وقال الصدوق&: >لمّا استأذنت الأمير السعيد ركن الدوّلة في زيارة مشهد الرضا× أذن لي في ذلك في رجب من سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة فلمّا انقلبت عنه ردَّني فقال لي: هذا مشهد مبارك قد زرته وسألت الله تعالى حوائج كانت في نفسي فقضاها لي فلا تقصر في الدعاء لي هناك والزيارة عنّي، فإنَّ الدعاء فيه مستجاب فضمنت ذلك له ووفيت به، فلمّا عدت من المشهد على ساكنة التحية والسلام، ودخلت إليه، قال لي: هل دعوت لنا وزرت عنّا؟ فقلت: نعم، فقال: قد أحسنت فقد صحَّ لي أنَّ الدعاء في ذلك المشهد مستجاب([8]).
وروى أبو نصر أحمد بن الحسين الضبّي وما لقيت أنصب منه وبلغ من نصبه أنّه كان يقول اللهم صلِّ على محمد فرداً وامتنع من الصلاة على آله ـ قال سمعت أبا بكر الحماميّ الفرّاء في سكّة حرب بنيسابور وكان من أصحاب الحديث يقول: أودعني بعض الناس وديعة فدفنتها، ونسيت موضعها، فلمّا أتى على ذلك مدّة جاءني صاحب الوديعة يطالبني بها فلم أعرف موضعها، وتحيّرت واتّهمني صاحب الوديعة، فخرجت من بيتي مغموماً متحيراً ورأيت جماعة من الناس يتوجّهون إلى مشهد الرضا×: فخرجت معهم إلى المشهد، وزرت ودعوت الله أن يبيّن لي موضع الوديعة.
فرأيت هناك فيما يرى النائم: كأنَّ آت أتاني فقال لي: دفنت الوديعة في موضع كذا وكذا، فرجعت إلى صاحب الوديعة، فأرشدته إلى ذلك الموضع الذي رأيته في المنام، وأنا غير مصدِّق بما رأيت، فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان فحفره واستخرج منه الوديعة بختم صاحبها، فكان الرَّجل بعد ذلك يحدِّث الناس بهذا الحديث، ويحثّهم على زيارة هذا المشهد على ساكنه التحية والسلام([9]).
وروى أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن محمّد بن الفضل التميميُّ الهرويُّ& قال: سمعت أبا الحسن بن الحسن القهستاني قال: كنت بمرو الرُّود فلقيت بها رجلاً من أهل مصر مجتازاً اسمه حمزة، فذكر أنّه خرج من مصر زائراً إلى مشهد الرضا× بطوس وأنّه لمّا دخل المشهد، كان قرب غروب الشمس فزار وصلّى ولم يكن ذلك اليوم زائراً غيره، فلمّا صلّى العتمة أراد خادم القبر أن يخرجه ويغلق الباب فسأله أن يغلق عليه الباب ويدعه في المشهد ليصلّي فيه، فإنّه جاء من بلد شاسع ولا يخرجه، وأنّه لا حاجة له في الخروج، فتركه وغلق عليه الباب وأنّه كان يصلّي وحده إلى أن أعيى فجلس ووضع رأسه على ركبتيه يستريح ساعة فلمّا رفع رأسه رأى في الجدار مواجهة وجهه رقعة عليها هذان البيتان:
من سرَّه أن يرى قبراً برؤيته |
|
يفرِّج الله عمّن زاره كربه |
فليأت ذا القبر إنَّ الله أسكنه |
|
سلالة من نبيِّ الله منتجبه |
قال: فقمت وأخذت في الصلاة إلى وقت السحر، ثمَّ جلست كجلستي الأولى ووضعت رأسي على ركبتي، فلمّا رفعت رأسي لم أر ما على الجدار شيئاً، وكان الذي أراه مكتوباً رطباً كأنّه كتب في تلك الساعة، قال: فانفلق الصبح وفتح الباب.
قال: فكنت أسمع صوتاً بالقرآن كما أقرأ فقطعت صلاتي وزرت المشهد كلّه، وطلبت نواحيه، فلم أر أحداً فعدت إلى مكاني وأخذت في القراءة من أوَّل القرآن فكنت أسمع الصوت كما أقرأ لا ينقطع، فسكتُّ هنيئة وأصغيت بأُذني فإذا الصوت من القبر فكنت أسمع مثل ما أقرأ حتى بلغت آخر سورة مريم÷ فقرأت >يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً ويساق المجرمون إلى جهنّم ورداً<([10]) حتى ختمت القرآن وختم.
فلمّا أصحبت رجعت إلى نوقان فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة فقالوا: هذا في اللفظ والمعنى مستقيم لكن لا نعرف في قراءة أحد، قال: فرجعت إلى نيسابور فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة، فقلت: من قرأ >يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً ويساق المجرمون إلى جهنّم ورداً<؟ فقال لي: من أين جئت بهذا؟ فقلت: وقع لي احتياج إلى معرفتها في أمر حدث، فقال: هذه قراءة رسول الله’ من رواية أهل البيت^ ثمَّ استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القراءة، فقصصت عليه القصّة، وصحّت لي القراءة([11]).
وروى أبو عليّ محمد بن أحمد المعاذيُّ قال: حدَّثنا أبو الحسن محمد بن أبي عبدالله الهرويُّ قال: حضر المشهد رجل من أهل بلخ ومعه مملوك له فزار هو ومملوكه الرضا× وقام الرجل عند رأسه يصلّي ومملوكه عند رجليه فلمّا فرغا من صلاتهما سجدا فأطالا سجودهما فرفع الرَّجل رأسه من السجود قبل المملوك، ودعا بالمملوك، فرفع رأسه من السجود وقال: لبّيك يا مولاي فقال له: تريد الحرِّيِّة؟ فقال: نعم، فقال: أنت حرٌّ لوجه الله تعالى ومملوكتي فلانة ببلخ حرَّة لوجه الله وقد زوَّجتها منك بكذا وكذا من الصداق، وضمنت لها ذلك عنك وضيعتي الفلانيّة وقف عليكما وعلى أولادكما وأولاد أولادكما ما تناسلوا بشهادة هذا الإمام×.
فبكى الغلام وحلف بالله عزَّ وجلَّ وبالإمام أنّه ما كان يسأل في سجوده إلاّ هذه الحاجة بعينها، وقد تعرَّفت الإجابة من الله عزَّ وجلَّ بهذه السرعة([12]).
وحدّث أبو عليّ محمد بن أحمد المعاذيُّ قال: حدثَّنا أبو النصر المؤذِّن النيسابوريُّ قال: أصابتني علّة شديدة ثقل منها لساني، فلم أقدر على الكلام فخطر ببالي أن أزور الرِّضا× وأدعو الله عنده وأجعله شفيعي إليه، حتّى يعافيني من علّتي ويطلق لساني، فركبت حماراً وقصدت المشهد وزرت الرضا× وقمت عند رأسه وصلّيت ركعتين، وسجدت وكنت في الدُّعاء والتضرُّع مستشفعاً بصاحب هذا القبر إلى الله عزَّ وجلَّ أن يعافيني من علّتي ويحلَّ عقدة لساني.
فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في المنام كأنَّ القبر قد انفرج، وخرج منه رجل كهل آدم شديد الأدمة، فدنا منّي وقال لي: يا أبا النصر قل لا إله إلا الله قال: فأومأت إليه كيف أقول ذلك ولساني منغلق فصاح عليَّ صيحة، فقال: تنكر لله قدرة؟ قل لا إله إلاّ الله قال: فانطلق لساني، فقلت: لا إله إلاّ الله، ورجعت إلى منزلي راجلاً وكنت أقول: لا إله إلا الله، وانطلق لساني ولم ينغلق بعد ذلك([13]).
10 ـ ن: حدَّثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد المعاذيُّ قال: سمعت أبا النصر المؤذِّن يقول: امتلأ السّيل يوماً سناباد وكان الوادي أعلى من المشهد فأقبل السِّيل حتّى إذا قرب من المشهد خفنا على المشهد منه فارتفع بإذن الله وقدرته عزَّ وجلَّ ووقع في قناة أعلى من الوادي، ولم يقع في المشهد منه شيء([14]).