ورد في مصادرنا ومصادر إخواننا حول مصحف علي عليه السلام، ما يدل على ذلك: فقد روى ابن سعد في الطبقات ج 2 ق 2 ص 101: (عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال أكرهت إمارتي؟ قال لا، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن، قال فزعموا أنه كتبه على تنزيل قال محمد: فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم، قال ابن عون: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه). ورواه في كنز العمال ج 2 ص 588.
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب ج 3 ص 974: (حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال: لما بويع أبو بكر الصديق أبطأ علي عن بيعته وجلس في بيته فبعث إليه أبو بكر: ما أبطأ بك عني، أكرهت إمارتي؟ قال علي: ما كرهت إمارتك، ولكني آليت ألا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع القرآن. قال ابن سيرين: فبلغني أنه كتب على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير).
ورواه عبد الرزاق في مصنفه ج 5 ص 450 وقال في هامشه: رواه البلاذري عن ابن سيرين موقوفا مختصرا، راجع أنساب الأشراف 1: 587 انتهى.
وقال ابن جزي في التسهيل ج 1 ص 6: (وكان القرآن على عهد رسول الله متفرقا في الصحف وفي صدور الرجال، فلما توفي رسول الله قعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته فجمعه على ترتيب نزوله. ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير، ولكنه لم يوجد).
وقال عن تميز علي عن الصحابة في علمه بالقرآن ص 13: (واعلم أن المفسرين على طبقات فالطبقة الأولى الصحابة رضي الله عنهم وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس، وكان علي بن أبي طالب رضي الله يثني على تفسير ابن عباس ويقول: كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق.
وقال ابن عباس: ما عندي من تفسير القرآن فهو من علي بن أبي طالب، ويتلوهما عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص. وكلما جاء من التفسير من الصحابة فهو حسن).
وقال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 319:
ومن عجب أمره في هذا الباب أنه لا شئ من العلوم إلا وأهله يجعلون عليا قدوة فصار قوله قبلة في الشريعة، فمنه سمع القرآن.
ذكر الشيرازي في نزول القرآن وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله لا تحرك به لسانك، كان النبي يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن لتعجل به من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك إن علينا جمعه وقرآنه، قال ضمن الله محمدا أن يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب. قال ابن عباس: فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله بستة أشهر.
وفي أخبار ابن أبي رافع أن النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: يا علي هذا كتاب الله خذه إليك، فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس علي عليه السلام فألفه كما أنزله الله وكان به عالما.
وحدثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالإسناد عن علي بن رباح أن النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه جبلة بن سحيم، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لو ثني لي الوسادة وعرف لي حقي لأخرجت لهم مصحفا كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه وآله...
أبو نعيم في الحلية والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي عن عبد خير عن علي عليه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن.
وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع التيه، فقالوا: لأمر ما جاء أبو الحسن! فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وهذا الكتاب وأنا العترة، فقام إليه الثاني فقال له: إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله، فلا حاجة لنا فيكما! فحمل عليه السلام الكتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجة... الخ..
ومنهم العلماء بالقراءات: أحمد بن حنبل وابن بطة وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الأعمش عن أبي بكر بن أبي عياش في خبر طويل أنه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف فاختلفا في قراءتهما، فقال ابن مسعود: هذا خلاف ما أقرؤه، فذهبت بهما إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فغضب وعلي عنده فقال علي:
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم، وهذا دليل على علم علي بوجوه القراءات المختلفة.
وروي أن زيدا لما قرأ (التابوه) قال علي عليه السلام اكتبه (التابوت) فكتبه كذلك.
والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون، فأما حمزة والكسائي فيعولان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود، فهما إنما يرجعان إلى علي ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب، وقد قال ابن مسعود: ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب للقرآن.
فأما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءتهم ترجع إلى ابن عباس، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي عليه السلام، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أبي، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه السلام.
وأما عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وقال أبو عبد الرحمن:
قرأت القرآن كله على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقالوا أفصح القراءات قراءة عاصم، لأنه أتى بالأصل، وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره، ويحقق من الهمز ما لينه غيره، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام ليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره، وإنما كتب عدد ذلك كل مصر عن بعض