عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

ثورات ضد العبودية

جزيرة هايتي التي تقع شرق القارة الأمريكية هذه الجزيرة كانت مدة الثورة الفرنسية إحدى المستعمرات الفرنسية، فلما هبت الثورة انقسم السكان فيها إلى ملوكيين وجمهوريين، ولقن «توسان لوفيرتور» مبادئ الثورة، ووجد فيها دعوة إلى الحرية تنطوي على إلغاء الرق، فحمل راية الجمهورية في ١٧٩٤، وحرر العبيد في هايتي وقاد جيشًا منهم حارب به الملوكيين، وواصل الحرب إلى سنة ١٨٠٠ حين هزم الملوكيين، وأعلن استقلال هايتي التي أحالها جمهورية حرة للعبيد المحررين.
ولكن «نابليون» الذي نشأ على مبادئ الثورة، كان قد تنكر لها عندما وجد تاجًا وعرشًا وحاشية وبلاطًا وقصورًا وحظايا، فلم يطق ظهور دولة حرة تنهض على أنقاض مستعمرة من العبيد، ولذلك أنفذ أسطولًا وجيشًا إلى هايتي، وحارب «توسان لوفيرتور»، ثم هزمه وألقى القبض عليه وحمله إلى فرنسا.
ولم يبد «نابليون» من النذالة والخسة طيلة حياته قدر ما أبدى في معاملة هذا الإنسان العظيم «توسان لوفيرتور»، فإنه ألقى به في مطبق، وتركه للحشرات والظلام والرطوبة، حتى مات سنة ١٨٠٣!
وأعاد نابليون، وليد الثورة الكبرى، الرق إلى هايتي!
وفيما بين ١٨٠٠ و١٨٥٠ ظهر الرق في أبشع صوره وأشنع وسائله!
ذلك أن العبد كان عند العرب أو الرومان أو المصريين «شخصًا» له اسم، يعيش بين أفراد العائلة، يعمل وهو شاب أو كهل، ثم يبلغ الشيخوخة فيجد الاحترام، بل ربما كان يجد الحظوة.
وكانت للعبيد حقوق منذ أيام حمورابي (حوالي سنة ٢٠٠٠ق.م)، وكانوا يستطيعون شراء حريتهم من سادتهم.
وكان المصري أو العربي يتزوج الأمة فترتفع إلى مستواه بالحب والأمومة لأبنائه، وتحيا حياة الأحرار.
ثم عرف الأمريكيون الرق في الولايات المتحدة وسائر المستعمرات الأوروبية في القارة الجديدة، وصاروا يجلبون العبيد من أفريقيا ويستخدمونهم في زراعة القطن، فكان الأمريكي الذي يملك ألفي فدان أو ثلاثة آلاف يشتري نحو خمسين أو ستين عبدًا، لا يعرف أشخاصهم ولا يعينهم بأسمائهم، إذ كانوا قطيعًا عنده يعملون في الزراعة كما تعمل الماشية سواءً بسواء، وكانت مصلحته، ما دامت قائمة، تدفعه إلى العناية بهم، ولكن إذا سقطت هذه المصلحة، بأن صار العبد هرمًا، فإنه لا يبالي به، بل يتركه في جوعه ومرضه حتى يموت!
وتحرك الضمير البشري لهذه الحال، فألغت إنكلترا الرق في بلادها، ثم ظهر الأبرار من الأمريكيين ودعوا إلى إلغاء الرق.
وكان خلف هذا البر مصلحة اقتصادية عينت هذا الاتجاه!
ذلك أن الشماليين في الولايات المتحدة كانوا صناعيين في الأكثر، زراعيين في الأقل، وكانوا لا يستخدمون العبيد؛ لأن العبد الخادم الذي لم يتعلم ولم يتدرب لا يمكن استغلاله في مصنع آلي يحتاج إلى عمال متعلمين، كما أن الزنوج لم يكونوا على صحة تساعدهم على العيش في الأقاليم الشمالية حيث الثلج والزمهرير؛ إذ هم أبناء القارة السوداء التي لا تعرف غير الحر.
ولذلك وجد الشماليون أن الرق يجب أن يزول من الولايات المتحدة، ووجد الجنوبيون أنهم ينتفعون بالرق، ولذلك استمسكوا به.
ويجب أن ننسى هنا هذا الاختلاف في المصلحة الاقتصادية، وأن نشيد بفضل الشماليين الذين تزعمهم «أبراهام لنكولن»،
وقاد لنكولن الشماليين في حرب دامية مزقت الأرض، وحطمت المدن، وأيتمت الأبناء، وعممت الدمار، ولكنها رفعت الإنسان، بأن ألغت الرق، وأحالت العبيد بشرًا كسائر البشر. وكانت هذه الحرب في سنة ١٨٦٠،
وبإلغاء الرق ارتقى تاريخ الإنسان وسجلت له حقوق جديدة في معاني الحرية.
ولا تنس القاعدتين الآتيتين في كل ثورة:
• تحتاج كل ثورة إلى ظهور طبقة جديدة من الشعب تحتاج إلى تغيير الوضع الاقتصادي؛ لأنه لم يعد ملائمًا للمصلحة القومية أو البشرية العامة.
• تحتاج إلى الثقاب الذي يشعل الثورة.
ونجد هاتين القاعدتين واضحتين في ثورة «لوثر» الألماني سنة (١٤٨٣–١٥٤٦) على الكنيسة الكاثوليكية البابوية.
فقد كان هو نفسه كاثوليكيًّا على ولاء أمين للكنيسة الكاثوليكية، وهذه الكنيسة كانت ولا تزال، بوضعها الكنسي، عالمية، وكان هو على ضمير يقظ في الدين، يحس ضرورة الصلاح والرحمة والإخاء بين البشر؛ أي كان مسيحيًّا عميقًا في إيمانه.
كان «لوثر» يحس هذه الإحساسات الجديدة غامضة مضطربة في نفسه، ولكنها انفجرت واستضاءت عندما اشتعل الثقاب!
وذلك أن كهنة الكنيسة الكاثوليكية، في سلطتهم المطلقة، التي أدت إلى فساد مطلق، كانوا يبيعون الغفرانات؛ أي إن مرتكبي الخطايا يستطيعون أن يحصلوا على غفرانات لها، فلا يحاسبون يوم القيامة عنها، إذا أدوا مقدارًا من المال يتلاءم مع خطورة الخطيئة وقدرة الخاطئ! وكان «الكاهن» يهبط على المدينة أو القرية ويجمع ما استطاع مما يبيع من غفرانات!
ورأى «لوثر» هذا الكاهن «جون تيتزل» يهبط على مدينة «وتنبرج» ويبيع هذه الغفرانات، فثار وحض الألمان على أن لا يشتروا هذه الغفرانات، ثم أعلن عن ٩٩ نقطة يخالف فيها الكنيسة الكاثوليكية، وذلك في سنة ١٥١٧.
وكان الشعب الألماني معه في هذه الثورة، ولكن حكام الشعب كانوا ضده.
وترجم «لوثر» الكتاب المقدس من اللغة اللاتينية إلى اللغة الألمانية، وصار في مستطاع الفلاحين والكناسين والحدادين والخبازين أن يقرءوا الكتاب المقدس ويعرفوا دينهم بلغتهم، وكانوا قبل ذلك على جهل إلزامي به؛ لأنه كان مكتوبًا بغير لغتهم.
وبعد أن كان «لوثر» راهبًا جحد مجد الرهبنة وتزوج!
واستطارت هذه الثورة الدينية من ألمانيا إلى جميع الأقطار الأوروبية، وتحرر الضمير البشري من سلطة الكهنة، وكان لهذا كله صداه في حرية الفكر في ميادين أخرى غير الدين!
وانعكس هذا الصدى نفسه على الكنيسة الكاثوليكية التي رمَّت ما فسد فيها وزمت ما انفلت، وظهر فيها مصلحون عرفوا الأخطاء الماضية فأصلحوا وجددوا، وبذلك وقف تيار الثورة عليها.
ولكن يجب ألا ننخدع فنرى في «لوثر» مصلحًا ديموقراطيًّا، فإن كلمة «الديمقراطية» لم تكن قد وج

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة
تأثير التلفزيون على الأطفال
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
دعوة للتكامل مع الاحتفاظ بخصوصية الآخر
خصائص الأسرة المسلمة
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟
إصدار كتاب "كربلاء كما شاهدت
اعتصام “زينبيات صمود” ومسيرات “أنات الإنتصار” ...
الواصلية
الإمام الخميني (ره) أحيا الإسلام وبث روح المقاومة ...

 
user comment