عربي
Thursday 14th of November 2024
0
نفر 0

حديث الغدير

حديث الغدير

ذكرنا أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أكّد منذ الأيّام الأُولى التي صدع فيها بالرسالة ، على الإمامة ومستقبل الأمة من بعده ، وشهدت له المواطن جميعاً ، وهو يعلن "الحقّ" ، ويحدّد أمام الجميع الإمامة من بعده ، بأعلى خصائصها ، وبمزاياها المتفوّقة . ولم يتوانَ عن ذلك لحظة ، ولم يُضِع فرصة ، إلاّ وأفاد منها في إعلان هذا "الحقّ" ، والإجهار به .

وفى الحجّة الأخيرة التي اشتهرت بــ "حجّة الوداع" ، بلغت الجهود النبويّة ذروتها ، وقد جاءه أمر السماء بإبلاغ الولاية ، لتكتسب هذه الحجّة عنوانها الدالّ ، وهى تسمّي "حجّة البلاغ" (١) .

لنشاهد المشهد عن كثب ، ونتأمّل كيف تكوّنت وقائعه الأُولى . فهذا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قد قصد التوجّه للحجّ في السنة العاشرة من الهجرة ، وقد نادى منادي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يُعلم الناس بذلك ، فاجتمع من المسلمين جمعٌ غفيرٌ قاصداً مكّة ، ليلتحق بالنبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، ويتعلّم منه مناسك حجّه .

حجّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بالمسلمين ، ثمّ قفل عائداً صوب المدينة . عندما حلَّ اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، كانت قوافل الحجيج تأخذ طريقها إلى مضاربها ومواضع سكناها ; فمنها ما كان يتقدّم على النبي ، ومنها ما كان يتأخّر عنه ، بَيْدَ أنّها لم تفترق بعدُ ، إذ ما يزال يجمعها طريق واحد . حلّت قافلة النبي  ( صلّى الله عليه وآله ) بموضع يقال له : "غدير خمّ" ، في وادي الجحفة ، وهو مفترق تتشعّب فيه طُرق أهل المدينة والمصريّين والعراقيّين .

الشمس في كبد السماء ترسل بأشعّتها اللاَّهبة ، وتدفع بحممها صوب الأرض ، وإذا بالوحي يغشي النبي ويأتيه أمر السماء ، فيَأمر أن يجتمع الناس في المكان المذكور .

ينادي منادي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بردّ مَن تقدّم من القوم ، وبحبس مَن تأخّر ; ليجتمع المسلمون على سواء في موقف واحد ، ولا أحد يدرى ما الخبر .

منتصف النهار في يوم صائف شديد القيظ ، حتى إنّ الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحرّ ، فيما يلوذ آخرون بظلال المراكب والمَتاع . راحت الجموع المحتشدة تتحلَّق أنظارها بنبيّها الكريم وهو يرتقى موضعاً صنعوه له من الرِّحال وأقتاب الإبل . بدأ النبي خطبته ، فراحت الكلمات تخرج من فؤاده وفمه صادعة رائعة ، حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ ذكر للجمع المحتشد أنّ ساعة الرحيل قد أزفت ، وقد أوشك أن يُدعى فيُجيب ، على هذا مضت سُنّة البشر قبله من نبيّين وغير نبيّين .

أمَّا وقد أوشك على الرحيل ، فقد طلب من الحاضرين أن يشهدوا له بأداء الرسالة ، فهبّت الأصوات تُجيب النبي على نسقٍ واحدٍ : "نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت ; فجزاك الله خيراً"

ما لهذا جمَعَهم في هذه الظهيرة القائضة ، بل هو يعدّهم لنبأٍ مُرتقب ، ويُهيّئ النفوس لبلاغٍ خطيرٍ هذا أوانه ، تحدّث إليهم مرّات عن صدقه في "البلاغ" ، كما تكلّم عن "الثقلين" وأوصى بهما ، ثمّ انعطف يحدّثهم عن موقعه الشاهق العلي في الأُمة ، وطلب منهم أن يشهدوا بأولويّته علي أنفسهم ، حتى إذا ما شهدوا له بصوتٍ واحد ، أخذ بعضد علي بن أبى طالب ورفعه ، فزاد من جلال المشهد وهيبته ، ثمّ راح ينادي بصوت عالي الصدح ، قوي الرنين : ( فمَن كنت مولاه ، فعليٌ مولاه )  .

قال هذه الجملة ، ثمّ كرّرها ثلاثاً ، وطَفِق يدعو لمَن يوالي عليّاً ، ولمَن ينصر عليّاً ، ولمَن يكون إلى جوار علي .

تبلَّج المشهد عن نداء نبوي أعلى فيه رسولُ الله ( صلّى الله عليه وآله ) ولاية علي وخلافته ، على مرأى من عشرات الأُلوف ، وقد اجتمعوا للحجّ من جميع أقاليم القبلة ، وصدع بــ "حقّ الخلافة" ، و"خلافة الحقّ" .

فهل ثَمّ أحدٌ تردّد في مدلول السلوك النبوي ، وأنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) نصب بهذه الكلمات علي بن أبى طالب وليّاً وإماماً ؟ أبداً ، لم يُسجّل المشهد التاريخي ـ يومئذٍ ـ مَن اسْتَرَابَ بهذه الحقيقة أو شكّ فيها . حتى أولئك النفر الذين أخطؤوا حظّهم ، وعَتَتْ بهم أنفسهم ، فأنِفوا عن الانقياد ; حتى هؤلاء لم يستريبوا في محتوى الرسالة النبويّة ، ولم يشكّوا بدلالتها ، إنّما انكفأت بهم البصيرة ، فراحوا يتساءلون عن منشأ هذه المبادرة النبويّة ، وفيما إذا كانت من عند نفس النبي أم وحياً نازلاً من السماء .

انجلى المشهد عن علي بن أبى طالب وهو متوّج بالولاية والإمارة ، فانْثَال عليه كثيرون يهنّئونه ، من دون أن تلوح في أُفق ذلك العصر أدنى شائبة تُؤثِّر في نصاعة هذه الحقيقة أو تشكّك فيها ، فهذا هو عمر بن الخطّاب نهض من بين الصفوف المهنّئة ، وقد خاطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله : ( هنيئاً لك يابن أبى طالب ! أصبحت اليوم وليَّ كلّ مؤمن) (2) .

بَيْدَ أنّ الأمر لم يمضِ إلى مداه وغايته على هذه الشاكلة ; إذ سرعان ما حصل الانقلاب بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، وتغيّر الواقع ، وراح البعض يقلب الأُمور ، وهو يسعى أن يُلبس رداء الخلافة غير أهله . لكن هيهات ! حيث لم يشقّ الشكّ طريقه إلى هذه الفضائل أبداً ، ولم ينفذ الظلام إلى هذا النور المتبلِّج ، فراح القوم يبحثون عن ذرائع أُخرى ، فما الذي فعلوه ؟ لقد سَعوا ـ بعد مدّةٍ ـ أن يشكّكوا من ( جهة ) في دلالة هذا الحديث الشريف على "الإمامة والولاية" ، ويثيروا الشبهات من( جهةٍ ثانيةٍ ) حول سنده .

لقد توفّرنا عللى إيراد نصوص كثيرة في المتن ، ونودُّ الآن أن نسلّط الضوء على بعض الحقائق الكامنة في الحديث ، من خلال دراسة وتحليل محتواه وسنده ودلالته ، وذلك في إطار النصوص التي مرَّت ، ومعلوماتٍ أُخرى .

نمضى مع هذه الجولة التحليليّة من خلال العناوين التالية :

 

١ ـ سند الحديث:

حديث الغدير من أبرز الأحاديث النبويّة وأكثرها شهرة ، صرّح بصحّته ـ بل بتواتره ـ عدد كبير من المحدّثين والعلماء(3) . على سبيل المثال : نقل ابن كثير عن الذهبي : "و صدر الحديث (مَن كنت مولاه فعلىّ مولاه) متواترٌ ، أتيقّنُ أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قاله"(4) .وقال الذهبي في رسالته : حديث (مَن كنت مولاه فعلىّ مولاه) ممّا تواتر ، وأفاد القطع بأنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) قاله . رواه الجمّ الغفير والعدد الكثير ، من طُرقٍ صحيحةٍ ، وحسنةٍ ، وضعيفةٍ ، ومطّرحةٍ ، وأنا أسوقها : ...(5) .

وقد أحصى العلاّمة الأميني مائة وعشرة من أعاظم الصحابة رووا الحديث ، ثمّ ذكر في نهاية الجولة : أنّ من فاته منهم أكثر من ذلك بكثير(6) .

أمّا المحقّق الراحل السيّد عبد العزيز الطباطبائي ( رحمه الله ) ، فقد ذكر في هامشٍ على كلام صاحب الغدير ، أنّ هناك عدداً آخر من الصحابة رووا الحديث ، قد استوفاهم في كتابه "على ضفاف الغدير" (7) .

ثمَّ في موسوعة "الغدير" فهرس كبير تقصَّّّى رواة حديث الغدير من التابعين .

أمّا العالم الغيور السيّد حامد حسين الهندي ، الذي أمضي عمره دفاعاً عن الولاية وحريم التشيّع بمثابرة عجيبة ، ومن دون تعبٍ أو كللٍ ، فقد خصّص جزءاً كبيراً من موسوعته الخالدة "عبقات الأنوار" لحديث الغدير ، حيث كشف فيه عن أسانيد الحديث تفصيلاً ، وضبط طُرقه ورواته(8) ، ثمّ استوفى الكلام في نقد مَن ذهب إلى عدم تواتر الحديث ، كاشفاً خطل هذه الدعوى وعدم صوابها بأدلّة دامغة وافية(9) .

على ضوء هذه المعطيات ، يبدو أنّ الكلام عن سند الحديث وصحّته هو من فضول الكلام ، وممّا لا جدوى من ورائه . لذلك كلّه سنكتفي بشهادات عدد من المحدّثين ، قبل أن نترك هذه النقطة إلى بُعد آخر من أبعاد البحث :

ذكر الحاكم النيسابوري الحديث في موضع من "المستدرك على الصحيحين" ، ثمّ كتب بعد ذلك : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه"(10) .

كما قال في موضعٍ آخرَ ، بعد نقل الحديث : "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه"(11) .

أمّا الترمذي ، فقد ذكر ـ بعد أن نقل الحديث في "السنن" ـ : "هذا حديث حسن صحيح"(12) .

وعند ترجمة الذهبي لابن جرير الطبري ، كتب : "لمّا بلغه ( ابن جرير ) أنّ ابن أبى داود تكلّم في حديث غدير خمّ ، عمل كتاب الفضائل ، وتكلّم  على تصحيح الحديث . قلت : رأيتُ مجلّداً من طُرق الحديث لابن جرير ، فاندهشت له ولكثرة تلك الطُّرق"(13) .

وكتب ابن حجر : "و أمّا حديث : (مَن كنت مولاه فعلىّ مولاه) ، فقد أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثيرُ الطُّرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتابٍ مفردٍ ، وكثير من أسانيدها صحاح حسان"(14) .

أمّا كتاب ابن عقدة الموسوم بــ "حديث الولاية" ، فقد كان متداولاً بين العلماء حتى القرن الهجري العاشر تقريباً ، وعنه كتب السيّد ابن طاووس يقول : "و قد روى فيه نصّ النبي ( صلوات الله عليه ) على مولانا علي ( عليه السلام ) بالولاية من مائة وخمس طُرق" (15) ، (16) .

ممّن أتى على نقل الحديث أيضاً ابن عساكر ; حيث ذكره في مواضع عدّة من مصنّفه العظيم ، ويكفيك أنّه ذكر له عشرات الطرق في موضع واحد فقط (17) .

وعلى النهج ذاته مضى عدد كبير من المحدّثين والمفسّرين والعلماء .

أفبعد هذا كلّه ، يجوز الشكّ في صدور الحديث أو في طُرقه ؟! إنّ مَن يفعل هذا إنّما ينزلق إليه عن استكبارٍ وعتوٍّ ، ورغبةٍ في مناهضة الحقّ الصُّراح ، لا لشيءٍ آخر .

 

٢ ـ دلالة الحديث

يظهر ممّا ذكرناه في بداية البحث ، وما سنعمل تفصيله أكثر عبر نصوص جمّة ، أنّ أحداً لم يكن يشكّ أو يناقش في أنّ مدلول جملة : "مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه" إنّما كان يُشير إلى الرئاسة وتولّى الأمر ، وإلى الإمامة والزعامة . على هذا مضت سُنّة السلف ومَن عاصر الحديث ، دون أن يفهم أحد ما سوى ذلك . ولا جدال أنّ للفظ "المولى" في اللغة معاني أوسع من ذلك(18) ، لكن ليس ثَمَّ شيء من تلك المعاني يمكن أن يكون هو المراد ، إنّما المقصود بمدلول الحديث هو الذي ذكرناه ، وفهمه الجيل الأوّل .

"المولى" في الأدب العربي

إنّ تفحّص النصوص الأدبيّة القديمة ، ودراسة متون اللغة والتفسير ، ليدلّ ـ دون ريب ـ على أنّ إحدى المعاني الواضحة لــ "المولى" هي الرئاسة والأُولى بالتصرّف في أمور "المولَّى عليه" ، وهي بمعني الزعامة والولاية .

وفيما يلي نستعرض بعض النصوص والشواهد اللغويّة والتفسيريّة الدالّة على ذلك :

ـ كتب أبو عبيدة معمر بن المثنّي البصري في تفسير الآية (١٥) من سورة الحديد ، عند قوله : ( هِيَ مَوْلاكُمْ )  : "أيْ : أولى بكم"(19) . ثمّ شيّد تفسيره وصوّبه على أساس بيت من الشعر الجاهلي استشهد به ، وهو :

فَغَدَت كِلا الفَرجَينِ تَحسَبُ أَنَّهُ         مَولى المَخافَةِ خَلفُها وَأَمامُها

لقد قصد شُرّاح "المعلّقات السبع" على أخذ المولى في بيت لَبيد المذكور بمعنى " الأَولى " ، وعلى هذا مضوا في شرح الشعر(20) .

ـ كتب المفسِّر والنسّابة المعروف محمّد بن السائب الكلبي ، في تفسير الآية (٥١) من سورة التوبة : ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ما نصّه : "أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة"(21) .

ـ وكتب الأديب والمفسّر الكوفي المشهور أبو زكريّا يحيي بن زياد بن عبد الله المعروف بالفرّاء ، في تفسير الآية (١٥) من سورة الحديد ، ما نصّه : ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) : "أيْ : أولى بكم"(22) .

 وإلى هذا ذهب أيضاً أبو الحسن الأخفش ، وأبو إسحاق الزجّاج ، ومحمّد بن القاسم الأنباري وآخرون(23) .

ذكرنا أيضاً أنّ مجيء " مولى " بمعنى : المتولِّي والقيّم على الأمور هو كذلك من بين أجلي استعمالات هذا اللفظ ، وقد صرّح به كثير منهم :

ـ أبو العبّاس محمّد بن يزيد المعروف بالمبرّد ، في تفسير الآية (١١) من سورة محمّد : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا )  ، حيث كتب : "و الولي والمولى معناهما سواء ، وهو الحقيق بخَلْقه ، المتولِّي لأمورهم"(24) .

ـ كما جاء عن الفرّاء ، قوله : "الولي والمولى في كلام العرب واحد"(25) .

ـ كتب المفسّر والأديب والباحث القرآني المعروف في القرن الهجري الرابع الراغب الأصفهاني ، ما نصّه : "و الولاية : تولّى الأمر . والولي والمولى يستعملان في ذلك ، كلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل ، أي : المُوالي ، وفي معنى المفعول ، أي : المُوالى"(26) .

ـ كتب المفسّر والأديب المعروف في القرن الهجري الخامس أبو الحسن علىّ بن أحمد الواحدي النيسابوري ، في تفسير الآية (٦٢) من سورة

الأنعام : (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ ) ما نصّه : "الذي يتولَّى أمورهم"(27) .

ـ في الواقع صرّح بهذه الحقيقة علماء كثيرون ، نذكر من بينهم أيضاً ، المفسّر المعتزلي الكبير جار الله الزمخشري ، الذي كتب في تفسير الآية(٢٨٦) من سورة البقرة : ( أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا ) ما نصّه : "سيّدنا ونحن عبيدك ، أو ناصرنا أو متولِّي أمورنا" (28) .

أمّا ابن الأثير ، فقد كتب في مصنّفه القيّم "النهاية" ـ الذي تناول فيه غريب الحديث النبوي وألفاظه الصعبة ـ في معنى "المولى" ، ما نصّه : "قد تكرّر ذكر المولى في الحديث ، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة ... وكلّ مَن وَلىَ أمراً أو قام به ، فهو مولاه ووليّه . . . ومنه الحديث ( أيّما امرأة نُكحت بغير إذن مولاها ، فنكاحها باطل ) ، وفى رواية ( وليّها ) أي متولِّي أمرها(29) .

على هذا الضوء يتّضح أنّ "الأولويّة في الأمور" ، و"تولِّي الأمور" ، و"السيادة والرئاسة والزعامة" ، هي حقائق ثابتة ومعروفة في معنى المولى ، كما أنّ تساوى معنى "المولى" مع "الولي" هي أيضاً حقيقة أكّد عليها العلماء والمفسّرون كما مرّت الإشارة لذلك(30) .

وبذلك نحن نعتقد ـ كما يتّفق معنا في ذلك أيضاً المنصِفون وأتباع الحقّ من جميع الفِرق والمذاهب(31) ـ أن ما قصده رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في ذلك المشهد العظيم الخالد ، من خلال هذه الجملة المصيريّة الخطيرة ، هو الإعلان عن "ولاية" علي بن أبى طالب و"إمامته" و"زعامته" ، وليس أي شيء آخر .

لقد اُعدّ المشهد وتمّت تهيئة ذلك الحشد العظيم لغرض واحد فقط ، هو إعلان الولاية العلويّة للمرّة الأخيرة على مرأى الجميع . هو إعلان أخير ، لكن احتشدت فيه كلّ عناصر التأثير والجاذبية ؛ لكي يستعصي على النسيان ، ويستوطن وعيَ الجميع وذاكرتهم ، حتى إذا ما أوشكت ساعة الرحيل ومضى النبي إلى ربّه ; لا يقول قائل : لم أدرِ ما الخبر ؟ أو لم أكن أعلم بالأمر ولم أسمع به !

لهذا كلّه حرص النبي ( صلّى الله عليه وآله ) على أن يأخذ من القوم العهد والميثاق ، وأقرّهم مرّات على ما أبلغهم به ، حتى إذا أقرّوا له ، عاد يخاطب الجمع : ( ألا فليبلّغ الشاهد الغائب ) .

ــــــــــــــــــــــ

* هذا المقال مُسْتَل من : "موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتأريخ" ، تأليف: محمد الرَّيْشَهْرِي ، بمساعدة : محمد كاظم الطباطبائي ، ومحمود الطباطبائي ، مج2 ، ص59 ، ط 2 ، دار الحديث للطباعة والنشر ، قم ، 1425 هـ.

(١) راجع : كتاب "الغدير" : ١ / ٩ .

(2) راجع : حديث الغدير / التهنئة القياديّة [ في هذا الجزء من الموسوعة / ص 294 ] .

(3) راجع : نفحات الأزهار : ٦ / ٣٧٧ .

(4) البداية والنهاية : ٥ / ٢١٤ .

(5) رسالة طُرق حديث (مَن كنت مولاه فعلىّ مولاه) للذهبي : ١١ .

(6) الغدير : ١ / ٦٠ .

(7) هذا الكتاب مخطوط ولم يُطبع حتى الآن ، راجع : هامش الغدير (طبعة مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة) : ١ / ١٤٤ .

(8) راجع : نفحات الأزهار : ج ٦ ـ ٩ .

(9) نفحات الأزهار : ٦ / ٣٧٧ ـ ٤١٥ .

(10) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١١٨ / ٤٥٧٦ .

(11) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٦١٣ / ٦٢٧٢ .

(12) سنن الترمذي : ٥ / ٦٣٣ / ٣٧١٣ .

(13) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٧١٣ / ٧٢٨ . ولمزيد من الاطّلاع حول كتاب الطبري وأهمّيته راجع كتاب :"الغدير في التراث الإسلامي" : ٣٥ .

(14) فتح الباري : ٧ / ٧٤ .

(15) الإقبال : ٢ / ٢٤٠ .

(16) راجع : كتاب "الغدير في التراث الإسلامي" : ٤٥ ، حيث توفّر المؤلّف على بيان أهمّية كتاب ابن عقدة وتأثيره في الكتب التالية له بدقّة كافية .

(17) راجع : تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٠٤ ـ ٢٣٨ .

(18) راجع : الغدير : ١ / ٣٦٢ ، حيث استعرض عدداً من هذه المعاني .

(19) مجاز القرآن : ٢ / ٢٥٤ .

(20) شرح المعلّقات السبع للزوزني : ٢١٠ ، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليّات للأنباري: ٥٦٥ وراجع الغدير : ١ / ٣٤٥ .

(21) البحر المحيط : ٥ / ٥٣ .

(22) معاني القرآن : ٣ / ١٢٤ ، تفسير الفخر الرازي : ٢٩ / ٢٢٨ .

(23) راجع : نفحات الأزهار : ٨ / ٨٦ ـ ١٤٠ والغدير : ١ / ٣٤٥ .

(24) الشافي : ٢ / ٢٧١ .

(25) معاني القرآن : ٢ / ١٦١ ; الشافي : ٢ / ٢٧١ .

(26) مفردات ألفاظ القرآن : ٨٨٥ .

(27) الوسيط في تفسير القرآن المجيد : ٢ / ٢٨١ .

(28) الكشّاف : ١ / ١٧٣ .

(29) راجع : النهاية : ٥ / ٢٢٨ . والطريف أنّ ابن الأثير عدّ حديث الغدير منطبقاً على هذا المعنى، وقد استشهد في ذلك بكلام عمر : "أصبحت مولى كلّ مؤمن" ، حيث قال : "أي وليّ كلّ مؤمن" .

(30) راجع : نفحات الأزهار : ٦ / ١٦ والغدير : ١ / ٣٤٥ . لقد وثّق هذان العالمان الجليلان المنافحان عن حياض الحقّ ، هذه الحقيقة التي ذكرناها من خلال عشرات المصادر اللغويّة والأدبيّة والتفسيريّة .

(31) من الحريّ أن نُشيد بالباحث المصري الجاد محمّد بيُّومي مهران ، أُستاذ جامعة الإسكندريّة ، الذي سلّم بهذه الحقيقة دون أدنى تردّد ، وسجّل صراحة : أنّ المعني بــ "المولى" جزماً ، هو الأَولى بالتصرّف . راجع : الإمامة وأهل البيت : ٢ / ١٢٠ .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

سيرة المهتدي مع الإمام العسكري عليه السلام
عطاء الإمام الحسين عليه السلام
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
السيدة خديجة عليها السلام وعاء أنوار الإمامة ...
من دمعة عيناه فينا
حديث الغدير
حديث الغدير في مصادر أهل السنة
عدم الاختلاف في مجال ضروريات وقطعيات الإسلام
التوسل بأُم البنين عليها‌السلام
لیلة الرغائب

 
user comment