ذكر في القرآن الكريم في غير مورد إحياء المسيح للموتى ، قال تعالى لعيسى عليه السلام : ( وإذ تُخرِجُ الموتى بإذني )(35)، وقال تعالى حاكياً عنه : (وأُحيي الموتى بإذنِ اللهِ )(36).
فكان بعض الموتى الذين أحياهم عيسى عليه السلام بإذن الله تعالى قد رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ثم ماتوا بآجالهم(37).
إحياء أصحاب الكهف:
هؤلاء كانوا فتية آمنوا بالله تعالى ، وكانوا يكتمون إيمانهم خوفاً من ملكهم الذي كان يعبد الأصنام ويدعو إليها ويقتل من يخالفه ، ثم اتّفق أنّهم اجتمعوا وأظهروا أمرهم لبعضهم ، ولجأوا إلى الكهف ( وَلَبِثُوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مائةٍ سِنينَ وازدادُوا تِسعاً )(38) ثم بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم وقصتهم معروفة .
فإن قال قائل : إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال : ( وتَحسَبُهُم أيقاظاً وهُم رُقُودٌ )(39) وليسوا موتى . قيل له: رقود يعني موتى، قال تعالى: ( ونُفِخَ في الصُّورِ فإذا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهم يَنسِلُونَ * قالُوا يا وَيلنا من بَعَثَنا مِن مَّرقَدِنا هَذا ما وَعدَ الرَّحمنُ وصَدَقَ المرسَلونَ )(40)، ومثل هذا كثير (41). وروى يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي في (عقد الدرر) عن الثعلبي في تفسيره في قصة أصحاب الكهف ، قال : (وأخذوا مضاجعهم ، فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي عليه السلام ، يقال : إنَّ المهدي يسلّم عليهم فيحييهم الله عزَّ وجلَّ)(42) ، وهو يدلُّ على رجعتهم في آخر الزمان .
إحياء قتيل بني إسرائيل :
روى المفسرون أنَّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قريباً له غنياً ليرثه وأخفى قتله له ، فرغب اليهود في معرفة قاتله ، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة ويضربوا بعض القتيل ببعض البقرة ، ليحيا ويخبر عن قاتله ، وبعد جدال ونزاع قاموا بذبح البقرة ، ثم ضربوا بعض القتيل بها ، فقام حياً وأوداجه تشخب دماً وأخبر عن قاتله ، قال تعالى ( فَقُلنا اضرِبُوهُ بِبَعضِهَا كَذلِكَ يُحيي اللهُ الموتى ويُريكُم آياتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ )(43).
إحياء الطيور لإبراهيم عليه السلام بإذن الله:
ذكر المفسرون أنّ إبراهيم عليه السلام رأى جيفة تمزّقها السباع ، فيأكل منها سباع البرّ وسباع البحر ، فسأل الله سبحانه قائلاً « يا ربِّ ، قد علمت أنّك تجمعها في بطون السباع والطير ودواب البحر ، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك » ؟ قال سبحانه : ( وإذ قالَ إبراهيمُ ربِّ أرِني كيفَ تُحيي المَوتى قالَ أوَلَمْ تُؤمِنْ قالَ بلى ولكِن لِيطمئنَ قَلبي قَالَ فَخُذ أربعةً مِنَ الطيرِ فَصُرهُنَّ إليكَ ثُمَّ اجعل على كُلِّ جَبلٍ مِنهُنَّ جُزءاً ثُمَّ ادعهُنَّ يأتِينَكَ سعياً واعلم أنَّ اللهَ عزيزٌ حَكيمٌ)(44) .
فأخذ طيوراً مختلفة الأجناس ، قيل : إنّها الطاووس والديك والحمام والغراب ، فقطعها وخلط ريشها بدمها ، ثم فرقها على عشرة جبال ، ثم أخذ بمناقيرها ودعاها باسمه سبحانه فأتته سعياً ، فكانت تجتمع ويأتلف لحم كل واحدٍ وعظمه إلى رأسه ، حتى قامت أحياء بين يديه(45).
إحياء ذي القرنين:
اختلف في ذي القرنين فقيل : إنّه نبي مبعوث فتح الله على يديه الأرض ، عن مجاهد وعبدا لله بن عمر . وقيل : إنّه كان ملكاً عادلاً .
وروي بالإسناد عن أبي الطفيل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « إنّه كان عبداً صالحاً أحبَّ الله فأحبّه وناصح الله فناصحه ، قد أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله، فضربوه على قرنه الآخر فمات ، فسميَّ ذا القرنين » . قال عليه السلام : «وفيكم مثله»(46) يعني نفسه عليه السلام(47).
وفي رواية علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنَّ ذا القرنين بعثه الله إلى قومه ، فضربوه على قرنه الأيمن ، فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك ، فضربوه على قرنه الأيسر ، فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك ، فملّكه مشارق الأرض ومغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيثُ تغرب »(48).
إحياء أهل أيوب عليه السلام :
قال تعالى : ( وآتيناهُ أهلَهُ وَمِثلَهُم مَعَهُم ) قال ابن عباس وابن مسعود : ردَّ الله سبحانه عليه أهله ومواشيه وأعطاه مثلها معها . وبه قال الحسن وقتادة وكعب ، وهو المروي عن أبي عبدا لله عليه السلام(49).
هذه الحالات جميعاً تشير إلى الرجوع للحياة بعد الموت في الأمم السابقة ، وقد وقعت في أدوار وأمكنة مختلفة ، ولأغراض مختلفة ، ولأشخاص تجد فيهم الاَنبياء والأوصياء والرعية ، وهي دليل لا يُنازع فيه على نفي استحالة عودة الأموات إلى الحياة الدنيا بعد الموت .
وهنا من حقنا أن نتساءل : ما المانع من حدوث ذلك في المستقبل لغرض لعلّه أسمى من جميع الإغراض التي حدثت لأجلها الرجعات السابقة ؟ ألا وهو تحقيق مواعيد النبوات وأهداف الرسالات في نشر مبادئ العدالة وتطبيق موازين الحق على أرض دنّستها يد الجناة والظلمة، وأشبعتها ظلماً وجوراً حتى عادت لا تطاق ( وَلَقَد كَتَبنا في الزَّبُورِ مِنْ بَعدِ الذِكرِ أنَّ الأرض يَرِثُها عِباديَ الصالِحُونَ )(50) وقال تعالى : (فتَربَّصُوا حتى يَأتيَ اللهُ بأمرِهِ ) .
ويعزّز الدليل على حدوث الرجعة في المستقبل كما حدثت في الأمم الغابرة ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « لتتبعنَّ سنن الذين من قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جُحر ضبّ لسلكتموه » قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : « فمن »(51).