انواع التجلي
أن لله تعالى تجليات : تجل ذاتي هو تجلي ذاته بذاته على ذاته ، إذ لم يكن إسم ولا رسم .
وتجل صفاتي ، هو تجلي ذاته في أسمائه الحسنى وصفاته العليا على وجه يستتبع تجليه في صور أسمائه وصفاته ، أعني الاَعيان الثابتة اللازمة للاَسماء والصفات لزوماً غير متأخر في الوجود ، بل هي هناك موجودة بوجود الاَسماء الموجودة بوجود المسمى جل شأنه .
وهذا التجلي يسمى بالمرتبة الواحدية ، كما أن الاَول يسمى بالمرتبة الاَحدية .
وتجل أفعالي ، هو تجلي ذاته بفعله ، وهو الوجود الاِنبساطي على كل ماهية ماهية من الدراة البيضاء إلى ذرة الهباء ، في كل من الجبروت والملكوت والناسوت بحسبه . وهذا مسمى بالرحمة الفعلية ، كما أن الثاني مسمى بالرحمة الصفتية ، وهذا بالفيض المقدس وذاك بالفيض الاَقدس .
وصبح الاَزل يمكن أن يراد به الثاني ، كما يمكن أن يراد به الثالث .
وبيان النطق الحقيقي للصباح سواء كان صباح عالم الصورة أو صباح عالم المعنى: أن النطق الظاهري اللفظي إنما يكون نطقاً لكونه وجوداً كاشفاً عن وجود ذهني وهو عن وجود عيني ، لا لكون خصوصية الصوت معتبرة فيه حتى لو لم يكن صوتاً لم يكن نطقاً ، وإنما هذه بالمواضعة للتسهيل . كما أن كاشفيته عن وجود آخر ذهني بالمواضعة ودلالته بالوضع لا بالطبع ، ولو كان بالطبع لاَكد نطقيته كما في الوجودات الذهنية بالنسبة إلى الوجودات العينية ، ولذا تسمى العقول المدركة للكليات نواطق والنفس ناطقة وقيل شعراً :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا
والاَشاعرة ذهبوا إلى الكلمات النفسية ، ولكن لاوجه للتخصيص ، فإذن إن كان بدل الكيفيات المسموعة الموضوعة أشياء أخرى موضوعة ، بحيث يكون حضور الاَشياء الدالة منشأ لحضور الاَشياء المدلولة في الذهن ، كان حالها حينئذ حالها .
تفسير عرفاني لعدم إمكان رؤية الله تعالى
( يا من لا تدرك الاَفهام جلاله ، يا من لا تنال الاَوهام كنهه )
كما قال النبي صلى الله عليه وآله : إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الاَبصار ، وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم . ولذلك يطلق على الذات باعتبار الحضرة الاَحدية غيب الغيوب والغيب المطلق والغيب المكنون والغيب المصون والمنقطع الوحداني ومنقطع الاِشارات والتجلي الذاتي والكنز المخفي والعماء ، وغير ذلك .
وإنما لا يدرك كنه الذات لما تقرر أنه إذا جاوز الشيء حده انعكس ضده فإذا كان ظهوره في قصيا مراتب الظهور أنتج غاية الخفاء وانعكس عكس الجلاء .
وأيضاً لما كان قهاراً للكل فلم يبق أحد في سطوع نوره حتى يراه ، بل يتلاشى ويضمحل بتأجج نار محياه .
وأيضاً هو تعالى بكل شيء محيط ، والمحيط لا يصير محاطاً . . . .(1)
الله تعالى يتجلى بخلقه
( يا من في الآفاق آياته )
أي في النواحي من عوالم الوجود علاماته ، والاِسم مأخوذ من الآية أعني قوله تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ، وفي التعبير بالآيات إشارة إلى أن عالم الآفاق كتاب تكويني له كالكتاب التدويني ، كما قال الاِمام الغزالي : العالم كله تصنيف الله ، وفي الاِكتفاء بالآفاق في الاِسم إشارة إلى تطابق الكتاب الآفاقي والكتاب الاَنفسي وأن كلاً منهما تام فيه جميع ما في الآخر .
قال ابن جمهور : الكتب ثلاثة : الآفاقي والقرآني والاَنفسي ، فمن قرأ الكتاب القرآني الجمعي على الوجه الذي ينبغي فكمن قرأ الكتاب الآفاقي بأسره إجمالاً وتفصيلاً ، ومن قرأ الكتاب الآفاقي على الوجه المذكور فكمن قرأ الكتاب الاَنفسي إجمالاً وتفصيلاً ، ولهذا اكتفى النبي صلى الله عليه وآله بواحد منهما في معرفته تعالى بقوله : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، لاَنه كان عارفاً بأن من يعرف نفسه على ما ينبغي ويطالع كتابه على ما هو عليه في نفسه يعرف ربه على ما ينبغي ، وإليه الاِشارة بقوله تعالى : إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا .
وكذلك من طالع الكتاب القرآني على وجه التطبيق تجلى له الحق تعالى في صور ألفاظه وتركيبه وآياته وكلماته تجلياً معنوياً ، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : لقد تجلى لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون .
ومن طالع الكتاب الآفاقي على ما هو عليه تجلى له الحق تعالى في صور مظاهرة الاَسمائية وملابسه الفعلية الكونية المسماة بالحروف والكلمات والآيات ، المعبر عنها بالموجودات العلوية والسفلية والمخلوقات الروحانية والجسمانية على الاِطلاق والتعيين تجلياً شهودياً عيانياً ، لاَنه ليس في الوجود سوى الله وصفاته وأسمائه وأفعاله ، فالكل هو وبه ومنه وإليه .
ومن طالع الكتاب الاَنفسي الصغير الاِنساني وطبقه بالكتاب الآفاقي تجلى له الحق تعالى في الصورة الاِنسانية الكاملة والنشأة الحقيقية الجامعة ، تجلياً ذاتياً شهودياً عيانياً بحسب ما يشاهده في كل عين من حروفه وكلماته وآياته ، المعبر عنها بالقوى والاَعضاء والجوارح .
فكل من طالع كتابه الخاص به وشاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها وإحاطتها بعالمها ، عرف الحق وشاهده وعرف أنه محيط بالاَشياء وصورها ومعانيها عاليها وسافلها شريفها وخسيسها ، مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته .
قالوا : وكذلك الحق إذا أراد أن يشاهد نفسه في المرآة الكاملة الذاتية الجامعة يشاهدها في الاِنسان الكامل بالفعل ، وفي غير الكامل بالقوة لاَنه مظهر الذات الجامعة لا غير . . . . ومن هذا قيل : أراد الله أن يظهر ذاته الجامعة في صورة جامعة فأظهرها في صورة الاِنسان ، وأراد أن يظهر الاَسماء والصفات والاَفعال في صورة كاملة مفصلة فأظهرها في صورة العالم .
أقول : في هذا التقسيم لكتب الكون تأملات فكرية وروحية مفيدة ، ولا شك في صحة القول بأن الله تعالى قد تجلى بخلقه بمعنى من معاني التجلي ، ولكن قولهم بأنه تعالى خلق الاِنسان ليكون مظهراً تتجلى به ذاته ، وخلق الكون ليكون مظهراً لاَسمائه ، كلام جميل لو وجد عليه دليل . وإلا فمن أين للعرفاني والفيلسوف أن يعرف لماذا خلق الله هذا المخلوق أو ذاك ؟ إن الدليل على ذلك منحصر بإخباره تعالى عن أهدافه عن طريق أنبيائه وأوصيائهم ، وما ربما يجزم به العقل .. وما سوى ذلك فهو ظنون من عقولنا واحتمالات ، لا يمكننا أن ننسبها إلى الله تعالى !
كما نلاحظ أن بعض الفلاسفة والمتصوفين والعرفانيين يميلون إلى قبول أحاديث التشبيه بلا تحقيق في سندها ، ويحاولون الاِستشهاد بها على أفكارهم ، بل قد يبنون عليها نظرياتهم ، مع أن الحديث لا وجود له ! أو له وجود في المصادر لكن ورد عن الاَئمة عليهم السلام أو عن علماء الجرح والتعديل تكذيبه ، كما رأيت في حديث ( خلق الله آدم على صورته ) ! وهذا البلاء عام في مصادر الفلسفة والعرفان والتصوف عند السنة والشيعة ! (2)
تفسيرهم الموافق لمذهبنا
واختلف العلماء في معنى التجلي ، قال ابن عباس : ظهر نوره للجبل . . . . فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول : آمنت أنك ربي وصدقت أنه لا يراك أحد .(3)
ـ وأورد السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 118 ـ123 بضع عشرة رواية في بعضها تصريح بعدم إمكان الرؤية في الدنيا ، وليس فيها ذكر خنصر الله تعالى ولا أصابعه ، وفي بعضها أن الله تعالى تجلى بأن أظهر خنصر يده ! وفي بعضها اتهامات لموسى عليه السلام بما اتهمه اليهود ، وتأثر واضح بأساطير الاِسرائيليات .. ونذكر منها هنا الروايات الموافقة لمذهبنا ، وشبه الموافقة .. قال السيوطي :
وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن ابن عباس ، وخر موسى صعقا ، قال : غشى عليه إلا أن روحه في جسده ، فلما أفاق قال لعظم ما رأى : سبحانك تنزيهاً لله من أن يراه . تبت إليك ، رجعت عن الاَمر الذي كنت عليه . وأنا أول المؤمنين ، يقول : أول المصدقين الآن أنه لا يراك أحد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس : وأنا أول المؤمنين ، يقول : أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : فلما تجلى ربه للجبل ، قال : كشف بعض الحجب .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة في قوله : وخر موسى صعقاً ، أي ميتاً . فلما أفاق ، قال : فلما رد الله عليه روحه ونفسه قال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، أنه لن تراك نفس فتحيا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن مجاهد في قوله: تبت إليك ، قال من سؤالي إياك الرؤية ، وأنا أول المؤمنين ، قال : أول قومي إيماناً .
وأخرج عبد بن حميد وأبوالشيخ عن أبي العالية في قوله : وأنا أول المؤمنين ، قال : قد كان إذن قبله مؤمنون ، ولكن يقول أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاَصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، رب أرني أنظر إليك ، قال قال الله عز وجل : يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده ، ولا رطب إلا تفرق ، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم .
عبد بن حميد عن مجاهد قال : لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل ، فإنه أكبر منك وأشد خلقاً قال ، فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل يندك على أوله ، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل ، خر موسى صعقا .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوحى الله إلى موسى بن عمران أني مكلمك على جبل طور سينا ، صار من مقام موسى إلى الجبل طور سينا أربع فراسخ في أربع فراسخ رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر ، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل طور سينا فإذا هو بشجرة خضراء الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها ، فوقف موسى متعجباً فنودي من جوف الشجرة ياميشا فوقف موسى مستمعاً للصوت ، فقال موسى من هذا الصوت العبراني يكلمني ؟ فقال الله له : يا موسى إني لست بعبراني إني أنا الله رب العالمين ، فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغةالاَخرى ، وكتب له التوراة في ذلك المقام ، فقال موسى : إلَهي أرني أنظر اليك ، قال : يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات ، فقال موسى : إلَهي أرني أنظر إليك وأموت ، فأجاب موسى جبل طور سينا : يا موسى بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والاَرضون السبع ومن فيهن ، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران ، فقال موسى وأعاد الكلام : رب أرني أنظر اليك ، فقال : يا موسى أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فإنك تراني ، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً ، مقدار جمعة فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات ، واتخذ موسى على وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتى انتهوا إلى الضريح ، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم لمن تحفرون هذا القبر ، قالوا له لرجل كأنه أنت أو مثلك وفي طولك أو نحوك ، فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح فنزل موسى فتمدد في الضريح فأمر الله الاَرض فانطبقت عليه ! .
وهذه واحدة من تهم اليهود لنبيهم موسى على نبينا وآله و عليه السلام ، وهو يدل على أن وجوده كان ثقيلاً عليهم ، حتى زعموا أن الله تعالى أراحهم منه بهذه الطريقة !!
تفسيرهم الذي فيه تجسيم
عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل ، قال قال : هكذا ، يعنى أنه أخرج طرف الخنصر ! قال أبي أرانا معاذ، قال فقال له حميد الطويل : ما تريد إلى هذا يا أبا محمد ! قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال : من أنت يا حميد وما أنت يا حميد ! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت : ما تريد إليه !
عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل : فلما تجلى ربه للجبل ، قال : فأومأ بخنصره ، قال فساخ .(4)
في ميزان الاِعتدال ج 1 ص 593 عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : فلما تجلى ربه للجبل . قال : أخرج طرف خنصره وضرب على إبهامه ، فساخ الجبل . فقال حميد الطويل لثابت : تحدث بمثل هذا قال : فضرب في صدر حميد وقال : يقوله أنس ، ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا ! رواه جماعة عن حماد ، وصححه الترمذي .
. . . عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في هذه الآية فلما تجلى ربه للجبل جعله : بدا منه قدر هذا . . . . . عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : قال رب أرني أنظر إليك ، قال فأخرج من النور مثل هذا وأشار بيده إلى نصف أنملة الخنصر فضرب بها صدر حماد ، قال فساخ الجبل . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
عن ثابت عنه ( أنس ) عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله عز وجل : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، قال حماد : هكذا ووضع الاِبهام على مفصل الخنصر الاَيمن ، قال فقال حميد لثابت : تحدث بمثل هذا ! قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال : رسول الله صلى الله عليه وآله يحدث به وأنا لا أحدث به ، هذا حديث صحيح على شرط مسلم .
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن موسى بن عمران لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فقال : رب أرني أنظر اليك ، قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ، فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار ، وحف حول النار بملائكة وحف حول الملائكة بنار ، ثم تجلى ربه للجبل ، ثم تجلى منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً ما شاء الله ، ثم إنه أفاق فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، يعني أول من آمن من بني إسرائيل . هذا حديث صحيح الاِسناد ولم يخرجاه .
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله تلا هذه الآية : فلما تجلى للجبل جعله دكاً ، أشار حماد ووضع إبهامه على مفصل الخنصر ، قال فساخ الجبل . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .(5)
ـ بقية روايات السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 118 ـ 123
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، قال هكذا وأشار بإصبعيه ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر ، وفي لفظ على المفصل الاَعلى من الخنصر ، فساخ الجبل وخر موسى صعقا . وفي لفظ فساخ الجبل في الاَرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس : فلما تجلى ربه للجبل ، قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ، جعله دكاً ، قال تراباً وخر موسى صعقاً ، قال مغشياً عليه .
وأخرج الطبراني في الاَوسط عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما تجلى الله لموسى تطاير سبعة أجبال ، ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن اثنان ، في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان ، وفي اليمن حصور وصير .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : لما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، قال : أخرج خنصره !
من هو قيس بن ثابت راوي حديث خنصر الله تعالى
الظاهر أن عمدة السند عند إخواننا في الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله ، هو ثابت بن قيس غلام بني أمية ، ولذلك نعرض شيئاً من ترجمته من مصادر الجرح والتعديل، ونلاحظ أن حميداً الطويل الذي هو غلام كابلي من منطقة ثابت قد استنكر على ثابت أن يروي هذا الحديث الذي فيه تجسيم ، وأن الذهبي على عادته في مدح المجسمين وصف ثابتاً بالصادق ، مع أن عدداً من العلماء جرحوه أو وصفوه بالوهم والخلط ، قال ابن حبان في كتاب المجروحين ج 1 ص 206 :
ثابت بن قيس أبو الغصن من أهل المدينة مولى عثمان بن عفان ، روى عنه ابن مهدي وابن أبي أويس ، وكان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه ، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه ، سمعت الحنبلي يقول : سمعت أحمد بن زهير يقول : سئل يحيى بن معين عن ثابت بن قيس أبي الغصن فقال : ضعيف .
ـ وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 2 ص 13
البخاري في جزء رفع اليدين وأبي داود والنسائي . ثابت بن قيس ثابت بن قيس الغفاري مولاهم أبوالغصن المدني . رأى أبا سعيد الخدري وروى عن أنس ونافع بن جبير بن مطعم وسعيد المقبري وأبيه أبي سعيد وخارجة بن زيد بن ثابت وجماعة .
وعنه ، ابن مهدي ، وزيد بن الحباب ، وإسماعيل ابن أبي أويس ، والقعنبي ، وخالد بن مخلد ، وغيرهم . . . .
قال أبوطالب عن أحمد : ثقة ، وقال عباس عن ابن معين : ليس به بأس ، وقال في موضع آخر حديثه ليس بذاك وهو صالح ، وقال النسائي : ليس به بأس .
وقال ابن سعد مات سنة ( 168 ) وهو يومئذ ابن مائة سنة وكان قديماً قد رأى الناس وروى عنهم ، وهو شيخ قليل الحديث .
وقال ابن أبي عدي هو ممن يكتب حديثه .
قلت : وقال الآجري عن أبي داود : ليس حديثه بذاك ، وقال مسعود الشحري عن الحاكم : ليس بحافظ ولا ضابط . وقال ابن حبان في الضعفاء : كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره . وأعداده في الثقات .
ـ وترجم له الذهبي في ميزان الاِعتدال ج1 ص366 وقال في سير أعلام النبلاء ج 7 ص 25
أبوالغصن ، هو الشيخ العالم الصادق المعمر بقية المشيخة أبوالغصن ثابت ابن قيس الغفاري ، مولاهم المدني : عداده في صغار التابعين .
يروي عن : أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، ونافع بن جبير . . . .
قال يحيى بن معين والنسائي : ليس به بأس . وقال ابن معين أيضاً في رواية عباس: هو صالح ، ليس حديثه بذاك ، وروى أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى : ضعيف . قال ابن حبان : هو من موالي عثمان بن عفان . وكان قليل الحديث ، كثير الوهم فيما يروي ، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه . وقال ابن عدي : يكتب حديثه .
ومن الملاحظ في كتب الجرح والتعديل وعموم مصادر اخواننا أن أسهم رواة أحاديث التشبيه والتجسيم ارتفعت مع العصور ، حتى بلغت أوجها على يد المجسمين من أمثال الذهبي، وأن الوهابيين أهتموا بتعظيمهم ونشر كتبهم في أنحاء العالم الاِسلامي!!
تفسير قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق
قال تعالى : أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون . سلهم أيهم بذلك زعيم . أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين . يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون . فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملي لهم إن كيدي متين . القلم 39 ـ 45
وقد تقدم قسم من تفسير إخواننالهذه الآية تحت عنوان ( بازار الاَحاديث والآراء في الرؤية)
فسرها أهل البيت عليهم السلام بكشف حجاب الآخرة وأهوالها (6)
في عيون الاَخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاَخبار في التوحيد بإسناده إلى الحسن بن سعيد عن أبي الحسن عليه السلام في قوله : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ، قال : حجاب من نور يكشف ، فيقع المؤمنون سجداً ، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود .
في مجمع البيان : وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا في هذه الآية: أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الاَبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة ، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، أي لا يستطيعون الاَخذ بما أمروا والترك لما نهوا عنه ، ولذلك ابتلوا .
في كتاب التوحيد بإسناده إلى حمزة بن محمد الطيار قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل : وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، قال : مستطيعون يستطيعون الاَخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه ، وبذلك ابتلوا . ثم قال : ليس شيء مما أمروا به ونهوا إلا ومن الله عز وجل فيه ابتلاء وقضاء .
ـ تفسير التبيان ج 10 ص 86
وقوله يوم يكشف عن ساق ، قال الزجاج : هو متعلق بقوله : فليأتوا بشركائهم . . . . وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك معناه : يوم يبدو عن الاَمر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة . والساق ساق الاِنسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها ، وكل نبت له ساق فهو شجر ، قال الشاعر :
للفتى عقل يعيش به * حيث يهدي سَاقَهُ قَدَمُهْ
فالمعنى يوم يشتد الاَمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يقوم على ساق ، وقد كثر في كلام العرب حتى صار كالمثل فيقولون : قامت الحرب على ساق وكشفت عن ساق ، قال زهير بن جذيمة :
فإذا شَمَّرَتْ لك عن ساقها * فَوَيْهاً ربيعُ ولا تسأمِ
وقال جد أبي طرفة :
كشفت لهم عن ساقها * وبدا من الشر الصراح
وقوله : ويدعون إلى السجود ، قيل : معناه إنه يقال لهم على وجه التوبيخ : اسجدوا فلا يستطيعون ، وقيل : معناه إن شدة الاَمر وصعوبة الحال تدعوهم إلى السجود ، وإن كانوا لا ينتفعون به .
تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا
ـ مستدرك الحاكم ج 2 ص 499 عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه سئل عن قوله عز وجل : يوم يكشف عن ساق ، قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر . إصبر عناق إنه شر باق . . . .
وقد روى الحاكم وغيره عدة أحاديث فيها ( يكشف عن ساق ) بدون نسبة الساق إلى الله تعالى ، كما في ج 2 ص 376 وج 4 ص 551 وقال عنه : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم : يوم يكشف عن ساق ، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً . رواه أبو يعلى وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي ، وبقية رجاله ثقات .
وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال : خرج نافع بن الاَزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه ، حتى قدموا مكة فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص ، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا ، فيقول هو كذا وكذا ، فقال له نافع به الاَزرق : ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم !
فقال له ابن عباس : ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك ! ألا أخبرك من هو أجرأ مني ؟
قال : من هو يا ابن عباس ؟
قال : رجل تكلم بما ليس له به علم ، أو كتم علماً عنده .
قال صدقت يا ابن عباس ، أتيتك لاَسألك .
قال : هات يا ابن الاَزرق فسل .
قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل ( يرسل عليكما شواظ من نار ) ما الشواظ ؟
قال : اللهب الذي لا دخان فيه .
قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :
ألا من مبلغ حسان عني * مغلغلةً تدبُّ إلى عُكاظِ
أليس أبوك قيناً كان فينا * إلى الفتيات فَسْلاً في الحفاظ
يمانياً يظل يشب كيراً * وينفخ دائباً لهب الشواظ
قال : صدقت فأخبرني عن قوله : ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس ؟
قال : الدخان الذي لا لهب فيه .
قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم .
قال : نعم ، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول :
يضيَ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيه نحاسا
يعني دخانا .
قال : صدقت فأخبرني عن قول الله : أمشاج نبتليه ؟
قال : ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً .
قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول :
كأن النصل والفوقين فيه * خلاف الريش سيط به مشيج
قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : والتفت الساق بالساق ، ما الساق بالساق ؟
قال : الحرب .
قال : هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب :
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا(7)
ـ الدر المنثور ج 6 ص 254 وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الاَسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال قال ابن عباس : يكشف عن أمر عظيم ، ثم قال : قد قامت الحرب على ساق .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الاَسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب . . . . وقامت الحرب بنا على ساق ، قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الاَزرق سأله عن قوله : يوم يكشف عن ساق . . . .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الاَسماء والصفات عن ابن عباس . . . .
وأخرج ابن منده عن ابن عباس . . . .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله : يوم يكشف عن ساق . . . .
وأخرج البيهقي في الاَسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق ، قال : يريد القيامة والساعة لشدتها .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال : حين يكشف الاَمر وتبدو الاَعمال ، وكشفه دخول الآخرة وكشف الاَمر عنه .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مندة من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ يوم تكشف عن ساق بفتح التاء ، قال أبو حاتم السجستاني : أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق ، بالياء ورفع الياء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الاَسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق . . . .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق ، فغضب غضباً شديداً وقال : إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه ، وإنما يكشف عن الاَمر الشديد . ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي . (8)
المصادر:
1- شرح الاَسماء الحسنى ج 1 ص 210
2- شرح الاَسماء الحسنى ج 1 ص 150
3- النويري في نهاية الاِرب ج 7 جزء 13 ص 211
4- مسند أحمد ج 3 ص 125 وج 3 ص 209
5- مستدرك الحاكم ج 1 ص 25 و ج 2 ص 320 و ج 2 ص 576
6- تفسير نور الثقلين ج 5 ص 395ورواه في ج 4 ص 582 ونحوه في مسلم في ج 1 ص 115 وج 8 ص 202
7- مجمع الزوائد ج 6 ص 303 ، ونحوه في ج 9 ص 277 و ج 7 ص 128
8- عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي . (ورواه في ج 6 ص 292 عن قتادة)