فضل العلم والعلماء:
العلم … أجل الفضائل، وأشرف المزايا، وأعز ما يتحلى به الانسان. فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعاة الأبدية، وشرف الدارين.
والعلماء … هم ورثة الأنبياء، وخزّان العلم، ودعاة الحق، وأنصار الدين، يهدون الناس إلى معرفة اللّه وطاعته، ويوجهونهم وجهة الخير والصلاح.
من أجل ذلك تظافرت الآيات والأخبار على تكريم العلم والعلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع.
قال تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (الزمر: ۹).
وقال تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة:۱۱).
وقال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (فاطر: ۲۸).
وقال تعالى: «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ» (العنكبوت: ۴۳).
وعن أبي عبد اللّه “عليه السلام” قال: قال رسول اللّه “صلى اللّه عليه وآله”: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك اللّه به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وأنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض، حتى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر. وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) (۱).
وقال الباقر “عليه السلام”: (عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد) (۲).
وقال الصادق “عليه السلام”: (إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه عز وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء) (۳).
وقال الصادق “عليه السلام”: (إذا كان يوم القيامة، بعث اللّه عز وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي اللّه عز وجل، قيل للعابد انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم) (۴).
وقال أمير المؤمنين “عليه السلام”: (يا كميل، هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة) (۵).
وعن أبي عبد اللّه “عليه السلام”، قال: (قال رسول اللّه “صلى اللّه عليه وآله”: يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الرواسي، فيقول: يا رب أنّى لي هذا ولم أعملها؟ فيقول: هذا علمك الذي علّمته الناس، يُعمل به من بعدك) (۶).
ولا غرابة أن يحظى العلماء بتلك الخصائص الجليلة، والمزايا الغر. فهم حماة الدين، وأعلام الاسلام، وحفظة آثاره الخالدة، وتراثه المدخور. يحملون للناس عبر القرون، مبادئ الشريعة وأحكامها وآدابها، فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم، ويستنيرون بتوجيههم الهادف البناء.
وبديهي أنّ تلك المنازل الرفيعة، لا ينالها إلاّ العلماء المخلصون. المجاهدون في سبيل العقيدة والشريعة، والسائرون على الخط الاسلامي، والمتحلون بآداب الإسلام وأخلاقه الكريمة.
ولهؤلاء فضل كبير، وحقوق مرعية في أعناق المسلمين، جديرة بكل عناية واهتمام، وهي:
۱- توقيرهم:
وهو في طليعة حقوقهم المشروعة، لتحليهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة
الاسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المجتمع الاسلامي وإرشاده.
وقد أعرب أهل البيت “عليهم السلام” عن جلالة العلماء، وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم، قولاً وعملاً، حتى قرروا أن النظر إليهم عبادة، وان بغضهم مدعاة للهلاك، كما شهد بذلك الحديث الشريف: فعن موسى بن جعفر عن آبائه “عليهم السلام” قال: قال “صلى اللّه عليه وآله”: (النظر في وجه العالم حباً له عبادة) (۷).
وعن أبي عبد اللّه “عليه السلام” قال: قال رسول اللّه “صلى اللّه عليه وآله”: (أغد عالماً أو متعلماً، أو أحِبَّ العلماء، ولا تكن رابعاً فتهلك ببغضهم) (۸).
وهكذا كانوا “عليهم السلام” يبجّلون العلماء، ويرعونهم بالحفاوة والتكريم، يحدثنا الشيخ المفيد “رحمه الله”، عن توقير الإمام الصادق “عليه السلام” لهشام بن الحكم، وكان من ألمع أصحابه وأسماهم مكانة عنده «أنه دخل عليه بمنى، وهو غلام أول ما اختلط عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة، كحمران بن أعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبي جعفر الأحول وغيرهم، فرفعه على جماعتهم، وليس فيهم إلاّ من هو أكبر سناً منه.
فلما رأى أبو عبد اللّه “عليه السلام” أن ذلك الفعل كبر على أصحابه، قال: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده» (۹).
وجاء عن أحمد البزنطي، قال: «وبعث إليّ الرضا “عليه السلام” بحمار له، فجئت إلى صريا، فمكث عامّة الليل معه، ثم أتيت بعشاء، ثم قال: افرشوا له. ثم أتيت بوسادة طبرية ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي، فلما أصبت من العشاء، قال لي: ما تريد أن تنام؟
قلت: بلى، جعلت فداك. فطرح عليّ الملحفة والكساء، ثم قال: بيتك اللّه في عافية.
وكنا على سطح، فما نزل من عندي، قلت في نفسي: قد نلت من هذا الرجل كرامة ما نالها أحد قط» (۱۰).
۲- برهم:
همة العلماء، وهدفهم الأسمى، خدمة الدين، وبث التوعية الاسلامية، وتوجيه المسلمين نحو الخلق الكريم والسلوك الأمثل، وهذا ما يقتضيهم وقتاً واسعاً، وجهداً ضخماً، يعوقهم عن اكتساب الرزق وطلب المعاش كسائر الناس.
فلا بد والحالة هذه، للمؤمنين المعنيين بشؤون الدين، والحريصين على كيانه … أن يوفروا للعلماء وسائل الحياة الكريمة، والعيش اللائق. وذلك بأداء الحقوق الشرعية إليهم، التي أمر اللّه بها، وندب إليها، من الزكاة والخمس، ووجوه الخيرات والمبرّات. فهم أحق الناس بها، وأهم مصاديقها، ليستطيعوا تحقيق أهدافهم، والاضطلاع بمهامهم الدينية، دون أن يعوقهم عنها طلب المعاش.
وقد كان الغيارى من المسلمين الأولين، يتطوعون بأريحية وسخاء، في رصد الأموال، وإيجاد الأوقاف، واستغلالها لصالح العلماء، وتوفير معاشهم. وكلما تجاهل الناس أقدار العلماء، وغمطوا حقوقهم، أدى إلى قلة العلماء، وهبوط الطاقات الروحية، وضعف النشاط الديني. مما يعرض المجتمع الاسلامي لغزو المبادئ الهدامة، وخطر الزيغ والانحراف.
۳- الاهتداء بهم:
لا يستغني كل واع مستنير، عن الرجوع إلى الأخصائيين في مختلف العلوم والفنون، للإفادة من معارفهم وتجاربهم، كالأطباء والكيمياويين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص.
وحيث كان العلماء الروحانيون متخصصين بالعلوم الدينية، والمعارف الاسلامية، قد أوقفوا أنفسهم على خدمة الشريعة الاسلامية، ونشر مبادئها وأحكامها، وهداية الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح .. فجدير بالمسلمين أن يستهدوا بهم ويجتنوا ثمرات علومهم، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم، ويتفادوا دعايات الغاوين والمضللين من أعداء الاسلام.
فإذا ما تنكروا للعلماء المخلصين، واستهانوا بتوجيههم وإرشادهم … جهلوا واقع دينهم ومبادئه وأحكامه، وغدوا عرضة للزيغ والانحراف.
أنظروا كيف يحرض أهل البيت “عليهم السلام” على مجالسة العلماء، والتزود من علومهم وآدابهم، في نصوص عديدة:
فعن الصادق، عن أبيه عن آبائه “عليهم السلام” قال: قال رسول اللّه “صلى اللّه عليه وآله”: «مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة» (۱۱) والمراد بأهل الدين، علماء الدين العارفون بمبادئه، العاملون بأحكامه.
وجاء في حديث الرضا عن آبائه “عليهم السلام”، قال: قال رسول اللّه “صلى اللّه عليه وآله”: «مجالسة العلماء عبادة» (۱۲).
وقال لقمان لابنه: يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فان اللّه عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل السماء (۱۳).
وعن الرضا عن آبائه “عليهم السلام” قال: قال رسول اللّه “صلى اللّه عليه وآله”: (العلم خزائن، ومفتاحه (مفتاحها خ ل) السؤال، فاسألوا يرحمكم اللّه، فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم) (۱۴).
وقال الصادق “عليه السلام”: (إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون) (۱۵)(*).
_________________________
(۱) الوافي ج ۱، ص ۴۲، عن الكافي.
(۲) الوافي ج ۱، ص ۴۰ عن الكافي.
(۳) الوافي ج ۱ ص ۴۰، عن الفقيه.
(۴) البحار م ۱، ص ۷۴، عن علل الشراع، وبصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار.
(۵) نهج البلاغة.
(۶) البحار م ۱، ص ۷۵ عن بصائر الدرجات.
(۷) البحار م ۱، ص ۶۴، عن نوادر الراوندي.
(۸) البحار م ۱، ص ۵۹، عن خصال الصدوق (ره).
(۹) سفينة البحار ج ۲، ص ۷۱۹٫
(۱۰) سفينة البحار ج ۱، ص ۸۱٫
(۱۱) البحار م ۱ ص ۶۲، عن ثواب الأعمال، وأمالي الصدوق.
(۱۲) البحار م ۱ ص ۶۴، عن كشف الغمة.
(۱۳) البحار م ۱ ص ۶۴، عن روضة الواعظين.
(۱۴) البحار م ۱ ص ۶۲، عن صحيفة الرضا عليه السلام وعيون اخبار الرضا.
(۱۵) الوافي ج ۱ ص ۴۶، عن الكافي.