عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

أساليب الإمام(ع) في محاربة الفقر-2

3 ـ رعاية الفقراء والمحتاجين

الفقر والحرمان من المفردات التي لا يخلو منها عصر، وفي زمن الإمام(ع) بذل عناية خاصة للفقراء والمحتاجين، فأوصى بهم في رعاية حقّهم وتفقد أحوالهم، وجعل لهم قسماً من موارد الدولة. جاء في عهده لمالك الأشتر النخعي:  «ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزّمنى، فإنّ في هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً، واحفظ لله ما استحفظك من حقّه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلّات صوافي الإسلام في كلّ بلد، فإنَّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلّ قد استرعيتَ حقّه. فلا يشغلنّك عنهم بطرٌ، فإنّك لا تُعذر بتضييعك التّافه لأحكامك الكثير المُهمّ. فلا تُشخِص همّك عنهم، ولا تُصعِّر خدّك لهم، وتفقّد  اُمور من لا يصلُ إليك منهم ممّن تقتحمه العيون، وتحقّره الرّجال»([1]).

إنّ رعاية الإمام(ع) للفقراء تتجاوز الإنفاق المالي عليهم، الى حفظ كرامتهم وإعزازهم بالإقبال عليهم، وتفقّد أحوالهم، والعطف إليهم عطف احترام لا استرحام ، وذلك أحد حقوقهم.

إنّ أمر رعاية الفقراء والمحتاجين لا يقتصر على المسلمين فقط؛ بل جميع الناس بغضّ النظر عن هويتهم وانتمائهم؛ «عن محمّد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين(ع) قال: مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين(ع): ما هذا؟  فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني قال: فقال أمير المؤمنين(ع) : استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال»([2]).

هذا الإنفاق على الفقير لا يعني أن الإمام(ع) قد أعطى الرجل النصراني جرعة أو دواءً مؤقتاً بالإنفاق عليه؛ وإنّما يريد أن يقول أن هذا الرجل يمتلك حقوق، وعلينا تمكينه ومساعدته حتى يعيشى بين الناس كالأسوياء، والدولة تقوم بهذا الواجب، وتضمن له مصدر عيشه بكرامة.

وهو القائل للناس:  «فأما حقّكم عليَّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم»([3]) . أي أنه يوفّر لهم الإمكانات التي تساعدهم على العمل والانتاج من خلال رأس المال الذي في عهدة الدولة.

ففي هذا المطلب يظهر أن الإمام قد أولى الفقراء والمحتاجين رعايتهم واهتمّ بشؤونهم.

 

4 ـ الجد والعمل

لقد كفل الله الرزق لعباده: { وَمَا مِن دَابَّة فِي الْأَرْضِ إِلاَ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا }([4])،  وقال سبحانه : { وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَمَا  تُوعَدُونَ }([5]). وقدّر الباري تعالى الأرزاق بعدله وحكمته فجعل لكلّ منهم نصيباً مما اكتسب، فقال(ع): «وقدّر الأرزاق فكثّرها وقلّلها، وقسّمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبلتي مَن أراد، بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيّها وفقيرها»([6]).

من خلال الآيات والحديث يمكن التعرّف على نكتة ظريفة في المقام، وهي أن هناك فرق بين الرزق الذي تكفّل به الله تعالى، وبين العمل الذي يقوم به الإنسان. فالرزق بسطه الله في الأرض، ولكن على الإنسان السعي والعمل لاستخراجه والاستفادة منه بشكل صحيح ومناسب.

الحديث الصادر عن الإمام(ع) :  «قد تكفل لكم بالرزق وأمرتم بالعمل»([7]). هذا الحديث فيه دلالة واضحة الى ما أشرنا آنفاً من أن الرزق مكفول ومضمون، وعلى الإنسان العمل للحصول عليه.

كثير ما كان يكرّر الإمام(ع) : «العمل العمل. ([8])  سواءً کان دنيوياً أو اُخروياً وهو يقول ويعمل، فهو القائل : «اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه»([9]) . 

وقد عُرِف عنه(ع) أنه ما إن يفرغ من عمل حتى يلج في عمل آخر دأباً متوالياً، وبهذا الصدد ورد: إنّه لمّا كان يفرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم الناس، والقضاء بينهم، فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حايط له يعمل فيه بيده وهو مع ذلك ذاكراً لله جلّ جلاله.

إنّ هذا الجد المتجدّد وراءه روح سامية مدركة تمام الإدراك أن الحياة لها وجهان دنيوي واُخروي وهو يعمل في دنياه لآخرته، ولذا تجده في أثناء العمل في بستانه قد إلتاط قلبه بذكر الآخرة، وردّد ذلك على لسانه.

روي عن الإمام الصادق(ع) قوله: «كان أمير المؤمنين(ع) يضرب بالمَر ويستخرج الأرضين، وأعتق ألف مملوك من ماله وكد يده»([10]).

قال بن دأب: فكان يحمل ـ أمير المؤمنين ـ الوسق فيه ثلاثمائة ألف نواة، فيقال له: ما هذا؟ فيقول : «ثلاثمائة نخلة إن شاء الله؛ فيغرس النوى كلّها»([11])، ويحذر فوتها، ويترقّب قدومها بشوق لأنه جُبِلَ على ذلك واستراحت نفسه إليه.

ونستطيع أن نشير الى ملاحظة مهمّة تتعلّق بالعمل ذكرها أمير المؤمنين(ع) وهي أن يكون العمل وفقاً للاستعداد الذي يمتلكه الشخص وقابليته الجسمية والفكرية، فيأخذ من الدنيا بحسب خصائصه وتخصّصه الذي فيه يمتاز. ويتولّى عمّا لا يوافق أهليته؛ وإلّا فإن الكسب واللهاث وراء كل كسب ربّما أضاع على الآخرين حقوقهم في امتلاك فرص العمل، فقد نقل عنه(ع):   «خُذ من الدنيا ما أتاك وتولّ عمّا تولّى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب»([12]).

والإمام حثّ الناس على مشاركة مَن أقبل عليه الرزق وتأسيس علاقة معه؛ لأن ذلك مدعاة لسريان الرزق، وانفتاح أبوابه، فقال(ع): «شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزق، فإنّه أخلق للغنى، وأجدرُ بإقبال الحظِّ عليه»([13]).

فالإمام دعا الى العمل وبادر إليه للخروج من نفق الفقر.



([1])  المصدر نفسه: الكتاب 53..

([2]) تهذيب الأحكام : ج6 ص292.

([3]) نهج البلاغة : الخطبة 34.

([4])سورة هود: الآية 6.

([5])سورة الذاريات: الآية 22.

([6])نهج البلاغة: الخطبة 91.

([7])نهج البلاغة: الخطبة 114.

([8])المصدر نفسه: الخطبة 176.

([9])الإرشاد : ج1 ص303.

([10]) نهج السعادة: ج8 ص448.

([11])الاختصاص : ص158.

([12])نهج البلاغة: الحكمة 393.

([13]) نهج البلاغة: الحكمة 230.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مقام علي الأكبر (ع) في كلمات الأئمة (عليهم السلام)
وقفوهم إنهم مسئولون
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...

 
user comment