هل الخمس يتعلّق بمجموع ما أخرجه المعدن حتى بما صرفه في إخراجه وتصفيته، أو يتعلّق بما يبقى بعد استثناء المؤن المصروفة في سبيلهما؟
هل يكفي في تحقّق النصاب، بلوغه له قبل استثناء المؤنة، أو لا يكفي إلاّ إذا بلغه بعد استثنائه؟ فلو كان الخارج من المعدن ثلاثين ديناراً وكانت المؤنة خمس عشرة ديناراً، فعلى الأوّل يتعلّق الخمس بالباقي بعنوان المعدن، بخلافه على القول الثاني فلا يتعلّق به إلاّ بعنوان الفوائد المطلقة.
وإليك الكلام في كلتا المسألتين:
المسألة الأُولى: قال الشيخ في الخلاف: وقت وجوب الخمس في المعادن حين الأخذ، ووقت الإخراج حين التصفية والفراغ منه، ويكون المؤنة وما يلزم عليه من أصله والخمس فيما يبقى. وبه قال أبو حنيفة، والأوزاعي، وللشافعي فيه قولان ـ إلى أن قال: ـ وأمّا احتساب النفقة من أصله فعليه إجماع الفرقة.(1)
وقال يحيى بن سعيد: وما أوجب أصحابنا فيه الخمس، أُخرج من الغنم في الحال وبعد إخراج ما خرّج على المعدن.(2)
وقال المحقّق في الشرائع في المقام: ويجب فيه الخمس بعد المؤنة.(3)
وعلّق الشهيد في المسالك بقوله: إنّ أكثر الأصحاب لم يعتبروا نصاباً، بل أوجبوا الخمس في الزائد عن المؤنة.(4)
وقال المحقّق في الشرائع في آخر الفصل الأوّل: الفرع الرابع: الخمس يجب بعد المؤنة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن من حفر وسبك وغيره.(5)
وقال العلاّمة في التذكرة : يعتبر النصاب بعد المؤنة، لأنّها وصلة إلى تحصيله وطريق إلى تناوله، فكانت منهما كالشريكين; وقال الشافعي وأحمد: المؤنة على المخرج لأنّه زكاة وهو ممنوع.(6)
ويدل على الحكم المتسالم عليه أُمور:
1. إنّ الخمس ضريبة على الفوائد، وهي الباقية بعد استثنائها لا قبلها.
2. قوله ـ عليه السَّلام ـ في صحيح زرارة: «ما عالجته بمالك ففيه ـ ممّا أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى ـ الخمس».(7)
فإنّ الظاهر أنّ المراد من المصفّى هو ما يبقى بعد استثناء المؤنة، قال في الحدائق: الظاهر أنّ معنى آخر الخبر أنّ الخمس إنّما يجب فيما عولج بعد وضع مؤنة العلاج ومرجعه إلى تقديم إخراج المؤنة على الخمس، وبه صرّح جملة من الأصحاب.(8)
وأمّا تفسيره بالتصفية، فمعناه عدم تعلّق الخمس على المعدن إلاّ بعد التصفية وهو أمر شاذ، لأنّ مقتضى ذلك إلغاء الخمس في جلّ المعادل، لأنّ المخرج يباع قبل التصفية، وليس على المشتري الخمس، لأنّه لم يتملّكه بالإخراج بل بالاشتراء.
3. ما ورد في قوله ـ عليه السَّلام ـ : إنّ الخمس بعد المؤنة كما في توقيع الرضا ـ عليه السَّلام ـ وفي مكاتبة ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ الخمس أُخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟ فكتب: «بعد المؤنة».
وقد حكى محمد بن الحسن الأشعري مكاتبة بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السَّلام ـ : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤنة».
والظاهر أنّ المراد من المؤنة، هو مؤنة سنته، لا مؤنة الإخراج والتصفية، فقد وردت الفقرات التاليات:
1. الخمس بعد المؤنة 2. الخمس ممّا يفضل من مؤنته 3. إذا أمكنهم بعد مؤنتهم 4. الخمس بعد مؤنته (الرجل) ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان.
وما ورد في رواية علي بن مهزيار وعلى الصُّـنّاع فهو مصحف «الضياع» بقرينة رواية الهمداني حيث حكى مكاتبة علي بن مهزيار بقوله: «وعلى أصحاب الضياع».(9)
والجمع منصرف إلى مؤنة سنته، لكن فيما ذكرنا من المناسبة وصحيح زرارة غنى وكفاية.
وأمّا المسألة الثانية : هل يكفي البلوغ قبل الاستثناء، أو لا يكفي إلاّإذا بلغه المعدن بعد استثناء المؤن، فلولم يبلغ المصفّى ذاك الحدّ فلا يجب الخمس وإن بلغ قبل الإخراج؟
قال في المدارك: فهل يعتبر النصاب بعد المؤنة أم قبلها فيخرج منه ما بقي بعد المؤنة؟ وجهان أظهرهما الثاني. واختاره المحقّق الخوئي في تعليقته وقال: الظاهر كفاية بلوغ المخرج عشرين ديناراً قبل استثناء المؤنة وإن كان ما يجب فيه الخمس بعد استثنائها.
استدل للقول الأوّل بوجهين:
1. انّ الظاهر من صحيح البزنطي وجوب الخمس في نفس العشرين، ولو اعتبر النصاب قبل المؤنة كان متعلّق الخمس أقلّ من العشرين، وهو خلاف مفاد الصحيح.
قال الشيخ الأنصاري: وهل يعتبر النصاب قبل المؤنة أو بعدها ؟ الأقوى الثاني، إلى أن قال: لأنّ الظاهر من قوله ـ عليه السَّلام ـ : «ليس شيء فيه حتى يبلغ عشرين ديناراً» هو وجوب الخمس فيه إذا بلغ عشرين بأن يكون الخمس في نفس العشرين، ولا يتأتى ذلك إلاّ إذا اعتبر العشرون بعد المؤنة.(10)
وبعبارة أُخرى: ظاهر الصحيحة اعتبار النصاب بعد المؤنة لأنّها تدل على ثبوت الخمس في مجموع النصاب، فلو اعتبر قبل إخراج المؤنة لم يكن الخمس في مجموعه بل الباقي منه بعد المؤونة.
توضيحه : انّ قوله:«حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً» ، يحتاج إلى متمم، أعني نظير : «فإنّ فيه الخمس»،والضمير المجرور يرجع إلى نفس العشرين وظاهر أنّ في مجموع العشرين الخمس، ولو قلنا بكفاية بلوغ العشرين قبل إخراج المؤنة يكون الخمس في بعضه لما سبق من أنّه لا يتعلّق الخمس بالمؤنة، وهو خلاف ظاهر الحديث.
2. انّ الظاهر، المتبادر أنّ النصاب، نصاب للمعدن بما هو غنيمة ولا يوصف بها إلاّ بعد استثناء المؤن، فجعله معياراً قبل الاستثناء يستلزم أن يكون نصاباً أعم من أن يكون غنيمة أو لا وهو خلف.
واستدل على القول الآخر بإطلاق البلوغ في صحيح البزنطي سواء كان قبل إخراج المؤنة أو لا.
يلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ الإطلاق ـ بقرينة كون النصاب متعلّق الخمس ـ محمول على كونه نصاباً بعد الاستثناء، وإلاّ فلو كان نصاباً قبله، يلزم التغاير بين النصاب ومتعلّق الخمس.
وثانياً: إنّك عرفت عدم تعلّق الخمس بالمؤنة، فعلى هذا لابدّ من تقييد القضية به على أحد الوجهين، إمّا في جانب الموضوع بأن يقال:إذا بلغ بعد المؤنة ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً ففيه الخمس، فيكون المفاد خروج المؤنة عن متعلّق الخمس أوّلاً وعن دخالتها في تحقّق النصاب ثانياً.
أو في جانب المحمول بأن يقال: «إذا بلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً ففيه الخمس بعد المؤنة، فيكون مفاده خروجها عن تعلّق الخمس عليه لا خروجها عن دخالتها في تحقّق النصاب، ومع هذا العلم الإجمالي يسقط الإطلاق عن الحجّية وليس لنا دليل سواه، فيكون المرجع أصالة البراءة من تعلّق الخمس بعنوان المعدن إلاّ إذا بلغ حدّ النصاب بعد استثناء المؤنة.
والظاهر قوّة القول المنسوب إلى المشهور، وأنّ التفريق بين المسألتين مشكل، فالمؤنة لا يتعلّق بها الخمس أوّلاً كما هي ليست جزءاً من النصاب.
ولا يعتبر في الاخراج أن يكون دفعة، فلو أخرج دفعات و كان المجموع نصاباً وجب إخراج خمس المجموع.
هل يشترط في الإخراج أن يبلغ النصاب دفعة واحدة، فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصاباً لا يجب الخمس أو لا يشترط؟
لو شاركوا في استخراج المعدن، فهل يشترط بلوغ سهم كل مستخرج إلى النصاب، أو يكفي بلوغ سهم المجموع إليه؟
هل يشترط اتحاد جنس المخرَج، فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد وبلغ قيمة المجموع نصاباً، لا يجب إخراجه أو لا يشترط؟
وإليك بيانها واحداً بعد الآخر.
وحدة الإخراج
لا شكّ في تعلّق الخمس إذا بلغت قيمة الكمية الخارجة من المعدن في الإخراج الأوّل عشرين ديناراً، إنّما الكلام إذا بلغت أقلّ منه، فهل ينضمّ الإخراج الثاني إلى الأوّل في تشكيل النصاب أو لا؟ الظاهر هو الأوّل، لأنّ الرائج في الأزمنة السابقة بالنظر إلى الأدوات الرائجة في ذلك الزمان، هو عدم بلوغ الخارج في
وإن أخرج أقلّ من النصاب فأعرض ثمّ عاد و بلغ المجموع نصاباً فكذلك على الأحوط.
الدفعة الأُولى حدّالنصاب بخلاف اليوم فانّ المكائن الكبيرة تخرج بعمل واحد أكثر من الحدّ المزبور، وعلى ذلك فيضم الدفعات بعضها إلى بعض، هذا.
نعم اشترط كثير من المعلّقين على العروة، الوحدة العرفية في الإخراج بأن تعدّ الدفعات إخراجاً واحداً، لا إخراجين، وعلى ذلك لو وقع بين الإخراجين فصل طويل، فلا تُضمَّ الدفعات بعضها إلى بعض. هذا من غير فرق بين بقاء ما أخرجه في الدفعة الأُولى وعدمه، لأنّ الملاك كون الإخراج واحداً أو متعدداً، فلو عدّه العرف واحداً لما ضرّ بيع ما أخرجه في الدفعة الأُولى، لأنّ العملين بمنزلة العمل الواحد وانتفاء السابق لا يؤثر فيه، إلاّ أن يدّعى انصراف الأدلّة إلى صورة البقاء.
والظاهر عدم الدليل على اعتبار الوحدة العرفية في الإخراج، ولا وجه لانصراف الأدلّة إليها وإطلاق صحيحة البزنطي هو المحكّم،والميزان هو ما أخرج المعدن من قليل أوكثير، أو قوله: ما عالجته بمالك ففيه ـ ممّا أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفى ـ الخمس(11) ، وبذلك يعلم حكم الفرع التالي.
لو قلنا باعتبار الوحدة العرفية في الإخراج، هل الإعراض مضرّ بها مطلقاً كما عليه العلاّمة والشيخ الأعظم، أو فيما إذا عدّ عملاً استئنافيّاً لا إعراضاً عن الإعراض السابق كما عليه المحقّق الهمداني، أو فيما إذا كان هناك ـ مع الإعراض ـ الفصل الطويل بين الإخراجين كما عليه السيد الحكيم، أو فيما إذا لم يبق ما أخرجه في الدفعة الأُولى أوّلاً فيضم كما احتملناه في الدورة السابقة وجوه؟
قال العلاّمة في المنتهى: يعتبر النصاب فيما أخرج دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهما ترك إهمال، فلو أخرج دون النصاب وترك العمل مهمِلاً له ثمّ أخرج دون النصاب وكملا نصاباً، لم يجب عليه شيء، ولو بلغ أحدهما نصاباً أخرج خمسه ولا شيء عليه في الآخر، أمّا لو ترك العمل لا مهملاً بل للاستراحة أو لإصلاح آلة أو طلب أكل وما أشبه ذلك، فالأقرب وجوب الخمس إذا بلغ المنضم النصاب.(12)
وفصّل المحقّق الهمداني في مصباحه: بين ما إذا عدّ العود بعد الإعراض عملاً استئنافيّاً عرفاً من غير ارتباط بين الفعلين، وما إذا كان العود بمنزلة الإعراض عن إعراضه السابق فللعملان نصاب واحد.(13)
اعتبر السيّد الحكيم في تحقّق الإعراض من الإهمال مدّة طويلة بحيث يصدق تعدّد الإخراج.(14)
ويمكن أن يقال: إنّ وحدة العمل إنّما يعتبر عند عدم بقاء ما أخرجه في الدفعة، وأمّا إذا كان باقياً فيضمّ الباقي اللاحق سواء عدّ العملان إخراجاً واحداً أو إخراجين أخذاً بظاهر الصحيحة.
وعلى كلّ تقدير، فاعتبار وحدة العمل أو وحدة المعدن ليس له دليل واضح سوى بعض الاعتبارات العرفية، وعليه لا يضرّ الإعراض مطلقاً، فيضمّ الدفعات بعضاً إلى بعض.
و إذا اشترك جماعة في الإخراج ولم يبلغ حصّة كلّ واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصاباً فالظاهر وجوب خمسه.
ولكنّهم اتّفقوا على خلافه في باب الزكاة ، قال الماتن: إذا كانت الأعيان الزكويّة مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً.(15)
قال في الحدائق: لو اشترك جماعة في استخراج المعدن، اشترط بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، وظاهر النصّ العدم، وتتحقّق الشركة بالاجتماع على الحيازة والحفر.(16)
أقول: إنّ الاشتراك يتصوّر على قسمين:
الأوّل: تشارك جماعة في العمل في الحيازة والحفر، ولكن يتملّك كلّ ما استخرجه من دون أن يكون هناك شركة بين المستخرجين، فالقول بكفاية بلوغ المجموع نصاباً في إيجاب الخمس في غاية البعد، وذلك لما عرفت من أنّ متعلّق الخمس هو النصاب، ومعنى ذلك إذا ملكت النصاب فاخرج خمسه، والمفروض انّ كلّ واحد لم يملك على حدّ النصاب وما بلغ حدّالنصاب ليس ملكاً لواحد منهم فكيف يؤمر بالخمس؟
وبعبارة أُخرى: أنّ الخمس ليس ضريبة على المعدن حتى يقال: إنّ الميزان وكذا لا يعتبر اتّحاد جنس المخرج فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد و بلغ قيمة المجموع نصاباً وجب إخراجه.
هو الإخراج سواء كان لشخص واحد أو لا، بل هو ضريبة على الغنيمة التي يحوزها الإنسان من المعدن، وهذا يوجب أن يبلغ نصيب كلّ، حدّ النصاب، ويؤيد ذلك أنّ الإمام شبّه المقام بالزكاة وقال: «ما يكون في مثله الزكاة» وقد اتّفقت كلمتهم فيها على بلوغ نتاج كلّ واحد حدّ النصاب.
الثاني: تأسيس شركة لها شخصية حقوقية لها هيئة أُمناء ومدير عامل يديرها بحيث تعدّ الشركة مالكاً للمعدن، والأفراد ليس لهم دور سوى الانتفاع ، ففي مثل ذلك يمكن أن يقال: بكفاية بلوغ ما يخرج حدّ النصاب وإن كان المخرج بالنسبة إلى السهام غير بالغ حدّ النصاب، وذلك، لأنّ الشركة تعد ذاتاً شخصية حقوقية، تملك وتبيع وتشتري حسب اعتبار العقلاء، وفي مثله صحيح أن يقال: إنّ مالك النصاب هو الشركة وهي تُكلّف بإخراج خمسها.
عملية الاستخراج إمّا تنحصر بمعدن واحد أو بأكثر، وعلى الأوّل إمّا أن يكون المخرج عنصراً واحداً كالذهب فقط أو الفضّة كذلك أو متعدداً; فعلى الأوّل فالحكم واضح. وعلى الثاني فهل الملاك بلوغ كلّ عنصر نصاباً معيّناً أو كفاية بلوغ المجموع؟ الظاهر هو الثاني، لأنّ الموضوع هو «ما أخرج المعدن» أو استفادة الإنسان من المعدن، وعلى كلّ تقدير فإذا بلغ الاغتنام حدّ النصاب يجب عليه الخمس وليس الموضوع العناصر التي تخرج منها حتى يكون كلّ عنصر موضوعاً نعم لو كان هناك معادن متعدّدة اعتبر في الخارج من كلّ منها بلوغ النصاب دون المجموع، و إن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع، خصوصاً مع اتّحاد جنس المخرج منها سيّما مع تقاربها بل لا يخلو عن قوّة مع الاتّحاد والتقارب.
مستقلاً، يظهر هذا بعد الاطلاع على أنّ غالب المعادن تشتمل على عناصر مختلفة وإنّما يسمّى بالعنصر الغالب، وهذا هو معدن النفط يشتمل على عناصر مختلفة تجمعها كلمة النفط، ومعدن الذهب يشتمل على عناصر أُخرى من النحاس والحديد.
هذا كلّه إذا كانت عملية الاستخراج منحصرة بمعدن واحد; وأمّا إذا كانت المعادن متعددة ، فهي إمّا أن تكون متقاربة عرفاً، أو متباعدة ; وعلى الثاني، إمّا أن تُعدّ عرفاً معدناً واحداً، أو متعدداً; وعلى الجميع إمّا أن يكون المخرَج عنصراً واحداً، أو أكثر .
فهناك احتمالات:
1. كفاية بلوغ المجموع في جميع الصور، لأنّ الموضوع هو الاستغنام من المعدن من غير فرق بين وحدته وتعدّده وعلى فرض التعدّد كانا قريبين أو بعيدين، تعدّد جنس المخرَج أم اتّحد.
2. بلوغ كلّ من المعدنين النصاب سواء كان الخارج جنساً واحداً أم جنسين سواء تقاربا أم تباعدا، لأنّ ذلك مقتضى الانحلال وظهور القضية في كونها حقيقية بعد فرض تعدّد المعدن.
و كذا لا يعتبر استمرار التكوّن ودوامه، فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدناً.
3. ذاك القول إلاّ أنّه إذا تقاربا وكان جنس المخرج منهما واحداً.
فالحقّ عدم اعتبار الاتحاد لما عرفت من أنّه ضريبة على الانتفاع من المعدن، ودعوى انسباق الاتحاد ممنوعة ودعوى الانحلال وأنّ لكلّ معدن حكماً خاصاً أوّل الكلام.
والذي يؤيده هو كفاية بلوغ المجموع حدّ النصاب في زكاة الأنعام، يقولالسيد الطباطبائي: إذا كان ملك المالك الواحد متفرقاً ولو متباعداً يلاحظالمجموع، فإذا كان بقدر النصاب وجبت ولا يلاحظ كلّواحد على حدة.
واستقربه في الجواهر، ولكن استدرك بقوله: وإن كان الأقوى في النظر وجوبه لإطلاق الأدلّة المقتضي دخول ذلك، ولأنّ بعض المعدن ينفد أو ينهدر إلى طرف آخر من الأرض كما في المعادن السيّالة، بل يختلف قلّة أو كثرة.
وجه التفصيل، هو الأخذ بقاعدة الاشتغال، إذ في صورة اشتمال الأجزاء الباقية على الجوهر الزائد يشكّ في الخروج عن عهدة التكليف، وهو المختار لصاحب المدارك.(17)
ولكن في الجواهر: الإشكال في الإجزاءحتى فيما علم التساوي أو الاشتمال على الزيادة، قائلاً بظهور صحيح زرارة في تعلّق الخمس بعد التصفية وظهور الجوهر، بل قد يدّعى ظهور غيره في ذلك أيضاً، بل لعلّه المتعارف، ولذا صرّح الأُستاذ في كشفه بعدم الإجزاء.(18)
ومراده من صحيح زرارة قوله ـ عليه السَّلام ـ : « كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» وقال:«ما عالجته بمالك ففيه ـ ما أخرج اللّه سبحانه من حجارته مصفّى ـ الخمس»(19)
وقال الشيخ الأعظم: الظاهر أنّ أوّل وقته بعد التصفية فيما يحتاج إليها لظاهر صحيحة زرارة :«ما عالجته بمالك ففيه ـ ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى ـ الخمس».(20)
والقول بتعلّق الخمس حين التصفية خلاف الظاهر من الأصحاب، قال الشيخ: وقت وجوب الخمس في المعادن حين الأخذ ووقت الإخراج حين التصفية والفراغ منه.(21)
والقول بأنّه يتعلّق عند التصفية يلزمه عندما نقله إلى آخر ببيع أو صلح ونحوه قبل التصفية، عدم وجوب الخمس على أحدهما، أمّا على الأوّل: فلإخراجه عن ملكه قبل تعلّق الخمس به، وأمّا على الثاني: فلانتقاله إليه بسائر الأسباب غير الموجبة للخمس.(22)
وقد مرّ أنّ قوله ـ عليه السَّلام ـ : «مصفّى» يحتمل أنّ المراد منه هو وضع المؤنة واستثناؤها،لا إخراج حجارتها وترابها وجعلها جوهراً خالصاً كما تصور; ويشهد على ذلك، أنّ المعادن على قسمين: قسم يحتاج إلى التصفية، وقسم منه لا يحتاج إلى التصفية كالأحجارالكريمة وما شابهها; فيلزم التفصيل بين ما يحتاج إليالتصفية فوقت تعلّقه هو بعد التصفية، وما لا يحتاج فهو قبلها وهو ممّا ترى.
ولو فرضنا أنّ المراد من «مصفّى» هو التصفية، فالمراد أنّه يدفع الخمس من خالصه لا من الخليط لا أنّ وقت تعلّقه هو وقت التصفية، وهو ظاهر عند التأمّل.
إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء، فإن علم أنّه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما، أو علم أنّ المخرج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط إذا بلغ النصاب، بل الأحوط ذلك و إن شكّ في أنّ الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا.
يقع الكلام في مقامين:
الأوّل: ما إذا كان عامل الإخراج غير صالح للتملك، كالزلزال والسيل والأعصار.
الثاني: ما إذا كان عامل الإخراج له قابلية التملك.
أمّا المقام الأوّل، فله صور:
ألف. لو وجده مطروحاً ولم يأخذه وقد مرّ عليه.
ب. إذا أخذه بقصد التملّك.
ج. إذا أخذه لا بقصد التملّك، بل بقصد التصرّف والاقتناء والانتفاع.
د. إذا أخذه بقصد الرؤية ثمّ وضعه مكانه.
لا شكّ في عدم وجوب الخمس في الوجه الأوّل، لعدم تحقّق الاستيلاء بوجه من الوجوه:
إنّما الكلام في الوجه الثاني، أي إذا أخذه بقصد التملّك فلا شكّ أنّه يتملّكه بالحيازة، ولكن يقع الكلام في وجوب الخمس عليه من باب خمس المعدن وعدمه.
والمسألة مبنية على بيان ما هو الموضوع لوجوب الخمس، فهل الموضوع ما استخرجه من معدنه، أو أنّ الموضوع ما استولى عليه بعد خروجه منه؟
ذهب المحقّق الأردبيلي وتبعه المحقّق الخوئي إلى اعتبار الإخراج في تعلّق الخمس.
فقال الأوّل عند البحث عن العنبر المأخوذ من الماء: إنّ المتبادر من الأدلّة من استخرج من معدنه لا مثل ذلك إلاّ أن يكون معدن العنبر وجه الماء.(23)
وقال الثاني: إنّ المعدن في اللغة منبت الجوهر إلاّ أنّ في إسناد الخمس إليه تجوّزاً فيراد به ما يخرج منه تسمية للحال باسم المحلّ بعد وضوح عدم تخميس نفس المنبت، فخصوصية الإخراج وإفصال الحالّ عن محلّه ملحوظة في هذا الإطلاق.(24)
أقول: الظاهر عدم شرطية التملّك عن طريق الإخراج، بل يكفي الاستيلاء على ما أخرج، وذلك لأنّ لسان الأدلّة على قسمين:
قسم علّق الخمس على نفس المعدن، قال: سألته عن معادن الذهب والفضة، قال: «عليها الخمس».(25)
وقسم آخر علّق الخمس فيه على «ما يخرج» أو «فيما يخرج» أو «عمّا أخرج المعدن».(26)
وبما أنّ المعدن مالم يخرج عن منبته لا يتعلّق به الخمس، فالموضوع هو ما جاء في النصوص الأخيرة، والعناية فيها على المخرَج لا على المستخرج، فسواء استولى على ما أخرجه بنفسه أو استولى على ما أخرجه غيره.
والذي يدل على ذلك وجوب تعلّق الخمس إذا أخرجه الفضولي أو الغاصب بعد استيلاء المالك على ما أخرجاه، أضف إلى ذلك أنّ مناسبة الحكم والموضوع يقتضي إلغاء شرطية الإخراج، لأنّ الخمس ضريبة على الأموال التي خلقها اللّه تعالى تحت الأرض، فإذا اغتنمها الإنسان فعليه الخمس، فالموضوع هو الاغتنام والإخراج طريق غالبي لا دائمي.
وقد فصّل المحقّق الهمداني بين ما استخرجه الفضولي أو الغاصب أو الجاهل بزعم أنّ الأرض ملكه ثمّ انكشف الخلاف، فالخمس على المالك بعد الاستيلاء; وبين ما أخرجه السيل والزلزال وطرحه في مكان آخر فلا يجب الخمس.(27)
يلاحظ عليه: أنّ التفريق بلا وجه، فإنّ الموضوع لوجوب الخمس أحد أمرين، إمّا استناد الإخراج إلى الدافع مباشرة أو تسبيباً أو الاستيلاء على ما أخرج.
فعلى الأوّل لا يجب الخمس في جميع الأقسام، وعلى الثاني يجب في جميعها فالتفريق بلا وجه.
هذا كلّه في الصورة الثانية، وأمّا الصورة الثالثة أي الأخذ للتصرف والاقتناء لا للتملّك أو الأخذ للرؤية ثمّ طرحه في مكانه، فالظاهر وجوب الخمس عليه من باب أداء مال الغير إليه. فانّ خمس المطروح لأصحابه وقد استولى عليه إمّا بقصدالاقتناء أو بقصد الرؤية فخوطب بأداء مال الغير إلى الغير، فيجب عليه دفع الخمس، وله اغتنام أربعة أخماس أيضاً.
هذا كلّه في المقام الأوّل.
وأمّا المقام الثاني، وهو ما إذا كان عامل الإخراج صالحاً للتملّك، فله صور خمس:
ألف. إذا حفر الأرض بقصد إخراج الماء ثمّ ظهر المعدن فأخرجه بلا قصد الحيازة وطرحه في الصحراء.
ب. إذا قصد إخراج المعدن فحازه وتملّكه ثمّ طرحه في الصحراء معرضاً عنه.
ج. تلك الصورة، ولكنّه حمله معه ثمّ ضاع في الطريق.
د. تلك الصورة، ولكنّه وضعه في نقطة معينة ليرجع إليه فيما بعد ولكن لم يتمكّن من الرجوع.
هـ. إذا حاز في الصحراء على قطعة من المعدن ولم يعلم قصد المخرج بوجه من الوجوه، وهذا هو مورد نظر الماتن.
فلنذكر حكم جميع الصور:
أمّا الأُولى فيجب عليه الخمس بالحيازة، وقد علمت عدم شرطية الإخراج، فعليه دفع الخمس وتملّك أربعة أخماس.
ومنه يظهر حكم الصورة الثانية على القول بأنّ الإعراض يخرج الشيء عن الملكيّة.
وأمّا الصورتان الثالثة والرابعة فعليه إخراج الخمس، وأمّا أربعة أخماسه فهي لقطة على الصورة الثالثة ومجهول المالك على الصورة الرابعة.
ا لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها، و إذا أخرجه غيره لم يملكه، بل يكون المخرج لصاحب الأرض وعليه الخمس من دون استثناء المؤنة لأنّه لم يصرف عليه مؤنة.
وأمّا الصورة الخامسة فيجب دفع الخمس إذا علم بعدم دفعه أو شكّ لما عرفت من وجوب إيصال المال المضمون إلى صاحبه.
إنّما الكلام في جواز تملّك الأربعة أخماس، لأنّها مردّدة بين كونها قابلة للحيازة كما إذا كان المخرج عاملاً قسرياً أو إنساناً غير قاصد للحيازة أو معرضاً عن الملكية، وبين كونه لإنسان مالك لها مردّد بين اللقطة وغيرها.
فقد ذهب السيد الخوئي إلى جواز التملّك لاستصحاب عدم سبق اليد عليه.
ولكن الظاهر عدم الجواز، لأنّ طبع المال يقتضي الحرمة والحلّية بحاجة إلى ذلك فلو أمكن حفظه فهو، وإلاّ فيتصرّف فيه بإذن المالك بنيّة ردّ القيمة إذا وجد صاحبها.
المسألة تشير إلى أمرين:
الأوّل: أنّ المعدن ملك لمالك الأرض بتبعها.
الثاني: أنّه لو استخرجه غيره لم يملكه، وإنّما المُخرَج للمالك وعليه الخمس بلا استثناء مؤنة، وهو متفرّع على الأمر الأوّل، ولو ثبت لثبت، إنّما الكلام في أنّ الإنسان يملك المعدن بتبع الأرض، أو أنّه من الأنفال من غير فرق بين كونه في الموات أو في المعمورة، أو أنّه من المباحات الأصلية، أو التفصيل بين المركوز في الأنفال فمنها، والمركوز في المعمورة حال الفتح فللمسلمين.
والتفصيل موكول إلى كتاب إحياء الموات، ويظهر من قول الشهيد في المسالك أنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة، وإليك عبارتها ممزوجة مع عبارة المحقّق:
1. ومن فقهائنا من يقول باختصاص المعادن ظاهرها وباطنها بالإمام، وهو المفيد وسلاّر مفوِّضاً الإصابة فيها على إذنه مع حضوره لا مع غيبته.
2. وقيل يختصّ بما كان في أرضه كالموات لا ما كان في المحياة، لأنّه يلزم من ملكها ملك ما فيها.
3. وأكثر الأصحاب على أنّ المعادن للناس شرّع عملاً بالأصل مع ضعف المخرِج عنه، وهذا هو الأقوى.
وحصيلة الأقوال:
1. المعدن كلّه ظاهره وباطنه للإمام ـ عليه السَّلام ـ ، ولا يملكه الإنسان إلاّ بإذنه في حضوره وبإذن الفقيه في غيبته على القول بسعة ولايته، وهذا خيرة المفيد .
قال المفيد: الأنفال: كلّ أرض فتحت من غير أن يوجف عليها ـ إلى أن قال : ـ و الآجام والبحار والمفاوز والمعادن وقطائع الملوك... وليس لأحد أن يعمل في شيء ممّا عددناه من الأنفال إلاّ بإذن الإمام العادل، فمن عمل فيها بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها، وللإمام ـ عليه السَّلام ـ الخمس، ومن عمل بغير إذنه، فحكمه حكم العامل فيما لا يملكه بغير إذن المالك من سائر المملوكات.(28)
قال سلاّر في المراسم: والأنفال له أيضاً خاصة ـ إلى أن قال ـ: والأرض الموات وميراث الحربي، والآجام والمفاوز والمعادن والقطائع، وليس لأحد أن يتصرّف في شيء من ذلك إلاّ بإذنه، فمن تصرّف فيه بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها وللإمام ـ عليه السَّلام ـ الخمس.(29)
2. إنّها من المباحات الأصلية العامة التي فيها الناس شرع، قال العلاّمة في القواعد: والأقرب اشتراك المسلمين فيها.
وقال الشهيد في الدروس: المتأخّرون على أنّ المعادن للناس شرع، إمّا لأصالة الإباحة، وإمّا لطعنهم في أنّ الموات للإمام ـ عليه السَّلام ـ ، وإمّا لاعترافهم به وتخصيص المعادن بالخروج عن ملكه، والكل ضعيف.(30)
ويترتّب على القولين ثمرة فقهية، وهي: أنّه يجوز للإمام ـ عليه السَّلام ـ إقطاع المعادن على الأوّل، إذ هي للإمام ـ عليه السَّلام ـ فله إقطاعها، بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المسلمين مشتركون، إذ لا يجوز منع بعضهم عن حقّه.
وقد حكي هذا القول، وعدم جواز الإقطاع، الملازم لعدم كونه من الأنفال، واشتراك الناس فيها ،عن عدّة كتب، كالمبسوط والمهذّب والسرائر وجامع الشرائع والتذكرة والتحرير والإيضاح والقواعد والدروس واللمعة وجامع المقاصد والمسالك والروضة، وهو ظاهر الوسيلة، والإرشاد، بل قد يظهر من المبسوط والسرائر، نفي الخلاف عن ذلك فإنّ فيهما : ليس للسلطان أن يقطع مشارع الماء بلا خلاف، وكذا المعادن الظاهرة.
وقد صرّح ـ بأنّ الناس فيها شرع سواء ـ في المبسوط والمهذّب والوسيلة والسرائر وجامع الشرائع، واللمعة في موضعين منها، وجامع المقاصد والمسالك والقواعد، وهو ظاهر الشرائع والتذكرة، ونفى عنه البعد في الكفاية، وفي الدروس نسبته إلى المتأخرين، وفي جامع المقاصد أنّه المشهور بين المتأخرين، وفي الكفاية أنّه المشهور، وفي المسالك والكفاية والمفاتيح أنّه مذهب الأكثر، ولعلّ مستندهم عموم (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَميعاً)(31) وأنّ فيه زيادة مشقّة بالتوقّف في الأخذ منها على إذنه ـ عليه السَّلام ـ إذا كان ظاهراً، وأنّه لا دليل على الاختصاص.
3. التفصيل بين معادن الموات فهو للإمام ومعادن المفتوحة عنوة فهي للمسلمين تبعاً للأرض، فالموات للإمام ومعادنه له; والمفتوحة عنوة للمسلمين، فالمعادن لهم. استحسنه في الروضة، وهو الذي حكاه في الإيضاح عن السرائر.
ويظهر من المحقّق صحّة هذا التفصيل، حيث قال في نقد القول الأوّل:إن كان يريد به أنّ ما يكون في الأرض المختصّة (الأنفال) أمكن، أمّا ما يكون في أرض لا تختص بالإمام ـ عليه السَّلام ـ ، فالوجه أنّها لا تختصّ به، لأنّها أموال مباحة تستحق بالسبق إليها والإخراج بها. والقائل بالقول الأوّل يطالب بدليل ما أطلقه.(32)
ومقتضى هذه الأقوال أن تكون المعادن كلّها للإمام ـ عليه السَّلام ـ أو للمسلمين، أو التفصيل بين ما في ملكه ـ عليه السَّلام ـ فهو له، وما في غيره للمسلمين، وأمّا المعادن المركوزة في الملك الشخصي فهي له وليس لأحد التعدي عليها، ولو لم يستلزم تصرّفاً في ملكه، كما إذا استولى عليه من طريق النقب، ولكن لابدّ من تقييده بما تعدّ من توابعها عرفاً وأمّا الخارج عنها فلا يملك، كالمعادن المركوزة في عمق مائة متر أو أزيد، فلو استولى عليه غير المالك، فلا يملكه مالك الأرض لخروجه عن التبعية، من غير فرق بين كون الاستيلاء عن طريق النقب أو الحفر في أرض المالك. إذا عرفت هذا فالأولى عطف عنان الكلام لبيان حال الأقوال السابقة فنقول:
أدلّة القول بأنّها من الأنفال
استدل على القول بأنّ المعادن ظاهرها وباطنها من الأنفال، فلا تستخرج إلاّ بإذن الإمام ـ عليه السَّلام ـ أو الحاكم العادل، إلاّ ما جرت السنّة على استخراجه بلا إذن، كما إذا كانت الأرض مالحة بظاهرها، بروايات:
الأُولى: ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن إسحاق بن عمّار، ونذكر الرواية على مقاطع ثلاثة:
قال: سألت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ عن الأنفال فقال:
1. هي القرى التي خربت وانجلى أهلها، فهي للّه وللرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، وما كان للملوك فهو للإمام ـ عليه السَّلام ـ .
2. وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها.
3. و من مات وليس له مولى فماله من الأنفال.(33)
أمّا فقه الحديث فقد اشتمل على فقرتين :
الأُولى: هي القرى التي قد خربت وانجلى عنها أهلها فهي للّه وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام.
فقوله: «هي» مبتدأ، وما يليه أعني: «القرى التي خربت وانجلى أهلها...» خبره، وقوله: «فهي للّه وللرسول» كالنتيجة للجملة، أي إذا كانت القرى بهذا الوصف من الأنفال فهي ملك للّه والرسول.
كما أنّ الجملة الثانية أعني قوله: «وما كان للملوك فهو للإمام»، جملة تامّة كالجملة السابقة.
إنّما الكلام في المقطع الثاني أعني : «و ما كان من الأرض...» فالموصول أعني: «وما كان» مبتدأ عطف عليه أمران، أعني:
1. وكلّ أرض لا ربّ لها.
2. والمعادن.
وخبر الجميع قوله:«منها» وكأنّه قال:
«ما كان من الأرض... وكلّ أرض...والمعادن، من الأنفال» فيدلّ على أنّ المعادن من الأنفال.
وما ربّما يقال: من أنّه لو كان الضمير راجعاً إلى الأنفال لكان المناسب أن يصرح بالمرجع ويقول: من الأنفال، لا أن يضمر، بشهادة أنّه صرّح في آخر المقطع وقال: «فماله من الأنفال»، مدفوع، بأنّ المتكلّم ليس في مقام إلقاء الخطابة، بل يجري في كلامه كجريه في سائر المقامات . مضافاً إلى أنّ احتمال كون الرواية منقولة بالمعنى لا بعين اللفظ.
وهناك احتمال آخر وهو: أنّ ضمير«منها» من متعلّقات المعادن، والضمير يرجع إلى الأرض التي لا ربّ لها، فتكون النتيجة : المعادن المتّخذة من أرض لا ربّ لها، من الأنفال لا كلّ معادن، كالمتخذة من المفتوحة عنوة، أو من الملكالشخصي، والخبر محذوف بقرينة ما سبق «أي فهي للّه وللرسول أو فهي للإمام».
ويؤيده ما في بعض النسخ من لفظة «فيها» مكان «منها» كما نقل المحقّق الهمداني.
الثانية: روى العياشي مرسلاً، عن أبي بصير، قال: قال ـ عليه السَّلام ـ : «لنا الأنفال»،
قلت:وما الأنفال؟ قال: «منها المعادن والآجام...».
الثالثة: روى العياشي أيضاً ، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ في حديث قال: قلت: وما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن...».(34)
الرابعة : روى في المستدرك، عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ أنّه قال: «ولنا الصفي» ـ إلى أن قال :ـ قلت له: وما الأنفال؟ قال: «المعادن منها والآجام وكلّ أرض لا ربّ لها».(35)
ولعلّ هذا القول أوضح، ويؤيد ذلك جريان السيرة في الحكومات على عدّها من الأموال العامة التي تتولاّها الحكومات ولا يجعلونها فريسة لكل شحيح وطعمة لكلّ طامع.
نعم لا يمكن إنكار جريان السيرة في المعادن الموجودة في الأملاك الشخصية على تبعيتها للملك إذا كان على وجه يصحّ عدّها جزء منه، كالمعادن الواقعة في عدة أمتار، وأمّا المعادن الواقعة في أعماق الأرض التي لا تعدّ جزءاً من الملك ولا تبعاً له فليست السيرة ثابتة ولا معقولة حسب ما يشير إليه قوله سبحانه:(لِكَي لا يَكونَ دولَةً بَيْنَ الأَغْنياء) .(36)
وأمّا نصوص الفقهاء من أنّ المعدن الواقع في الأملاك الشخصية تابع لها فمنصرفة إلى الوجه المتعارف الذي تصح عند العرف عدّ الشخص مالكاً له، لا الواقعة في أغوار الأرض وأبعادها.
المصادر :
1- الخلاف:2/118، كتاب الزكاة، المسألة 140.
2- الجامع للشرائع: 149.
3- الشرائع :1/179.
4- المسالك:1/459.
5- الشرائع:1/181.
6- التذكرة:5/427.
7- الوسائل:ج6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
8- الحدائق:12/329.
9- الوسائل: ج6، الباب 8و12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1و2و3و4
10- المدارك:5/392. الخمس:127.
11- الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.و3
12- المنتهى:1/549.
13- مصباح الفقيه:14/35.
14- مستمسك العروة الوثقى:9/460.
15- العروة الوثقى، كتاب الزكاة، المسألة 7.
16- الحدائق:12/331.
17- مدارك الأحكام:5/368.
18- الجواهر:16/21.
19- الوسائل:ج6،الباب 3، من أبواب مايجب فيه الخمس، الحديث 3.
20- كتاب الخمس:36.
21- الخلاف:2/118، كتاب الزكاة، المسألة 140.
22- مصباح الفقيه:14/ 38.
23- مجمع الفائدة والبرهان:4/36.
24- مستند العروة الوثقى: 55، كتاب الخمس.
25- الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1و2و3.
26- الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5و6، والباب 4 ، الحديث 1.
27- مصباح الفقيه:14/ 36ـ 37، كتاب الخمس.
28- المقنعة: 45.
29- المراسم: 140،طبع بيروت.
30- مفتاح الكرامة:7/41. و30 عند البحث عن إقطاع الإمام المعادن.
31- البقرة: 29.
32- مفتاح الكرامة: 7/29.
33- الوسائل: ج6، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 20.
34- الوسائل: ج6، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 28و 32.
35- المستدرك: 7/295، كتاب الخمس، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 1.
36- الحشر :7.