عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

ثانياً : الآيات الدالة على وقوعها قبل القيامة

ثانياً : الآيات الدالة على وقوعها قبل القيامة :

 أولاً : قوله تعالى : ( وإذا وقعَ القولُ عَليهم أخرَجنا لَـهُم دابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُم أنَّ الناسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ * ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ممن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزعُونَ * حتَّى إذا جاءُوا قال أكذّبتُم بآياتي ولم تُحيطُوا بها عِلماً أمَّاذا كُنتُم تَعملُونَ )(52)إلى قوله تعالى : ( ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ من في السَّماواتِ ومن في الأرض إلاّ من شاءَ اللهُ وكلٌّ أتوهُ داخرينَ )(53).

 من أمعن النظر في سياق الآيات المباركة وما قيل حولها من تفسير ، يلاحظ أنّ هناك ثلاثة أحداث مهمة تدلُّ عليها ، وهي بمجموعها تدلُّ على علامات تقع بين يدي الساعة وهي :

 1 ـ إخراج دابة من الأرض: ( أخرَجَنا لَـهُم دابَّةً من الأرض ).

 2 ـ الحشر الخاص : ( ويومَ نَحشُرُ من كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً ) .

 3 ـ نفخة النشور ثم القيامة : ( ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ... وكُلٌّ أتوهُ داخِرينَ) ، وسوف نتحدث عمّا في تلك الآيات من دلالة واضحة على الاعتقاد بالرجعة وعلى النحو الآتي :

 فالآية الأولى تتعلق بالوقائع التي تحدث قبل يوم القيامة باتّفاق المفسرين ، ويدلُّ عليه أيضاً ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ بين يدي الساعة الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج والدخان وطلوع الشمس من مغربها »(54).

وروى البغوي عن طريق مسلم ، عن عبدا لله بن عمرو ، قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إنَّ أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة ضحىً »(55).

ما هي دابة الأرض ؟

الدابة تطلق في اللغة على كلِّ ما يدبُّ ويتحرك على وجه الأرض من الإنسان والحيوان وغيره ، قال تعالى : ( وَمَا مِن دابَّةٍ في الأرض إلاّ على اللهِ رِزقُها )(56)، وقال تعالى :

(( ولو يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلمِهِم مَّا تَرَكَ عَليها مِن دَابّةٍ ))(57) . وخُصصت في بعض آي القرآن بالإنسان، كقوله تعالى: ( إنَّ شرَّ الدّوابِّ عندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لا يَعقِلُونَ )(58)، وفي بعض آخر بغير الإنسان، كقوله تعالى: (( والدّوابُّ وكثيرٌ مِن النَّاسِ )(59)، وقوله تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ والدّوابِّ ))(60). وقد ذكرت الدابة التي في قوله تعالى : (( دابةٌ مِنَ الأرض )) بشكل مجمل ، والوصف القرآني الوحيد المذكور لها بأنّها تكلّم الناس ، أما سائر أحوالها وخصوصياتها وكيفية ومكان خروجها ، فإنّها مبهمة في ظهر الغيب ولا يفصح عنها إلاّ المستقبل . والروايات الواردة بشأن تفسير هذه الآية كثيرة، ولا دلالة من الكتاب الكريم على شيءٍ منها، فإن صحّ الخبر فيها عن الرسول الأكرم وآله عليهم السلام قبلت، وإلاّ لم يلتفت إليها، ويمكن تلخيص مضمون هذه الروايات في نقطتين:

1 ـ إنَّ طائفة منها تدل على أنَّ هذه الدابة كائن حي غير معروف ومن غير جنس الإنسان ، ولها شكل مخيف ، فهي ذات وبر وريش ومؤلفة من كل لون ، ولها أربع قوائم ، ولها عنق مشرف يبلغ السحاب ، ويراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، تخرج في آخر الزمان من الصفا ليلة منى، وقيل : من جبل جياد في أيام التشريق ، لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، وتحدّث الناس عن الإيمان والكفر ، وتسم المؤمن بين عينيه ويكتب بين عينيه مؤمن ، وتسم الكافر بين عينيه ويكتب بين عينيه كافر .

 2 ـ والطائفة الثانية تدل على أنّ وجهها كوجه إنسان وجسمها كجسم الطير ، وأنّها تصرخ بأعلى صوتها بلسان عربي مبين : ( إنَّ النَّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ ) وأن معها عصا موسى وخاتم سليمان ، وتميّز بهما بين المؤمنين والكافرين ، فتنكت وجه المؤمن بالخاتم فتكون في وجهه نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يضيء لها وجهه ، وتنكت أنف الكافر بالعصا فتكون في وجهه نكتة سوداء فتفشو تلك النكتة حتى يسودّ لها وجهه(61) . وفي بعض الروايات ما يدل على أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو مصداق لهذه الآية ، فقد روي بالإسناد عن سفيان بن عيينة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، أنّه قال : دابة الأرض عليّ قدس سره(62). وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول، وإنّي لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس »(63) . وروى الشيخ علي بن إبراهيم بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «قال رجل لعمار بن ياسر، يا أبا اليقظان، آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني. قال عمار : أيّة آية هي ؟ قال : ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الأرض تُكلّمُهُم أنَّ النَّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقنُونَ ) فأيّة دابة هذه ؟ قال عمار : والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أُريكها ، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال : يا أبا اليقظان، هلمّ ، فجلس عمار ، وأقبل يأكل معه ، فتعجّب الرجل منه ، فلمّا قام قال له الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان ، حلفت أنّك لا تأكل ولا تشرب

ولا تجلس حتى ترينيها . قال عمار : قد أريتكها ، إن كنت تعقل »(64).

 وروي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد ، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه ، فحركه ثم قال له : قم يا دابة الأرض .

 فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ، ما هو إلاّ له خاصة ، وهو الدابة التي ذكرها الله تعالى في كتابه: ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الأرض ) »(65).

 وروي عن الاَصبغ بن نباتة ، قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، قال الله عز وجل : ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الأرض تُكلّمُهُم ) الآية ، فما هذه الدابة؟ قال عليه السلام : « هي دابة تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً »(66).

 ويقول أبو الفتوح الرازي في تفسيره : طبقاً للإخبار التي جاءتنا عن طريق الأصحاب ، فإنَّ دابة الأرض كناية عن المهدي صاحب الزمان عليه السلام(67).

 ومع الأخذ بنظر الاعتبار لهذا الحديث والأحاديث المتقدمة ، يمكن أن يستفاد من دابة الأرض مفهوم واسع ينطبق على أي إمام عظيم يرجع في آخر الزمان، ويميّز الحق عن الباطل والمؤمن من الكافر، وهو آية من آيات عظمة الخالق.

والتعبير الوارد في الروايات المتقدمة بأنّ معه عصا موسى التي ترمز إلى القوة والإعجاز ، وخاتم سليمان الذي يرمز إلى الحكومة الإلهية ، قرينة على كون الدابة إنساناً مسدّداً بالقدرة الإلهية العظيمة بحيث يكون آية للناس ، إضافة إلى ذلك فإنّ قوله تعالى : ( تُكلّمهم ) يساعد على هذا المعنى . الحشر الخاص، قوله تعالى: ( وَيَومَ نَحشُر من كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً ). سبق أن بيّنا أنَّ الآية الأولى ( أخرَجنَا لَهُم دابَّةً مِنَ الأرض ) تتعلق بالحوادث التي تقع قبل يوم القيامة ، وذلك باتّفاق المفسرين ، وعليه تكون آية الحشر الخاص ( ويومَ نَحشرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ) مكملة لها ومرتبطة بها من حيث التسلسل الزمني للإحداث فضلاً عن سياق الآيات وترتيبها ، فقد وقعت آية الحشر الخاص بين علامتين من العلامات التي تقع قبيل الساعة وهي الدابة والنفخة ( ويومَ يُنفَخُ في الصُورِ ) ممّا يدلُّ على أنّ الحشر الخاص يقع قبل القيامة وأنّه من علاماتها ، وعبّر تعالى عن الحشر العام بعد نفخة النشور بقوله : ( فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ وَمَن في الأرض... وكُلٌّ أتوهُ داخِرينَ ) ، إذن فهناك حشران حشر يجمع فيه من كلِّ أمة فوجاً وهو الرجعة ، وحشر يشمل الناس جميعاً وهو يوم القيامة ، وبما أنّه ليس ثمة حشر بعد القيامة إجماعاً فيتعين وقوع هذا الحشر بين يدي القيامة . وبعبارة أُخرى أنّ ما يدلُّ على منافاة الحشر الخاص ليوم القيامة ، هو أنّ هذه الآية تدلُّ على حشر فوج من كلِّ أُمّة من أُمم البشرية ممّن كان يكذّب بآيات الله ، و ( من ) في قوله تعالى (( مِن كلِّ أُمّة )) تفيد التبعيض ، وهذا يعني الاستثناء ، وقد دلنا الكتاب الكريم في آيات عديدة على أنّ حشر القيامة لا يختصّ بقوم دون آخرين ، ولا بجماعة دون أُخرى، بل يشمل الجميع دون استثناء ((ويومَ يَحشُرُهُم جميعاً ))(68)، فطالما حصل الاستثناء فإنَّ ذلك لا يتعلق بأحداث يوم القيامة الذي ينهي الحياة برمّتها على وجه الأرض ، ومن خلال ما تقدم اتضح الكلام عن دلالة الآية الثانية التي ذكرناها كعلامة بين يدي الساعة . إذن فالآية تأكيد لحدوث الرجعة التي تعتقد بها الشيعة الإمامية في حق جماعة خاصة ممّن محضوا الكفر أو الإيمان ، والإيمان هذه الجماعة للحياة قبل يوم القيامة ، أما خصوصيات هذه العودة وكيفيتها وطبيعتها وما يجري فيها ، فلم يتحدث عنها القرآن الكريم ، بل جاء تفصيلها في السُنّة المباركة ، فإنّ صحت الإخبار بها توجّب قبولها والاعتقاد بها ، وإلاّ وجب طرحه(69).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور
في رحاب بقية الله: المهدوية عقيدة النجاة
المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الامام ...
تكاليف عصر الغيبة الكبری
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
المدخل إلى عقيدة الشيعه الإمامية في ولادة الإمام ...

 
user comment