عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

مشاهدة الإمام الغائب عليه السلام عند شهادة والده عليه السلام

مشاهدة الإمام الغائب عليه السلام عند شهادة والده عليه السلام

مشاهدة الإمام الغائب عليه السلام عند شهادة والده عليه السلام

كانت مشاهدة الإمام المهدي عليه السلام وقت شهادة والده عليه السلام أمراً حاسماً، ففي فترةٍ تعد أحرج الفترات التي تمر بها مسألة الإمامة، وعدم وضوح الخلف من بعد الإمام عند الكثير من الشيعة، كما أن جعفراً قد تهيا لدعوى الإمامة بواسطة السلطة العباسية التي تعد من جعفر بديلاً " رسمياً " عن الإمام، وقد حاولت السلطة أن تستفيد من هذه الفترة أمرين:
أولاهما: كشف حال الإمام الغائب عند شهادة والده عليه السلام، فإنّ كان موجوداً نفّذت السلطة خطتها في تصفيته، وإن كان غير موجود فهو ما تطمح إليه السلطة وتحاول إشاعته ذلك وإنهاء "ملف" الإمامة من الأساس، فلا أحدٌ بعد ذلك يشكّل تهديداً خطيراً حقيقياً لها، وبذلك تحقق السلطة العباسية آمالها في إقصاء آل البيت عليهم السلام من مناصبهم الإلهية.
ثانيهما: تنصيب جعفر بن علي عمّ الإمام المهدي عليه السلام إماماً "رسمياً" من قبل السلطة وذلك لمحاولة استغلال ظرف غياب الإمام الشرعي وتوجيه الأنظار إلى جعفر الذي عرف بعدم التزامه وارتكابه محرمات الشريعة، لتوهم الناس بأن أئمة آل البيت الذين تعتقدون إمامتهم هم في مستوى عدم الالتزام الشرعي وغياب مقومات الإمامة عنهم وعدم أهليتهم لذلك، لذا فقد كان جعفراً يشكل بادرة خطيرة إبّان الغيبة الصغرى، وهو أحد أهم عوائق ظهور الإمام المهدي عليه السلام في غيبته الصغرى لشيعته، كون جعفراً يترصد وجوده ويحاول تمويه الناس بعدم ولادته، ومن ثم دعوى إمامته الباطلة.
هاتان المحاولتان لم تتجح في استغلالهما السلطة، فإنّ الإمام المهدي عليه السلام ظهر بصورة مفاجئة في اللحظات الأخيرة التي تمت بها محاولة النظام في التمويه على عدم وجوده، فقد باغت الإمام عليه السلام السلطة بظهوره والصلاة على أبيه، وأحبط محاولاتها ومحاولات عمّه جعفر وأسقط ما في أيدي جعفر من الدعاوى الكاذبة وأثبت لشيعته وجوده ومحاولة أخذ زمام المبادرة في اللحظات الأخيرة من مشاهد "السيناريو" الذي حاول إيجاده النظام بواسطة جعفر.
وبهذا فقد أثبت الإمام وجوده لشيعته أولاً وللسلطة ولعمّه ثانياً دون أدنى خطرٍ على حياته، حيث بعد أدائه الصلاة غاب بشكلٍ أفشل محاولات القبض عليه وتصفيته.
والرواية التالية تحكي لنا مشاهد اللحظات الحاسمة.
اللحظات الحاسمة:
بعد أن وضعت جنازة الإمام العسكري عليه السلام همّ أخوه جعفر للصلاة عليه فلم يمهله الإمام المهدي عليه السلام بأن باغته بالخروج والصلاة على أبيه وتولي شؤون إمامته والاتصال بشيعته سراً، كما في الرواية التالية:
روى المجلسي: " قال أبو الحسن علي بن محمد بن حباب: حدثنا أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتب(2) وقال: تمضي بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم بعدي؟ فقلت: زدني، فقال: من يصلي عليّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان؟ وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر، كما قال لي عليه السلام، فإذا أنا بالواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة حوله يعزونه ويهنئونه.
فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة، لأني كنت أعرفه بشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فقدمت فعزّيت وهنّيت، فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفّن أخوك فقم للصلاة عليه،(3) فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي عليه السلام على نعشه مكفّناً، فتقدّم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلمّا هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب رداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عمّ فأنا أحق بالصلاة على أبي فتأخر جعفر، وقد اربدّ وجهه، فتقدّم الصبي فصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه.
ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي مَن الصبي؟ ليقيم الحجة، فقال: والله ما رأيت قط ولا عرفته.
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي فعرفوا موته فقالوا: فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه وعزّوه وهنؤوه، وقالوا: معنا كتب ومال، فتقول ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلية فدفعوا الكتب والمال، وقالوا: الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجّه المعتمد خدمه، فقبضوا على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادّعت حملاًَ بها لتغطي على حال الصبي فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بين يحيى بن خاقان فجأة، وخرج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم والحمد لله رب العالمين لا شريك له.(4)
جعفر بن علي بادرة سيئة وظاهرةٌ خطيرة:
قلنا أن حركة جعفر بن علي كانت بادرة سيئة تستفتح الغيبة تأريخها بها وهو وإن كان ساذجاً في تصرفاته إلا أنه شكّل ظاهرةً خطيرة امتدت آثارها إلى مديات طويلة، فقد كشف ستراً كما في تعبير بعض الروايات، وأفشى سراً كما في روايات أخرى، ثم هو يشكل حالة الانحطاط الفكري التي كان يتميزبها بعضهم وعدم وعيهم بمسؤولياتهم الحقيقية، كما أنه مثّل نموذجاً سيئاً لحالات الانحراف التي تكمن في دواخل البعض، ومن جهته فإنّ دوافع حبّ الرئاسة والجاه غير المشروع كان الأساس في ارتكاب مثل هذه الاختراقات.
وهذه الظاهرة وإن كان لها أثرها السيئ إلا أن لها أهميتها كذلك، فهي ظاهرة أغلقت الباب على محاولات البعض من تصوير الانحرافات التي صدرت من بعض الشيعة بأنها مسألةً عامة يبتلى بها أكثر أتباع الأئمة، حيث دعوى السفارة والوكالة الكاذبة عن الإمام عليه السلام يصورها البعض أنها إحدى سلبيات الطائفة، في حين أن هذه الدعوى لها مثيلها في عم الإمام عليه السلام وهو ابن إمام وأخو إمام إلا أن دوافع حبّ الجاه لا يخص أحداً دون أحد إذا استمكن من نفس الإنسان ومشاعره بحيث يطغى على قلبه وفكره فينسيه ما هو فيه.
كما أن هذه المحالات تكشف عن خللٍ في بعض جوانب المدّعي لم تسد فكرياً، ونقصٍ في التزامه الديني لم يعالجه في حينه فاستفحل عليه، واستجاب لأدنى شبهةٍ عرضت في نفسه.
فلا غرابة إذن أن يتصرف بعضهم بمواقف سلبية وخروقاتٍ دينية، فإنّ لهذه الحالات مثيلاتها من قبل جعفر عم الإمام وليس هذا عيباً يطغى على الطائفة كأتباع لهم علاقتهم المقدسة مع أهل البيت عليهم السلام.
أسلوب السفارة:
ولم يكن بداً من غيبة الإمام في ظل هذه الظروف الأمنية الحرجة والرقابة المشددة التي اشترك في ممارستها حتى أقرب الناس من أهله، وهو عمّه الذي كان من المفترض أن يكون عنصراً مهماً في مهمته وليس ظاهرة سلبية تعرّض الإمام عليه السلام إلى الخطر وشيعته المخلصين إلى التصفية الجسدية كذلك.
وهل تعني غيبته عليه السلام عزلته عن الناس عامة وعن شيعته خاصة؟ وهل يبرر التهديد الذي لاقاه الإمام عليه السلام من السلطة بالقتل أن تنقطع ارتباطاته بقواعده؟ أم لابد من استحداث شيء آخر لم يعهد في عصر آبائه الطاهرين عليه السلام بل بدأت بوادره إبّان عهد جده الإمام علي بن محمد عليه السلام حين عيّن له وكيلاً يرعى بعض مصالح مهمته ولتكون بداية مهمة لأسلوب الوكالة يألفها الناس إبّان غيبة الإمام المهدي عليه السلام.
لذا فإنّ الوكيل للإمام الهادي عليه السلام كان عثمان بن سعيد العمري وهو الوكيل كذلك للإمام الحسن العسكري عليه السلام وقد عرف بصلاحه وورعه وتقواه لدى الخاصة والعامة.
إذن فأسلوب الوكالة أو السفارة للإمام المهدي عليه السلام صار أمراً مألوفاً في الوسط الشيعي، فهم تعاملوا مع سفير جده الإمام الهادي عليه السلام ومع سفير والده الإمام العسكري عليه السلام، ولم يكن بعد ذلك أسلوب السفارة أمراً جديداً تثار من خلاله الريبة بل هي الطريقة التي عهدها الشيعة وألفوها.
السفراء والسفارة في الغيبة الصغرى
الأسلوب الذي لابد من اتباعه في هذه الفترة الخطيرة من الغيبة هو أسلوب السفارة التي مارسها الإمام المهدي عليه السلام إبّان غيبته، وهؤلاء السفراء شكّلوا قنوات الاتصال الدقيقة مع الإمام عليه السلام وشيعته، وهو الأسلوب الذي أثبت نجاحه على مدى سبعين عاماً من عمر الغيبة الصغرى، وكانت تشكيلة السفراء وبمواصفاتٍ خاصة تنم عن دقة العمل المتخذ في هذه الفترة والأسلوب الأمثل الذي اتبع في انسيابية المعلومات بين الإمام عليه السلام وبين قواعده.
بل لعل القواعد الشيعية لم تستشعر الفراغ إبّان عهد الغيبة الصغرى بوجود السفراء، فكان أسلوباً مثيراً حقاً أثبت جدارة مهمة الإمام عليه السلام في غيبته.


_______________________________
[1] الملاحظ في أكثر الروايات أنها تذكر نسب الإمام المهدي عليه السلام أو نسب أبيه وذلك للتأكيد على أنه هو الإمام المهدي المولود من الحسن العسكري عليهما السلام  وليس أمراً آخر يدعيه بعضهم للتمويه على غيبة الإمام المهدي وفلسفة ظهوره ووجوده بين ظهراني شيعته.
[2] لعل هذه إحدى القنوات التي كان الإمام الحسن العسكري عليه السلام يقيم بواسطتها اتصاله بشيعته ويأمرهم بأوامره ويفرض عليهم تكاليفهم عند غيبة الإمام المهدي عليه السلام وتعريفهم بأمر شهادته الوشيكة وغيبة ولده من بعده وشرح أحوال إمامته.
[3] تقدّم أن عقيد الخادم يعرف بولادة الإمام المهدي عليه السلام ولديه أسرار ولادته وغيبته ولعل دعوته جعفراً للصلاة على الإمام عليه السلام مع علمه الحال محاولة من عقيد وغيره لفضح موقف جعفر وانكشاف الأمر الذي كان جعفر يحاول التغطية عليه والتمويه كذلك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى دقة أتباع أهل البيت(ع) من شيعتهم في التسليم لأمرهم وانتظار ما الله تعالى فاعله في إظهار الحق، لذا فهو لم يتردد في دعوة جعفر منتظراً أمر الله في تسديد وليه عليه السلام وبيان حجته، ولعل ذلك عهد الإمام الحسن العسكري(ع) لعقيد الخادم باتباع الأمور الطبيعية في معرفة أمر الإمام المهدي عليه السلام لدى الشيعة والنظام كذلك.
[4] بحار الأنوار:50/ 332.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علماء أهل السنّة الذين ذكروا غيبة الإمام المهدي ...
المهدية بنظرة جديدة
مشاهدة الإمام الغائب عليه السلام عند شهادة والده ...
الشيعة بين الجَبر و الاختيار
نصوص في التوراة والإنجيل تبشّر بظهور قائم آل ...
مَن هو الإمام المهدی علیه السّلام ؟
المهدي من وُلد الحسين عليه السلام
تاجر فاز بلقاء إمام العصر (عليه السلام) بعدما ضل ...
القاب المهدي (عليه‌السلام)
الملامح الشخصية للامام المهدي عليه السلام

 
user comment