تعني السلفية- كما يدعي أصحابها- الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح من العبادة و السلوك و الاقتداء بهم و عدم الخروج عن منهجهم باعتماد القرآن و السنة فقط و السعي الى تنقية الاسلام مما علق به من شبهات و بدع و آراء نتيجة لعدم الاعتماد على المصدرين المذكورين خصوصاً بعد القرون الثلاثة الاولى من عمر الرسالة الاسلامية و التي تعتبر القدوة التي يجب الاستهداء بها فيما تلاها من القرون، و اعتبار أن ما اعتمده أصحاب المذاهب الاخرى إضافة إلى القرآن و السنة هو السبب في ما حصل من شوائب و بدع و انحرافات بحسب النظرة السلفية کدخول مفهوم الشفاعة و بناء القبور وطلب الحوائج منها... الخ.
فالسلفية- بدعوى أصحابها- تعني كمفهوم موافقة الرأي للكتاب و السنة وروحهما و من خالفهما فليس بسلفي، و هي تعني الاستهداء بما كان عليه السابقون و اعتماد نفس المنهج في التفكير و التبني، و في تنقية الاسلام مما علق به من شوائب و بدع و انحرافات، و السلفية هنا تقابل مفهوم الاصولية التي تضيف إلى المصدرين المذكورين مصادر أخرى للوصول إلى الرأي الاسلامي من خلال البحث العقلي و المعرفي الذي حثّ عليه الدين الاسلامي، و هو ينظر إلى الماضي كفترة تدرس و تعتمد في رسم صورة الحاضر و المستقبل، فالاصولية لا تقف على الماضي و لا تكتفي بتنقيته مما علق به من شوائب و بدع كما تطلق عليه السلفية.
فمنهج السلفية لا يقرّ ولا يعترف بمنهجية المذاهب الاخرى التي تُدخِل في مصادر التشريع أضافة للقران و السنة، العقل، و الاجماع، وغيرها من مصادر التشريع بحسب كل مذهب، على أن هذا لا يعني الغاء حقيقة أن السلفية هي نتاج المذهب الحنبلي الذي يمتاز عن باقي المذاهب بالتشدد و صعوبة قبول الرأي الآخر.
و يختصر البعض تعريف السلفية- على رأي أصحابها كما أسلفنا- أنها موافقة الرأي للكتاب و السنة و روحهما، و من خالفهما فليس بسلفي. (1)
الضلال المبين في الخروج عن منهج السلفية:
السلفية تدّعي أنّ ما يترتب على الالتزام بالمنهجية المذكورة، صحة و سلامة المعتقد و الفوز برضوان الله لاتباع المسلمين لطريق الحق.. أمّا من يعبد الله تعالى بغير هذا المنهج السلفي فقد ضل ضلالاً مبينا.و كما يترتب على المسلم السلفي عدم الخروج عن منهج القرآن و السنة في أموره العبادية، فإنّه لايعني في الجانب الآخر تطليق الجوانب الحياتية الاخرى كالسياسة و الانتخابات و نظام الحكم الاخرى كالديمقراطية و غيرها، فهنا يأتي التمييز بين المنهج السلفي الواجب الاتباع و بين التجمعات السلفية، و هي نافلة و غير واجبة الاتباع، فتقرير أنّ هذا سلفي أو غير سلفي يعتمد على اتباع المنهج السلفي أو عدمه. هذا من حيث المفهوم.. أما من حيث الواقع المعاصر، فانّ هذا التمييز في المنهج تمّ اخضاعه إلى مقاييس غير موجودة أصلاً في اطروحة المنهج السلفي و هذا ما سنتحدث عنه بالفقرة الآتية.
أقسام السلفية:
مما سبق، يتضح أنّ منهج السلفية هو المعوّل عليه في تشخيسلفي عن غيره، و بحسب هذا المفهوم فان تعددية المدارس السلفية تبقى في نفس إطار مسمى السلفية ما دامت ملتزمة بالمنهج مع ملاحظة أنّ هذا المنهج يخلو تماماً من الضوابط التي تتضمنها المناهج الاخرى، فمفهوم التنظيم مثلاً، و العمل الحزبي و غيرها من الضوابط التي تنظّم هيكل و عمل الجماعة هو أمرٌ غير مألوف ولا يمكن التطرق إليه أو طرحه, وإذا ما كانت هناك مدارس سلفية متعددة تعمل في السوح الاسلامية إنّما يجمعها القاسم المشترك الأساسي و هو المنهجية في الحركة السلفية و ليس التنظيم أو الحزب أو نظير ذلك من الهياكل المألوفة في العصر الحديث.تقييم سريع قبل الدخول في أقسام السلفية:
إنّ هذه الآلية ( الالتزام باتباع المنهج) هي بذرة الفشل في المدارس السلفية، فهي تحول دون اتباع أساليب موضوعية في تطوير عمل الحركة السلفية و إخراجها من وهدة الركون في زاوية واحدة، ما يؤدي إلى ركود مميت و قاتل للحركة و سبيل للتحجر و الجمود و عليه سيكون عدم تقبل الافكار و الاساليب طريقا للتخلف، و فرصة لان يتسلط القائمون في ذروة و قمة الحركة لإحكام رأيهم الواحد الذي قد يكون استنفذته مرحلة الحركة سيّما و أن عجلة الحياة تسير بسرعة لا يمكن إيقافها أو دعوتها للتريث مما يؤدي الى تخلف الحركة عن مواكبة المستجدات التي تعاصرها.
و قد يعطي هذا تفسيراً لتسلط بعض القيادات السلفية التكفيرية ذات البعد الواحد فيقال مثلاً السلفية الوهابية التي تعتمد التكفير كأساس و منهج لا يمكن التنازل عنه اطلاقاً.
و على هذا الاساس فقد تعددت المدارس السلفية بتعدد المناهج المتبعة لدى روّاد كل مدرسة.
السلفية العلمية
برزت هناك السلفية العلمية التي اطلقت على نفسها اسم المدرسة السلفية. و تشترك هذه المدرسة مع الخط العام للمنهج الذي تعتمده الحركات السلفية الاخرى المتواجدة في الساحة الاسلامية، إلاً أنّها تختلف عن باقي المدارس كونها أكثر حرفية، أي اندكاكاً بالمنهج و نبذ ما سواه، و هم بعيدون عن منهج التجديد و الاجتهاد، و يقفون في الجانب المعاكس من خط الجهاد و العمل المسلح و العمل التنظيمي و التجمع الهيكلي و بعيداً عن السرية والتكتم.و أن أبرز استراتيجية معلنة في هذه المدرسة هي التي طرحها الشيخ محمد بن ناصر الالباني و التي تعتمد الجهاد كمرحلة أخيرة بعد مراحل التنقية و التربية، و الانفصال عن حكّام الباطل، و إنّ موضوعة الجهاد في هذه المدرسة تأتي ضمن الحل الأخير الذي يكون هو الفيصل بين الحق و الباطل.
و قد نشأت هذه المدرسة في منتصف سبعينات القرن الماضي.
السلفية الحركية
أمّا السلفية الحركية، فأنّها تختلف عن سابقتها في أنّها تصدى للحاكم الكافر الذي لا يحكم بالشريعة الاسلامية، و أنّها تعتبر الاعلان عن كفر الحاكم و التصدي له هو السبيل الافضل للوصول للحاكمية الاسلامية، و أنّ أفضل السبل لمحاربة الحاكم الكافر هو العمل الجماعي في ايجاد التجمعات القادرة على احداث التغير المطلوب في ردع الحاكم الكافر أو قتله.و قد انبثق عن هذه المدرسة تجمع عرف بأسم جماعة الموحدين في سنة 1978 م ما أدّى إلى القاء القبض على رموز هذه الحركة و محاكمتهم و سجنهم.
و لانعدام الجانب التنظيمي عند روّاد هذه المدرسة حيث لم يجمعهم مجلس واحد أو مكان واحد لذا فانهم لم يستطيعوا التوصل الى استراتيجية واضحة تجمعهم و توحد كلمتهم.
السلفية الجهادية
برزت هذه الحركة في ثلاثة مواطن جغرافية، في مصر حيث البيئة الازهرية التي برزت فيها حركة الاخوان المسلمين و خرجت منها نظرية الحاكمية الالهية، و في السعودية حيث البيئة الفقهية للمدرسة الحنبلية و التي خرجت منها عقيدة الولاء و البراء، و في الهند حيث البيئة الهندية التي تواجه التحديات الكافرة كالهندوسية و البوذية التي استغلها البريطانيون لتذويب الهوية الاسلامية بحجة إقامة حكم الامة و دولة الديموقراطية و الخشية من الاسلام و جعل المسلمين أمّة مقهورة مغلوبة لا خيار لها إلاّ الاستسلام. خصوصاً و إنّ دعوات التحرر و ظهور الحركات القومية مثلت تياراً جارفا من الصعب أن يقف التيار السلفي بوجهه منعزلاً و منقسماً على نفسه، لذا فقد تمّ السعي لتوحيد هذه الخطوط لتشكيل منظومته العصيّة على الذوبان أو الانقياد سيّما و أن المذهب الحنبلي المتشدد هو القاعدة التي ترتكز عليها جميع هذه الخطوط، ساعد على توحيد هذه المنظومة و رصّ صفوفها أنّ المتصدين لكلّ خط منها هم من أكابر المفكرين الاسلاميين، فأبو الاعلى المودودي و سيد قطب و حسين الهضيبي ساهموا في رسم الخطوط العريضة لهذه المدرسة عبر مؤلفاتهم التي انتهجت الخط التنظيمي في الدعوة و الارشاد و في اتخاذ المنحنى السياسي الذي نأت عنه المدرسة السلفية الاخرى، كما و أنّ ظهور الجماعات المسلحة استهوت الكثير من الشباب الذي کان يتطلع إلى نبذ و مناهضة التيارات العلمانية و القومية التي کانت تستهدف الاسلام بالصميم، فكان أن أصبحوا مجاهدين في هذه الجماعات كجماعة التكفير و الهجرة، و الجماعة الاسلامية، و حركة الاخوان المسلمين، هذا فضلاً عن بروز تيارات مضادة يخشاها السلفيون و حركات جهادية مقابلة أصبحت تمثل موقع الصدارة في الوجود الاسلامي ما يجعل السلفيين على وعي و بصيرة من الخوف في أن تهدد وجودها جذريّاً سيما و أنها نتاج مذهب آخر غير المذهب الحنبلي، فقيام الثورة الاسلامية في إيران و بروز تيار الوعي الديني الجهادي و تهديده لاعتى الدول الاستكبارية في العالم وكذا ظهور حركة حزب الله في لبنان التي هددت وجود الوليد اللقيط الذي تعبت هذه الدول في تربيته و تنشأته و هي دولة اسرائيل الغاصبة، هذه الامور و غيرها جعلت من السلفية الجهادية أن تعي خطر شرذمتها و عدم توحدها و اشتراكها في استراتيجية واحدة يسعى الكل في دعمها كلّ من جانبه، فضلاً عن الدعم السعودي الحاكم الذي يمثل الخيمة التي يستظلّ بها الجميع و التي من الممكن أن يتمّ التزاوج الوهابي مع التيار القطبي (نسبة الى سيد قطب) ، و السروري (نسبة الى محمد سرور بن نايف زين العابدين) و الذي مزج بين السلفية الحنبلية و القطبية الاصولية مما جعل هذا التيار يشتد عوده و ليأتي أخيراً بتهديد الحكم السعودي باعتباره حكماً باطلاً يجب محاربته، و ظهور ما يسمى بتيار الصحوة السعودية الذي استقطب مجموعة واسعة من الشباب المتدين أمثال عوض القرني، و سلمان العودة و سفر الحوالي و الکثير غيرهم الذين ساهموا فيما بعد ببلورة الفكر السلفي و انتشاره في ربوع الدول العربية الاسلامية كالسودان و الكويت و الاردن و سوريا و غيرها. ما أدى إلى أن ينقلب السحر على الساحر .البرامج التربوية في الفكر التكفيري
إنّ تسليط الضوء على البرامج التربوية لمدرسة الفكر التكفيري مهمة لأنها تعطي أحد التفاسير، إن لم يكن التفسير الاول لموضوع ما هو السر الكامن وراء هذه التضحية و هذا العمل الانتحاري الذي يجانب العقل و التفكير؟ وكيف يكون أياً منهم آلة صماء تدور في دولاب العجلة بلا أيّ تفكير أو منطق أو عقل سوي؟ فتغيب كلّ المنح و المزايا الربانية التي كرم الله تعالى خلقه و خليفته في الارض و ينسلخ هذا الانسان من عالم الخلافة ليتيه في عالم الانعام السائبة، المشكلة أن ما يتعاطونه في إعلامهم و في ما ينعكس من فكرهم أنهم إنّما يسعون لاقامة خلافة الله في الارض، و أنهم وحدهم الساعون لذلك. و المضحون في سبيله و أنّ عطاءهم هذا و تضحيتهم إنّما لأن التجربة التي يريدون إحيانها تتطلب ذلك و تسترخص كلّ غالٍ و عزيز حتى و إن كان نفس الانسان و هم بهذه يستدرجون عوام الناس من المسلمين و الجهلة ظّناً منهم أنهم صادقون.و لايضاح الصورة و تسليط بعض الأضواء عليها نوضح الآتي:
ابتداءاً هل يصح أن نقول إن التكفير بمنهجه المعلن اليوم هو فكر؟ و أن هناك فكراً تكفيرياً يملك فلسفة الفكر؟
قد يتبادر إلى ذهن الانسان العاقل- الذي يستخدم العقل كأداة في الوصول إلى الحقيقة- أننا قد نظلم (مصطلح الفكر) حينما نريد أن نفاعله مع التفكير بالنهج التكفيري لان العقل إشعاع و نور و هداية و النهج التكفيري هو غياهب ظلام و مصاديق ظلم، و لأن أول خطوة في مسيرته الظلامية هو تغطية الحقيقية الكبرى التي جاء بها الاسلام العظيم و سار على هديها النبي الأكرم (صلي الله عليه و آله و سلم) في نشر الدعوة الاسلامية (لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ) (2) و لا غرابة في ظلامية النهج التكفيري و ذلك أن التكفير لغة هو التغطية للحق كما أسلفنا أول البحث.
هناك علاقة جدلية بين التربية و النمو، الانسان ينمو نفسه، عقله، جسمه و كل ما يتعلق بهذه المسميات من مصطلحات و متعلقات من فكر و عاطفه و سلوك، فالتنمية تعني التربية بموجب هذه العلاقة، نفس الانسان تنمو، جسده ينمو، عقله ينمو من حيث وضوح الخطوط الطولية من البديهيات (المسلمات العقلية)
فالتربية هنا هي توفير المناخات لاحتضان هذه البراعم النامية (النفس، العقل) و السلوك هو المحصلة النهائية.. و كيفما تكون هذه المناخات الحاضنة، تكون النفس، و يكون العقل.. و من شمولية هذه الظاهرة، أي تعددية البراعم في حاضنة الزمن تنشأ الاجيال و تتوالد و تتكاثر يحكمها الخط الطولي الذي نمت حاضنته من حيث القيم، و السمات العامة (الحب أو الكره) , (السلام أو الحرب) ، (التسامح أو الحقد) ، (قبول الآخر أو نبذ الآخر) ، (الاعتدال أو التطرف) ، (الايثار أو الإثرة) .
المناهج الدراسية التكفيرية هي المناخات التربوية لترسيخ العداء و الكراهية
ما سبق يتضح أن عملية التربية، (و التي هي توجيه نمو النفس في حاضنة الزمن) إنما هي واحدة و تنطبق على جميع المجتمعات، الاسلامية و التكفيرية، الهادية المهدية، و الضالة المضلة، و لأنّ عملية التربية من حيث الزمان، مبكرة جداً، لا تبدأ من حين الولادة، إنّما من لحظه تخصيب الحيمن الذكري للبويضه الانثوية، لذا تختلف المدارس الفكرية في كيفية توفير المناخات التي تتناسب و اطروحاتها الفكرية، و كما أن هذه هي فرصة للتكفيريين لان يوجدوا جيلاً تكفيرياً يؤمن بالعنف و القسوه مؤمناً باطروحتهم الفكرية الدينية، هي كذلك فرصة للرساليين المؤمنين لان يوجدوا جيلاً رسالياً هادياً مهدياً يهدي إلى الحق و به يستعين.يعتمد المنهج التربوي التكفيري في مناهجه التعليمية على ما يأتي:
1- على مستوى التعامل الفردي و الاسري و الاجتماعي فمن المعروف أن خُلق التسامح و اللين و حسن المعاملة و نبذ العنف و الشدة هي من أواصر التماسك الاسري و الاجتماعي. و قد كرّم الله تعالى هذا الانسان (وَ لَقَد كَرَمنَا بَنِي آدَمَ) (3) و أحسن خلقه (لَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ) (4) " بغض النظر عن دينه و معتقده أو لونه أو عرقه...
كلّ من يتعامل مع أيّ فرد من أفراد المجتمع التكفيري، أول ما يستشعره هو الغلظة في الاخلاق، و في الدعوة إلى الله تعالى خلافا لقوله سبحانه (ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَ المَوعِظَة الحَسَنَة) (5) .
و قد يكون للبيئة الصحراوية، و البدوية، أو القبائلية التي كانت الحضن الاول لهؤلاء التكفيرين تأثير كبير في أن يترشح هذا الجفاء و القسوة في التعامل و لكن أين هو موقع الاسلام و الفكر الاسلامي النيرّ الذي يهدي إلى مكارم الاخلاق و التسامح و اللين.. (إنّكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بحسن أخلاقكم) .
يمكن اعتبار البرامج التربوية في المناهج التعليمية هي الأساس الذي ينبع منه هذا العطاء الفج، فبدلاً من أن تسعى هذه المناهج التعليمية إلى الحد من الظاهرة البدوية التي تقوم على التحجر و القسوة و غياب العقل.. و إحلال الاخاء و المودة بأعتبار أن الآخر (إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) و إنّ هذا هو جوهر الاسلام و لا يتنازع فيه اثنان.
2- على مستوى المناهج التربوية: لو أخذنا نموذجاً للفكر التكفيري الوهابي الذي تعتمده الدولة السعودية و هي أول و أكبر دولة تمثل الحاضنة و الداعمة و المشجعة للفكر التكفيري لوجدنا ان المناهج الدراسية التي يتربى عليه طلبة النشأ السعودي بل و جميع الوافدين من أقطار البلدان الإسلامية للدراسة في مدارسها و جامعاتها لا تعرف خطاً آخر في الكون بأجمعه إلاّ الخط الوهابي التکفيري المتشدد.
و لا حكم يليق بمن لا يؤمن بهذا الخط التكفيري إلأ القتل (الذبح من الوريد إلى الوريد) تحت لافتة (الله أكبر) حتى و إن كان هذا الآخر ديناً آخر كاليهوديه و المسيحية و الصابئية و غيرهم أو كان مسلماً لا يدين بدين أو منهج الوهابية، بل حتى و إن كان أحمد بن حنبل. (ولم تسلم المناهج الدراسية من التحريف و التحريض على الفتنة، فقد استخدم النظام السعودي المدارس لترويج المذهب الوهابي و بثّ ثقافة الكراهية لدى طلاب المدارس، حيث تعتبر المناهج الدراسية للنظام السعودي من أكثر المناهج خطراً على الافكار لما تبثه من روح الحقد و الكراهية، كما و تغذي التلاميذ بالمفاهيم و المبادئ الهدّامة و القيم العنصرية و يتم صياغتها بمقالات دينية لتكتسب قداسة في عقول التلاميذ و هي طريقة لتوظيف المؤسسات التربوية لخدمة الاغراض السياسية و تضليل معتقدات التلاميذ و غرس مفهوم الحماية للدين من خلال قمع الآخر و القضاء عليه و استئصال شأفتهم.. و هذا ما يؤدي إلى التعامل مع مخالفين للمذهب الرسمي على أنهم كفار أو منحرفين و ليس لهم إلاّ التوبة أو القتل) . (6)
و لا يخفى آثار هذا المنهج المدّمِر الذي يؤسس لكثير من التشريعات التي يراد بها أصلاً بناء الفرد و المجتمع و الدولة فيأتي البناء مفتقداً لابسط المقومات التي تتقوم بها الشخصية الاجتماعية و الانسانية و تنأى بالفرد و المجتمع و الدولة عن الهوية الاسلامية الصحيحة و تضعها في موضع التحجر و التوحش و استهجان المجتمع الاسلامي و الانساني.
مقاومة التكفيريين
الفصول الثلاثة الاولى تناولنا فيها التعريف بالتكفير و نهجه و جذوره و العوامل التي جددت ظهوره و من أبرزها الوهابية و السلفية المتطرفة و علاقة ذلك بالارهاب الذي عبرّنا عنه بالمصطلح القراني (الفساد في الارض) ، و أن دور التكفيريين هو الفساد في الارض و تدمير البنية العقائدية و تمزيق وحدة الأمة الاسلامية و ذلك بنسف جسور التواصل بين المذاهب الاسلامية فضلاً عن إضعاف عوامل القدرة في الأمة سواء العسكرية منها أو السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، و السعي لتجزئة جغرافية البلاد الاسلامية بما يجعلها دويلات صغيرة يسهل على الأعداء و الغزاة الهيمنة عليها و ترکيعها.إن عرض الصورة التي بني عليها التکفيريون الوهابيون و السلفيون المتطرفون برامجهم و أساليبهم إنّما هو لتسليط الضوء عليها و إعطاء التعريف الواقعي لها و هو مقدمة لتحديد الموقف المطلوب منها.
حقائق مستجدة توسع من استراتيجية المقاومة:
1. إن مفهوم المقاومة للعدو تطور و اتسع تبعاً لتطور الواقع و اتساع و قائعه كما نراه اليوم.
2. لم تعد مقاومة العدو منحصرة جغرافياً بصورتها التقليدية بدول التماس مع العدو الصهيوني فصوصاً أو المحتل لبلادنا بشكل عام بل اتسعت اتساع جبهة العدو و تمدده بمخططات شيطانية في إطار استراتيجية تمزيق الامة الاسلامية و تدمير بنيتها العقائدية و الفكرية و فتحها جبهات قتال الحل كيان الامة و مجتمعاتها الحيوية و دولها المرشحة للمواجهة بهدف تحطيم كل مقومات قدرتها العسكرية و الاقتصادية و الاجتماعية.
3. ان المخطط الصهيوني و الاستكباري في تدمير وحدة الامة الاسلامية و بنيتها العقائدية و الفكرية عن طريق التكفيريين الجدد مرت بمراحل:
المرحلة الاولى: تسعير الخلافات الطائفية و إذكاء روح الخلاف و التقاطع بين المذاهب الاسلامية كافة عن طريق القاء الشبهات و ادعاءاتهم و الاكاذيب و إلصاقها بها، وقد تبنّت الوهابية هذه المهمة في جميع أنحاء العالم.
المرحلة الثانية: استحداث منظمات إرهابية تتبنى الفكر التكفيري التدميري, كالقاعدة، مدعومة بمنظومة إعلامية هائلة و بفتاوى أئمة التكفير و أدعياء العلم من وعّاظ السلاطين لتمارس دورها في تفجير كل جسور التواصل بين أتباع المذاهب الاسلامية عن طريق سفك دماء أتباع هذه المذاهب الاسلامية و دق أسفين الخلاف بينها.
المرحلة الثالثة: تحول هذه المنظمات الارهابية التكفيرية إلى قوة اقليمية مدججة بالسلاح المتطور و المال و تدفق الرجال من كل أنحاء العالم و تشکيل جيش مسيّر يهداد الدول الاسلامية، و ابرز مثال لذلك هو ما يجري في سوريا و العراق و لبنان و كلّ دول الممانعة التي تمثل العمق الستراتيجي للقضية الفلسطينية و مقاومتها المجاهدة.
و عليه أرى أن يعتمد المؤتمر المبادىء الأتية:
1 . توسيع دائرة المقاومة لاستقطاب المجتمعات الساخنة ببلاء التكفيريين لتشمل كل من يواجه المخططات الصهيونية و الاستكبارية و القيام بحملة توعية جماهيرية لكشف هذه المخططات و مواجهتها ميدانياً لتسير بنفس الخط و الاتجاه لتحرير فلسطين.
2. توعية الأمة و خصوصاً المجتمعات الساخنة بأن محور المقاومة الواسعة في مواجهة الموجة التكفيرية المعاصرة هو تحرير فلسطين و القدس الشريف.
3. إنّ الجرائم التي قام بها التكفيريون كداعش و امثالها أحدثت وعياً جماهيرياً في المجتمعات الساخنة واحدثت شرخاً كبيراً بينهم و بين حواضنهم.. و تجربتنا في العراق خير مثال على ذلك فقد رفعنا ثلاثة شعارات:
الاول: هو تحرير اتباع المذاهب الاسلامية من أسر المتطرفين و المجاميع التكفيرية التدميرية. الثاني: أن الارض يمسكها أهلها و الأعراض و الاموال يحميها أهلها و عليه تشكلّت جبهة عشائر المقاومة في المناطق السنية بقيادة علماء الدين المعتدلين (وفي مقدمتهم علماء الصوفية الكرام) و باسناد من الحشد الشعبي الجماهيري من الشيعة و السنة.
الثالث: توعية المسلمين على فساد عقيدة التكفيريين و مخالفتهم لثوابت جميع المذاهب الاسلامية و خطرهم على الاسلام المحمدي الاصيل.
و عليه فنحن في هذا المجال:
* نعمل حالياً للتحضير لمؤتمر كبير لعلماء المسلمين، بما فيهم علماء الصوفية، في العراق لتفعيل دور منظومة العلماء الواعين في محاصرة الفكر التكفيري و تأصيل الاسلام المحمدي في واقع المسلمين.
* تُحضِّر أيضاً لمؤتمر العشائر المقاومة لداعش و التكفيريين في المناطق الغربية التي دنّستها هذه المجاميع الضالة لرسم خطة تطهير تلك المناطق من هؤلاء الخوارج الجدد.
* لقد تبنى اتحاد علماء المسلمين في العراق الذي يضم نخبة من كبار علماء الشيعة و السنة وضع هذه الخطة و التصدي لهذه المهمة الرسالية في مقاومة المدّ التكفيري التدميري في العراق.
* إننا نرى أن المقاومة اتسع مفهومها و اتسع مصداقها لتشمل كل الادوات الصهيونية التي ظهرت لتدمير مقومات الدول و المجتمعات الاسلامية و تمزيق أوصال الأمة و في مقدمتها الكفيريون الدمويون الجدد و لابد ان نتحرك بهذا الافق و بهذه الستراتيجية.
* إنّ من ثمار توسعة مفهوم المقاومة أنها ستستقطب دائرة واسعة من المجتمعات الساخنة و أوسع من دائرة رجالها لتشمل كلّ من يواجه المخططات الصهيونية و الاستكبارية للتمدد الصهيوني و تنشئ وعياً جماهيرياً لمواجهتها.
* إن الذي يحدث في الأمة من خلال الجماعات التكفيرية ماهو إلاّ جزءاً من المخطط الصهيوني ليتمدد في عدوانه، وعليه ستصبح قضية مواجهة التكفير و مجموعاته الاجرامية جزءاً لا يتجزأ من مقاومة العدو الصهيوني و ستسير بنفس الخط و الاتجاه لتحرير فلسطين.
المصادر :
1- هشام الهاشمي، الحركة السلفية في العراق.
2- سورة البقرة: 256.
3- سورة الاسراء: 70.
4- سورة التين : 4.
5- سورة النحل : 125.
6- أيمن شاكر الاسدي، الفكر الوهابي في فتاوي القتل و التكفير، ص13.
source : راسخون