حدثت تطورات علی الاراضي العربية واحداث ونهضات فكان لهذه النهضات تأثير كبير في اللغة العربية فتكاثرت ألفاظها ومشتقاتها، فلما جمعوا اللغة بلغت صِيَغ أبنية الأسماء فقط بضع مئات، ثم صارت بعد ذلك ببضعة قرون ألفًا ومائتين وعشرة أمثلة، ناهيك بما دخلها من الألفاظ الغريبة وما اقتبسه من التراكيب الأجنبية، ولكن أكثره ضاع فيها وتنوع شكله ولم يَعُدْ يتميَّز أصله.
على أننا نستدل على تكاثر الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية بخلو أخواتها من أمثال تلك الألفاظ، فإذا رأينا لفظًا في العربية لم نرَ له شبيهًا في العبرانية أو الكلدانية أو الحبشية ترجَّح عندنا أنه دخيل فيها. وأكثر ما يكون ذلك في أسماء العقاقير أو الأدوات أو المصنوعات أو المعادن أو نحوها، مما يُحمَل إلى بلاد العرب من بلاد الفرس أو الروم أو الهند أو غيرها ولم يكن للعرب معرفة به من قبل، أو في أسماء بعض المصطلحات الدينية أو الأدبية، وأكثر ذلك منقول عن العبرانية أو الحبشية لأن اليهود والأحباش من أهل الكتاب.
ويقال بالإجمال إن العرب اقتبسوا من لغة الفرس أكثر مما اقتبسوا من سواها، ولذلك رأينا أئمة اللغة إذا أشكل عليهم أصل بعض الألفاظ الأعجمية عدُّوها فارسية.
ومن أمثلة ما ذكره صاحب «المُزهِر» من الألفاظ الفارسية: «الكوز، الجرة، الإبريق، الطشت، الخوان، الطبق، القصعة، السُّكُرُّجة، السَّمُّور، السنجاب، القَاقُم، الفَنَك، الدَّلَق، الخز، الديباج، التَّاخُتْج، السندس، الياقوت، الفيروزج، البِلَّوْر، الكعك، الدَّرْمَك، الجَرْدق، السَّمِيذ، السِّكْباج، الزيرباج، الإسفِيذاج، الطَّبَاهِج، الفالُوذَج، اللَّوْزِينَجُ، الجَوْزِينَج، النَّفْرِينَج، الجُلَّاب، السَّكَنْجُبِين، الجَلَنْجُبِين، الدَّارَصِيني، الفلفل، الكراويا، الزنجبيل، الخُولِنْجان، القرفة، النرجس، البنفسج، النسرين، الخِيرِي، السوسن، المَرْزَنجوش، الياسمين، الجُلَّنار، المسك، العنبر، الكافور، الصندل، القرنفل.» ا.ﻫ. وعندنا أن بعض هذه الألفاظ غير فارسي كما سترى.
ومما اقتبسوه من اليونانية واللاتينية: الفردوس، والقسطاس، والبطاقة، والقَرَسْطون، والقبان، والأصطرلاب، والقسطل، والقنطار، والبطريق، والترياق، والقنطرة، وغيرها كثير.
وأما ما نقلوه عن الحبشية فأكثره لا يدل على أصله لتغير شكله ولأن الحبشية والعربية أختان تتشابه الألفاظ فيهما، والمشهور عند علماء العربية من الألفاظ المقتبسة من الحبشية ثلاثة: كفلين، والمشكاة، والهرج. لكننا لا نشك في أنهم اقتبسوا كثيرًا غيرها وخاصة ما يتعلَّق منها بالاصطلاحات الدينية، من ذلك قولهم «المنبر» وهو عند العرب «مكان مرتفع في الجامع أو الكنيسة يقف فيه الخطيب أو الواعظ»، وقد شقَّه صاحب «القاموس» من «نبر» أي ارتفع وفي ذلك الاشتقاق تكلُّف، وعندنا أنه مُعرَّب «ومبر» في الحبشية أي كرسي أو مجلس أو عرش.
ومن هذا القبيل لفظ «النفاق» وهو عند العرب «ستر الكفر في القلب وإظهار الإيمان»، وقد شقُّوه من «نفق» راج أو رغب فيه، وليس بين المعنيَين تناسب، واضطُرُّوا لتعليله إلى استعارة خروج اليربوع من نافقائه فقالوا: «ومنه اشتقاق المنافق في الدِّين.» وهو تكلُّف نحن في غنًى عنه إذا عرفنا أن «نفاق» في الحبشية معناها الهرطقة أو البدعة أو الضلال في الدين، وهي من التعبيرات النصرانية التي شاعت في الحبشية بدخول النصرانية فيها.
وكذلك لفظ «الحواريِّ»، شقَّه صاحب «القاموس» من «حار» بمعنى البياض، وقال في معنى الحواري إنه سُمِّي بذلك لخلوص نية الحواريين ونقاء سريرتهم، أو لأنهم كانوا يلبسون الثياب البيض. والأظهر أن هذه اللفظة مُعرَّب «حواري» في الحبشية ومعناها فيها «الرسول»، وهو المعنى المراد بها في العربية تمامًا.
وكذلك «برهان»، وقد شقَّها صاحب «القاموس» من «برهن»، وشقَّها غيره من «بره» بمعنى القطع وأن النون زائدة فيها. وهي في الحبشية «برهان» أي النور أو الإيضاح، مشتقة من «بره» عندهم أي اتَّضح أو أَنَار.
وقس على ذلك كثيرًا من أمثاله، كالمُصحَف فإنه حبشي من «صحف» أي كتب، والمصحف الكتاب. ناهيك بأسماء الحيوانات أو النباتات أو نحوها، فإن «عنبسة» من أسماء الأسد عند العرب وهي اسم الأسد بالحبشية.
وقد أخذوا عن العبرانية كثيرًا من الألفاظ الدينية كالحج والكاهن والعاشوراء وغيرها، وأكثرها نُقِل إلى الصيغ العربية لتقارب اللفظ والمعنى في اللغتين لأنهما شقيقتان. ويضيق هذا المقام عن إيراد الأمثلة.
ولا ريب أن العرب اقتبسوا كثيرًا من الألفاظ السنسكريتية ممن كان يخالطهم من الهنود في أثناء السفر للتجارة أو الحج، لأن جزيرة العرب كانت واسطة الاتصال بين الشرق والغرب فكل تجارات الهند المحمولة إلى مصر أو الشام أو المغرب كانت تمرُّ ببلاد العرب، ويكون للعرب في حملها أو ترويجها شأن.
وقد عثرنا في السنسكريتية على ألفاظ تُشبِه ألفاظًا عربية تغلب أن تكون سنسكريتية الأصل لخلوِّ أخوات العربية من أمثالها كقولهم «صبح» و«بهاء»، فإنهما في السنسكريتية بهذا اللفظ تمامًا ويدلَّان على الإشراق أو الإضاءة، ولا يُعقَل أنهما مأخوذان عن العربية لأن السنسكريتية دُوِّنت قبل العربية بزمن مديد.
ونظن لفظ «سفينة» سنسكريتي الأصل أيضًا، وكذلك «ضياء». ولعلنا بزيادة درسنا اللغة السنسكريتية ينكشف لنا كثير من أمثال ذلك.
على أننا نرجِّح أن العرب أخذوا عن الهنود كثيرًا من المصطلحات التجارية وأسماء السفن وأدواتها وأسماء الحجارة الكريمة والعقاقير والطِّيب مما يُحمَل من بلاد الهند، والعرب يعدُّونها عربية أو يلحقونها بالألفاظ الفارسية تساهلًا كالمسك مثلًا، فقد رأيتُ صاحب «المُزهِر» يعدُّه فارسيًّا وهكذا يقول صاحب «القاموس»، وهو في الحقيقة سنسكريتي ولفظه فيها «مشكا». وذكروا «الكافور» بين الألفاظ الفارسية، وهو هندي على لغة أهل ملقا ولفظه عندهم «كابور». وقد ذكروا أيضًا أن القرنفل فارسي، والغالب عندنا أنه سنسكريتي لأن أصله من الهند. وقِسْ عليه.
القاعدة في تعيين أصول الألفاظ الأعجمية
وتعيين أصل اللفظ لإلحاقه باللغة المأخوذ منها يحتاج إلى نظر لا يكفي فيه المشابهة اللفظية، إذ كثيرًا ما تتفق كلمتان من لغتين في لفظ واحد ومعنًى واحد ولا تكون بينهما علاقة، وإنما يقع ذلك على سبيل النوادر بالاتفاق، إلَّا إذا دلَّتِ القرائن على انتقال إحداهما من لغة إلى أخرى وسَاعَد الاشتقاق على ذلك.
فإذا اتفق لفظان متقاربان لفظًا ومعنًى في لغتين، وكان بين أهل تَيْنِك اللغتين علاقات مُتبادَلة من تجارة أو صناعة أو سياسة؛ فإن لنا الظن أن إحداهما اقتبست من الأخرى.
فإذا كان ذلك اللفظ من أسماء المحاصيل أو المصنوعات أو الأدوات فيُرَجَّح لحاقه باللغة السابقة إلى ذلك، كلفظ «المسك» مثلًا فإنه موجود في العربية وفي الفارسية وفي السنسكريتية وفروعها، فإذا عرفنا أن المسك يُحمَل إلى العالَم من تونكين وتيبت ونيبال والصين، وأن الهنود القدماء كانوا يَحمِلون الطِّيب إلى الأمم القديمة ويمرُّون بسفنهم ببلاد العرب؛ ترجَّح عندنا أن العرب أخذوا هذه اللفظة عن الهنود كما أخذها الفرس منهم، أو لعلها انتقلت إلى الفارسية من العربية لأن الفرس يعدُّونها عربية كما يعدُّها العرب فارسية، أو هي في الفارسية باعتبار أنها فرع من السنسكريتية كما هي في الإنجليزية بطريق التفرع، وكما هي في اللاتينية لأنها أخت السنسكريتية، ومن اللاتينية انتقلت إلى الفرنسية لأنها فرع من اللاتينية.
ويقال نحو ذلك في «كافور» فإن العرب يعدونها فارسية والفرس يقولون إنها عربية، وهي موجودة أيضًا في السنسكريتية واللاتينية وفروعهما، فبأيِّها نُلحِقها؟ في مثل هذه الحال يجب البحث في مصدر الكافور، فإذا علمنا أنه يُصَدَّر من اليابان والصين ومن ملقا وأن اسمه باللغة الملقية «كابور»، ترجَّح عندنا أنه ملقي الأصل.
وكذلك «الزنجبيل» — الجذور المعروفة — فإن العرب يقولون إنها تعريب «شنكبيل» في الفارسية والفرس يقولون إنها عربية، ولم نجد «شنكبيل» في القاموس الفارسي. وإذا بحثنا عن اسم هذا العقَّار في اللغات الأخرى رأينا اسمه في اليونانية «زنجباريس» وفي اللاتينية «زنجبار»، فأول ما يتبادر إلى الذهن أنه من «زنجبار» البلد المعروف وأنه سُمِّي بذلك لأنه كان يُحمَل منه أو لسبب آخر، فإذا رجعنا إلى منبت هذا العقَّار رأيناه هنديًّا ورأينا اسمه في اللغة السنسكريتية «زرنجابيرا» مشتقة من «كرينجا» أو «زرنجا» أي القرن لمشابهة جذوره به، فيترجَّح عندنا أنه سنسكريتي الأصل.
ومن هذا القبيل «الفلفل»، فإن العرب يقولون إنه فارسي والفرس يقولون إنه عربي، وهو موجود أيضًا بمثل هذا اللفظ في الإنجليزية والألمانية واللاتينية، ويوجد أيضًا في السنسكريتية ويُلفَظ فيها «ببالا» أو «فيفالا». ولمَّا كان الفلفل من محاصيل الهند وأجوده يَرِد من مالابار، نرجِّح أن هذه اللفظة سنسكريتية الأصل، ومعنى «ببالا» عندهم أيضًا «التينة المقدَّسة».
ويقال عكس ذلك في الألفاظ الدالَّة على محاصيل بلاد العرب أو حيواناتها، كالقهوة مثلًا فإنها موجودة في الفارسية وفي كل لغات أوروبا، فالأرجح أنها عربية الأصل لأن هذه اللفظة كانت عند العرب قبل اصطناع القهوة اسمًا من أسماء الخمر، فأطلقوها على قهوة البن. ومثل ذلك أسماء الجَمَل والزرافة والغزال وغيرها من أسماء الحيوانات العربية، وربما كان بعضها مأخوذًا في الأصل من لغة غير عربية.
وإذا كانت اللفظة المشتركة بين لغتين من قَبِيل المصنوعات، فإلحاقها بأصحاب تلك الصناعة من الأمتين أولى، فقد اختلط العرب بالفرس وخاصة بعد الإسلام وأخذوا منهم كثيرًا من الملابس والأنسجة، ولم ينقلوها إلى لسانهم بل عرَّبوها وأبقَوْها على ما هي، كالسراويل والقَبَاء (ومنها الجبة) والتُّبَّان والجورب والدِّيباج والأرجوان والسرموج والقفطان والطربوش والبابوج، كما فعل أهل هذا العصر بأسماء الملابس الإفرنجية التي اقتبسوها من الإفرنج في تمدُّنهم الأخير كالبنطلون والجاكت واللستيك وغيرها.
واقتبس العرب من الفرس كثيرًا من ألوان الأطعمة وأنواع الأسلحة والفرش والأدوات وأبقَوْها على لفظها الأعجمي، وهي كثيرة يضيق هذا المقام عن ذكرها، ومنها الجلاب والجلنار والبنفسج والخشاف والخوذة والدسكرة والدولاب والدهقان والسرجين والسرداب والطنبور والفرسخ وغيرها كثير، فإلحاقها بلغاتها الأصلية يسوِّغه أولًا التاريخ لأنه يدلُّنا على أن العرب اقتبسوا تلك المواد من الفرس، فإذا تأيَّد ذلك بالاشتقاق اللغوي كان الدليل أثبت، مثل: «جلاب» فإنها مؤلَّفة في الأصل الفارسي من «كل آب» أي ماء الزهر، و«خشاف» من «خوش آب»، و«سرداب» من «سرد آب»، أو «سردابه» بيت الثلج من «سرد» أي بارد و«آب» ماء، والطربوش من «سربوش» أي غطاء الرأس، والبابوج من «بابوش» أي غطاء القدم.
وكثيرًا ما يكفي الاشتقاق اللغوي وحده في معرفة أصل اللفظة بشرط ملاحظة مقابلة اللغات، فإذا وجدنا لفظة في العربية ومثلها في الفارسية أو اللاتينية أو اليونانية مثلًا ولم يساعدنا التاريخ على معرفة حقيقة أصلها، عمدنا إلى اشتقاقها وصيغتها. فإذا لم يكن لها مُجانِس في أخوات العربية وكان لها ذلك في أخوات الفارسية أو اللاتينية أو اليونانية، نرجِّح أنها من إحدى هذه اللغات، مثل «البلاط» بمعنى «قصر المَلِك» فقد عدَّها العرب عربية وشقُّوها من البلاط المعروف لأن القصور تُفرَش به، ولكن هذه اللفظة في اللاتينية palaffum ومعناها قصر المَلِك. فإذا ادَّعى مُدَّعٍ أنها عربية الأصل وأن الرومان اقتبسوها من العرب، قلنا إن الرومان يرجعون بأصلها إلى تل كان في رومية بهذا الاسم، نزل عليه أوغسطس قيصر وأقام فيه فسُمِّي قصره به. وإذا أعجزنا الدليل التاريخي عمدنا إلى الاشتقاق، فإن pala في السنسكريتية معناها الحامي أو المُدافع، وكان الملوك القدماء إنما يبنون القصور للتحصن بها.
وقد لا يهدينا التاريخ مطلقًا، كما في لفظ «جاموس» فإن التاريخ لا يساعدنا على معرفة أصلها هل هي عربية أو فارسية، فإذا رجعنا إلى الاشتقاق لم نرَ لها اشتقاقًا في العربية، أما في الفارسية فإنها مركَّبة من لفظين: «كاو» ثور أو بقرة، و«ميش» كبش، ولكن الجاموس هندي الأصل ومعنى «جاوميشا» في السنسكريتية «البقرة الكاذبة».
وبالجملة فقد دخل العربية ألفاظ كثيرة من معظم اللغات التي كانت شائعة في التاريخ القديم، ممن خالط العرب كالمصريين القدماء والحيثيين والفينيقيين والكلدان والهنود والفرس، حتى الزنوج والنوبة وغيرهم مما لم يَعُدْ تمييز أصله ممكنًا لتقادم عهده واختلاف شكله.
ومن أمثلة ما أخذوه عن اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية لفظ «قبس» بمعنى الشعلة، فهي في الهيروغليفية «خبس» ومعناها مصباح.
وبعض تلك الاقتباسات أخذها العرب رأسًا عن أصحابها والبعض الآخر حُمِلتْ إليهم على يد الأمم الأخرى، كما نقل لهم اليهود لفظ «نبي» من اللغة المصرية القديمة «الهيروغليفية» وأصل معناه فيها «رئيس العائلة» أو «رب المنزل»، وكما نقل لهم الفرس «الشطرنج» عن اللغة الهندية السنسكريتية فحسبها العرب فارسية، وقالوا إنها تعريب «شتررنك» بالفارسية ومعناها ستة ألوان، ولعلهم يريدون «ششرنك»، والصواب أنها لعبة هندية قديمة كانت تُسمَّى في اللغة السنسكريتية «شتورنكا»، أي الأجزاء الأربعة التي يتألَّف منها الجند عندهم وهي الأفراس والأفيال والمركبات والمشاة، فأخذها الفرس عنهم نحو القرن السادس للميلاد، ثم أخذها العرب عن الفرس فحسبوها فارسية وتكلَّفوا في تعليلها كما رأيتَ.
ولم يقتصر العرب على اقتباس الألفاظ من اللغات الأخرى واستبقائها على حالها، ولكنهم صرَّفوها وشقُّوا منها الأفعال ونوَّعوا معناها على ما اقتضتْه أحوالهم، فقد شقُّوا من لفظ النبي «نبأ» و«تنبأ» و«نابأ». وشقُّوا من «قبس» أفعالًا وأسماء عديدة.
ومن هذا القَبِيل «اللجام» وهو من «لكام» في الفارسية، فشقوا منه أولًا «ألجم الدابة» ألبسها اللجام، و«الْتَجَمَتِ الدابة» مطاوع «أَلْجَمَ»، وجمعوا «لجام» على «لُجُم» و«أَلْجِمة»، ثم استخدموه مجازًا فقالوا: «لجمه الماء»، أي بلغ فاه. وقالوا: «لفظ لجامه»، أي انصرف من حاجته مجهودًا من الإعياء والعطش. وقولهم «التَّقِيُّ مُلجَّم» أرادوا به أنه مقيَّد اللسان والكفِّ.
و«المهر» الخاتم في الفارسية، استعاره العرب وبَنَوْا منه فعلًا فقالوا: «مهر الكتاب»، أي ختمه بالمهر.
ومن ذلك ما شقُّوه من لفظ «ديوان» وهي أعجمية فقالوا: «دوَّن»، أي كتب اسمه في الجندية.
وقِسْ على ذلك كثيرًا من الألفاظ الدخيلة التي يعتقد العرب أنها عربية، وقد شقوا منها الأفعال والأسماء، مثل: «سراب» وهي تعريب «سيرآب» في الفارسية، أي مملوء ماء. والزمهرير من «زم أريز» بالفارسية، أي ضباب بارد. وجزاف من «كزاف» بالفارسية، أي العبث من الكلام. والضنك من «تنك» في الفارسية ضيق، وقد شقُّوا منها أفعالًا وأسماء ترجع إلى هذا المعنى.
ثم إن أكثر ما أدخله العرب إلى لغتهم من الألفاظ الأجنبية، لم يكن له ما يقوم مقامه في لسانهم. على أن كثيرًا منه كانت له عندهم أسماء مشهورة لا يبعد أن يكون بعضها دخيلًا أيضًا، فغلب استعمال الدخيل الجديد وأُهمِل القديم. من ذلك أن العرب كانوا يسمون الإبريق «تامورة» والطاجن «مقلى» والهاوون «منحاز» أو «مهراس» والميزاب «مثقب» والسُّكُرُّجة «الثقوة» والمسك «المشموم» والجاسوس «الناطس» والتوت «الفرصاد» والأُتْرُج «المُتْك» والكوسج «الأَثَطُّ» والباذنجان «الأنَب» والرصاص «الصَّرَفَان» والخيار «القَتَد». فهذه الأسماء وأمثالها أهملها العرب قبل الإسلام بعد أن استبدلوها بأسماء دخيلة، فعلوا ذلك عفوًا بلا تواطؤ أو قصد وإنما هو ناموس النمو يقضي عليهم بذلك.