والذي أمره الإمام (علیه السلام) أن يذهب الی البقيع وينادي (يا برجان).
وعلی كل حال فالظالم يمهّد لنفسه أسوء المصير حيث لا رجوع ولا ندم، وكلّما قال: (ربّ ارجعونِ * لعلی أعمل صالحاً فيما تركت ) أي: ما تركت من الأموال وما تركت من الدنيا أو ما تركت من الأعمال الصالحة، يجاب ب: ( كلاّ إنها كلمة هو قائلها).
أي: لا تعدوا أن تكون هذه الكلمة كلمة المضطر، فإذا رجع الی الحياة الدنيا، رجع الی سالف أعماله الإجرامية: ( ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).
وهناك قصص ومطالب وتوجيهات كثيرة، يمكن أن تسطر بهذه المناسبة.. لكننا اكتفينا عن كل ذلك بهذا القدر، لان فيه كفاية لمن أراد الیقظة والاعتبار.
وربما يقال: وما فائدة أمثال هذه الكتب؟ فإنه لا يستفيد منه من بيدهم الحكم لأنهم لا يطالعون، ولا الرعية لأنه ليس بأيديهم شيء؟.
والجواب:
أولاً: يجب علی الإنسان أن يقول ما يراه صلاحاً وأن يبيّن الحكم الشرعي، سواء عمل به إنسان أم لا.
وثانياً: لعل الله سبحانه يجعل فيه الفائدة، فمن قال بأنهم لايطالعون؟ ثم الیسوا كانوا من الرعية الذين كانوا يطالعون وأثّرت فيهم أشياء وأشياء، وبنفس تلك الانطباعات يسيّرون الحياة؟.
ثم من قال إن الرعية ليس بأيديهم شيء؟ الیست قاعدة (هرم كبير تتكون من وحدات صغار) صحيحة.
بالإضافة الی أن كل فرد من الرعية يتمكن من العدل ومن الظلم في محيطه الخاص به وقد يصبح كبيراً، كما ورد عن الإمام الحسن المجتبي (علیه السلام) حيث خاطب الأطفال وقال: (إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

موقف ابن تيمية من مناقب علي بن أبي طالب عليه ...
مراتب وأقسام التوحید
شروط وصفات الولي
فكّر ثم فكّر ثم فكّر حتى يؤمن بك الناس وتؤمن ...
النبوة بين اللغة العربية واصطلاح علماء الإسلام
لحظةُ تأمُّل!
الموت والفناء
ظاهرة تشيع علماء السنة ومثقفيهم استوقفتني
صفات اللّه الجمالية و الجلالية
الملك العادل

 
user comment