فالأوربيون: نسبوا أنفسهم إلى السيادة، لأنهم بيض البشرة، أو لأنهم ولدوا في أوربا! .. وهذا الخط ـ خصوصا ـ له أصوله الأيدلوجية الضاربة في التاريخ،[15] ابتدأ من (ابيقور) مرورا بـ (نيتشة) والى (هيجل) الذي ادعى إن صيرورة الفلسفة: غربية، هو ذاته غايتها، وصيرورة الدين في المسيحية، حيث الأوربيين يمثلوه.
وصار لهذا الخط اليوم مدرسة، وقادة، وثقافة انتروبولوجية، تكتسح العالم بما أوتيت من إمكانيات إعلامية هائلة.
وحين نقول ذلك لا نتجنى على الغربيين فها هم اليوم قد وظفوا نظرياتهم في السياسة والاقتصاد بل وفي العلوم الحديثة لخدمة أغراضهم الاستعمارية .
ففي عام 1970م بلغ عدد الهيئات المتخصصة الأساسية بالدراسات السياسية او التي هي في خدمة السياسة الغربية ما يقارب ال(386) هيئة متخصصة في التنظير السياسي بما يوافق لاسترتجية المستقبلية الأمريكية خصوصا وبما يخدم الإيديولوجية الغربية عموما.[16]
فتحت عنوان (فوكوياما، هنتنغتون؛ والإسلام)، كتب وجيه كوثراني مقالة متميزة في مجلة الاجتهاد في عددها (495)، لشتاء عام ـ 2001م؛ بيّن أن هناك تيار فلسفي ضارب في التاريخ بدأه ابيقور ثم فصله هيجل، وعززه نيتشة وحاول أن يكتب نهايته فكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) بتفوق العقلية الغربية، متخذا من انهيار الاتحاد السوفيتي دليلا لثبات الدولة الليبرالية الديمقراطية، ومجتمعها المدني، أما هنتنغتون فيعتبر في كتابه (صدام الحضارات)، إن الصراع اليوم ليس صراعا أيديولوجيا، بل صراع حضارات.
هذان النموذجان من الخطاب الأمريكي؛ هما في الواقع تحقيق لما تطالب به الإستراتيجية الأمريكية ولكي يتحقق لنا؛ أننا لا نتجنى على الأمريكان والغربيين؛ ((انظر مقالة جري جوري فوستر في عام (1990م) في مجلة "WashingtonQuarterly.vol.13" والتي كتبها تحت عنوان:
"A Conceptual Foundation For A theory of Strategy"، في ثوابت الأسس المتصورة للإستراتجية الأمريكية في التنظير السياسي.
إن الثقل الفلسفي المدعم لنظرية فوكوياما، والبعد الابسمولوجي البنيوي في اعتبار (هنتنغتون)؛ إن للإسلام حدودا دموية؛ يشكلان فرضية؛ تعبّر عن أمور هي:
1. توكيد الأيديولوجية الغربية التي تعتمد شعار (أنا خير منه) والتي هي في الواقع عقيدة إبليس من قبل أورثها أولياءه في النظريات السياسية الغربية.
2. او هي سوء استخدام المفاهيم الفلسفية وتوظيفها في عالم السياسة.
3. وهي في ذات الوقت تهدف إلى تشويه الإسلام والحضارة الإسلامية، وتحميل المسلمين، نتائج صراعات هم يصنعونها نصوصا وسيناريوهات، بالإضافة إلى مكر السيئ.
4. وتفيدنا هذه التوظيفات بان الضجة الإعلامية حول سياسة توظيف الإرهاب خصوصا في الشرق الأوسط غير صادقة لان وراءها أهداف أخرى.
5. أثبتت الدراسات العلمية الحديثة في الهندسة الوراثية للحامض النووي الريبوزي أل(DNA) للإنسان(الجينوم) أن البشر جنس واحد، وتكوين واحد لا يتمايزون بقدراتهم في خيار الفعل الأفضل، بسبب بشرتهم أو انتمائهم القومي، أو بسبب مكونات دمهم فهو واحد بعناصره المتمايزة توجد بذاتها في جميع الأعراق.
6. النظرية العلمية؛ التي يتحقق بها الواقع البشري وجودا وحياة وعقلا هي قوله تعالى:
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط، لا يتمايزون باللون أو العرق و النسب، أو أي شيء سوى التقوى؛ والتي هي ميزة باطنة يرقى صاحبها من أن يعلن تمايزه بها على غيره، وبذلك تحقق تمام مفهوم الإنسان السيد المتمايز على بقية المخلوقات بكماله وحسنه الجذاب المسر.
7. يتفق الناس في كل عقائدهم تقريبا وفي كل أزمانهم وأماكنهم؛ على الإنسان الكامل المنتظر هو الذي يخلص البشرية من نتائج انحرافها عن رسالتها في الوجود، وان على الناس ان يتبنوا سياسة في زمان انتظاره وهي التيهؤ له بالتمهيد لدولته بالتزام العدل والعلم.. وهذا مما لا يفهمه منظّروا السياسات الغربية، بل لا يريدون أن يفهموه، وربما يريدون طمسه؛ لان معظم الغربيين هم نصارى، ممن يعتقدون بالمخلص القادم لا محالة.
8. إن قسم من المفكرين؛ من المنصفين الغربيين لا يرون ما ينظر له ماجوروا ومخططو السياسة الغربية، فمثلا جاء في نظرية المؤرخ البريطاني توينبي):التحدي والاستجابة)قوله ما يلي:
(إن العامل الديني هو السبب في نشوء الحضارات، حيث قسمها تقسيما دينيا).[17]