عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم

الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم

لم تكن المدة التي قضاها الإمام الجواد (عليه السلام) في خلافة المعتصم طويلة فهي لم تتجاوز السنتين ، كان ختامها شهادة الإمام (عليه السلام) على يد النظام المنحرف ، وفيما يلي استعراض للعلاقة بين الإمام الجواد (عليه السلام) والمعتصم .

 
أ ـ استقدام الإمام (عليه السلام) الى بغداد :

لقد خشي المعتصم من بقاء الإمام الجواد (عليه السلام) بعيداً عنه في المدينة ، لذلك قرر استدعاءه الى بغداد ، حتى يكون على مقربة منه يحصي عليه انفاسه ويراقب حركاته ، ولذلك جلبه من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين ، وتوفي بها(عليه السلام) في ذي القعدة من هذه السنة .[1][157].

لقد كان هذا الاستقدام بمثابة الاقامة الجبرية تتبعه عملية اكبر وهي التصفية الجسدية .

 
ب ـ اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) :

كان وجود الإمام الجواد (عليه السلام) يمثل خطراً على النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للاُمة ، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه مع عدم استبعادها وجود العلاقة بين الإمام القائد والتحركات النهضوية في الاُمة .

فقد روى المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم قوله : رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك ، فقال وددت اليوم اني قد مت منذ عشرين سنة ، قال قلت له : ولم ذاك ؟ قال : لما كان من هذا الاسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين ، قال : قلت له : وكيف كان ذلك ؟ قال : إن سارقاً اقرّ على نفسه بالسرقة ، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في اي موضع يجب أن يقطع ؟ قال : فقلت : من الكرسوع .

قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قلت : لأن اليد هي الاصابع والكفّ الى الكرسوع[158][2]، لقول الله في التيمم ( فامسحوا بوجوهكم وايديكم ) [3][159] واتفق معي ذلك قوم .

وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق ، قال : وما الدليل على ذلك ؟ قالوا : لأن الله لمّا قال: ( وايديكم الى المرافق ) في الغسل دلّ ذلك على ان حدّ اليد هو المرفق .

قال : فالتفت الى محمد بن علي (عليه السلام) فقال : ما تقول في هذا ياأبا جعفر ؟ فقال : قد تكلم القوم فيه ياأمير المؤمنين ، قال : دعني ممّا تكلموا به ! اي شيء عندك ؟ قال: اعفني عن هذا ياأمير المؤمنين ، قال : اقسمت عليك بالله لمّا اخبرت بما عندك فيه .

فقال : أمّا اذا أقسمت عليّ بالله اني اقول انهم اخطأوا فيه السنّة ، فإن القطع يجب ان يكون من مفصل اُصول الاصابع ، فيترك الكفّ ، قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قول رسول الله : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين ، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى : ( وان المساجد لله )[4][160] يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ( فلا تدعوا مع الله أحداً ) وما كان لله لم يقطع .

قال : فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ .

قال ابن أبي دؤاد : قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّاً .

قال زرقان : قال ابن أبي دؤاد : صرت الى المعتصم بعد ثالثة ، فقلت : ان نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وانا أكلّمه بما أعلم أني ادخل به النار ، قال : وما هو ؟ قلت : اذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من اُمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثمّ يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل شطر هذه الأمة بامامته ، ويدّعون أ نّه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟

قال : فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً . قال : فأمر اليوم الرابع فلاناً من وزرائه بأن يدعوه [ اي الجواد(عليه السلام) ] الى منزله فدعاه فأبى ان يجيبه وقال(عليه السلام): قد علمت اني لا أحضر مجالسكم ، فقال : إني انما ادعوك الى الطعام واحبّ ان تطأ ثيابي ، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك ، فقد احبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار اليه، فلمّا طعم منها أحس السمّ فدعا بدابّته فسأله رب المنزل ان يقيم . قال(عليه السلام) : خروجي من دارك خير لك ، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض (عليه السلام) [5][161].

لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام) يتوقع استشهاده بعد هذا الاستدعاء فقد روي عن اسماعيل بن مهران قوله : لمّا اُخرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الاولى من خرجتيه قلت له عند خروجه : جُعلت فداك ، إني أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ قال : فكرّ بوجهه اليّ ضاحكاً وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة .

فلمّا استدعي به الى المعتصم صرتُ اليه فقلتُ له : جُعلتُ فداك ، أنت خارجٌ ، فإلى من هذا الأمرُ من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفتَ اليّ فقال : عند هذه يُخاف عليّ ، الأمرُ من بعدي الى ابني علي[6][162].

لقد درس المعتصم اكثر السبل التي يستطيع بها ان يصفي الإمام، فاعلية وأقلها ضرراً ، فلم يجد افضل من اُم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع ان تقتله بصورة اكيدة دون ان تثير ضجة في الاُمة ، مستغلاً نقطتين في شخصيتها، هما :

1 ـ كونها تنتمي للخط الحاكم انتماءً حقيقياً ، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم ، وليست بالمستوى الايماني الذي يجعلها تنفك عن انتمائها النسبي هذا ، لذلك كانت تخضع لتأثيراته وتنفذ ما يريده ضد الإمام .

2 ـ غيرتها وحقدها على الإمام بسبب تسريه وتزوّجه من نساء اُخريات خصوصاً وانها لم تلد للامام وإنما رزق الإمام من غيرها ولده الهادي (عليه السلام) .

ولقد كان أمر غيرتها شائعاً بين الناس لذلك قال المؤرخون : وقد روى الناس ان اُم الفضل كتبت الى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول : انه يتسرى علي ويغيرني . فكتب اليها المأمون: يابنيّة انا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً ، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها[7][163].

ولم تخل هذه الفترة من الاعتداءات الظاهرية على الإمام (عليه السلام) من أذناب السلطة ، ومن ذلك ما فعله عمر بن فرج الرخجي الرجل المعادي لأهل البيت (عليهم السلام) والعامل عند السلطة العباسية . فمثلاً روى المؤرخون عن محمد بن سنان قوله : دخلت على أبي الحسن الهادي(عليه السلام) فقال : يامحمد حدث بآل فرج حدث ؟ فقلت : مات عمر . فقال: الحمد لله على ذلك، أحصيت أربعاً وعشرين مرة، ثم قال: أو لا تدري ما قال ـ لعنه الله ـ لمحمد بن علي أبي؟ قال: قلت: لا، قال: خاطبه في شيء، فقال: أظنّك سكران، فقال أبي: اللهمّ إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الحرب وذلّ الأسر. فوالله إن ذهبت الأيام حتى حُرب ماله، وما كان له، ثم اُخذ أسيراً فهو ذا مات[8] [164]

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
أين يقع غدير خُمّ؟
خلاصة عقيدة الوهابية في التوحيد
السيد علي بن الامام الباقر عليه السلام
علم النبي (ص) قبل البعثة وبعدها
نتائج اللقاء بالمعصومین في حیاتهم و زیارة قبورهم ...
الشجرة الطيبة في القرآن
دعوة إبراهيم و إسماعيل عند رفع القواعد من البيت

 
user comment