عربي
Thursday 2nd of May 2024
0
نفر 0

لنظرية المهدوية و صناعة التاريخ-2

ولأنّ الانتظار أملاً بالنسبة للإنسانية فإنّ الشرط الأساسي والمهمة الأساسية، هي إقامة مجتمع مدني يدير الحق بصفة كونية عادلة، في ظل ما يتعرض له من تهديدات القمع المرتبطة بفكرة التاريخ الكوني الذي يعلن عن قراءة جديدة لمسألة البدايات والنهايات.

- والأرجح في إمكانياتنا المعقولة والمحدودة في إطار هذه التجربة، أن نجد أنفسنا أمام تحديات وانتقادات ينبغي الاضطلاع بها، فلا فائدة ترجى من البحث في الواجب عن قاعدة استطاعتنا وقدرتنا، وإذ ذاك نظّل سجناء خطاب (...) يدعنا في الغالب عاجزين ممزقين، متذبذبين في إقرار الأحكام، فليس ما هو كائن هو الذي يحدد استطاعة الفعل بل إنّ استطاعة الفعل هي التي تحدد ما ينبغي أن يكون([7]).

وهذا ما يشير إليه بول ريكور إلى كون مجيء أنظمة استبدادية، قد تكون أفضح

وأشرس، بحيث لا تنفعنا العقليّة الطوباوية التي تدفعنا إلى الهناك، بقدر ما ينبثق خطاب أحمق
متحذر في الأصولية الدمويّة المغرقة، والتي تضع المجتمع في بركة دماء، نجد خلالها الوعي قد انصبَّ في المخيال، يزعم الفكر من جديد على أن يتقبل واقع غائب عنا، والذي يكون حتمًا أفق الانتظار([8]).

ومن الثابت أنّ الانتقادات، سوف تدخلنا في استثناءات، لطالما شكلت العائق الذي يعوق الفعل، لكن نفترض ووفقًا لتعاليم المهدوية أنّ هذه الاستثناءات ستكون بمثابة التحديات الأساسيّة للظاهرة التي يمكن درسها، وبالتّالي ستنطوي على جهدٍ وعمل وتضحيّة تخضع أحيانًا للتصعيد وأخرى للمصالحة منبثقة من تلك الروح الخالدة التي سيعاد تخليدها من طرف التاريخ والذي سيعلن عنها.

- هكذا نتفادى ونتدارك الكثير من المتناقضات، قصد اجتراح الإمكان، لتغير موازين القوى، وقلب المعادلات، وللإنتاج النماذج، وتغيير الأدوار، التي لا تدخل فقط ضمن نسق المعطيات ولكن ضمن القدرة التي نفقه معناها، إلاّ إذا تلازمت مع المجتمع الذي يحمل في جوهره مختلف أنماط الوعي، كنمطي الاعتقاد والتصور، فيتجلّى في صراع تكشف عنه الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية وحتّى العقائدية، مقارنة مع القوى المؤثرة في المجتمع، سواء عُولج هذا الصراع من منظور حركة التاريخ. أو من منظور المجتمع الواحد، والذي يبحث عن مشروعيّة السيادة. لطرح بناءات القوة والسيطرة الواجب تحقيقها إعلانًا عن ميثاق جديد، ميثاق المجتمع القوي والسعيد والمهيمن([9]). الذي يتحكم فيه القائد الكارزمي بالطرق أو بالمعاني السيكولوجية. فضلا عن الإيدولوجية، التي سيسيطر بها على المجتمع، وكذلك المعتقدات التي تصاحب تغيرات سريعة دون أن تلجأ إلى تحطيم وحدة المجتمع.

- هذا ما تعكسه فكرة الزمان، أو الإحساس به، حيث لا نجد أنفسنا نتكلم عن زمان

خارج جدلية الوعي والموضوع الخاص به، لأنّ الرتابة العقلية لا تفيد الخضوع لواقع حاصل ولا الإذعان للأشياء، على الوجه التّي هي عليه، إنّما بمثابة القوة الكبيرة المتجلية في قوة الرفض، الناتجة عن الحرمان.

· فكيف يتم إذن هذا الرفض في معايير ومنطلقات التجربة المهدوية ؟.

إن الهدف الأساسي هو البحث عن إنسانية الإنسان، بواسطة الثورة التّي تعطي للإنسان مفهومه الحقيقي، كفرد واعي لتاريخه، ووجوده، والثورة لا يمكن أن تحقق أهدافها إلاّ إذا انطلقت من معايير حقيقية للتغيير تعكس للإنسان صورته وحركته في الحياة، ترى في الإنسان الكامل أو المجتمع الكامل، هذه السيرورة المتحركة، لأنّ الفعل الإنساني هو الجوهر الحقيقي لكل العمليات التاريخية، وأنّ التاريخ في عمقه هو تاريخ أفكار ومعارف، حين تنحذر بالرجوع إلى الشروط السوسيولوجية، بالمقارنة مع الحالة التّي تنتج، عنها سواء كانت سلبية أو إيجابية (الهزيمة العربية مع إسرائيل، والحرب العراقية أكبر دليل على ذلك).

ويرى عبد المجيد النجار أنّ الضمان الأكبر لنجاح حركة التغيير أن تكون مستندة إلى سند عقدي إيديولوجي، يقوم على تنظير عملي، ويعتمد الحجة العقلية، فتكون الملهم الأساسي لمحتوى الحركة في مسارها العملي حينما تصطدم بمشاكل المواقع([10]). فتمنع الفعل قدره من التأثير إعلانًا للعودة، وخروج المستبعد من دائرة اللاشعور إلى دائرة الشعور، وهذا ما يقربه هيغل، في كون الفعل (تحريك للساكن، وتحقيق في الخارج لما كان في البدء محبوسًا داخل قوقعة الإمكان وربط بما هو لا شعوري بما هو شعوري، أو لما هو غير موجود بما هو موجود) ([11]).

- وإذا كانت النظريات الغربية بكل توجهاته سلبية تريد أن تزعزع الفرد المسلم والمجتمع المسلم، عن كيانه، قصد إضعاف الدولة وإرهاقها، بتحريرها من كل ما هو إنساني لضرب الإسلام بصفة أدق، في سياق معادلة الخير والشر، واعتناق سيدها بوش تعاليم، الإنجيلية الصهيونية. إعلانًا عند حرب صليبية ثالثة، تعلن عن ميلاد حرب الحضارات، أبطالها مصطلحي المقاومة والإرهاب، ومضمونها الخلاص(*) في ضوء عولمة العالم وأمبريالته، سواء من جانب حقوق الإنسان، أو حرية التعبير، أو حرية التملك والامتلاك . إعلانا عن نهاية التاريخ في قطب محدد ، أو محورٍ، يملك التأشيرة لسيطرة والاحتكار.

وإذا كان هذا، تاريخ الكمال، من منظور الغطرسة الغربية والبلطجة الصهيونية في احتكارهما للتاريخ، وصنعه في مؤسساتهما الأكاديمية والعسكرية، فكيف تصنع المهدويّة التاريخ ؟ وهل بإمكانها ذلك ؟.

- إذا تأملنا في مصطلح الـ م. هـ. د. و. ي. ة (المهدوية) من حيث دلالتها اللغوية، فتعني الاهتداء إلى ما هو أليق وأنسب في التفكير، وإذا ما تأملنا من الناحية المنهجيّة، فهي الانتقال من الآنا أفكر إلى الآنا أقدر، إلى الآنا أقاوم.

هذا النموذج هو الكفيل لمواجهة التحديات أمام التحولات الجديدة التي تطرحها ساحة الوقائع والأحداث، والسعي المتواصل للبحث عن مشروع جديد، يكون قوامًا للأمة وحراكها، وفي الوقت نفسه لتستعيد هيبتها ومكانتها، في ظل الطموحات والرؤى الإستشراقية التّي يطمح إخواننا الشيعة في تحقيقها. لامتلاكها قوة الخطاب، الذي سيكون السبيل الوحيد والخيار اللازم، للخروج من مقامات التنظير المجرد، الذي يساهم في تظليل الإستراتيجية المتوخاة لمجابهة التحديات التي قد تطرح مضاربات تعكّر من صنع الهدف ومن قيم الغاية.

· وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فكيف يعاد في طيات هاته التجربة ؟.

- المبحث الثـاني : المستوى المعرفي للتجربة المهدويّـة :

- أولا : الإستراتجية المعرفية والبحث عن مجتمع المعرفة :

1. من خلال البحث عن نظرية جديدة تمتاز بالشموليّة والموضوعيّة، تهدم كل البنيات السابقة، التي بنتها النماذج الغربيّة، سواء كانت تتعلق بالقيّم الروحيّة،
كالداروينيّة، والنتشويّة، أو تتعلق بالقيم الماديّة، كالماركسية، والرأسمالية، أو بالنتظيرات الوضعية، كتعاليم هوبز وروسو، ولوك.

2. الإنتقال من المرحلة المتلقية إلى المرحلة الإجتهادية الإبداعية لخلخلة المفاهيم والمصطلحات والنماذج، لتعرية ما هو كامن، سواء من جانب المغالطات أو من جانب الإبهام والتضليل (لأنّ اللّغة ليست أداة تواصل فحسب وإنّما هي وعاء للتفكير، فاللغة برغم أنّها ألفاظ، وعبارات إلاّ أنّ هذه الألفاظ والعبارات تحمل أفكارًا وعقائد وآراء، وهنا يبدو الصراع واضحًا بحكم كون التأثيرات الدلالية ناتجة هذه الصراع ستفرز وتظهر بشكل جلي على الساحة) ([12]).

3. تغيير النماذج الإدراكية : بإعمال العقل، الذي يهدف إلى الإبداع، والخروج بحق الاختلاف بمنظار التعدد، لا التفرد وهنا نستذكر أعمال طه عبد الرحمن (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، والحق الإسلامي في الإختلاف الفكري، بالإضافة إلى أعمال عبد الوهاب المسيري من خلال موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل، تفكيك الإنسان والحضارة، أهميّة الدرس المعرفي، إشكالية التحيّز.

4. البحث عن العقل الموسوعي : للخروج من دائرة التخصص، ويمكن أن نقدم في هذا المضمار ما كتبه ابن خلدون، وطاش كبرى زاده، وابن سينا، والطوسي وإخوان الصفا، وضرورة الانفتاح على الأنساق المعرفية الأخرى، وهذا ما يقتضي في قول ابن رشد (ما كان موافقا للشرع أخذناه، وما كان منافيًا له تركناه).

- ثـانيا : إعلاميـا :

تغيير الخارطة الإدراكية للعدو من خلال فقه المقاومة، سواء عبر وسائل الإعلام كنموذج "قناة المنار" والدور الريادي الذي لعبته في ساحة الميدان، لكسر الجدار الأمني والدعائي للعدو، وما انتصار حزب الله(*) أكبر دليل على ذلك.

- ثـالثا : سيـاسيا : ما تجلّى في حكم كونفوشيوس في قوله :

يعرف الإمبراطور كيف يحكم إذا كان الشعراء أحرارًا في قرض الشعر، والناس أحرارًا في تمثيل المسرحيات، والمؤرخون أحرارًا في قول الحق، والوزراء أحرارًا في إسداء النصح والفقراء أحرارًا في التذمر من الضرائب، والطلبة أحرارًا في تعلم العلم جهرة، والعمال أحرارًا في إثراء مهارتهم، والشعب في أن يتحدث في كل شيء.

- رابعـا : اقتصـاديا :

- التنسيق مع دول الإقليم للاستغلال العقلاني للثروات، والبحث عن شراكة متداولة، تقضي على معظم المشاكل والأزمات (مثلا الاتحاد الأوروبي نموذجا).

- تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص –تشجيع اليد العاملة- البحث عن منتج وطني أو تكنولوجيا وطنيا.

- محليًا : تشجيع المؤسسات الجمعوية والأكاديميات الثقافية، وتطوير نظام الحوزات.

- التعبئة الروحية للأفراد بترسيخ مبادئ الإسلام وفقه السنة النّبوية لترسيخ قيم التكافل والتضامن في الأزمات ...

- إقليميًا : تسويّة مشاكل الحدود مع الدول المجاورة، لضمان أكبر قدر ممكن من
الاستقرار.

- خارجيًا : الحنكة في إدارة العلاقات الدولية لكسب الوزن الديبلوماسي للدولة من خلال القراءة الدقيقة للمشهد السياسي العالمي اليومي، تجنبًا لسوء التوظيف السياسي، الذي سيحتم إعادة ترتيب جديد ومتميز من القيم والمفاهيم الدوليّة، وبالتالي تتمكن من تكوين إنسان جديد، يحددها، اللاعب الرسمي في المسرح العالمي.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

طول عمر الإمام المهدي ( عليه السلام )
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
ظهور كفٍّ من السماء
القاب المهدي (عليه‌السلام)
الماسونیة فی آخر الزّمان
لنظرية المهدوية و صناعة التاريخ-2
المهدي الموعود(عليه السلام) وغيبته في القرآن ...
نصوص في التوراة والإنجيل تبشّر بظهور قائم آل ...
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
المهدي الموعود في الأديان السماوية الثلاث

 
user comment