فی عقیدتی أن التشیع هو المذهب الوحید الذی حفظ بشکل مستمر رابطة الهدایة بین الله والخلق وعلاقة الولایة حیة إلى الأبد فالیهودیة أنهت العلاقة الواقعیة بین الله والعالم الإنسانی فی شخص النبی موسى (علیه السلام)ثم لم تذعن بعدئذ بنبوة السید المسیح والنبی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)فقطعت الرابطة المذکورة ...
هنری کوربین (1903 - 1978) فیلسوف ومستشرق فرنسی صبّ اهتمامه على دراسة الإسلام الإیرانی وبشکل خاصّ على المذهب الشیعی فترجم مهّمات الکتب فی هذا المجال من سهروردی إلى صدر الدین الشیرازی مرورًا بابن عربی وحقّقها وعلّق علیها.
أصبح لـ(کوربن) بعد سنوات من البحث والدراسة فی الدین الإسلامی میل للإسلام، وبالخصوص الأئمة الأطهار. وبعد دراسة الدین الإسلامی اطَّلع على حکمة الإشراق للسهروردی، وأخذ یهتم بعلوم الحکمة والعرفان المنتشرة فی إیران. وشیئاً فشیئاً أصبح بعیداً عن الأفکار الغربیة، وعن أستاذه فی أوروبا لوی ماسینیون. فاعتنق الدین الإسلامی سنة 1945م، ثم سافر إلى إیران لإشباع رغبته من الحکمة والإشراق.
أسس فی فرنسا قسم تاریخ إیران، وأُمَمها القدیمة، وکان یهدف من وراء ذلک نقل التراث العرفانی الإیرانی إلى المهتمِّین به فی أوروبا والغرب.
وکان یقضی معظم أوقاته خلال السنوات التی قضاها فی إیران بمناظرة علماء الشیعة ومباحثتهم وتبادل وجهات النظر معهم، مثل العلامة الطباطبائی صاحب المیزان فی تفسیر القرآن، حیث عقدت بینه وبین الطباطبائی عدة جلسات وقد طبعت وقائع هذه الجلسات فی کتابین هما "الشیعة" و"رسالة التشیع" وقد صدرا فی إیران وترجمهما إلى العربیة جواد الکسار.
بعد أن اعتنق الدین الإسلامی, اختار المذهب الشیعی الإثنا عشری، وکان له إیمان شدید بالإمام المهدی الغائب.
هنری کوربین
من الصعب حقاً أن نجد مستشرقاً منصفاً ونزیهاً تمام النزاهة فی کتاباته عن الإسلام وکتابه السماوی وعن مبادئه ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم)ورجاله وعن التاریخ الإسلامی وحوادثه الماضیة بکل ما فیها من حلاوة أو مرارة ولکن عندما نقول انه من الصعب فلا یعنی هذا أن الأمر مستحیل بحیث لا یمکن إدراکه أو بلوغه فالاستشراق علم قائم بذاته یعتمد على دراسة تاریخ شعب وجغرافیة ویعتمد أیضاً على عقائده الروحیة والمینیولوجیة بالإضافة إلى ذلک یعتمد على الدراسات النفسیة لهذا الشعب أو ذاک فی «الشرق» ولا ینسى علم الاستشراق دراسة الفنون المختلفة لهذا الشعب ودراسة نظمه السیاسیة فی أطوار متعددة ولا یخفى على القارئ الکریم أن للإستشراق مدارس مختلفة فهناک المدرسة الفرنسیة والمدرسة الألمانیة والمدرسة الأسبانیة والإنکلیزیة و.... الخ.
لعل الدراسة لفرنسیة فی الاستشراق من أقدم وأعرق المدارس التی تناولت التاریخ العربی والإسلامی إذ راح المستشرقون فیها یکتبون عن هذین التاریخین ما تملیه علیهم المصادر التاریخیة المتوفرة لدیهم حیناً وتملیه علیهم ضمائرهم ونوایاهم حیناً آخر وقد لعبت الحملات الصلیبیة دوراً کبیراً فی تعریف الغربیین على المنطقة العربیة وعلى الحضارة الإسلامیة المزدهرة وقتذاک وقد زاد الاهتمام الفعلی بالدراسات الاستشراقیة من قبل الباحثین والسیاسیین الفرنسیین منذ بدایة النصف الثانی من القرن السابع عشر المیلادی حیث کان رجال الدولة من سیاسیین ورجال اقتصاد یرسلون المبعوثین والباحثین أو یقومون بتکلیف بعض المعتمدین فی القنصلیات الفرنسیة فی المشرق المنطقة العربیة اسطنبول لشراء وجمع المخطوطات العربیة والشرقیة ولم یوفروا جهداً للحصول على أیة مخطوطة فنیة یمکن الحصول علیها من الأراضی الإیرانیة الغنیة بالتراثین الفارسی والإسلامی تلک التحف والمخطوطات على الطبیعة الحیاتیة والفکریة والروحیة للإنسان العربی وللمسلم الذی یقطن فی مساحة جغرافیة لا یستهان بها أبداً لهذا السبب کان أولئک الفرنسیون خاصة رجال السیاسة والاقتصاد منهم یخططون لفتح أسواق تجاریة لهم فی هذه المنطقة من أجل الإفادة من تراثها وثرواتها وجعلها سوقاً رابحة لمصالحهم التجاریة ولا یجهل أحد الدور الذی لعبته الحملة الفرنسیة لا حقاً فی هذا المجال على العدید من البلدان العربیة حیث کانت حصیلة جمع المخطوطات أکثر من ثلاثمائة وعشرین مخطوطة وقد تم جمعها بشکل دقیق ومدروس من قبل بعض الباحثین وعلماء المشرقیات من الذین کانوا یرافقون نابلیون فی حملاته أمثال «بارادی دوفنتور» والباحث « آمیدی جوبیر».
ولکن من اللافت للآنتباه حقاً أن معظم هؤلاء المستشرقین الفرنسیین وغیرهم من الأوربیین کانوا یعتمدون فی دراساتهم عن الإسلام على مصدر ذی اتجاه محدد لا غیر فجاءت دراساتهم غیر کاملة وغیر ناضجة تماماً لأن الذی ینظر إلى الأمور بعین واحدة ستبقى نظرته ناقصة وغیر مکتملة تماماً بل ستظل رؤیته للأمور ضبابیة وکأنه ینظر إلى الأمور بواقعیته الخاصة لا کما هی فی حقیقتها أبداً فالمصدر الوحید الذی اعتمده المستشرق هو المصدر التاریخی الذی کتبه رجال السلطة وأصحاب القوة المادیة الذین تربعوا على کرسی الحکم باسم الإسلام وهم أبعد ما یکونوا عن مبادئه وأحکامه وروحانیته فتحول کرسی الخلیفة إلى عرش ملک إذاً فالتاریخ الإسلامی کتب بید السلطان أوالملک المدعی للخلافة الذی کان یغدق بالأموال على الشعراء والکتاب والمؤرخین کی یکتبوا ما یشاء من أحادیث وأحداث ذلک التاریخ الذی أغفل عمداً الجوانب الروحیة فی الرسالة الإسلامیة تلک الجوانب التی مثلها مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) خیر تمثیل وبالرغم من کل ما حدث من خلط أوراق مهمة فی التاریخ الإسلامی وتشویه لکثیر من الحقائق فیها إلا أن الإسلام الکلمة والروح بقی أقوى وأکثر إشراقاً من إسلام السیف وإیمان المظاهر الخادعة وبقیت مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) المدرسة الوحیدة التی کانت ولا تزال تمثل الحبل المتین والعروة الوثقى التی تربط أتباعها بین عالمین عالم الأرض وعالم السماء کی تحقق بذلک التوازن المادی – الروحی فی النسیج الفکری – الجسد للإنسان المسلم حقاً.
وعلى ما یبدو فإن المستشرق الفرنسی الدکتور «هنری کوربان» من القلائل الذین فهموا هذه الحقیقة عن التاریخ الإسلامی وعن الممثل الحقیقی للجانبین الفکری والروحی فی هذه العقیدة السماویة وکان أیضاً من القلائل جداً الذین کتبوا بنزاهة وجدیة عما اکتشفوا من حقائق لا تقبل الطعن عن الدین الإسلامی الحنیف.
ومن المعروف عن الدکتور کوربان أنه کان أستاذاً محاضراً فی جامعة السوربون وطهران وکان أیضاً رئیساً للمعهد الفرنسی الإیرانی وقد استغل کوربان فترة وجوده الطویلة فی إیران أفضل استغلال فاطلع على کثیر من المخطوطات والوثائق الإسلامیة وکان اتصال وثیق مع کبار رجال الفکر والدین هناک خاصة اتصاله الوثیق والصداقة التی نشأت بینه وبین العلامة السید محمد حسین الطباطبائی الذی یعتبر رائداً فی منهج البحث العقائدی الحدیث وقد بدأت قصة کوربان مع فکر أهل البیت (علیهم السلام)عندما طلب عام 1959 لقاء مع السید الطباطبائی ,صاحب تفسیر المیزان الذی بلغت شهرته الآفاق وکان طلب کوربان لقاء الطباطبائی من أجل المناقشة والحوار القائم على تقبل وجهات النظر المنطقیة ومن ثم الخروج بنتیجة مفیدة تلخص النقاط التی أراد کوربان طرحها ومناقشتها مع السید الطباطبائی.
والحقیقة أن السید الطباطبائی أنطلق فی حواره مع کوربان من تصور مؤداه أن الإسلام الأصیل وعلوم أهل البیت (علیهم السلام) لم تعرف طریقاً لها إلى العالم الغربی وهذا لأن رؤیة جمیع المستشرقین الذین أخذوها عن الإسلام والتشیع عکست بعداً أحادیاً فی أذهانهم من خلال اعتمادهم على مصادر فریق واحد وإهمالهم للفریق الآخر حیث کان من نتیجة ذلک حسب رأی الطباطبائی أن الصورة التی تشکلت لدى أولئک عن التشیع لم تزد عن کونه فرقة منشقة عن المجرى الأصلی للإسلام اختلفت مع الأکثریة على قضایا سیاسیة فی طلیعتها موقفها من الخلافة والحکم.
وقد ذکر کوربان نفسه کما یقول السید الطباطبائی أن ما جناه المستشرقون حتى الآن من معلومات عن الإسلام اقتصر على مصادر أهل السنة ولم یتجاوزها إلى غیرها أبداً بحیث لم ینفتح هؤلاء المستشرقون على غیر هذا المحیط فیما یختلف به من مصادر ورجال بل نراهم عادوا إلى مصادر أهل السنة وعلمائهم فی تشخیص المذاهب الإسلامیة المختلفة. ومن أبرز النقاط التی قادت کوربان لفهمها فی المذهب الشیعی قضیة الولایة بالأضافة إلى قضیة أخرى لا تقل أهمیة عن النقطة الأولى إنها قضیة الإمام المهدی (علیه السلام)وإیمان الشیعة الاثنی عشریة بعودته بعد ظهور عدة دلائل وإشارات بغیة إحیاء علوم وسنة جده الرسول المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم)من جدید وقد رفض کوربان منذ البدایة الانقیاد والجری وراء منطق التعصب والجهل الذی تمیزت به النظرة الاستشراقیة فیما یتعلق بالکثیر من القضایا الإسلامیة الحساسة وبشکل خاص قضیتی الولایة والإمام المهدی (علیه السلام)وقد رفض کوربان أیضاً کما یقول الأستاذ جواد علی موقف التشیع والتحامل الأعمى الذی تتعامل من خلاله بعض الاتجاهات المذهبیة الإسلامیة مع هاتین القضیتین الحساستین.
إن هذا الموقف من قبل کوربان القائم على المنطقیة والموضوعیة فی معالجة الأمور ومحاکمتها سهل عملیة التفاعل والإفادة من حواره مع العلامة الطباطبائی وقد وصف العلامة الطباطبائی عقلانیة وصفاء سریرة هنری کوربان بقوله: کان کوربان رجلاً سلیم النفس یتسم بالموضوعیة والإنصاف وغالباً ما کان یقرأ أدعیة الصحیفة المهدویة وهویبکی إن کوربان الذی درس القرآن الکریم بعمق وجاهد نفسه للوصول إلى الحقائق الإسلامیة من خلال مدرسة أهل البیت (علیهم السلام)جعلت منه إنساناً لا یخشى فی الحق لومة لائم ولیس هذا بالشیء الغریب لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا فی محکم تنزیله أن الذی یأتم بالذکر الحکیم الذی لا یعلم حق تأویله إلا هو سبحانه والراسخون فی العلم أئمة الهدى (علیهم السلام) فإن الله سیقوده إلى شاطئ الأمان (یهدی به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ویخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ویهدیهم إلى صراط مستقیم).
لقد أسفر اطلاع کوربان على مذهب أهل البیت (علیهم السلام)من خلال ما قرأ لکبار رجال هذا المذهب من السابقین ومن اللاحقین المعارضین وتأثره الشدید بتراث المیرداماد وبمؤلفات صدر المتألهین الشیرازی بالإضافة إلى حواراته مع العلامة الطباطبائی کل هذا أسفر عن نتیجة حاسمة ونهائیة توجت أبحاثه عن هذا المذهب النقی ویمکن لنا أن نورد شیئاً من هذه النتیجة معتمدین فی هذا على ما قاله کوربان نفسه عن هذا المذهب «فی عقیدتی أن التشیع هو المذهب الوحید الذی حفظ بشکل مستمر رابطة الهدایة بین الله والخلق وعلاقة الولایة حیة إلى الأبد فالیهودیة أنهت العلاقة الواقعیة بین الله والعالم الإنسانی فی شخص النبی موسى (علیه السلام)ثم لم تذعن بعدئذ بنبوة السید المسیح والنبی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) فقطعت الرابطة المذکورة والمسیحیة توقفت بالعلاقة عند المسیح علیه السلام أما أهل السنة من المسلمین فقد توقفوا بالعلاقة المذکورة عند النبی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)وباختتام النبوة به لم یعد ثمة استمرار فی رابطة العلاقة (فی مستوى الولایة) بین الخالق والخلق التشیع یبقى هو المذهب الوحید الذی آمن بختم نبوة محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)وآمن فی الوقت نفسه بالولایة وهی العلاقة التی تستکمل خط الهدایة وتسیر به بعد النبی وأبقى علیها حیة إلى الأبد». إن هذه النتیجة التی توصل إلیها کوربان تتناقص کلیاً بل تدحض بشکل کامل کل مزاعم الذین یقولون إن المذهب الشیعی الذی ینهل علومه من فکر أهل البیت (علیهم السلام)هو مذهب نشأ لا حقاً نتیجة لصراعات سیاسیة فرضتها ظروف تاریخیة خاصة بل استطاع کوربان أن یعزز النتیجة السابقة بقوله (ما تحصل لی من خلال مطالعاتی وبحوثی العلمیة کونی مستشرقاً مسیحیاً بروتستانتیا) أنه یجب النظر إلى حقائق الإسلام ومعنویاته من خلال الشیعة الذین یتحلون برؤیة واقعیة للإسلام.
وعلى الرغم من أن أغلب المستشرقین قد حاولوا نقل صورة مشوهة عن الإسلام والتشیع إلى العالم الغربی وتقدیم تلک الصورة على أساس أن الإسلام بمفاهیمه العامة والتشیع بمفاهیمه الخاصة عبارة عن بناء واه خال من الفکر والثقافة وبعید عن کل المستجدات والتطورات الحضاریة إلا أن کوربان ونفراً قلیلآ من المستشرقین کان لهم وجهة نظر مخالفة تماماً لهذه الصورة المشوهة وحاولوا جاهدین إزالة الحجب والسواتر عن الوجه الحقیقی للإسلام المضیء وإعادة وضع النقاط على الحروف فیما یتعلق بالمذهب الشیعی الذی یمثل الوجه الروحی والفکری للدین الإسلامی الذی جاء به النبی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)کرسالة سماویة خالدة هذه الرسالة التی توجه بها الرسول المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم)کما یقول المستشرق «مکسیم رودنسون» لکل البشر ولیس لأمة واحدة دون غیرها.
إن معارضة کوربان للفکرة التی نقلها المستشرقون عن الإسلام والتشیع إلى أبناء الغرب جعلت منه باحثاً متفرداً وعالماً متمیزاً فی طریقة البحث والدراسة وفی طریقة إیصال نتائج هذه الدراسات والبحوث إلى عالم الغرب المادی الذی تشرب بالأفکار الخاطئة عن دین لا یعلم عن حقیقته إلا ما نقل إلیه من صور مشوهة عنه بل ربما عرف المستشرقون الکثیر من حقائقه لکن نوایاهم وسوء سرائرهم أبت أن تتلفظ بالحقیقة الساطعة کقرص الشمس ساعة الهاجرة وهذا دعا کوربان إلى نذر نفسه وقلمه فی سبیل إعلاء کلمة الحق عند من جهل أو تجاهل هذا الحق وها هو یقول مؤکداً «من هذه الجهة بذلت جهودی على قدر ما أستطیع لتعریف العالم الغربی بمذهب التشیع على النحو الذی یلیق به ویتسق مع واقعیة هذا المذهب وسأبقى أبذل الجهود فی هذا الطریق».
وبالفعل فقد وفى الدکتور کوربان بوعده وبقی مخلصاً لمبدئه فیما یتعلق بنشر الفکر الإسلامی الشیعی المرتکز على فکر وتعالیم أهل البیت الرسول المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم)ولم ینس کوربان أیضاً الفکر العرفانی فی العمق المذهبی الشیعی بل أولاه اهتماماً کبیراً على مؤلفات المیرداماد وعلى مجموع مؤلفات صدر المتألهین الشیرازی وعلى کتابات السهروردی مؤسس حکمة الإشراق فی الإسلام وکان من حصیلة هذه الدراسات المعمقة التی قام بها کوربان أن خرج بالعدید من الکتب عن المذهب الشیعی ولعل من أبرز هذه الکتابات الکتاب الذی یحمل عنوان «عن الإسلام فی إیران – مشاهد روحیة وفلسفیة» وقد قام الأستاذ نواف الموسوی بترجمته إلى اللغة العربیة ویتوزع الکتاب المذکور على سبعة فصول وهی:
1- التشیع وإیران.
2- مفهوم التشیع الأثنى عشری.
3- معرکة التشیع الروحیة.
4- ظاهرة الکتاب المقدس.
5- فی الباطل والتأویل.
6- مبحث النبوة ومبحث الإمامة.
7- معنى الإمام للروحانیة الشیعیة.
وقد اضاف المترجم مشکوراً خاصاً عن التحقیقات والحواشی والملاحق والفهارس العامة ومن الجدیر بالذکر أن هذا الکتاب یقع فی أربعة أجزاء وتمت ترجمة الجزء الول منه فقط حتى الآن للمترجم المذکور.
ورب سائل یسأل ما هو الأثر المباشر الذی ترکه الإسلام عموماً والمذهب الشیعی خصوصاً على «هنری کوربان» بعد أن أمضى ما یقارب ثلاثة عقود من الزمن فی دراسة هذا الفکر العمیق ؟.
إن الأثر المباشر یتجلى فی مظهرین واضحین تماماً فالمظهر الأول یتجلى بتغیر النظرة المشؤمة فی العالم الغربی عن الإسلام کدین سماوی وعن المذهب الشیعی کفکر إسلامی أصیل احتل منذ بیعة الدار الصدارة الروحیة فی الساحة الإسلامیة إذ لم یعد المذهب الشیعی کما تصوره فیما مضى – ذاک المذهب الذی شق طریقاً خاصاً له بعد أن خضعت الساحة الإسلامیة لمعارک سیاسیة وحروب من أجل أمجاد ومطامع شخصیة لا علاقة لها بالولایة أو بالسیادة الروحیة المنصوص علیها شرعاً بالنص القرآنی تارة وبالأحادیث النبویة الشریفة تارة أخرى لقد استطاع کوربان إذاً أن یقلب المفاهیم الخاطئة تماماً بعد أن سادت فترة طویلة من الزمن بل صار له اتباع فی منهجه العلمی وفی بحثه العقائدی عن عالم الشرق الروحی وتراثه الفکری والعقائدی ولعل من أبرز أتباعه المعاصرین السکرتیر العام لکتلة نواب الوسط فی مجلس الشیوخ الفرنسی ومدرس مادة الاستراتیجیة فی جامعة السوربون الأستاذ «فرانسوا توال» ومن المعروف أن التشیع کان من اهتمامات «توال» الکبیرة ومن أشهر ما کتبه فی هذا المجال کتاب الذی یحمل عنوان (جیوبولیتیک التشیع) الذی تمت ترجمته إلى اللغة الفارسیة ویقول توال مؤکداً على تأثره بمعلمه الدکتور هنری کوربان منذ وقت طویل انصب اهتمامی على التشیع بعد أن اطلعت على مؤلفات هنری کوربان التی التهمتها کلها؟
ویؤکد فرانسوا توال على أن الإسلام بمفاهیمه الروحیة والعقائدیة العامة لن یتم فهمه ما لم نفهم نحن أهل الغرب المذهب الشیعی القویم ویؤکد قائلاً سیبقى هذا العالم الإسلامی غیر مفهوم منا سواء کان بشکله السیاسی أو بشکله الجیوبولیتیکی أو بشکل حوار الأدیان إذا کنا لا نعرف التشیع.
إنها نفس الفکرة التی کان یکررها ویؤکد علیها أستاذه هنری کوربان أما المظهر الثانی للتأثیر الإسلامی الشیعی على کوربان فیتجلى بشکل مباشر وشخصی تماماً فالباحث الذی یتعمق بدراسة الأبعاد الروحیة للدین الإسلامی سیعشق هذا الدین بلا شک وعندما یتعلق هذا الباحث أو ذاک بروحانیة هذا الدین وبتعالیمه الإنسانیة السمحاء فسیلجأْ إلى النبع الصافی لهذه التعالیم وسیترک ما عدا ذلک من فروع لأن الصفاء والنقاء الحقیقی سیکون فی عین النبع ومصدره الأساسی لا فی فروعه وتشعباته المختلفة فالصفاء سیکون کما کان دائماً فی مدرسة بیت الوحی فی مدرسة أهل بیت المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم)الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً لقد أدرک کوربان ذلک وهو فی خضم البحث والتنقیب عن هذه الحقائق نعم لقد مات هنری کوربان عام 1980 ولکنه کما یقول عنه «ضیاء الدین دهستری» مترجم کتاب کوربان (أرض ملکوت) بالفارسیة إن کوربان أشهر إسلامه سنة 1978 بعد أن قدم خدماته العلمیة الجلیلة للعالم الغربی وأفنى حیاته فی سبیل إعلاء ونصرة الفکر الشیعی المحتضن والمقتفى للآثار والمبادئ الفکریة الخالدة لأهل البیت المطهرین(علیهم السلام).
وهنا تحدیداً یجب علینا أن نذکر قول الله سبحانه وتعالى فی محکم تنزیله (والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا وإن الله لمع المحسنین) صدق الله العلی العظیم.
المصادر:
د. محمد المقداد تاریخ الدراسات العربیة فی فرنسا (سلسلة عالم العرفة) ص 62 تشرین الثانی 1992 / الکویت
جریدة کیهان العربی العدد 3696 السنة السادسة عشرة 6 تموز 1996 راجع الملحق 4
العلامة السید محمد حسین الطباطبائی: الشیعة نص الحوار مع المستشرق کوربان تعریب جواد علی ص 46 طبع مؤسسة أم القرى للتحقیق والنشر ط1/1416هـ.
جریدة کیهان مصدر سلبق /ملحق 4.
الشیعة نص الحوار مع المستشرق کوربان مصدر سابق ص 49.
العرب مکسیم رودنسون ترجمة , د. خلیل أحمد خلیل ص 37 دار الحقیقة بیروت ط1 1980.
الشیعة نص حوار مع المستشرق کوربان ص 48.
مجلة النور العدد 1ز9 ص 57 حزیران عام 2000 تصدر عن دار النور – لندن.