الحجاب ذلك الساتر الذي فرضته الشريعة الإسلامية على المرأة ، لما يتناسب مع طبيعة خلقها ، و تكوينها ، و دورها في المجتمع ، و ذلك لأن الله تعالى قد خلقها من جنس ناعم ، لطيف ، رقيق ، جميل يتعامل مع الأمور بالعاطفة و الحنان ، لتوظف هذه الأمور الخلقية في راحة زوجها ، و تربية أطفال صلحاء للمجتمع ، لا أن تكون دمية و ألعوبة بيد الرجال و الفساق و أصحاب الشهوات و الملذات ، فلذلك السبب أوجب الله تعالى على المرأة الحجاب صيانة لها و حفاظاً عليها من النفوس المريضة و المطامع الدنيئة التي قد تتعرض لها ، فهي كالجوهرة فيجب المحافظة عليها من الخائنين و الفاسدين ، و يجب حفظها في شيءٍ يسترها عن عيون المجرمين - كما يحفظ الحلي في الصناديق و القاصات - حتى لا تقع فريسةً لهم ، و الحجاب هو الساتر الوحيد و الحافظ لها ، و أن المرأة المحجبة آمنة من الخائنين ، لأن جسدها مستور و محاسنها مستورة ، فالرجال لايرون منها شيئاً ، و لايطمعون فيها ، و هم في معزل عنها ، و لايلفتهم شيءٍ منها ، بل يتهيبونها ، و يستحون منها كل ذلك لأجل الحجاب ، فالحجاب إذاً وقاية لها وصيانة لشرفها و كرامتها .
و لم يكن الإسلام أول من شرع الحجاب ، بل كان الحجاب قبل الإسلام في الديانات و الأُمم السابقة ، فقد عرف الحجاب عند اليونان و الرومان قبل ظهور الإسلام بمئات السنين ، و كذا عند عرب الجاهلية.
و المراد بالحجاب في الشريعة الإسلامية ، أن تستر المرأة جميع بدنها عدا الوجه و الكفين ، بل أفتى بعض الفقهاء بوجوب سترهما أيضا (1) أمام الرجال الأجانب - و هم غير المحارم الآتي ذكرهم في الآية الثانية - . و يشترط بالساتر أن يستر حجم بدنها و مفاتنها ، فلايجوز لها لبس الملابس الضيقة ، و ما يلصق على بدنها كالبنطلون ، و يبين تفلصيل جسمها ، و أن لايكون مزيناً بأي زينة من ناحية اللون و التفصال و المديل و الخياطة ، و كل ما يجلب الأنتباه ، و يثير الشهوة عند الرجال . وقد ذكر القرآن الكريم تشريع وجوب الحجاب على المرأة ، و بعض أحكامها في كثير من آياته نذكر هنا أهمها :
أولا ،تشريع وجوب الحجاب : كما في قوله تعالى : ( يا أيها النبي قلْْ لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين ، يدنين َعليهنَّ من جلابيبهنَّ ، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) ، ( الاحزاب60 ) ، و المراد من ( يدنين عليهن من جلابيبهن) أي يرخينها عليهن ، و يغطين به وجوههن و أعطافهن ، أي أكتافهن . و كذا في قوله تعالى : ( و لايبدينَ زينتهنَّ إلا ما ظهر منها ول يضربنَ بخمرهنَّ على جيوبهنَّ ) ، ( النور31 ) و الخمار هو القناع الذي تغطي به المرأة رأسها.
ثانياً ، حرمة إظهار جمال المرأة و زينتها لغير المحارم : كما في قوله تعالى : ( و لايبدينَ زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ و آبائهنَّ و آباء بعولتهنَّ و أبنائهنَّ و أبناء بعولتهنَّ و إخوانهنَّ و بني إخوانهنَّ و بني أخواتهنَّ ونسائهنَّ وما ملكت أيمانهنَّ ) ، ( النور31 ) .
ثالثاً ، حرمة خروج المرأة متزينة : كما في قوله تعالى : ( و قرنَ في بيوتكنَّ و لاتبرجنَ تبرج الجاهلية الأولى ) ، (الاحزاب34). كذا في قوله تعالى : ( و لايضربن بأرجلهنَّ ليعلم ما يخفينَّ من زينتهنَّ ) ، ( النور31) .
كذا ورد في السنة النبوية كثير من الأحاديث تبين أحكام وجوب الحجاب على المرأة نذكر هنا أهمها :
أولا ، حرمة خروج المرأة من بيتها متزينة : كما روي عن رسول الله ( ص ) : ( و أيما رجل تتزين امرأته ، و تخرج من باب دارها فهو ديوث ، ولايأثم من يسميه ديوثا ، و المرأة إذا خرجت من باب دارها متزينة متعطرة و الزوج بذلك راض يبنى لزوجها بكل قدم بيت في النار. احفظوا وصيتي في أمر نسائكم حتى تنجوا من شدة الحساب ، و من لم يحفظ وصيتي فما أسوء حاله بين يدي الله ). و في حديث آخر : ( قيل يا رسول الله و ما الديوث ، قال، الذي تزني امرأته ، و هو يعلم ).
ثانياً ، النهي عن كثرة الخروج ، و لبس الثياب الرقاق : كما في الخبر الإمام علي(ع) : ( من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار ، قيل : و ما تلك الطاعة ؟ ، قال : تطلب إليه أن تذهب إلى الحمامات ، و إلى العرسات ، و إلى النايحات ، و الثياب الرقاق فيجيبها ) .
ثالثاً ، الأمر بشدة الحجاب : كما في وصية الإمام علي(ع) لأبنه الحسن ( ع ) : ( و كفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن ، فإن شدة الحجاب خير لك و لهن ، و ليس خروجهن بأشد من إدخالك من لايوثق به عليهن ، و إن استطعت ، أن لايعرفن غيرك فافعل ) . و رغم كل ذلك قد اعترضن بعض الأخوات على الحجاب بعدة اعتراضات نذكر أهمها مع الجواب عليها :
الأول : ( أنا لست مع الحجاب ، الحجاب في رأيي غير لازم ).
الجواب : - هل أنت مسلمة و لا ؟ ، فأن كنت مسلمة فلا معنى لإعطاء رأيك ، و تنكرين حكم من أحكام الإسلام الضرورية فإن هذا يخرجك عن الإسلام ، و يجري عليك حكم المرتدة هو الحبس و التوبة . و إن كنت غير مسلمة مشركة وك افرة ، فلامعنى لأن تعترضي على حكم من فروع الإسلام ، بل عليك أن تناقشي أولاًَ في أصول الإسلام الأساسية.
الثاني: - ( أن العالم قد وصل إلى أوج التطور ، و من ضمن التطور الذي وصل أليه هو الملابس المزينة و السفور ، و هل تريدون أن نرجع إلى العصور القديمة ).
الجواب : - تقدم في أول المقال بأن الله تعالى شرع وجوب الحجاب ، لما يتناسب مع طبيعة خلقه للمرأة ، و دورها في المجتمع ، لا أنه شرعه عبثاً ، و من دون حكمة والعياذ بالله . ثم أن الله تعالى يعلم بعلم الأزلي قبل خلقه للخلق بهذا التطور الحاصل اليوم للعالم المادي ، فشرع وجوب الحجاب بما يتلائم مع كل العصور ، ثم أنه أي تطور مع التخلف عن شريعة الله تعالى أليس هذا هو الجهل الأكبر بأن يجهل الإنسان شريعة خالقه ، و يبتعد عنه ، ثم أنه أي تطور مع السفور المؤدي إلى الفساد ، و إنحلال المجتمع ، و كثرة الجرائم ، و الخيانات الزوجية المؤدية إلى الطلاق ، و الانشغال بالملاهي ، و الشهوات بدلاً عن العلم و العمل.
الثالث: - ( الحجاب ليس موعده الآن ، فأنني ما زلت شابة و عندما أكبر ، و أصبح امرأة كبيرة التزم بالحجاب).
الجواب : - أن الله تعالى فرض الحجاب على الشابة و الكبيرة بلافرق بينهما ، و مخالفته عصياناً و ذنباً كبير. فهل تضمنين أن تبقي في هذه الدنيا إلى أن تصبحي امرأة كبيرة ، و تتوبين لله تعالى من معصيتك؟. فالأعمار بيده تعالى ، و ما أسوء حالك لو متي على هذا ، فسيكون مصيرك في جهنم مع العاصين ، أتطيقين ذلك؟. و هل تضمنين بأن الله تعالى سيوفقك إلى التوبة بعد كل هذا الإصرار على العصيان ؟. ثم أنه كم يصبح عدد الأموال التي سوف تدفعينها لو كبرت ، و تبتي ( كفارة رد مظالم العباد ) عن كل مظلومية ، تسببت بها للشباب في معصيتهم لله تعالى بإغوائهم ، و بتحريك شهواتهم بسبب عدم التزامك بالحجاب ؟ . و كيف حال صلاتك و صيامك ، و أنت على هذا العصيان ، و عدم التقوى من الله تعالى ، و الله تعالى لايتقبل إلا من المتقين كما في قوله تعالى : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ، [ مائدة 27 ] .
الرابع : - ( إذا تحجبت ، فأن الحجاب يمنع عني أنظار الشباب فسوف لن ينظر الي أحد ، و قد يمضي شبابي فلا أتزوج ).
الجواب:- ما قيمت الزوج الذي يأتي عن معصية الله تعالى بإغوائه الشيطان في جمالك ، فلا يكون إلا الفاسق الذي لايرحمك في حياتك معه ، و يخسرك الدنيا و الآخرة ، بخلاف لو أطعت الله تعالى بحجابك فسوف يأتيك زوج صالح لأيمانك يرحمك في حياتك معه ، و يقربك لله تعالى .
الخامس : ( أن بعض المحجبات حجابهن شكلي فهن محجبات بالشكل و بالباطن ، يعملن أعمال رديئة فكيف أتحجب ، و أكون مثلهن ).
الجواب : من قال لك كوني مثلهن؟ ، بل تحجبي وأقتدي بفاطمة الزهراء(س) فهي قدوتنا الصالحة.
السادس : ( إذا أراد الله تعالى أن يهديني إلى الحجاب ، فسوف يهديني في يوم ما لأنني لست مقتنعة به الآن).
الجواب : ان الله تعالى لا يجبر الإنسان على طاعته ، و أنه جعل الاختيار بيد الإنسان ، و ما تريدين أكثر من مقدمات الهداية هذه من الله تعالى فأرسل لنا الأنبياء ، و أنزل القرآن ، و نصب الأئمة لهدايتنا ، و ما بقي علينا إلا تعلم أحكام ديننا ، و العمل بها.
______________________
المصادر:
- (1) منهم(الخوئي) و(الگلپايگاني) و(الحكيم) و(البروجردي) و(آل ياسين) و(الشيرازي) و(الروحاني) حيث يبنون ذلك على الاحتياط الوجوبي.
- مجمع البحرين ج(1). بحار الأنوار-ج(1) - ص(249).
- تحف العقول ص(57).