من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.
من سير الأطهار
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
قبسات من حياتها وسيرتها النورانية
علياء صادق الحسن
حياتها الشريفة
اختلف المؤرخون في ولادة سيدة نساء العالمين وكريمة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقيل وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وقيل ولدت بعد البعثة بسنة واحدة، وقيل بسنتين، وقيل بخمس سنين، واختلف المؤرخون في تاريخ وفاتها (عليها السلام) أيضاً، فقيل توفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخمسة وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بخمسة أشهر، وقيل بستة أشهر(1).
وبسبب هذا الاختلاف اختلف أيضاً في عمرها الشريف حين الزواج وعمرها حين الوفاة، ولعلّ القدر المتيقن من الروايات أنها وُلدت بعد البعثة بسنة واحدة، وتوفيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثة أشهر، والله العالم بذلك.
بعض الآيات النازلة بحقها (عليها السلام)
1 ـ آية المباهلة: (.. فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران، فلما رأوهم قالوا: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))، ولم يباهلوه(2).
2 ـ آية التطهير: (إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33].
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمرّ ببيت فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: ((الصلاة يا أهل البيت))، ثم يقرأ الآية المذكورة(3).
3 ـ آية المودة: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23].
سُئل (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): ((عليّ وفاطمة وابناهما))(4).
4 ـ آية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8].
أطعم أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجه الزهراء (عليها السلام) طعامهما في ثلاث ليال مسكيناً ويتيماً وأسيراً على التوالي، وآثروهم على نفسيهما وبقيا جائعين ليالي صومهم الثلاثة، فرأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فنزل جبرائيل وقال: ((خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك))، فأقرأه السورة(5).
بعض الأحاديث الشريفة في فضائلها
1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة))(6).
2 ـ ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة))(7).
3 ـ ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة وابناك سيدا شباب أهل الجنة))(8).
4 ـ ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))(9).
5 ـ ((فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها))(10).
6 ـ ((إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمّد))(11).
7 ـ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: ((أنا حرب لمَن حاربكم، وسلم لمَن سالمكم))(12).
8 ـ ((لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفو))(13).
بعض ما قيل بحقها
قالت السيدة عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها)(14).
وقالت السيدة أم سلمة: (تزوجني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها)(15).
وقال شمس الدين الذهبي: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يحبّها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديّنة خيّرة هيّنة قائمة شاكرة لله)(16).
وقال عبد الله الشبراوي: (أم الحسنين وسماء القمرين، مناقبها لا تحصى، ومفاخرها تجلّ عن الحصر والإحصا)(17).
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: (آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث، فكتب لها ان تكون وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لدوحة الأشراف من آل البيت)(18).
بعض ما قيل فيها من الشعر
قال حسان بن ثابت(19):
وإنْ مريمٌ أحصنت فرجها***وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها***وجاءت بسبطي نبي الهدى
وقالت السيدة حفصة(20):
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً***أعني علياً خير مَن في الحضر
وقال السيد عبد اللطيف فضل الله (رحمه الله):
صدّيقة ما كان لو لا حيدر***يلقى لها أحد من الأكفاء
لم يكشف الناس البلاء ولا ارتووا***إلاّ بطلعة وجهها الوضّاء
يا لمحة الفردوس حطّ بطهرها***خلد البقاء على صعيد فناء
وقال الشاعر والفيلسوف محمد إقبال:
نسب المسيح بن لمريم سيرة***بقيت على طول المدى ذكراها
والمجد يشرف من ثلاث مطالعٍ***في مهد فاطمة فمَن أعلاها
هي بنت مَن هي زوج مَن هي أم مَن***مَن ذا يداني في الفخار أباها
عناية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفاطمة (عليها السلام)(21)
أبدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عناية فائقة بفاطمة (عليها السلام) منذ ولادتها، وبعد فقدان أمّها وفي جميع مراحل حياتها، فقال في حقها ما تقدّم من أحاديث شريفة، فكان يحبّها ويكرمها ويسرُّ لها بأسراره، ففي الهجرة توقف (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخل المدينة انتظاراً لوصول فاطمة، وقام بإجراء مراسيم زواجها بنفسه، وكان إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ثم يأتي فاطمة ثم يأتي بعدها أزواجه، وكان يساعدها في إدارة أعمالها في بيتها، وجعل بيتها ملاصقاً لبيته، وكان يمرّ بها قبل ذهابه إلى المسجد لصلاة الصبح، وكان يقبّلها إن دخلت عليه ويقوم لها، ولمّا نزلت (وآت ذا القربى حقه) أعطاها فدكا(22)، وكان يبدي عناية خاصة بولديها.
وقد ناجاها عدة ساعات قبل وفاته (صلّى الله عليه وآله)، وأخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به.
حياة فاطمة (عليها السلام) العائلية
بعد الهجرة إلى المدينة، خطبها أبوبكر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها عمر فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أنتظر بها القضاء))، وخطبها بعد ذلك عليّ فزوّجه(23)، وقال (صلّى الله عليه وآله): ((إن ربّي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه))(24).
وساهم (صلّى الله عليه وآله) في زفافها لتحظى بقمة الفضائل والمكارم، فزواجها من الله تعالى، وزفافها تمّ بيد رسوله (صلّى الله عليه وآله).
وبعد تمام مراسيم الزواج، تمّ توزيع الأعمال في داخل البيت، فضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز والتنظيف، وضمن لها عليّ ما كان خارج البيت، ووصف عليّ حالها: ((جرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضرر))(25).
وكانت زاهدة في زينة الدنيا، قانعة بما قسم الله لها من الرزق، صابرة على شظف العيش وعسرته، فكانت تبقى بعض الأيام جائعة فلا تخبر علياً بذلك، فكانت تصف حالها ((مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلق عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا من أدم حشوها ليف))(26).
ودخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات مرة وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة.
وكانت شملتها بالية، قد خيطت في اثني عشر مكاناً، وكان عليّ يقول: ((فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان)).
وطلبت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جارية للخدمة، فعلّمها (صلّى الله عليه وآله) التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء عوضاً عن طلبها(27).
فكانت قدوة النساء في إدارة شؤون العائلة، وفي التقيد بالحقوق والواجبات الزوجية، لا تكلّف الزوج فوق طاقته، ولا تطلب منه شيئاً إلاّ أن يأتي به هو، وكانت تدخل السرور إلى قلب زوجها، وكيف لا تكون قدوة وهي بنت خير أهل الأرض والسماء، وقد جاءت إلى الحياة بالطريقة التي وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أتاني جبرائيل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة))(28).
حياة فاطمة (عليها السلام) الجهادية
عاشت فاطمة المحبة الحقيقية، وتحمّلت مع أبيها (صلّى الله عليه وآله) شتّى أنواع الأذى والآلام حينما أعلن مشركو قريش المواجهة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين، وعاشت ظروف الجوع والحرمان وهي صغيرة، بعد المقاطعة والحصار الاقتصادي الذي فرضه المشركون على بني هاشم لحمايتهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والذي دام ثلاث سنين، وكانت تمسح التراب والدم عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبكي ممّا أصابه من أذى المشركين، فيقول لها (صلّى الله عليه وآله): ((لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه)).
هاجرت من مكة إلى المدينة عبر الصحراء القاحلة بعد ملاحقة المشركين النسوة ومطاردتهم القافلة.
وكانت مع أربع عشرة امرأة في واقعة أحُد يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم(29).
وكانت مع النساء في غزوة الخندق وفي غزوات أخرى، وإضافة إلى ذلك فإنها أعطت كل ما ورثته من خديجة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لينفقه في الدعوة إلى الإسلام.
حياة فاطمة (عليها السلام) العامة
بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانشغال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتجهيز جثمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انعقد مؤتمر السقيفة الذي حضره بعض الأنصار وثلاثة من المهاجرين، وكان جميع الصحابة غائبين عن هذا الحضور، الذي تمخّض بعد مشادات ساخنة، عن اختيار أبي بكر خلفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤون المسلمين.
وبعد سماع عليّ (عليه السلام) وبني هاشم وكثير من الصحابة بأخبار البيعة، تخلّفوا عنها وعارضوها، وكانوا يجتمعون بدار فاطمة (عليها السلام) ويتشاورون في مصير الإسلام والأمّة الإسلامية، وفي موقفهم من البيعة، لأنهم يرون أحقية عليّ بالخلافة للنصوص الواردة في هذه الأحقيّة، ومنها:
ما جاء في حجّة الوداع من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع المسلمين وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى.. فقال (صلّى الله عليه وآله): ((مَن كنت مولاه فعليّ مولاه))(30).
إضافة إلى عشرات الأحاديث التي عبّر فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن عليّ بـ ((سيد المسلمين، قائد الغر المحجلين، إمام أوليائي، يعسوب الدين، إمام المتقين)).
إضافة إلى النص عليه بالخلافة كما جاء في جوار ابن عباس مع عمر بن الخطاب، وكان عمر يقول: (لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذرؤ من قول.. لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً)(31).
وحينما أرادت الخلافة الجديدة أخذ البيعة من المعارضين المجتمعين في دار فاطمة (عليها السلام)، لم تستطع إخراجهم من دارها بعد أن قابلتهم بحجة قاطعة ((تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً))(32).
وكانت تخرج لتدعو الأنصار إلى نقض البيعة وإلى الدعوة إلى بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتقول لهم: ((ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم))(33).
وكانت (عليها السلام) تخطب في المهاجرين والأنصار وتوضّح لهم دور عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) في الأمّة، وتقول: ((نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحلّ قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه))(34).
وكانت توضّح العوامل التي دعت قريش للتخلّف عن بيعة عليّ (عليه السلام) بالخلافة فتقول: ((..وما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته))(35).
وطالبت بميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (أرضه من فدك وسهمه من خيبر)، فلم تُعطى ذلك الحق(36).
واستمرت بالمطالبة (تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها)(37).
فهجرت أبابكر (فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ (عليه السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر)(38).
حياة فاطمة (عليها السلام) العلمية
كان كثير من الصحابة يرجع إلى فاطمة (عليها السلام) لمعرفة الحديث والتفسير، وكان كثير من النساء يحضرن في بيتها لاخذ معالم الدين منها، فقد روت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعلى رأسهم الحسن والحسين (عليهما السلام)، وروى عنها ابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع، وزينب بنت علي (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، ومن أحاديثها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(39).
((ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)).
((الله يحبّ الحيي الحليم الضعيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء)).
((إن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)).
((إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد حق السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته)).
((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم)).
بعض أدعيتها (عليه السلام)
((اللّهم ألحق روحي بروحه (تعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، وأشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة)).
بعض أشعارها
ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت علي مصائب لو أنها***صبّت على الأيام صرن لياليا
...........
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي
فيا ساكن الغبراء علّمتني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائبِ
فإن كنتَ عنّي في التراب مغيباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(41)
متفرقات من سلوكها وفضائلها
ـ كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكان الأم والبنت، تغمره بعواطفها وتقوم على خدمته، وتهوّن عليه همومه لذلك سمّاها أمّ أبيها(42).
ـ قال الحسن (عليه السلام): ((رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميّهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار))(43).
ـ وكانت تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتبكي عندهم وتدعو(44).
ـ في أحد ضمدت جرح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ألصقته بالجرح(45).
ـ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة وهي تطحن مع عليّ، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((لأيكما أعقب، فقال عليّ: لفاطمة، فإنها قد أعيت، فطحن (صلّى الله عليه وآله) مع علي لفاطمة (عليه السلام))).
ـ استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فسألها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت: ((إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح))، فقال (صلّى الله عليه وآله): ((أشهد أنّك بضعة منّي)).
ـ قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه: ((إنّي مقبوض في مرضي هذا))، فبكت، وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء هذه الأمّة فضحكت، وكتمت ذلك، فلما توفي (صلّى الله عليه وآله) سألتها عائشة، فحدثتها بما أسرّ إليها(46).
ـ في يوم وفاتها اغتسلت ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لسلمى أم رافع: ((اجعلي فراشي وسط البيت))، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت: ((يا أمّه إني مقبوضة الساعة))، فاحتملها عليّ (عليه السلام) ودفنها بغسلها(47).
ـ شيعها عليّ والحسنان وبنوها، وعمار والمقدار والزبير وأبوذر.
ـــــــــــــ
1 ـ المستدرك على الصحيحين، 3/163. مجمع الزوائد، 9/202. بحار الأنوار، 43/6.
2 ـ الكامل في التاريخ، 2/293.
3 ـ مسند أحمد، 4/157.
4 ـ ذخائر العقبى، 25.
5 ـ ربيع الأبرار، 2/148.
6 ـ الإصابة، 8/158.
7 ـ مجمع الزوائد، 9/223.
8 ـ م. ن. 9/201.
9 ـ الإصابة، 8/158.
10 ـ المعجم الكبير، 22/405.
11 ـ م. ن. 22/400.
12 ـ مسند أحمد، 4425.
13 ـ بحار الأنوار، 43/145.
14 ـ المستدرك، 3/160.
15 ـ بحار الأنوار، 43/10.
16 ـ سير أعلام النبلاء، 2/119.
17 ـ الإتحاف بحبّ الأشراف، 128.
18 ـ بطلة كربلاء، 13.
19 ـ بحار الأنوار، 43/50.
20 ـ م. ن. 43/116.
21 ـ الاستيعاب، 4/376. تنبيه الخواطر، 2/230. المنتظم، 3/87.
المعجم الكبير، 22/416.
22 ـ شواهد التنزيل، 1/339.
23 ـ الطبقات الكبرى، 8/18.
24 ـ مجمع الزوائد، 9/204.
25 ـ حلية الأولياء، 2/41.
26 ـ بحار الأنوار، 43/88.
27 ـ حلية الأولياء، 2/41.
28 ـ ذخائر العقبى، 45.
29 ـ المغازي، 1/249.
30 ـ مسند أحمد، 5/355. صحيح مسلم، 2/362.
31 ـ شرح نهج البلاغة، 12/21.
32 ـ الإمامة والسياسة، 1/12.
33 ـ م. ن.
34 ـ شرح نهج البلاغة، 16/211.
35 ـ م. ن. 16/234.
36 ـ تاريخ الطبري، 3/208، أحداث 11 هـ .
37 ـ شرح نهج البلاغة، 1/199.
38 ـ تاريخ الطبري، 3/208. تاريخ الذهبي، 591.
39 ـ المعجم الكبير، 22/414ـ423.
40 ـ تاريخ الخميس، 2/173.
41 ـ بيت الأحزان، 140.
42 ـ دائرة المعارف الشيعية، 2/5.
43 ـ كشف الغمّة، 2/94.
44 ـ شرح نهج البلاغة، 15/36.
45 ـ م. ن. 15/40.
46 ـ سير أعلام النبلاء، 2/120.
47 ـ الإصابة، 8/159.