لقد كانت ولادتها في مطلع جمادي الاولى من السنة الخامسة لهجرة جدها من مكة إلى المدينة كما جاء في بعض المرويات، وجاء في بعضها ان ولادتها كانت في مطلع شعبان من السنة السادسة بعد أخويها الحسن والحسين عليهما السلام، ولما ولدت جاءت بها امها الزهراء الى ابيها وقالت له: سمها يا ابا الحسن، فقال: ما كنت لأسبق جدها رسول الله في تسميتها وكان غائباً عن المدينة يومذاك، ولما رجع من سفره سأله امير المؤمنين عن اسمها، فقال على حد تعبير الراوي: ما كنت لأسبق خالقها في اسمها، فهبط عليه الأمين جبرائيل وقال له: ان الله قد اختار لها اسم زينب، وأخبره كما يدعي الراوي بما يجري عليها من المصائب فبكى النبي صلى الله عليه واله وقال: من بكى لمصاب هذه كان كمن بكى لمصاب أخويها الحسن والحسين.
وكانت تكنى كما يدعي الشيخ فرج القطيفي في كتابه المرقد الزينبي بأم كلثوم وأم الحسن، وتلقب بالصديقة الصغرى وعقيلة بني هاشم على لسان جماعة وعلى لسان آخرين عقيلة الطالبيين الى غير ذلك من الصفات الفاضلة التي تغلب على الاسم احيانا.
لقد ولدت الحوراء زينب في بيت لا شيء فيه من متع الدنيا ولهوها وزخرفها ورأت النور في ذلك البيت الطاهر الذي ضم أباها سيد الوصيين وأمها سيدة نساء العالمين وأخويها ريحاتني رسول رب العالمين.
ولدت في بيت كان النبي لا يشغله عنه شاغل ولا ينساه في ليله ونهاره وكلما دخله يقبّل من فيه من أحفاد ويشمهمم ويبتسم لهم وينعم فيه بالسكينة والاطمئنان، في ذلك البيت ولدت الحوراء ورضعت من ثدي الطهر والفضيلة بضعة الرسول الاعظم ودرجت مع اخويها سيدي شباب اهل الجنة وأخذت العلم عن ابيها باب مدينة العلم ورأت جدها الرسول ممثلا في امها فاطمة بجميع صفاته ومزاياه، وحينما فقدت امها في السنة السادسة من عمرها قالت: يا أبتاه يا رسول الله الان فقدناك فقداً لالقاء بعده، وهي تعني بذلك انها بفقد امها التي كانت تجسد أباها قد فقدت جدها ايضاً.
لقد انعكست صفات الزهراء سيدة نساء العالمين ومزاياها في نفس ابنتها عقيلة بني هاشم وظهرت واضحة جلية في زهدها وعبادتها وصربها في الشدائد، وقال من تحدث عنها من الرواة: انها لم تدخر شيئاً من يومها لغدها وتمضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن، وحتى في ليلة الحادي عشر من المحرم وهي تتلوى من آلام تلك المجزرة الرهيبة واخوتها صرعى مجزرين كالاضاحي لم تدع صلاة الليل وتلاوة القرآن، وقد تحدثنا عن صبرها وشجاعتها وبعض مواقفها الخالدة التي كانت ولا تزال من اغنى المواقف البطولية بالقيم والمثل العليا في تاريخ الابطال.
لقد بقيت زينب ابنة علي مع امها ست سنوات وفي هذه المرحلة من طفولتها كانت ترى امها الزهراء تقوم للصلاة والعبادة حتى ينقضي الشطر الاكبر من الليل وتبيت طاوية وتطعم ما عندها الايتام والمساكين وتلبس الثياب الخلقة البالية وتكسو الفقراء جديد الملابس، ورآها سلمان الفارسي مرة فبكى وقال: ان قيصر وكسرى بناتهما في السندس والحرير وابنة محمد رسول الله في تلك الثياب البالية.
وبلا شك في ان تلك الصور التي كانت تشاهدها العقيلة وهي في هذا السن من طفولتها قد انعكست في نفسها ورافقتها حتى النفس الاخير من حياتها لان مشاهدات الاطفال وما يحيط بها في المراحل الاولى من حياتهم وما يمر عليهم في سن الطفولة تترك آثاراً في نفوسهم ترافقهم في الغالب ما داموا بين الاحياء.
ويؤكد علماء النفس ان الطفل في السنة الثالثة من عمره تبدأ مرحلة التوافق بينه وبين بيئته ومرحلة التمييز بين الالفاظ والمعاني، وان نموه العقلي في هذه المرحلة يتجه به إلى كشف ما يحيط به مما يرى ويسمع وهذا الكشف يترك آثاراً تعمل عملها في نفس الطفل ترافقه إلى اخر يوم من حياته.
هذا بالإضافة إلى ان السيدة زينب سلام الله عليها بعد وفاة امها الزهراء عاشت برعاية ابيها امير المؤمنين الذي كان يجسد جدها الرسول من جميع نواحيه بين أخويها الحسن والحسين عليهما السلام، وظلت العقيلة في رعاية ذلك البيت الكريم بيت النبوة والإمامة إلى ان تجاوزت سن الطفولة الى مطلع الصبا والشباب، ونساء المسلمين يومذاك كان من عادتهن ان يخرجن ليلا لزيارة قبر النبي وأداء فريضة العشاء إلى جواره كما كان يفعل الرجال ثم يرجعن الى بيوتهن وملامح السرور والبهجة بادية على وجوههن وأرادت العقيلة ان تخرج لزيارة قبر جدها والصلاة إلى جواره كما يفعل النساء، ولكن والدها لم يشأ لها ان تخرج كما يخرج غيرها من النساء والمسجد مملوء بالزائرين والمصلين من الرجال فكان يخرج معها بعد ان يعود الزائرون الى بيوتهم ويخرج الحسن والحسين عن يمينها وشمالها ويتقدمهم هو ليخمد ضوء القناديل اذا وجد في مرقد جدها احد من الرجال.