هل يمكن لانسان ان يعيش قروناً كثيرة حيث يتجاوز عمره عمر الانسان العادي اضعاف الاضعاف ؟
ان المؤمن اذا أتينا له بدليل قرآني أو روائي فانه يسلّم بذلك ، و لكن بعض من –في قلوبهم مرض و بعض من لم يؤمن بالكتاب و السنة – يحتاج إلى دليل من نوع آخر و هو ما يطلقون عليه اسم الدليل العلمي ، و نرى لزوماً علينا من باب اكمال الحجة و البرهان ان نذكر بعض ما يطلبوه فنقول : لقد اثبت الأطباء امكانية بقاء الانسان حياً لفترة طويلة من الزمن و كمثال على ذلك فلقد اجريت بعض التجارب على بعض الحيوانات فامتد عمرها اكثر باضعاف عن عمرها الطبيعي ، والى هذا اشار الأطباء اصحاب مجلة المقتطف قائلين : " . . . العلماء الموثوق بعلمهم يقولون : ان كل الانسجة الرئيسية في جسم الحيوان يقبل البقاء الى ما لا نهاية له ، و انه بالامكان ان يبقى الانسان الوفاً من السنين اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته ، و قولهم هذا ليس مجرد ظن ، بل هو نتيجة علمية مؤيدة بالامتحان . .
و غاية ما ثبت الآن ( اي قبل 34 عاماً ) من التجارب المذكورة ان الانسان لا يموت بسبب بلوغ عمره الثمانين او مائة سنة بل لان العوارض – كالصدمات التي تحصل للانسان بسبب فقد حبيب على نفسه من مال أو أخ أو زوج أو . . . – تنتاب بعض اعضائه فتتلفها ، و لارتباط اعضائه ، بعضها ببعض تموت كلها ، فاذا استطاع العلم ان يزيل هذه العوارض ، او يمنع فعلها لم يبق مانع من استمرار الحياة مئات السنين . . . " / مجلة المقتطف المصرية من المجلد 59 ص 239-240 طبع عام 1379 هـ .
و عليه فالامكانية العلمية موجودة و مجربة و لا مانع منها سوى عدم استطاعة العلم لحد الآن ان يزيل تلك العوارض ، هذا من ناحية العلم .
و أما من ناحية الواقع العملي ، فان العمر الطويل لم يكن مستهجناً في العصور السالفة بل كان امراً عادياً طبيعياً ، و لهذا نرى الشيخ ابوعبدالله محمد بن يوسف الكنجي ( في كتابه البيان في اخبار صاحب الزمان ) يستدل على كون المهدي ابن الامام الحسن العسكري و بالتالي فهو مولود و هو لا يزال حياً حيث يقول : " من الادلة على كون المهدي حياً باقياً بعد غيبته و الى الآن ، وانه لا امتناع في بقائه : بقاء عيسى بن مريم ، و الخضر ، و الياس من اولياء الله تعالى ، و بقاء الاعور الدجال و ابليس اللعين ، من اعداء الله تعالى ، و هؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب و السنة .
اما عيسى : فالدليل على بقاءه قوله تعالى : " و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" / سورة النساء آية 159 . و لم يؤمن به مذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا أحد ، فلا بد أن يكون في آخر الزمان . . .
و أما الخضر و الياس (ع) ، فقال ابن جرير الطبري : الخضر و الياس باقيان يسيران في الأرض . . .
و اما الدجال : فقد روى مسلم في صحيحه عن ابي سعيد الخدري حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدّثنا انه قال : " يأتي ( الدجال ) و هو مُحرمٌ عليه ان يدخل عتبات المدينة ، فينتهي الى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج اليه رجل هو خير الناس . . . فيقول الدجال : ان قتلتُ هذا و احييته أتشكو في الأمر ، فيقولون لا ، فيقتله ثم يحيه ، فيقول ( المقتول) حين يحييه : و الله ما كنت فيك قط اشد بصيرةً مني الآن ، فيريد الدجال ان يقتله ، فلن يسلط عليه ، قال ابراهيم ابن سعيد : يقال ان هذا الرجل هو الخضر . . .
و اما الدليل على بقاء اللعين ابليس ، فالكتاب و هو قوله : " انك من المنظرين " .
و اما بقاء المهدي ، فقد جاء في تفسير الكتاب عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى : "لُيظهره على الدين كله و لو كره المشركون " . سورة الصف ، آية 9 .
قال هو المهدي من ولد فاطمة رضي الله عنها ، و اما من قال انه عيسى ، فلا منافات بين القولين ، اذ هو مساعد المهدي ، و قد قال مقاتل بن سليمان و من تابعه من المفسرين في تفسير قوله تعالى : " و إنه لعلمٌ للساعة " ./ سورة الزخرف ، آية 61 .
هو المهدي يكون في آخر الزمان ، و بعد خروجه تكون امارات الساعة و قيامها . / نور الابصار للسيد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي ".
و كمثال آخر ما ذهب اليه العلامة سبط ابن الجوزي حيث قال : " و في التوراة : ان ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة و ستمائة سنة ، ولد في حجر آدم و عناق امه ، و قتله موسى بن عمران ، و ابوه سيحان ، و عاش الضحاك وهو ( بيورسب ) الف سنة ، و كذلك ( طهمورث ) و اما من الانبياء فخلق كثير بلغوا الالف ، و زادوا عليها ، كآدم ، و نوح ، و شيت ، و نحوهم . . . " . / تذكرة الخواص ص 364 طبع النجف 1964 م .
و بقي ان نذكر بعض الآيات القرآنية الحاكية عن نوح عليه السلام و عن يونس عليه السلام : يقول الله تعالى : " و لقد ارسلنا نوحاً الى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً ، فأخذهم الطوفان و هم ظالمون " . /سورة العنكبوت ، آية 14 .
فهذه الأية تشير ان دعوة نوح لقومه كانت (950 ) عام ، فكم كان عمره قبل البعثة ؟ و كم عاش بعد الطوفان ؟ فعن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) بسند صحيح انه قال : " ان نوحاً عاش الفي و ثلاثمائة سنة ، منها ثمنامائة و خمسون قبل البعثة ، و الف الا خمسين مع قومه يدعوهم ، و خمسمائة بعد نزوله من السفينة " .
و يقول الله تعالى حكاية عن وضع يونس (ع) : " و لولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون " . / سورة الصافات ، آية 143 .
فيونس عليه السلام لو لم يكن من المسبحين لله تعالى و هو في جوف ذلك الحوت لبقي حياً كما قال تعالى إلى يوم البعث و هو يوم القيامة .
و عليه فان كان هذا العمر الطويل طبيعياً فلماذا نستغربه في المهدي المخلٍّص .
و فوق كل ما تقدم من دليل نقول : ان العظمة الالهية ، و القدرة التي لا يردها شيء ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، و الذي قال للنار كوني برداً و سلاماً فكانت كذلك لابراهيم (ع) و الذي نصر دينه مع قلة الناصر و كثرة العدو . . اليس بقادر ان يمد في عمر المهدي ؟ بلى ، انه لقادر على كل شيء .
و بعد هذا يتبادر السؤال عن غيبة المهدي عن امته ، ترى ما هي اسباب غيبته عنا ؟
و هذا ما سنجيب عليه في البحث القادم انشاء الله تعالى .