ألقى سماحة المرجع الديني آیة الله الشيخ حسين وحيد الخراساني محاضرة قبيل أيام الأربعين صبيحة اليوم الأربعاء الحادي عشر من صفر ۱۴۳۹ للهجرة الموافق ۱-۱۱-۲۰۱۷ م .
نص المحاضرة هو کما یلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، سيّما بقية الله في الأرضين، واللعن على اعداءهم الى يوم الدين.
هذه أيام التعطيل في شهر صفر عليكم جميعاً أن تسعوا لتكون حياتكم مرآة ومصداقاً للقرآن الكريم: فأيام التحصيل للتفقه في الدين، وأيام التعطيل لتبليغ شرائع الدين. هذه الحياة هي نهج القرآن.
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ: هذا أولاً.. في أيام التحصيل.
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ: هذا ثانياً.. في أيام التعطيل.
لا تدعوا هذه الفرصة تفوتكم، واعرفوا قيمتها.
هذا الحديث محيرٌ للعقول، والسند محكَمٌ، أما المتن: فخطاب الله تعالى لموسى بن عمران عن أمرين، إن أتى بواحدٍ منهما فله أجرٌ يفوق عبادة مئة عام بصيام نهارها وقيام ليلها. قيام بالصلاة من الليل للصباح، وصوم كل يوم!
أحد هذين العملين في كفة، ومئة عام من العمل بلياليه وأيامه في كفة أخرى!
المخاطَب هو موسى بن عمران.. والمخاطِب هو الله تعالى.. أمرٌ محير..
قال: ربي هناك عملٌ له هذا الثواب ؟ بقيام ليله وصيام نهاره ؟
جاء الجواب: نعم ، سأل: ما هو ؟
جاء الجواب: 1. رد الآبق. 2. رد الضال وارشاده. رد الآبق: بأن يتوب العاصي.
وإرشاد الضال: أن تُعَرِّفَ شخصاً على إمام زمانه..
نحن لم نعرف قدر العمر! هذا التعطيل فرصة لاستغلال هذه الجوهرة! ينبغي ان يكون برنامج كلّ سفرٍ أموراً ثلاثة:
الأول: إحكام العقائد.
الثاني: تهذيب الأخلاق.
الثالث: تعليم الأحكام.
هذا هو العمل..
أما الأثر والجزاء: فإن من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)
وقال الإمام عليه السلام أن تأويلها الأعظم هو أن تخرج نفساً من (ضلالٍ إلى هدىً) وكلاهما نكرة: (ضلال) و(هدى)..
تارة يقال: (من الضلال إلى الهدى)، لكن متن الحديث ليس كذلك، بل: (من ضلال إلى هدى)
يعني أن تُعلِّمَه مسألة واحدة من مسائل الصلاة أو العبادة أو المعاملات أو العقود أو الإيقاعات والأحكام..
أن يتوبَ عاصٍ.. أي من هذا يصبح كعبادة مئة سنة بقيام لياليها وصيام أيامها..
هذا هو برنامج التعطيل.. لكن المهم هو ان عمرنا قد انقضى ولم نفهم أهمية ذلك وقدره!
المرحوم الحائري فحلٌ، وهذه الحوزة احدى ثمرات شجرة وجوده، كان في مجلس الميرزا الشيرازي يقرأ العزاء والميرزا الشيرازي يلطم على صدره..
هكذا كان ذلك اليوم، وهذا حال هذه الأيام! للأسف لم نعرف سيد الشهداء.. إن فقه الحديث مهم.. فرواية الحديث شيء ودرايته شيء آخر.. وقبل الحديث.. إقرؤوا القرآن لتعرفوا حقيقة الإيمان والمؤمن..
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ: إنما تفيد الحصر.
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ: (أي ممّا علّمناهم يبّثون).
هذا الإيمان وهذه علاماته، فالمؤمن الذي نزلت في وصفه سورة في القرآن: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ
هذا أول أمرهم، أما آخره: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.. هذا المؤمن وهذا الإيمان..
الآن نطرح الرواية.. وهي عن ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام:
علامات المؤمن خمس:
صلاة الإحدى والخمسين.
وزيارة الأربعين
والتختم في اليمين
وتعفير الجبين
والجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم.
فزيارة الأربعين علامة الإيمان، والإيمان في القران هو ما تقدم.
هذه الزيارة لا قريب وبعيد فيها.. كلكم بعد هذا المجلس توضؤوا واذهبوا إلى مكان مكشوف مرتفع، وقولوا ثلاث مرات: صلى الله عليك يا أبا عبد الله..
تصبحون من زوار الأربعين، ومن المؤمنين أصحاب علامة الإيمان.
الناس لم يعرفوا من هو الامام الحسين عليه السلام جملة واحدة تحير العقول، وهي من كلام رأس ورئيس المذهب وهي:
أشهد لقد اقشعرت لدمك أظلة العرش مع ارواح الخلائق..
والقشعريرة رجفة خاصة.. هذا أولاً
ثانياً: بكى له ما يرى:
ما هي دائرة (ما يرى) ؟ كل شيء من السماء للأرض.. من أعلى عليين إلى أسفل سافلين..
أما (ما لا يرى): فلا احد يعلم ما في ذلك العالم الا الله
كل ما يرى وكل ما لا يرى قد بكاه في ذلك الوقت..
ان شاء الله تعالى يتبين شرح هذا الحديث.. من زار الحسين بكربلاء كان كمن زار الله في عرشه..
هذه عاشوراء.. كربلاء صارت عرش الله.. وزيارته صارت زيارة الذات المقدسة لله..
هذه جملة.. وجملة أخرى: أشهد أن دمك سكن في الخلد..
ما هي جذور هذه الجملة ؟ جذورها في رؤيا ام سلمة، لما سمع أهل المدينة صوت بكاء يرتفع فجأة من بيت النبي صلى الله عليه وآله، فاجتمعوا جميعاً، وسألوا أم سلمة عن ذلك..
قالت: رأيت الان خاتم النبين في الرؤيا على حال لم أره عليه أبداً.. حاسر الرأس والقدمين يعلوه الغبار، وبيده زجاجة من الدم..
قلت: يا رسول الله ما هذه الحالة ؟
قال: هذه الزجاجة أعطاني الله إياها.. فيها دم الحسين عليه السلام من محل قتله.. أوصِلُها إلى أعلى عليين.. يقول سادس الأئمة (ع) أن النبي (ص) وضع زجاجة الدم في أظلة العرش ومنذ أن وضعت هناك اهتزت قوائم العرش وستبقى إلى يوم القيامة..
هذا دمه.. وهذه كربلاؤه..
عن ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت في آخر زمان بني مروان إلى زيارة قبر الحسين ع مستخفياً من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي: انصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه
فرجعت فزعاً حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إلي الرجل فقال لي: يا هذا إنك لا تصل إليه.
فقلت له عافاك الله ولم لا أصل إليه ؟ وقد أقبلت من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني وبينه عافاك الله وأنا أخاف إن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني ها هنا.
قال: فقال لي: اصبر قليلا فإن موسى بن عمران ع سأل الله أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك … (كامل الزيارات ص112)
موسى يطلب حاجته وبعد مدة يجيز الله له أن يأتي تحت قبة الحسين عليه السلام لتستجاب حاجته..
هذا سيد الشهداء.. فمن عرفه ؟
تراب قبره آية من آيات القرآن.. القرآن شفاء وتربته شفاء..
وتحت قبته إجابة دعاء الأنبياء والأولياء..
ختم الكلام فصل الخطاب في المحشر..
في شدة يوم الحساب التي تصل الى حد ان الجميع من آدم إلى عيسى بن مريم، الجميع يقولون وانفساه.. في هذا اليوم ينزل جبرئيل على خاتم النبيين، ويأتي مع رسول الله ص الى قبر الصديقة الكبرى، ويخرجونها من قبرها ويركبونها على هودج ظاهره عفو الله، وباطنه رحمة الله، يحضرونها إلى يمين عرش الله، فتخرج قميصه القديم الملخط بالدم وتضعه على رأسها.
فصل خطاب المحشر في هذه الكلمة..
في اليوم الاول الذي جاء فيه للدنيا أخذته الصديقة الزهراء ووضعته في حجر خاتم الأنبياء، فكان النبي ص يضع لسانه في فمه فيكتفي به ولا يحتاج الحليب.
وبمهده أعيد لفطرس ريشه وجناحه حتى عرج إلى السماء وصعد للملأ الأعلى !
هذا يومه الأول..
اما يومه الأخير.. فليس لأحد خبر عن ذلك..
المطلب يندرج في هذه الآية: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)
لكن إلى أي حد كان اطمئنان النفس ؟ إلى حدّ حيّر جبرئيل..
بعد ما جرى في نهر العلقمي، وبعدما وقف على نعش أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله، وبعد الصلاة على جنازة طفله ذي الستة أشهر، كان إطمئنان نفسه إلى حد قوله: رضاً بقضائك، وتسليمًا لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين!
هذا اطمئنان نفسه..
أما (راضية مرضية) فنترك شرح هاتين الكلمتين لوقت آخر..
اعملوا على تشجيع جميع الهيئات والمواكب للخروج أيام الأربعين، ففي خروج كل هيئة وموكب تسلية لقلب إمام الزمان..
وهو الذي يعلم ما الذي حصل على جده..
قال: يا جداه..
فلئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور… فلأندبنك صباحا ومساء !
الليل بكاء!
والنهار بكاء!
لكن أي بكاء؟!
لأبكين عليك بدل الدموع دما !
حتى لو نزل الدم بدل الدمع على رأسك المقطوع سأبكيك!
السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلت بفناءك.. عليك مني سلام الله ما بقي الليل والنهار..
اما زوار الأربعين..
كلكم في ضيافة الامام عليه السلام.. اقرؤوا سورة قل هو الله احد في الطريق ليلاً ونهاراً..
والحمد لله رب العالمين