عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الزواج فی نظر علماء الأحیاء

إن الغدد المرتبطة بالغریزة الجنسیة تترشح فی الدم، وحینما یتم هذا الترشح یحصل التغیّر العجیب فی جسم وروح الشباب، فتى کان أم فتاة. وهذا التغیّر یبدو واضحاً جلیاً حتى على وجه الشاب مما یلفت أنظار الآخرین إلیه؛ وهذه الحالة یسمیها الإسلام بـ "البلوغ" حیث یقال للشخص الذی تعتریه حالة التغیّر تلک "بالغ".إن ترشّح الغدد المرتبطة بالغریزة الجنسیة یُکسب الفتى أو الفتاة میلاً أو رغبة، یمکن أن نطلق علیه اسم المیل الجنسی أو الرغبة الجنسیة، وبعبارة أخرى، ما دامت الغریزة الجنسیة کالنار تحت الرماد یبدو على الشاب التبختر فی مشیته، والتحلیق فی عالم آخر غیر العالم الواقعی، والمیل والرغبة إلى أشیاء أخرى، ما کان قبل ذلک یمیل أو یرغب إلیها، وعندها ینبغی أن یحصل الشاب على جواب رغباته ومیوله تلک، وإذا ما حلنا دون إجابته ستطفو على السطح مشاکل نحن فی عنىً عنها لو کنَّا قد أجبنا على میول ذلک الشاب.
إن الرغبة الجنسیة لیست کالرغبة إلى الأکل والشرب، ولیست نظیر غرائز حبّ المال، أو حبّ الرئاسة، أو ما شابه من الغرائز الأخرى، ولو کان حدیث فروید بصدد هذه المسألة صائباً لکانت کل الغرائز ترجع فی أساسها إلى هذه الغریزة، ولکنّ حدیث فروید ذاک لیس صحیحاً، ویبقى أن نعلم بأن الغریزة الجنسیة لیست کغریزة الرغبة إلى الخبز والماء.
إن العشق، والذوق، والشعر کلّهُ، وکلّ ما یشبهه ینبع من تلک الغریزة، إنکم لم تسمعوا بذلک الذی قال شعراً فی الخبز أو قصیدة شعریة تغزلاً بالماء، وعلى علمی أنکم لم تسمعوا بأحدٍ عشق الخبز أو الماء، ولکن العشق المرتبط بالغریزة الجنسیة موفور، عشق الإنسان لإنسانٍ آخر، وهذا یقیناً یرجع فی أساسه، ویستمدّ ما لدیه من منبع الغریزة الجنسیة.
وهنا لا بد من تحذیر الشباب بشکل إجمالی من خطورة المحبة المفرطة بین فتیین أو فتاتین، لأن ذلک یؤدی إلى حالات مرضیَّة خطیرة.وقد یقول البعض، إن ذلک غیر معقول، کونه یحبّ رفیقه أو صدیقه أکثر من أصدقائه الآخرین، وأن ذلک لا یرجع فی الأساس إلى الغریزة الجنسیة، وأنه لن یحصل ما لا تحمد عقباه؛ ونقول له: کذبت؛ لأن محبة أحد بنی البشر لا تنفلت أبداً ولو بنسبة واحد بالملیون من دائرة الغریزة الجنسیة، هذا إذا کان الحب المتبادل بین الشباب حبًّا مفرطاً وإفراطیاً، أو ما یطلق علیه بالعشق، والعشق یرتبط بالغریزة الجنسیة.
أما العشق السلیم فهو ذاک المرتبط بالله تبارک وتعالى، أجل یمکن أن یعشق أحدهم الإمام الحسین(علیه السلام) ویعشق ولی العصر الإمام المنتظر(علیه السلام)، ویعشق ظهوره، فلا غرابة فی الأمر لأن ذلک العشق یرتبط بالله العلیّ العظیم، ولو لم یکن هؤلاء الذین ذکرنا یعشقون الله لما عشقناهم. أما الأفراد الذین لا یعرفون معنى الفضیلة، ولا یرتبطون بالله ارتباطاً وثیقاً یکون عشقهم خطراً، وخطراً جداً.
أرید أن أقول: إن الذی یقول شعراً فی معشوقه بعد أن تعلق قلبه بالآخرین یستقی عشقه ذاک من تلک الغریزة الجنسیة، أما الذی عشق الماء، أو عشق الخبز وقال فیهما شعراً، لا یمکن أن یعدّ جائعاً إلى هذه الدرجة، ولکنّ ذوقه تألّق لیساعده على قول الشعر فی الخبز، وکذا الأمر بالنسبة للذی یقول شعراً فی الماء إذ لا یمکن أن نتصور ذلک الشاعر ظمآناً إلى درجة کبیرة بحیث حرّک عطشه قریحته الشعریة؛ فالأمر لیس هکذا أبداً.
من هنا نفهم بأن الغریزة الجنسیة ـ بالرغم من عدم صحة نظریة فروید ـ یجب أن یکون لها حساب خاص، لذا ینبغی لجمیع الشباب، الآباء، الأمهات، وجمیع أفراد المجتمع أن یحسبوا لهذه الغریزة حساباً منفصلاً عن بقیة القضایا التی تمس المجتمع بشکل عام.

الزواج من منظار قرآنی
إن الآیة الشریفة: (لینفق ذو سعة من سعته، ومن قدر علیه رزقه فلینفق مما آتاه الله) ترتبط بالحیاة الضروریة للبشر أجمع، وترتبط أیضاً بالزوج أو الزوجة، ولهذا کانت المرأة للرجل، وکان الرجل للمرأة أمراً ضروریاً، وطبیعیاً، مثلما یکون الأمر طبیعیاً أیضاً حین یحتاج الإنسان خبزاً وماءً، فإذا لم یستطع تهیئته وجب على الآخرین أن یهیئوا ذلک الخبز وهذا الماء.
وکما ذکرنا أن للغریزة الجنسیة حساباً منفصلاً عن باقی الغرائز حیث نرى القرآن قد فتح حساباً خاصاً بهذه الغریزة، وهذا ما علمناه من ذکره للآیة المبارکة التی تقول.
(وانکحوا الأیامى منکم والصالحین من عبادکم وإمائکم إن یکونوا فقراء یغنیهم الله من فضله والله واسع علیم) (1).
أیها المجتمع! علیکم بتزویج أبنائک، ابتداءً من الأب والأم، فإن لم یستطیعا عمل شیء فی هذا المجال وجب على الحکومة الإسلامیة تبنی هذا الأمر، فإن لم تستطع هی الأخرى من تأسیس مؤسسة تقوم بهذه المهمة، وجب الأمر على جمیع أفراد المجتمع.
إن القرآن المجید یأمر المجتمع الإسلامی بتزویج العزاب من الفتیان والفتیات، ثم یقول ذلک المجتمع بعدم التخوّف من المستقبل الآتی، لأن الله کافلُ هذا الأمر، إذا توکلتم على الله مخلصین.
إن هذه الآیة: (وانکحوا الأیامى..) یمکن اعتبارها خاصة بمسألة الغریزة الجنسیة، أما الآیة المبارکة: "لینفق ذو سعة.." فیمکن اعتبارها عامة، أو بالأحرى شاملة لجمیع الغرائز، وعامة فی تحریضها للمجتمع على ملء فراغ الفقر الفردی والاجتماعی، وتأمین احتیاجات الفقراء من قبل الأغنیاء، الأمر ووضوحه حینما یأمر المولى تعالى من خلال کتابه العزیز بتزویج الأیامى والصالحین من عبادکم وإمائکم.

الزواج فی الروایات
إن للمرحوم صاحب الوسائل حقاً کبیراً على الجمیع، وخصوصاً على مراجع التقلید، وقد نقل لنا هذا المرحوم فی کتابه الموسوم بوسائل الشیعة روایات تتعرض للثواب الجزیل الذی یمکن أن یناله الفرد إذا ما زوج فتى أو فتاة؛ بحیث یفهم من تلک الروایات أن لا فضیلة أسمى من تلک الفضیلة.
نقل عن الإمام الهمام موسى بن جعفر الکاظم(علیه السلام) أنه قال:
"ثلاثة یستظلون بظلّ عرش الله یوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو کتم له سراًّ" (2).
وقال أمیر المؤمنین علیّ(علیه السلام):
"أفضل الشفاعات أن یشفع بین اثنین فی نکاح حتى یجمع شملهما"(3) .
إن نظیر هاتین الروایتین موجودٌ فی هذا الباب، وفی أبواب أخرى من کتاب وسائل الشیعة، وکتاب بحار الأنوار ولا بأس أن نذکر هنا روایة أخرى نقلت عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(علیه السلام) لتعمّ الفائدة على ما أظنّ:
"إن رکعتین یصلّیهما رجل متزوّجن أفضل من رجل یقوم لیله ویصوم نهاره أعزب"(4) .
أمّا بالنسبة للروایة نُقلت لنا عن لسان النبّی محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمة والأطهار من أهل بیته والتی یمکن اعتبارها أهم روایة قیلت بحق التزویج فهی:
قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):
"ما بنی بناء فی الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزویج"(5) .
إن ما تعنیه هذه الروایة هو شیء خاص حیث یراد القول: أیها السید! إذا تمکنت من تزویج فتى وفتاة لتعمر بیتاً فی مجتمع الإسلامی تکون قد حصلت على ثوابٍ أکثر مما لو تکون قد بنیت مسجداً، أو مدرسة یتعلم فیها الصبیان.
ومثل هذه الروایات کثیر وکثیر أقلها فی الأجر تلک التی تقول ما مضمونه إن الرجل المتزوج، أو المرأة المتزوجة إذا صلیا صلاة الصبح کتب لکل منهما ثواب رکعة فی سجل أعمالهما، وبذلک تکون عبادتهما ضعفاً وهذه أقل فضیلة للزواج.
على العکس من ذلک الشاب الذی یستطیع الزواج ولا یتزوج، وتلک البنت التی کثر خطّابها وترفض الزواج فقد جاء فیها عن الرسول الأکرم(صلی الله علیه وآله وسلم)وفی ذلک الشاب العازب:".. شرارکم عزّابکم، وأرذال موتاکم عزَّابُکم"(6) .
أی أن الرجل الذی یموت ولم یتزوج، أو أن المرأة تموت وهی عازبة یُعّدان من أرذال الموتى وشرارهم.
وإلى هنا امتنع عن استعراض مثل هذه الروایات، کونها تُدخل الیأس بعض الشیء على الأخوة العزّاب، لذا أنصح الأخوة الذین یرومون معلومات أکثر عن مثل هذه المسائل بمراجعة الجزء الرابع عشر من وسائل الشیعة لیجدوا فیه ما یرومون.
من کل هذه المواضیع ندرک نقطة مهمة ألا وهی ـ وکما تعلمون ذلک ـ أن الإسلام لیس فیه إفراط ولا تفریط، إنه دین وسط یراعی جمیع الحدود والأحکام الوسطیة، وأن جمیع الأحکام الإلهیة تراعی مصالح المسلمین، وتبتعد بهم عن المفاسد التی قد یتعرضون إلیها، ومثال على ذلک: لو اتفق أن یأمر الإمام الصادق(علیه السلام) أمراً فسیکون ذلک الأمر فیه المصلحة التامة الملزمة، ولو نهى الإمام الباقر(علیه السلام) عن مفسدة فسیکون أیضاً ذلک النهی فی مصلحة ومنفعة المسلمین؛ وهذه القضیة أو الحالة تعدّ من العقائد الإسلامیة التی ینبغی لنا أن نلتزم بها وندرکها بشکلها السلیم.

الإسلام وأهمیة الغریزة الجنسیة
من خلال ما تقدم من الآیات والروایات نفهم بأن الغریزة الجنسیة تختلف کثیراً عن باقی الغرائز، فعندما تطغى هذه الغرائز، أو تثار شعلتها وتؤجج تبدو المسکنة والذلة على حاملها.
أما الغریزة الجنسیة فهی شکل آخر، وهی لوحدها مقابل جمیع تلک الغرائز، وهی التی جعلت یوسف یفّر من زلیخا ـ بالرغم من مقامه الشامخ ـ کیلا تتمکّن منه.

وعلى حدّ قول القرآن الکریم.
(ولقد همّت به، وهم بها، لو لا أن رأى برهان ربه) (7).
أی لو لم تکن العصمة موجودة فی یوسف، ولو لم تکن تلک الإرادة القویة فی کوامن نفسه، لمال إلى تلک المرأة.
إن نبّی الله یوسف علیه السلام ـ بالرغم من إرادته القویة تلک ـ قال بعد أن رأى نفسه وسط تلک النساء المغرمات به واللائی قطّعن أیدیهم من شدّة تولههن به.(وإلاَّ تصرِفْ عَنِّی کیدَهُنَّ أصبُ إلیهِنَّ، وأکُنْ من الجاهلین) (8)
ومعنى الجهل هنا هو: غلبة الغریزة على العقل؛ وهذه الآیة المبارکة المنقولة عن لسان یوسف(علیه السلام): اللهم، إنک أنت الذی أعنتنی بلطفک وعنایتک وجعلتنی أتمکن من التغلب على هذه الغریزة الجنسیة.
إن هاتین الآیتین المرتبطتین بما جرى لیوسف(علیه السلام)، تفهمنا بأن الغریزة الجنسیة لها حساب غیر حساب باقی الغرائز، وأن الإسلام فتح لها حساباً خاصاً بها، وباقی الغرائز فی حساب آخر، وأن هذا الحساب الخاص یرتبط بمسألة مهمة وحساسةٍ إلا وهی مسألة دفع خطر هذه الغریزة بعیداً عن التنکر لها أو رفعها بشکل کلیّ،وأن هذا الدفع جاء من أجل أن لا تثور هذه الشهوة فتدمر الأخضر والیابس، لذا حث الإسلام العظیم على عدم مدّ النظر صوب ما حرمّ الله، وکا تعلمون أن النظر إلى الأجنبیة بشهوة یهیج الغریزة الجنسیة ویؤدی بصاحبها على حیث لا تحمد عقباه.
لذا حرّم الإسلام النظر بشهوة إلى ما حرّم الله النظر إلیه، کون ذلک النظر یتفاقم شیئاً فشیئاً فیضحى عشقاً أسوأ من السرطان الساری.
وحرّم الإسلام أیضاً على المرأة أشیاء تدخل فی تهیج شهوة الرجل، وتذهب بعقله ولبّه وهی: التحدث بغنج، أو المشی بدلال، أو ارتداء الملابس المبتذلة الخلیعة، أو محاولة إطالة الأحادیث مع الرجال، والنظر فی صمیم عیونهم، وما إلى ذلک من الأعمال التی تدخل فی إثارة غریزة الرجل الجنسیة.
أیتها السیدة المسلمة! إن القرآن الکریم یحرّم علیک التحدث إلى الرجال إلاّ إذا کانت هناک ضرورة تستوجب ذلک، وإذا ما ذهبت إلى إحدى المحلات التجاریة لا ینبغی لک أن تبتسمی بوجه البائع أو التاجر من أجل تخفیض الثمن، ولا یجدر بک وأنت المسلمة أن تطیلی فی الکلام مع هذا وذاک، واعلمی بأن هناک من یتصیّد فی الماء العکر، ممن کان قلبه مریضاً.أیتها السیدة الخیّرة! حاولی أن لا ترتدی إلا الإزار الأسود، وابتعدی عن لبس الإزار الملوّن الذی یجلب الأنظار إلیک، ولا تنتعلی الأحذیة المثیرة، واحذری أن تکون طریقة مشیتک جاذبةً لقلوب الآخرین، فلو کان إزارک مثیراً عدّ ذلک من الظلم، وظلم کبیر لأنه حرّک الشهوات الخامدة، ولو أثیر شاب بسبب طریقة مشیک، أو بسبب لو حذاءک البرّاق کان علیه صعباً أن یلجم غریزته الجنسیة.
من هذا نفهم ـ وسبق أن ذکرنا ذلک ـ بأن الغریزة الجنسیة تختلف کثیراً عن باقی الغرائز وأنها لتقول للشاب وللأبوین بأنها تتفتح ابتداءً من عمر (17) إلى عمر(28) سنة، وبعد ذلک تخبو شیئاً فشیئاً عندها لا ینفع ذلک الشاب للزواج.
إن الشاب فی العادة یمکن أن یتلذذ جنسیاً فی ظرف هذه الأعوام العشرة، فلا بأس أن یقدّم له النصح باتخاذ المرأة بعنوان زوجة حلیلة له.
إن ما نراه الیوم من عقدٍ فی مجتمعاتنا الإسلامیة ترجع فی أساسها إلى إغفال الشباب تلک السنوات العشر من أعمارهم التی کان ینبغی أن تستثمر فی الحلال دون الحرام والمقاطعة، والانزواء بعیداً عن الناس؛ مما حدا ببعض المجتمعات أن تفسد نتیجة تلک المقاطعة للزواج، وطفو الحالات الجنائیة، وحالات الهمّ والغمّ، وبروز عقد الحقارة والشعور بالعظمة.
سیدتی الجلیلة! سیدی الفاضل! إن الإسلام یعلم بهذه المسائل أفضل منّی ومنکم.

الاعتدال فی تجهیز البنت
لو تأتّى لمجتمعاتنا الخروج على حالة الترف، واقتناء المسائل الکمالیة لهانت بقیّة المسائل؛ إننا نستطیع بهذا الجهاز (اللوازم المنزلة التی تأتی بها البنت إلى بیت زوجها) تزویج "10" فتیات بدلاً من واحدة، وقد یرفض هذه المقولة بعض النساء وبعض الرجال، ولکن الإسلام یؤکدها ویرحّب بها.
وفی مسألة اقتناء الکمالیات أو ما یطلق علیها "فُضُول العیش" قال أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب(علیه السلام) فی الدیوان المنسوب إلیه:
وقد دقّت ورُقّت واسترقت فضولّ العیش أعناق الرجال أی أن المسائل الکمالیة، أو التجمیلیة ـ الغیر ضروریة ـ قصّرت وأذلت واستعبدت أعناق الرجال.
فالحیاة التجمیلة أو الفائضة على الضروریة تجلب الفقر الفردی والاجتماعی، وتذل صاحبها وتجعل منه أسیراً للآخرین وهذا مرفوض من قبل العقلاء، والملتزمین بشرعة الله الحقّة.
إن الوسائل الزائدة عن الحاجة والتی یهیؤها الأبوان لابنتهما الذاهبة إلى بیت الزوج ما هو إلاّ قصم لظهرهما ولکل شیء فی حیاتهما، ومثلهما مثل ذلک الذی وضع فی هاون یمتلکه، وبدأ غیره بالطرق على رأسه، هذا هو مثل أب البنت الذاهبة إلى بیت الزوجیة.
أیها المجتمع! إننا جمیعاً مبتلون، أنا مبتلىً، وأنت مبتلىً، القروی مبتلىً، وابن المدینة مبتلىً، المتدین مبتلىً، وغیر المتدین مبتلىً.. کلنا مبتلون، ولو تأتى تقلیل هذه الوسائل البیتیة القاصمة للظهر لکان بالإمکان تزویج"10" فتیات؛ وقد یقول أحدکم لا یمکن ذلک، واقول له: ثق إن ذلک یمکن، وعلیه لا بأس من نقل حکایة عن المرحوم آیة الله الحائری الذی کان أسوةً وقدوةً للجمیع.
یقال: کان الشیخ المرحوم جالساً بین جمعٍ من تلامذته، وإذا بأحد التجار یدخل باحة الدرس لیقدم للشیخ عباءةً من النوع الثمین وهی ما یطلق علیها باللهجة العراقیة الدارجة "خاجیة".
نظر الشیخ إلى العباءة جیداً، وفکر جیداً لیصل إلى نتیجة وهی أنه لا یمکن أن یلبس هکذا عباءة وهو فی ذلک المقام الذی یعتبره الناس قدوة لهم، ولا یمکن أن یردّ الهدیة، لأن ذلک خلاف الأدب؛ لذا سأل التاجر قائلاً: کم تعدل هذه العباءة من العباءات العادیة؟ فقال التاجر:"16" عباءة عادیة! فقال الشیخ: هل یمکن إبدالها بهذا العدد من العباءات إذا أنا قبلتها منک؟ فقال: ولم لا، فقال الشیخ: لا بأس بإبدالها لنا.
ذهب التاجر إلى السوق حاملاً معه تلک العباءة الثمینة، لیرجع ثانیة بعد حین معه "16" عباءة، لیقدمها بدوره إلى الشیخ، وکان ذلک فی حضور جمع من التلامیذ والفضلاء.قام المرحوم من مکانه وأمسک بالعباءات لیوزعها بین طلبته، لتبقى واحدة فیضعها على کتفیه ویلتفت إلى التاجر لیقو: أیها أفضل ذلک الحال أو هذا؟.
لو کانت عباءة واحدة للبسها شخص واحد، وبما أنها "16" عباءة فقد لبسها "16" شخصاً، وهذه الحالة أفضل من تلک التی یلبس فیها شخص واحد عباءة ثمینة ولا یلبس الباقون أی شیء!.
إننا جمیعاً مسؤولون غداً، فلا تتنکروا لهذه المسؤولیة الکبرى. قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):
"کلّکم راعٍ، وکلکم مسؤول عن رعیته"(9).
أیها الشباب الأعزّاء! إننا إذا أردنا دیمومة ثورتنا هذه، علینا أن نغیّر أنفسنا من الجذور لکی نتمکن من المساهمة فی استمرار هذه الثورة الإسلامیة.
علینا أن نصلح أنفسنا أولاً، ثم نبدأ بإصلاح وإمار البلد الذی دمّره أعوان السلطة البائدة، إذ لا یمکن إصلاح البلد بدون إصلاح من فی البلد، لذا ینبغی علینا تحسین أخلاقنا فی البیت، وإفهام فتیاتنا بأن هذه الوسائل البیتیة المسماة "بالجهاز" یمکن تقسیمها بین "16" بنتاً أو "20" فتاة أو حتى "100" فتاة، بدل أن تکون لفتاة واحدة تستأثر بها وتترک من هم مثلها من الفتیات بدون وسائل وبدون زواج، وهذا الإفهام والنصح لا أعنی به أحداً معیناً، بل هو شامل لجمیع أفراد المجتمع شیبتهم وشبابهم، عالمهم وجاهلهم، فاضلهم وطالبهم، سألت الباری تعالى أن یوفّق الجمیع للابتعاد عن کلّ ما هو غیر ضروری، وزائد عن الحاجة، وکمالیّ لیعمّ الخیر والصلاح فی مجتمعاتنا الإنسانیة.
المصادر :
1- النور/32
2- وسائل الشیعة: ج14، ص27.
3- بحار الأنوار/ ج 13، ص 222.
4- بحار الأنوار/ ج 103، ص 217.
5- وسائل الشیعة/ ج14، ص3.
6- کنز العمال/ خ44449.
7- یوسف/24
8- یوسف/33
9- صحیح مسلم/ ج3 ص1459.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ماذا يحب الرجل في المرأه ..
دعوة للتكامل مع الاحتفاظ بخصوصية الآخر
خصائص الأسرة المسلمة
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟
إصدار كتاب "كربلاء كما شاهدت
اعتصام “زينبيات صمود” ومسيرات “أنات الإنتصار” ...
الواصلية
الإمام الخميني (ره) أحيا الإسلام وبث روح المقاومة ...
الشيخ محمد حسن النجفي المعروف بالشيخ صاحب ...
اليك عشر طرق للنوم الهاديء

 
user comment