إتّباع أهل البيت^
الشيعة الحقيقيون
حدّد أهل البيت^ جملة مواصفات يجب أن تتوافر في الإنسان لكي يكون من شيعتهم الحقيقيين، فهناك باقة ورد من الصفات الأخلاقية والإنسانية ومن النبل والشهامة والكرم، والتواضع والمحبة وإباء الضيم ونصرة المظلوم وكلما هو إنساني رفيع وبعد ذلك يحق للمرء أن يقول أنا شيعي، فالتشيع ليس محض إدعاء ولقلقة لسان، وإنّما هو انتماء حقيقي وسيرة تجسد المثل الأعلى للإنسانية يقول الإمام الباقر×:
>حسب الرجل أن يقول أحبُّ علياً وأتولاه، ثمَّ لا يكون مع ذلك فعّالاً؟<
ثم يضيف قائلاً:
>يا جابر! والله ما يُتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحدٍ من حجة، من كان لله مُطيعاً فهو لنا وليٌّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوٌّ، وما تُنال ولايتنا إلاّ بالعقل والورع([1]).
ويقول الإمام الباقر× للفضيل:
>بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السلام، وقل لهم: إنّ لا إغني عنكم من الله شيئاً إلاّ بورعٍ، فأحفظوا ألسنتكم، وكفُّوا أيديكم،
وعليكم بالصبر والصلاة، إنّ الله مع الصابرين<([2]).
ويقول الإمام الصادق×:
>معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم وكفُّوها عن الفضول وقبيح القول<([3]).
وقال أيضاً:
>يا بن جُندب! بلِّغ معاشر شيعتنا وقل لهم، لا تذهبنَّ بكم المذاهب فوالله لا تُنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا، ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس<([4]).
أنهم^ يوصون أتباعهم بالسير في طريق قويم فيأمرونهم بعمل المعروف وينهونهم عن ارتكاب المنكر، إنّهم لا ينفكون قائلين ومؤكدين أن الذين يعصون ويذنبون هم ليسوا من أتباعهم وأن ارتكاب الذنوب من صفات أعدائهم، فالخونة والغادرون والظالمون والذين يأكلون السحت هم أبداً ليسوا منهم.
إن الشيعي الحقيقي من تخلّق بأخلاقهم واتصف بصفاتهم وتحلّى بخصالهم وسار على هديهم.
وجاء في رواية عبدالرحمن بن أبي نجران قال: قلت لأبي عبدالله×: الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق، ثمَّ يعمل شيئاً من البرّ فيدخله شبه العجب، لما عمل، قال×: >فهو في حاله الأولى أحسن حالاً منه في هذه الحال<([5]).
عن أبي جعفر الباقر× قال: >إن الله فوَّض الأمر إلى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع أرضين فلما رأى أنَّ الأشياء قد انقادت له، قال: من مثلي فأرسل الله عليه نويرة من النار قيل: وما النويرة؟ قال: نار مثل الأنملة، فاستقبلها بجميع ما خلق فيحكُّ لذلك حتّى وصلت إلى نفسه لما أن دخله العجب<([6]).
قال محمد بن علي الباقر×: دخل محمّد بن عليّ بن مسلم بن شهاب الزهري على عليّ بن الحسين زين العابدين‘ وهو كئيب حزين، فقال له زين العابدين: ما بالك مهموماً مغموماً؟ قال: يا ابن رسول الله هموم وغموم تتوالى عليَّ لما امتحنت به من جهة حسّاد نعمتي، والطامعين فيَّ، وممّن أرجوه وممّن أحسنت إليه فيخلف ظنّي، فقال له علي بن الحسين زين العابدين×: >أحفظ لسانك تملك به إخوانك قال الزهري: يا ابن رسول الله إنّي أُحسن إليهم بما يبدر من كلامي، قال عليُّ بن الحسين‘: >هيهات هيهات إيّاك وأن تعجب من نفسك بذلك، وإيّاك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كلُّ من تسمعه نكراً يمكنك لأن توسّعه عذراً.
ثمَّ قال: يا زهريُّ من لم يكن عقله أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه، ثمَّ قال: يا زهريُّ وما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل أخيك، فأيَّ هؤلاء تحبُّ أن تظلم؟ وأيَّ هؤلاء تحبُّ أن تدعو عليه؟ وأيَّ هؤلاء تحبُّ تهتك ستره.
وإنّ عرض لك إبليس لعنه الله بأنَّ لك فضلاً على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك، فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خيرٌ منّي، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير منّي وإن كان تِربك فقل: أنا علي يقين من ذنبي وفي شكّ من أمره، فمالي أدع يقيني بشكّي، وإن رأيت المسلمين يعظّمونك ويوقّروك ويبجّلونك فقل: هذا فضل أخذوا به، وإن رأيت منهم جفاء وانقباضاً عنك، فقل: هذا لذنب أحدثته، وفرحت بما يكون من برّهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
وأعلم أنَّ أكرم الناس على الناس من كان خيره فائضاً عليهم، وكان عنهم مستغنياً متعفِّفاً، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعفّفاً وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدُّنيا يعشقون الأموال، فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكّنهم منها أو من بعضها كان أعزَّ وأكرم([7]) .
عن أبي عبدالله× قال: إنَّ عالماً أتى عابداً فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: تسألني عن صلاتي وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا؟ فقال: كيف بكاؤك؟ فقال: إنّي لأبكي حتّى تجري دموعي فقال له العالم: فإنّ ضحكك وأنت تخاف الله أفضل من بكائك وأنت مدلٌّ على الله، إنَّ المدلَّ بعمله لا يصعد من عمله شيء.
وعن زرارة، عن أبي عبدالله× قال: قال داود النبي×: لأعبدنَّ الله اليوم عبادة ولأقرأنَّ
قراءة لم أفعل مثلها قطٌّ، فدخل محرابه ففعل، فلمّا فرغ من صلاته إذا هو بضفدع في المحراب، فقال له: يا داود أعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك؟ فقال: نعم، فقال: لا يعجبنّك فإنّي أُسبّح الله في كلِّ ليلة ألف تسبيحة يتشعّب لي مع كلِّ تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، وإنّي لأكون في قعر الماء فيصوِّت الطير في الهواء فأحسبه جائعاً فأطفو له على الماء ليأكلني وما لي ذنب.
عن أبي عبدالله الصادق× قال: إنَّ العبد ليذنب الذنب فيندم عليه، ثمَّ يعمل العمل فيسرُّه ذلك، فيتراخى عن حاله تلك، ولأن يكون على حاله تلك خير له ممّا دخل فيه.
وجاء في الأثر: >إن الله تبارك وتعالى يقول: إنَّ من عبادي من يسألني الشيء من طاعتي لأحبّه فأصرف ذلك عنه لكيلا يعجبه عمله.
وجاء أيضاً: >إنَّ أيّوب النبي× قال: يا ربِّ ما سألتك شيئاً من الدُّنيا قطُّ وداخله شيء فأقبلت إليه سحابة حتّى نادته: يا أيّوب من وفّقك لذلك؟ قال: أنت يا ربِّ.