إن كثيراً من الناس هم فى نظرنا موحدون ولكنهم فى نظر القرآن الكريم ليسوا بذلك، بل أنهم مشركون، مثلهم مثل أولئك الذين لا ينفكّون يذكرون الله بألسنتهم ويسيرون وراء أهوائهم ورغباتهم.
إن هؤلاء أناس متلوّنون وليسوا بموحدين، ذلك أنهم عندما يذكرون الله بألسنتهم؛ لأن مصالحهم المادّية متناغمة مع أذكارهم وأن عبادتهم لله صادرة من أهوائهم وبسبب ذلك هم يعبدون ويذكرون ويسبحون ويهللون، هؤلاء جعلوا من أهوائهم ونفوسهم محاور عليها يتحركون، ومنها ينطلقون؛ لأنّه إذا صادفهم حكم إلهى يتعارض مع أهوائهم وما تشتهيه أنفسهم إذا هم عن الحق يصدّون ويعرضون.
وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ «1».
وهؤلاء فى الحقيقة يريدون الله من أجل أنفسهم ولا يريدون أنفسهم أن تكون لله بعبارة أخرى هؤلاء يقولون بأصالة اللذة النفسانية، فهم يلهثون وراء أهوائهم وما تريده أنفسهم فهم خلق لذائذهم يركضون.
وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ «2».
إن هكذا أناس قد جعلوا من أنفسهم محوراً يتحركون حولها فى كل شىء حتى فى عبادتهم؛ لأن عبادتهم هنا تأتى فى مسار حل مشكلاتهم الذاتية ومن أجل تحقيق لذائذهم الشخصانية وأن الله تبارك وتعالى فى حياتهم مجرد أداة ووسيلة لتحقيق أهدافهم وليس هو سبحانه الهدف والغاية، هؤلاء ليسوا عبيداً لله وإنما هم تجار يبحثون عن الربح بكل وسيلة. أما الذين جعلوا من الله محوراً لحياتهم ومسارهم وحركتهم فهؤلاء لا يعبدون الله خوفاً من عقابه ولا يعبدون الله طمعاً فى ثوابه، بل أنّهم رأوا الله وأحبوه فجاءت حركتهم من أجل تحقيق رضاه عزّ وجلّ فهم لا يرون شيئاً سواه ولا يهدفون شيئاً إلا رضاه فهم يذكرون الله قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم.
أنّهم يعيشون فى ملكوت الله ليس لهم حبيب إلا الله وهم فى صلاة متصلة؛ لأن قلوبهم تدور حول الله وتطوف.
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «1».
إن أهل البيت (ع) وخاصّة فى مرحلة رضا الله وغضبه قد اتحدوا مع الذات المقدسة، فهم أسوة للناس جميعاً وبخاصّة أصحاب الضمائر الحيّة من الذين أضاءت قلوبهم أنوار الحق.
إن الأئمة الأطهار والعترة الأبرار هم كسائر البشر فى نفوسهم كما فى نفوس الناس، حب وكره، شهوة وغضب رغبة وامتناع ولكنهم جعلوا من قواهم النفسانية تحت تصرف عقولهم النورانية فى مسار توحيدى خالص فكانوا مصداقاً تاماً وتجسيداً كاملًا لكلمة التوحيد لا إله إلا الله فهم فى رضاهم وغضبهم تعبيراً عن رضا الله وغضبه وجماله وجلاله وولاؤهم لله عزّ وجلّ وبرائتهم من أعدائه سبحانه.
وقد حدد القرآن المجيد معيار الولاء والبراءة التوحيدى فكان أهل البيت المثل الأعلى والقدوة فى ذلك والأئمة للناس من الذين يريدون سلوك الطريق إلى الحق؛ ذلك أن سيرتهم إلهية، فكل شىء يفعلونه إنّما هو لله وفى سبيل الله وتحقيقاً لرضاه، قد دخل حب الله فى قلوبهم فملأ عليهم أنفسهم فكل ما فيهم لله وقد وقف الشيطان عاجزاً عن أغوائهم مستسلماً لإرادتهم هى التى إرادة الحق تبارك وتعالى.
قال الرسول الأكرم (ص): كان شيطانى كافراً فأعاننى الله عليه حتى أسلم بيدى «1».
source : اهل البيت (ع) ملائكه الارض